فجّر حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا الجدل، وأثار رعب الأكراد السوريين من توغّل القوات التركية داخل منطقة إدارتهم الذاتية، بعد أسابيع من إعلان سحب القوات الأمريكية المنتشرة هناك.
ففي تغريدة نشرها في 13 يناير، هدّد ترامب تركيا بالدمار الاقتصادي إذا هاجمت وحدات حماية الشعب الكردية المتحالفة مع بلاده في سوريا، لكنه رمى فكرة إنشاء منطقة آمنة بعرض 20 ميلاً (32 كيلومتراً).
وبعد يوم من ذلك، ناقش ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفكرة هاتفياً، وأوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أن الرئيس الأمريكي أبلغ نظيره التركي بـ"رغبته في العمل معاً لمعالجة المخاوف الأمنية التركية في شمال شرق سوريا"، مع الإشارة إلى "أهمية ألا تسيء تركيا التصرف مع الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية".
من جانبه، قال أردوغان لنواب من حزب العدالة والتنمية إن المنطقة الآمنة "نقيمها نحن"، مذكّراً بأنه اقترح الفكرة على الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما خلال زيارته إلى واشنطن في مايو 2013.
وتختلف فكرة "المنطقة الآمنة" المذكورة عن "منطقة خفض التصعيد" التي اتفق عليها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي أردوغان في إدلب لفصل قوات النظام السوري عن المعارضة.
وتهدف المنطقة الجديدة إلى إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن الحدود التركية، وهذا ما يثير رعب الأكراد، لأن إنشاءها يعني تحوّل جزء كبير من المناطق التي يسيطرون عليها إلى أراضٍ خاضعة للنفوذ التركي.
غياب الوضوح
تغيب التفاصيل الدقيقة حول المنطقة الآمنة المطروحة، أكان في ما خص مساحتها وموقعها أو في ما خص طبيعة القوى التي ستنتشر فيها، وطبعاً هذا متروك لمفاوضات معقّدة ستجري حولها. تركيا تريدها أن تكون مشابهة لما أقامته في جرابلس والباب وعفرين، حسب تصريح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أي منطقة تسيطر عليها عبر مقاتلين سوريين موالين لها. أما الأكراد، فيطالبون بأن تكون المنطقة "لحماية شمال سوريا من تهديدات تركيا" لأن "تركيا ليست مستقلة وليست حيادية، وهي طرف ضمن الصراع" وبأن توضع "تحت رعاية دولية"، عبر "استقدام قوات تابعة للأمم المتحدة لحفظ الأمن والسلام فيها"، حسبما قال مسؤول العلاقات الخارجية لحركة المجتمع الديمقراطي آلدار خليل. أما في ما خص الموقف الروسي، فقد دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الولايات المتحدة إلى تسليم المناطق التي ستنسحب منها في شمال سوريا إلى الجيش السوري. وسيناقش بوتين وأردوغان تفاصيل هذه المنطقة في لقاء سيجمعهما في يناير الحالي.شيطان التفاصيل
يقول أحمد الموسى، قائد لواء المدفعية في القوة 21، وهي قوة شاركت في حملة غصن الزيتون التركية على عفرين، إن المنطقة الآمنة "تضم معظم المناطق الكردية في سوريا". ونشرت وكالة الأناضول الرسمية التركية "مسحاً" يوضح ما ستتضمنه منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتراً، وعلى طول الحدود التركية-السورية البالغة 460 كيلومتراً، بيّنت فيه أنها ستضم مدناً وبلدات من محافظات حلب والرقة والحسكة. وجاء في "المسح" أن المنطقة الآمنة ستشمل مدينة القامشلي، وبلدات رأس العين، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، ووردية، وتل حميس، والقحطانية، واليعربية، والمالكية (محافظة الحسكة)، وعين العرب (محافظة حلب)، وتل أبيض (الرقة). يتطابق تحديد الموسى لما ستشمله المنطقة الآمنة مع ما نشرته الأناضول، ويقول لرصيف22 إنها "تهدف إلى حماية المدنيين بالدرجة الاولى وحماية أمن تركيا القومي من الإرهابين المتمثلين بداعش والانفصالين التابعين لحزب العمال الكردستاني". أما الناطق باسم وحدات حماية الشعب الكردية نوري محمود، فيقول لرصيف22 إن المنطقة المزمع تأسيسها "ليست منطقة آمنة لشعبها وإنما لتوطين داعش والإخوان المسلمين كما حصل في إدلب وعفرين والباب وأعزاز". ويضيف محمود أن الأكراد يشترطون للقبول بإنشاء هذه المنطقة "أن يضمن أمنها طرف ثالث، لأن تركيا طرف في زعزعة الاستقرار"، معتبراً أن "أهم شيء هو ضمان أمن المكوّنات العرقية المنتشرة في هذه المنطقة وحماية ثقافتها من داعش والأجندات التركية"، وهذا برأيه كان هدف تأسيس وحدات حماية حماية الشعب الكردية. بدوره، يعرّف آمر اللواء الرابع في قوات أبو الفضل العباس، إحدى القوات الرديفة للجيش السوري، مروان الأسدي، المنطقة الآمنة بأنها "عبارة عن أراضٍ تعرضها أمريكا على تركيا لتشكّل منطقة فصل بينها وبين الأكراد، مقابل عدم قيام أنقرة بعمل عسكري ضد الأكراد، في معادلة لتأمين مصالح الطرفين". وقال الأسدي لرصيف22 إن "العبرة تبقى في التنفيذ، مشيراً إلى أن الحرب العسكرية شارفت على نهايتها و"جاء دور الحرب السياسية ولن تكون أقل ضراوة من الحرب العسكرية". وأضاف أن أمريكا تريد أن تحصل بالسياسة على ما لم تحصل عليه بالسلاح، لافتاً إلى أن الأفضل هو سيطرة القوات السورية على كل أراضي سوريا، وأن من حقها الدفاع عن سيادة البلاد ووحدة أراضيها بكل الطرق.أهداف تركية وتحفظات كردية
يعتبر القيادي في قوات درع الفرات التي تهدد أنقرة بتوجيهها للسيطرة على منطقة شرق الفرات، أبو سعيد الجنيد أن هدف المنطقة الآمنة "حماية الناس المشردين في الخيام وحماية المدنيين من ظلم النظام السوري وحماية الحدود التركية من التنظيمات الانفصالية". ويضيف لرصيف22 أنه على الرغم من عدم تشكيل وحدات حماية الشعب الكردية خطورة كبيرة على تركيا، إلا أنها تنفّذ عمليات انتحارية مثل داعش وأنقرة تريد تخفيض المخاطر على مواطنيها إلى صفر بالمئة. أما المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية مصطفى بالي فيعتبر أن مشكلة المنطقة الآمنة "تكمن في مفهومها"، معتبراً أن هكذا مناطق تُفرَض عندما توجد أقليات مهددة، وذلك لحمايتها من الإبادة، مضيفاً: "إذا كانت المنطقة وفق هذا المفهوم، نرحب بها"، ومتابعاً أنها يجب أن تُفرض بقرار من مجلس الأمن أو التحالف الدولي أو "منصة دولية تستطيع تأمين انتشار قوات محايدة". وعن مساحة المنطقة الشاسعة، يفيد بأنه "إذا كانت منطقة محايدة وبإشراف دولي، لا نمانع في أن تمتد لأكثر من ذلك، لأن هناك شعوباً مثل الأكراد والسريان والأيزيديين وحى العرب يحتاجون لحماية". ولكنّ بالي يقول لرصيف22 إن ما يطرحه أردوغان من إشراف تركي على المنطقة، "هو عملية احتلال بشكل مختلف"، ولن يقبل الأكراد به بأي شكل.المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية: ما يطرحه أردوغان من إشراف تركي على المنطقة الآمنة المقترح تأسيسها في شمال سوريا هو عملية احتلال بشكل مختلف، ولن يقبل الأكراد به بأي شكل
ناطق باسم وحدات حماية الشعب الكردية: "المنطقة الآمنة" المزمع تأسيسها ليست منطقة آمنة لشعبها وإنما لتوطين داعش والإخوان المسلمين كما حصل في إدلب وعفرين والباب وأعزازويضيف أن انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من أجل انتشار قوات دولية محايدة هو حديث سابق لأوانه، لأنه بحاجة إلى قرار دولي وتوافقات على الأرض، و"حتى الآن قوات سوريا الديمقراطية موجودة في أراضيها وتدافع عنها"، رافضاً أي وجود تركي في المنطقة. وقال القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي جمال شيخموس لرصيف22 إنه حتى إذا وافقت الإدارة الكردية على المنطقة الآمنة فإن الشعب الساكن فيها سيرفضها، مضيفاً أن تلك المنطقة إنْ تأسست ستكون لها سلبياتها والمستفيد منها هو أردوعان. واعتبر شيخموس أنه حتى هذه اللحظة لم تفعل أمريكا شيئاً لحماية الأكراد سوى التغريدات، فلا توجد اتفاقات ولا ترتيبات عملية للحماية. أما رئيس حزب التآخي الكردستاني جيكرخون علي، فقال لرصيف22 إنه "إذا كان قصد ترامب السماح لتركيا بالتوغل في المنطقة المقترحة، فهذا يعني انتهاء القضية الكردية وهنا تكمن المشكلة".
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياميخلقون الحاجة ثم يساعدون لتلبيتها فتبدأ دائرة التبعية
Line Itani -
منذ 6 أيامشو مهم نقرا هيك قصص تلغي قيادات المجتمع ـ وكأن فيه يفوت الأوان عالحب
jessika valentine -
منذ اسبوعينSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع