كان اجتماعاً "بناءً" اتفقنا خلاله على العمل عن كثب لحل القضايا العالقة بيننا. بهذه الجملة اختصر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو اجتماعه مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو، على هامش مؤتمر إقليمي لوزراء الخارجية في سنغافورة في الثالث من أغسطس.
لكن ما يجري وراء الكواليس أعقد بكثير من هذه الجملة الدبلوماسية التي تعطي انطباعاً بأن كل شيء على ما يرام.
فقبل الاجتماع مباشرة، أظهرت تصريحات بومبيو أن الولايات المتحدة مصرة بشكل كبير على الانتصار في معركة القس الأمريكي أندرو برونسون، الذي تُخضعه تركيا حالياً للإقامة الجبرية في منزله بمدينة إزمير التركية.
وبلغة تهديد واضحة، قال بومبيو: "حذّرنا الأتراك من أن الوقت حان للإفراج عن القس برونسون وآمل أن يدركوا أن العقوبات التي أُعلنت هذا الأسبوع دليل على تصميمنا الكبير".
والعقوبات التي يقصدها بومبيو هي تلك التي فرضتها الولايات المتحدة على وزيري العدل والداخلية التركيين على خلفية استمرار احتجاز القس، بسبب صلات مزعومة بينه وبين جماعة الداعية التركي المعارض فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة.
وتعليقاً على تلك العقوبات، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارا ساندرز، إن واشنطن تعتقد أن القس ضحية اعتقال ظالم وغير عادل.
وترفض تركيا المطالب الأمريكية بإطلاق سراح برونسون وتعتبر أنها غير مقبولة، كما تعهّدت بالرد على الإجراءات الأمريكية "العدائية" ضدها.
وقال بومبيو قبل اجتماعه بأوغلو: "يجب أن يعود برونسون إلى بلاده كما هو الحال بالنسبة لجميع الأمريكيين الذين تحتجزهم الحكومة التركية. هؤلاء الأشخاص موقوفون منذ مدة طويلة وهم أبرياء".
وقرأ مراقبون لهجة بومبيو الحادة على أنها رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لديها خطة لإجبار تركيا على تنفيذ مطالبها من دون أن تسليمها غولن، كما يتمنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي سبتمبر 2017، اقترح الرئيس التركي الإفراج عن برونسون مقابل تسليم واشنطن غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا. لكن الولايات المتحدة رفضت هذه الصفقة.
وبعكس لهجة بومبيو الحازمة، كانت لهجة أوغلو أهدأ بكثير، وقال إن تركيا "ترغب دائماً بحل المشاكل عبر السبل الدبلوماسية والحوار والتفاهم المشترك والاتفاقات"، ولكنه أكد أنه "لا يمكن التوصل إلى نتيجة باستخدام لغة التهديد أو العقوبات".
كيف يمكن لواشنطن استعادة القس؟
قد تكون القضية السورية واحدة من أوراق الضغط التي تراهن عليها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإجبار تركيا على الإفراج عن القس برونسون. ويختلف البلدان الشريكان في حلف شمال الأطلسي في ما يتعلق بالسياسة في سوريا.بومبيو يتحدث مع الأتراك بلهجة تهديدية... إدارة ترامب أثبتت في الفترة الأخيرة أنها مستعدة لاستخدام القوة الاقتصادية الأمريكية بشكل أكبر بكثير مما استخدمه المسؤولون الأمريكيون في السابقوبعد اجتماعهما اليوم في سنغافورة، خرج أوغلو على الصحافيين معلناً أنه بحث مع بومبيو الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها في ما يتعلق بإدلب ومنبج في سوريا. وتولي أنقرة لمنبج أهمية استراتيجية كبيرة بسبب موقعهما الجغرافي ورغبتها في منع إقامة دولة كردية على حدودها. كما تخوض مفاوضات مع الروس من أجل دخول إدلب وتولي المسؤولية فيها، ما يعطيها نفوذاً في تحديد شكل المستقبل السوري ويمكنّها من إعادة مئات اللاجئين السوريين المقيمين على أرضها إلى بلدهم. ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة قد تعطي بعض المكاسب لتركيا، حتى لو بشكل مؤقت، مقابل الإفراج عن القس الأمريكي وعن الأمريكيين الآخرين المحتجزين في السجون التركية. وهناك ورقة ضغط أخرى يمكن للولايات المتحدة استخدامها في وجه تركيا، وهي سلاح الاقتصاد، وسبق أن استخدمتها مع إيران وكانت النتيجة أزمات اقتصادية تسببت في خروج تظاهرات حاشدة قد تشكل تهديداً حقيقياً لنظام طهران. وفي مقال حديث نشرته مجلة التايم الأمريكية، اعتبر الكاتب دبليو جي هينيغان أن ترامب أثبت في الفترة الأخيرة أنه مستعد لاستخدام القوة الاقتصادية الأمريكية بشكل أكبر بكثير مما استخدمه المسؤولون الأمريكيون في الماضي. واعتبر هينيغان أن العقوبات الأمريكية الأخيرة على تركيا تصعيد غير مسبوق ضد نظام أنقرة. وقال إن ترامب يستخدم الدور الأمريكي المسيطر في النظام المالي العالمي بهدف الحصول على ما يريده من دول أخرى، حتى لو كانت هذه الدول حليفة قديمة للولايات المتحدة، مثل تركيا. وكان تقرير حديث لشبكة بلومبرغ قد اعتبر أن الأسواق التركية في طريقها إلى المجهول، بعد العقوبات الأمريكية. وتوقع التقرير الذي تحدث عن إعداد واشنطن سلسلة عقوبات اقتصادية ضد تركيا أن تزيد العقوبات الأمريكية من مخاوف المستثمرين الذين يشعرون بالفعل بالضيق مما وصفته الوكالة بفشل صانعي السياسات الأتراك في احتواء التضخم ووقف تراجع سعر صرف الليرة. وفقدت الليرة التركية أكثر من خمس قيمتها منذ بداية العام في مقابل الدولار وسط ندرة تدفقات رأس المال، ما يحول دون استطاعة الشركات سداد قروضها بالعملة الأجنبية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...