ثمة رابح وحيد من التوتر المتصاعد بين واشنطن وأنقرة: إنه فلاديمير بوتين. الخلاصة التي طرحها المحلّل السياسي الأمريكي البارز ديفيد روثكوف كانت واحدة بين تحليلات عديدة رأت في روسيا أكثر المستفيدين من تداعيات سياسات ترامب ومواقفه. من التوتر التجاري مع أوروبا إلى التمهيد لتقويض حلف شمال الأطلسي مروراً بالعقوبات على روسيا وإيران، وصولاً إلى خسارة تركيا كحليف… يظهر بوتين باعتباره المستفيد الأكبر. وفي حين قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان - إثر التصعيد الأمريكي ضد بلاده من العقوبات وصولاً إلى الانخفاض التاريخي لسعر الليرة التركيّة إلى مستوى غير مسبوق - إن "الإجراءات الأحادية التي اتخذتها أمريكا ضد تركيا ستضر بالمصالح الأمريكية وتجبر تركيا على البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد"، أعلن أن أنقرة تستعد للانتقال إلى العملة الوطنية في الحسابات التجارية مع شركائها، بمن فيهم روسيا والصين وإيران وأوكرانيا، إضافة لدول الاتحاد الأوروبي. فهل رمى ترامب تركيا في أحضان الكرملين؟ كان هذا السؤال الذي شغل المحللين، مع تركيز على مدى تأثير ذلك على موقف أنقرة من المسألة السورية.
كيف تعاملت روسيا مع المستجدات التركية؟
قبل أيام - وتحديداً في اليوم نفسه الذي فرض فيه ترامب العقوبات على تركيا - أعلن الكرملين أن بوتين ونظيره التركي بحثا، في اتصال هاتفي، آفاق التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين في حين "قيّم الجانبان إيجابياً سير تنفيذ المشاريع الاستراتيجية المشتركة"... من الوضع السوري إلى مجال الصناعة الدفاعية والطاقة. ثم كان لروسيا موقفان بارزان بالأمس. الأول أكدّه مدير مركز تحليل تجارة السلاح العالمية إيغور كوروتيتشكو قائلاً إن تركيا قادرة على دفع سعر العقد لتوريد أنظمة صواريخ الدفاع الجوي "أس -400"، و"ليس هناك مخاطر على إلغاء العقد بسبب هبوط سعر صرف الليرة التركية". وبينما طمأن كوروتشينكو، في حديث لـ"سبوتنيك"، قائلاً "ليس هناك أية مخاطر على العقد. لنبدأ بأن روسيا منحت تركيا قرضاً لسد قيمة جزء من هذا العقد… وإمكانيات الاقتصاد التركي كافية لسد قيمة هذا العقد والقرض"، قال "عندما تضرب الولايات المتحدة بشكل واسع الاقتصاد التركي بهدف إثارة الاستياء العام والإطاحة بأردوغان، سيتقارب الزعيم التركي مع روسيا". ونوّه المدير الروسي إلى أن استلام تركيا لأنظمة صواريخ الدفاع الجوي سيرفع "ليس فقط هيبة رئيسها بل أيضاً مكانة البلاد في المجال العسكري". وهنا تجدر الإشارة إلى أن روسيا وتركيا وقعتا في ديسمبر الماضي الاتفاقية حول قرض توريد أنظمة الدفاع الجوي "أس-400". الموقف الثاني تمثّل بإفادة المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف عن سعي روسيا لاستخدام العملات الوطنية في حساباتها التجارية مع تركيا، موضحاً أن موضوع استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري بين البلدين طرح عدة مرات خلال اللقاءات على مختلف المستويات، بينما دعا بوتين مراراً لاستخدام العملات الوطنية في العلاقات الثنائية."أنقرة، في وضعها الاقتصادي الصعب وعلاقاتها المتوترة مع الغرب والولايات المتحدة، سوف تضطر أخيراً للمضي في التقارب مع روسيا، ولكن بشروط موسكو"
مع تفاعل قضية إدلب، تشير المصادر إلى أن العمل على الخطة العسكرية لا يزال جارياً، إلا أن إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي حاضرة بقوة أيضاً، لا سيما في ظل النشاط الروسي على الخط التركي، وبعد "مع السلامة" الصارمة التي قالها أردوغان للحليف الأمريكييُذكر أن تجارة أنقرة مع موسكو تصب في مصلحة روسيا بـ14.5 مليار دولار، حيث أن صادرات روسيا إلى تركيا تبلغ 18 مليار دولار، مقابل واردات بقيمة 3.5 مليار دولار. وكانت أظهرت بيانات دائرة الجمارك الفيدرالية الروسية، الأسبوع الماضي، تصدر تركيا قائمة الشركاء التجاريين لموسكو في النصف الأول من عام 2018. وقد زاد حجم التبادل التجاري بين البلدين زاد بنسبة 37 في المئة على أساس سنوي، ليصل إلى 13.3 مليار دولار، وفقاً لما أوردته صحيفة "ديلي صباح" التركية. يأتي الموقفان أعلاه بينما يتواجد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أنقرة اليوم، حيث يجري محادثات مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو. ويناقش لافروف، في اجتماع سفراء وممثلي تركيا الدائمين لدى المنظمات الدولية، مع نظيره التركي التعاون في سوريا وتنمية الروابط الاقتصادية. وحسب المصادر الروسية، سيولي الوزيران اهتماماً خاصاً "للقضايا الموضوعية على الأجندة الدولية، الوضع في سوريا، الشرق الأوسط، القوقاز، آسيا الوسطى، أوكرانيا ومنطقة البحر الأسود".
موسكو لأنقرة… "تتزوجيني أو أتزوجك"
"وجدت روسيا وتركيا نفسيهما في وضع متشابه. التقلبات في العملة الروسية تعود أيضاً إلى حزمة العقوبات الجديدة التي ستفرضها الولايات المتحدة في 22 أغسطس بسبب مسؤولية السلطات الروسية (على حد زعمهم) في تسمم العقيد السابق (في الاستخبارات الروسية) سيرغي سكريبال، وابنته يوليا في سالزبوري البريطانية". هذا ما كتبه إيغور سوبوتين، في "نيزافيسيمايا غازيتا"، مشيراً إلى حاجة تركيا إلى التنسيق مع روسيا لمواجهة الحرب الاقتصادية الأمريكية ضدهما، واللعب في سوريا وفق الشروط الروسية. وفي السياق نفسه، قال الباحث السياسي التركي كريم هاس إن "أنقرة، في وضعها الاقتصادي الصعب وعلاقاتها المتوترة مع الغرب والولايات المتحدة، سوف تضطر أخيراً للمضي في التقارب مع روسيا، ولكن بشروط موسكو"، مضيفاً "من الواضح أن هذا الوضع يخدم الكرملين، لأن روسيا بحاجة إلى ولاء أنقرة في العديد من القضايا المتعلقة بتسوية النزاع السوري والعمليات العسكرية التي طال انتظارها في إدلب... بكلمات بسيطة، يمكن ألا تترك روسيا لتركيا خيارات وتصر على موقفها، فتقول (تتزوجيني أو أتزوجك)".تأتي زيارة لافروف لتركيا بينما تستمر التحضيرات للقمة الرباعية لرؤساء كل من روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا حول التسوية السورية التي ستعقد في السابع من سبتمبر المقبل في إسطنبولوكان لمحلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية زيفي بارئيل رأيه في المسألة، حيث قال إن مسارعة أردوغان إلى الاتصال بنظيره الروسي باعتبار أنه " الوحيد الذي يمكنه المساعدة" ونشر أخبار المكالمة في الإعلام بهذا الشكل يعني أن الأخيرة "لم تستهدف ضخ دولارات في خزينة تركيا، بل إظهار تصميم أردوغان على تنفيذ تهديده بالبحث عن حلفاء وأصدقاء جدد، إذا واصلت الولايات المتحدة سياستها بعدم احترام تركيا". وبينما رأى بارئيل أن "واشنطن لا تنوي التفاوض على شروط إطلاق سراح برونسون، الذي اعتقل قبل سنتين بتهمة التعاون مع المخططين للانقلاب في يوليو 2016"، قال إن ""قضية برونسون هي فقط قمة جبل الجليد في العلاقات المسمومة التي تأزمت في السنوات الأخيرة بين تركيا وأمريكا، فالأولى مزعوجة من الإدارة الأمريكية التي لم تسارع إلى إدانة محاولة الانقلاب العسكري، ورفضت تسليم فتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بالتخطيط للانقلاب". وعن شراء الصواريخ الروسية، قال الكاتب في "هآرتس" إن "هذا قرار استراتيجي، لكنه يشكل كذلك رسالة سياسية مهمة وهي أن تركيا، العضوة في الناتو، ستكون الدولة الأولى التي ستدخل إلى منظومة قواتها سلاح روسي". وفي مجال تحسين العلاقات، نعود إلى ما كتبه الأسبوع الماضي النائب السابق في البرلمان التركي آيكان إرديمير (مع الباحث جون ليشنير) في مجلة "ناشيونال إنترست" عن مشروع محطة "أكويو" النووية التي كان افتتحها كل من أردوغان وبوتين في أبريل الماضي بتكلفة 20 مليار دولار بينما تتولاها مجموعة "روساتوم" الروسية. وكانت زيارة بوتين لتركيا أتت بعد الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين عام 2015 إثر إسقاط المقاتلة الروسية، وكانت الأولى لبوتين بعد انتخابه لولاية رابعة في وقت كانت الأزمة بينه وبين الغرب بعد قضية سكريبال في ذروتها. كل ذلك، بحسب إرديمير أشار إلى محاولات روسيا قلب تركيا لمصلحتها من خلال القطاع الخاص والمصالح التجارية، في وقت لم تعمل البروباغندا الروسية على النظام والمصالح فحسب، بل على الشعب التركي الذي أظهر استطلاع للآراء تشجيع حوالي 70 بالمئة منه لتحالف سياسي واقتصادي وأمني مع روسيا. يُذكر أن الأخيرة هي أكبر مورّد للغاز الطبيعي لتركيا وثالث أكبر مورّد للنفط.
… وسوريا
بينما يزور لافروف تركيا، كشفت وزارته أنه سيناقش مع نظيره التركي مسائل استقرار الوضع في سوريا، كما سيتبادلان الآراء حول عملية التسوية السياسية في سوريا "عن طريق مواصلة دعم الحوار السوري الداخلي على أساس المبادئ المعترف بها للقانون الدولي". وأشارت الوزارة إلى أن موسكو تنطلق في هذا المجال من أن روسيا وتركيا تتحملان مسؤولية خاصة عن ضمان السلام والأمن والاستقرار في سوريا والمنطقة كلها والحفاظ عليها. تأتي زيارة لافروف لتركيا بينما تستمر التحضيرات للقمة الرباعية لرؤساء كل من روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا حول التسوية السورية التي ستعقد في السابع من سبتمبر المقبل في إسطنبول. يُذكر أن تقارب تركيا من روسيا حول الشأن السوري، كان قد شغل المهتمين منذ بدأ التململ التركي من إدارة أوباما، بينما حاولت تركيا العمل معها من أجل سوريا لكن طلبها قوبل بالرفض مرة بعد مرة ولم تنجح محاولات متكررة من قِبل مسؤولين أمريكيين لعقد اتفاق مع تركيا لمكافحة تنظيم الدولة وتنسيق الجهود لدعم المعارضة السورية. وكان "الكثير من المتابعين للسياسة الخارجية لواشنطن أصابهم الذعر مع كبار المسؤولين في حلف شمال الأطلسي عندما جلس المسؤولون الأتراك مع قادة روسيا وإيران في موسكو للتوصل إلى حلحلة الأمور في سوريا، من دون أن توجد الولايات المتحدة في الغرفة"، حسب ما كتب جوش روجين قبل عامين. هناك العديد من الأسباب التي جعلت أردوغان يسير بخطى ثابتة لمواءمة السياسة الخارجية لبلاده مع موسكو، لا سيما بعدما ظهر أن الولايات المتحدة أصبحت منفصلة عما يجري في الشرق الأوسط، فضلاً عن دعم الولايات المتحدة لمجموعة من القوى السورية، التي تتألف في معظمها من المقاتلين الأكراد. هكذا، بدأت تركيا - التي تريد لها أيضاً موطئ قدم في سوريا - تبحث عما يمكن القيام به مع الروس. والآن، مع التطورات السياسية الأخيرة ومع تفاعل مسألة إدلب، تشير المصادر إلى أن العمل على الخطة العسكرية لا يزال جارياً في ظل رفض "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة) حلّ نفسها ونيتها الاستمرار بالقتال، إلا أن إمكانية التوصل إلى حلّ دبلوماسي حاضرة بقوة أيضاً، لا سيما في ظل النشاط الروسي على الخط التركي، وبعد "مع السلامة" الصارمة التي قالها أردوغان للحليف الأمريكي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون