الطريقة التي ترهب بها إسرائيل منتقديها من طلاب الجامعات الأجانب والنشطاء عبر العالم متشعبةٌ وذراعها الطولى لا تفلت منتقداً، هذا العقاب يشمل وضع المنتقدين على قوائم سوداء تؤدي إلى منعهم من دخول إسرائيل وتضع العصي في الدواليب لعرقلة مسيرتهم المهنية وتعقيد فرص حصولهم على وظائف بعد التخرج الجامعي، هذا ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز في مقال رأي نشر السبت 19 يناير.
تحت عنوان "حان وقت كسر جدار الصمت في فلسطين” كتبت الكاتبة والناشطة الأمريكية ميشيل ألكسندر بلغة انسيابية أقرب للاعتراف والمكاشفة، معترفة بأنها صمتت طويلاً عن واحدة من أبرز قضايا العصر الحديث، وهي القضية الفلسطينية مقرّة بأنها ليست الوحيدة التي اختارت أن تصمت، فحتى وقت قريب، ظل الكونغرس الأمريكي برمته صامتاً بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها الجانب الإسرائيلي في فلسطين، مؤكدة أن "ممثلينا المنتخبين، الذين يعملون في بيئة سياسية يتمتع فيها اللوبي الإسرائيلي السياسي بسلطة قوية، قللوا باستمرار من الانتقادات الموجهة لدولة إسرائيل"، رغم التجاوزات التي تقوم بها إسرائيل ومنها المضي قدماً في احتلالها الأراضي الفلسطينية، واعتمادها ممارسات أقرب إلى نظام الفصل العنصري والتمييز.
العديد من النشطاء ومنظمات المجتمع المدني ظلوا صامتين أيضاً، ليس لأنهم غير متعاطفين مع الشعب الفلسطيني، بل لأنهم يخشون فقدان التمويل الذي يحصلون عليه من المؤسسات، تقول الكاتبة، هذا بالإضافة إلى الاتهامات الباطلة بمعاداة السامية التي قد تطالهم إذا تجرؤوا على النقد، ومثل الكاتبة جميعهم قلقون من فرضية تعرض عملهم الدؤوب في مجال المجتمع المدني والعدالة الاجتماعية للخطر بسبب حملات التشهير التي تقوم بها إسرائيل ضد منتقديها.
ما هو مشروع "كناري ميشن"؟
كشف المقال أن العديد من الطلاب يخشون من الإعراب عن دعمهم حقوق الفلسطينيين بسبب بعض المشاريع السرية الإسرائيلية ومنها مشروع "كناري ميشن"، الذي يهاجم كل من يجرؤ على دعم المقاطعة ضد إسرائيل، ما يهدد مستقبلهم الوظيفي بعد التخرج.
و"كناري ميشن" موقع مجهول الهوية يهدف إلى كشف أسماء ناشطين معادين لإسرائيل في الجامعات، حيث ينشر هويات أشخاص وأسماء منظمات تروج إلى "كراهية إسرائيل واليهود في الجامعات الأمريكية” بحسب وصف الموقع.
إرهاب فكري يستهدف الحركة الطلابية
ويقول مراقبون إن الموقع يهدف إلى ترهيب الطلاب الجامعيين الداعمين لفلسطين ووقف نشاطهم بتهديدهم بوضعهم على القوائم السوداء، ما جعلهم يحذرون من أن "كناري ميشن" يمكن أن يقتل الحركة الطلابية تماماً.
وفي أغسطس الماضي قالت وسائل إعلام إن عدة ناشطين كشفوا عن خشيتهم من أن تقوم سلطات الحدود الإسرائيلية باستخدام صفحاتهم في "كناري ميشن" خلال التحقيق معهم عند محاولتهم دخول إسرائيل، وقال ضابط حدود إسرائيلي للناشط الداعم للفلسطينيين أندرو كادي إنه تم استخدام صفحته في "كناري ميشن" لاستجوابه عند محاولته دخول إسرائيل لزيارة والدته، التي تقيم هناك.
كما أكدت كاثرين فرانك محاضرة القانون في جامعة كلومبيا أن ضابط الحدود كشف لها صفحتها في "كناري ميشن" عند إشارته إلى أسباب ترحيلها.
وفي أكتوبر الماضي، اعترفت السلطات الإسرائيلية أنها استخدمت معلومات من "كناري ميشن" لحظر دخول لارا القاسم (22 عاماً)، وصادقت محكمة في تل أبيب على قرار السلطات حظر دخولها إسرائيل بناء على "نشاطها الداعم للمقاطعة".
والقاسم، طالبة في جامعة فلوريدا الأمريكية، وهي حفيدة فلسطينيين، لكنها منعت من دخول إسرائيل عند وصولها مطار بن غوريون، بالرغم من حصولها على تأشيرة طالب من القنصلية الإسرائيلية في ميامي للمشاركة في برنامج ماجستير في الجامعة العبرية في القدس.
/10155885861742951/?type=3&theaterويسمح قانون صدر مؤخراً لإسرائيل حظر دخول أشخاص داعمين مقاطعةَ إسرائيل.
دقت ساعة الشجاعة
بالعودة إلى مقال صحيفة نيويورك تايمز، تقول الكاتبة ميشيل ألكسندر، إن الوقت قد حان لإدانة تصرفات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، أي انتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي، واستمرار احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، وهدم المنازل ومصادرة الأراضي، وأن يتم اتخاذ موقف من معاملة الفلسطينيين عند نقاط التفتيش، وعمليات التفتيش الروتينية لمنازلهم، والقيود المفروضة على تحركاتهم، وصعوبة الحصول على السكن اللائق والمدارس والغذاء والمستشفيات والمياه النظيفة، وهي أزمات تمثل مشاهد الحياة اليومية لأغلبية الفلسطينيين، بحسب الكاتبة.
كاتبة أمريكية: العديد من النشطاء ومنظمات المجتمع المدني صمتوا طويلاً ليس لأنهم غير متعاطفين مع الشعب الفلسطيني، بل لأنهم يخشون فقدان التمويل الذي يحصلون عليه من المؤسسات بالإضافة إلى خشيتهم من الاتهامات الباطلة بمعاداة السامية التي قد تطالهم إذا تجرؤوا على انتقاد إسرائيل.
بلغة مشحونة بالشعور بالذنب، دعت الكاتبة الأمريكية إلى عدم التسامح مع رفض إسرائيل مناقشة حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم مطالبة الأمريكيين بأن يتساءلوا عن مآل الدعم المالي الأمريكي لإسرائيل.
وبلغة مشحونة بالشعور بالذنب، دعت الكاتبة الجميع إلى عدم التسامح مع رفض إسرائيل مناقشة حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم في انتهاك واضح لما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة، مطالبةً بأن يتساءل الجميع عن أموال الحكومة الأمريكية التي دعمت أعمال عدائية في فلسطين وخلّفت آلاف الضحايا المدنيين في غزة، وعن مآل مبلغ الـ 38 مليار دولار الذي تعهدت به الحكومة الأمريكية كدعم عسكري لإسرائيل.
وناشدت الصحافية جميع النشطاء والمؤسسات إدانةَ نظام التمييز القانوني الذي تنتهجه إسرائيل، وهو النظام الذي يشمل بحسب مركز عدالة المعني بحقوق الأقليات العربية في إسرائيل، 50 قانوناً تمييزياً ضد الفلسطينيين منها قانون الدولة القومية الجديد الذي ينص صراحة على أن حق تقرير المصير في إسرائيل هو حق الإسرائيليين اليهود فقط دون سواهم، متجاهلاً حقوق الأقلية العربية التي تمثل 21٪ من السكان.
وبعد سنوات من الصمت، شرعت بعض المؤسسات بتعريف الجمهور الأمريكي بحقيقة ما يحدث داخل الأراضي الفلسطينية، على سبيل المثال، تهدف منظمة "صوت اليهود من أجل السلام" إلى تثقيف الجمهور الأمريكي بشأن "التهجير القسري لمئات الآلاف من الفلسطينيين، وبعض المنظمات الأمريكية مثل "If Not Now” التي تدعم الشباب الأمريكيين اليهود الذين يكافحون من أجل كسر الصمت الذي لا يزال يحوم حول جرائم الاحتلال الإسرائيلي، كما انضمت مئات الجماعات العلمانية والدينية إلى الحملة الأمريكية من أجل الحقوق الفلسطينية.
وحتى في الكونغرس، بدأ تغيير إيجابي يلوح في الأفق، لا سيما بعد أن أصبحت إلهام عمر ورشيدة طليب أول مسلمتين نائبتين في مجلس النواب الأميركي، وهما تدعمان علناً حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات من الأراضي المحتلة وفرض العقوبات. وفي العام 2017، اقترحت النائبة الديمقراطية بيتي مكولوم، قراراً يضمن عدم تخصيص مساعدات عسكرية أمريكية تدعم نظام احتجاز الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين القصّر.
أما النقطة الإيجابية بحسب الكاتبة فتتمثل في أمثلة سابقة يمكن أن تؤدي إلى عدم اعتبار نقد الصهيونية والأعمال العدائية التي تقوم بها إسرائيل أعمالاً معادية للسامية، لأن انتقاد سياسات وممارسات الحكومة الإسرائيلية ليست معاداة للسامية في حد ذاتها.
ولا تعني الخطوات السابقة أن إسرائيل توقفت عن الانتقام من الداعمين بقوة حقوق الفلسطينيين، بل على العكس هم محل إدانة لكنهم يخاطرون في سبيل مواقفهم، ومن بين الذين يدفعون ثمن وقوفهم في صف الفلسطينيين، الأمريكية من أصل فلسطيني بهية العماوي التي كانت ضحية فصل من عملها بسبب رفضها توقيع عقد يتضمن تعهداً بعدم المشاركة في حملات مقاطعة إسرائيل. وفي نوفمبر الماضي، فُصل الصحافي مارك لامونت هيل من شبكة "سي إن إن" لإلقائه كلمة أيد فيها حقوق الفلسطينيين، ولا تزال "كناري ميشن" تشكل تهديداً خطيراً للناشطين من الطلاب.
وقبل نحو أسبوع، قام معهد برمنغهام للحقوق المدنية في ألاباما، بضغط من طوائف المجتمع اليهودي على ما يبدو، بإلغاء تكريم أيقونة الحقوق المدنية الأمريكية أنجيلا ديفيس، لأنها انتقدت صراحة معاملة إسرائيل للفلسطينيين ، لكن قرار إلغاء التكريم خلق موجة تعاطف معها فقام أكاديميون وناشطون وشخصيات سياسية بالاعتراض على قرار المعهد وقرروا تكريم ديفيس على طريقتهم.
وخلصت الكاتبة الأمريكية إلى أنها قررت أن يكون عام 2019 عام التحدث بشجاعة وإيمان أكبر بشأن المظالم التي تتجاوز الحدود الأمريكية، خصوصاً المظالم التي تحدث بسبب تمويل داعم من حكومة أمريكا، لإسرائيل، مقرّة العزم على أن تناضل من أجل الديمقراطية والحرية، فصوت الضمير صاخب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...