بعد أقلّ من أسبوع على انتهاء فعاليات التدريب البحري المشترك مع روسيا، تحت مسمّى "جسر الصداقة"، والذي نفّذته وحدات من القوات البحرية في البلدين داخل المياه الإقليميّة المصريّة في نطاق الأسطول الشمالي في البحر المتوسط، ووسط توتّرات إقليميّة ودوليّة غير مسبوقة، انطلق التدريب الجويّ المشترك "نسور الحضارة 2025"، وهو الأول من نوعه بين مصر والصين، في إحدى القواعد العسكرية المصرية، بمشاركة آليات ومعدّات ومقاتلات متعدّدة المهام، في الفترة ما بين منتصف نيسان/ أبريل الجاري، ومطلع أيار/ مايو المقبل.
هذا التدريب العسكري غير المسبوق بين مصر والصين، فتح الباب أمام الكثير من التساؤلات، حول توقيته ودلالاته، ومستقبل التعاون العسكري بين القاهرة وبكين، خاصةً مع تزايد الحديث في الأيام الأخيرة عن توجّه مصر نحو شراء أسلحة صينيّة متطوّرة، وكشف اللواء المتقاعد سمير فرج، الخبير العسكريّ ومدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق في الجيش المصري، في تصريحات لـ"بي بي سي عربية"، امتلاك مصر منظومات دفاعيّةً حديثةً ومتنوّعةً، بما في ذلك المنظومة الصينيّة بعيدة المدى "HQ-9B" التي توازي منظومة صواريخ "إس-400" الروسية.
وبعيداً عن المنظومة الدفاعية، نُشرت خلال الفترة الماضية تقارير عدة تفيد بإبرام القاهرة وبكين، صفقةً لشراء مقاتلات "J-10C" الصينية من الجيل الرابع المتقدم؛ حيث تسعى مصر إلى استبدال مقاتلات "f-16" الأمريكية الموجودة لدى الجيش المصري، بالإضافة إلى تقارير تطرّقت إلى وجود محادثات جارية لشراء القاهرة مقاتلات "J-31" و"J-20"، الشبحية الصينيّة من الجيل الخامس، والأحدث في سلاح الجو الصيني، وذلك في إطار المساعي المصرية لموازاة التفوق الإسرائيلي، حيث تمتلك تل أبيب مقاتلات "f-35" من الجيل الخامس، ترفض واشنطن بيعها للقاهرة.
وفيما قوبل الإعلان عن امتلاك القاهرة منظومة الدفاع الصينيّة "HQ-9B"، بحالة من القلق في إسرائيل، خاصّةً في ظلّ التوترات التي تسيطر على العلاقة بين القاهرة وتل أبيب في الأشهر الأخيرة، بِفعل حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة، فإنّ السؤال الأهم يبقى: إلى أين يتّجه التعاون العسكري المصري الصيني؟ وهل تسمح الولايات المتحدة الأمريكية للقاهرة بامتلاك أسلحة متطوّرة من بكين -منافستها الاقتصادية الأبرز حالياً- بالشكل الذي يُهدّد ضمان التفوق العسكري لتل أبيب على دول المنطقة؟
يرى الخبير العسكري المصري، أنّ القاهرة توجّه عبر المناورات المشتركة مع بكين، رسالةً واضحةً إلى واشنطن بأنها منفتحة على العالم أجمع في سبيل تطوير قواتها المسلحة، وإذا لم تفتح الباب أمام نقل التكنولوجيات العسكريّة المتطوّرة وتخفيف القيود التي تفرضها على نوعيات السلاح، فإنّ لديها بدائل
خطوة تمهيدية لشراء مقاتلات صينية؟
يصف نائب مدير الاستخبارات الحربية المصرية سابقاً، اللواء أحمد إبراهيم كامل، في حديث إلى رصيف22، التدريب الجوي المشترك بين مصر والصين بأنّه "حدث تاريخي، كونه الأول بين البلدين، ويتضمن مشاركة عدد ليس بالقليل من المقاتلات والمعدات العسكرية الصينية، بالإضافة إلى كونه خطوةً تمهيديةً قبل إقدام القاهرة على شراء المقاتلات الشبحية الصينية J-10C التي تُصنّف من مقاتلات الجيل الرابع المتقدم"، على حد قوله.
وفي حين لم يُكشف عن نوعية المقاتلات المشاركة في التدريب، نقلت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" الصينية الصادرة بالإنكليزية، عن موقع "Flightradar24"، الذي يتتبّع مسار الطائرات، وصول خمس طائرات نقل صينية على الأقل من طراز "Y-20" إلى القاهرة، وطائرة إنذار مبكّر وتحكّم محمولة جوّاً من طراز "KJ-500".
ويضيف اللواء كامل، أنّ القاهرة تعدّ هذه المناورات بمثابة اختبار على الأرض للمقاتلات الصينية التي توصّلت إلى اتفاق مع بكين من أجل شرائها، بالإضافة إلى دراسة مستوى توافقها مع المقاتلات العاملة في القوات الجوية المصرية من طراز "ميغ-29" الروسيّة، و"f-16" الأمريكية التي تعُدّ عصب سلاح الجوّ، مع تدريب الطيّارين المصريين على التعامل مع هذه المقاتلات، وسرعة استيعاب هذه التكنولوجيا، حيث يشهد التدريب تحليق بعض الطيارين المصريين بالمقاتلات الصينية.
ونشر عدد من المدوّنين المهتمين بالشأن العسكري، صوراً يقولون إنها من مشاركة المقاتلات الصينية في التدريب، متكهنين بأنّ القوات الجوية المصرية ربما تكون قد تسلّمت أوّل دفعة من المقاتلة الصينية "J-10CE"، المجهزة بصواريخ جو-جو متقدّمة قادرة على مهاجمة أهداف خارج مدى الرؤية.
منظومة الدفاع الصينيّة "HQ-9B"
وبعيداً عن المناورات الجوية الأخيرة، تزايد الحديث عن التعاون المصري الصيني عسكرياً، بشكل واضح منذ كشْف اللواء سمير فرج، امتلاك القاهرة المنظومة الصينيّة بعيدة المدى "HQ-9B"، وهو ما تعامل معه الإعلام الإسرائيلي والغربي كـ"إعلان رسمي".
ويؤكد اللواء أحمد كامل، لرصيف22، اقتناء القاهرة هذه المنظومة الدفاعية الحديثة، برغم عدم الإعلان عن ذلك رسمياً، والتي تعادل منظومة الدفاع الجوي الروسية "S-300".
وبينما يشدّد على أهمية الخطوة، والتطوّر الذي تشهده الصناعات الدفاعية الصينية، يشير إلى أنّ منظومة "HQ-9B" تمتلك تطوّراً يجعلها شبيهةً بمنظومة "S-400" الروسية، خاصةً أنّ لديها القدرة على إطلاق ثمانية صواريخ في توقيت متزامن على أهداف متعددة بمدى يتجاوز 300 كلم.
"القاهرة لديها حالياً محطة طاقة نووية في الضبعة، وتحتاج إلى مزيد من التأمين بمنظومات حديثة، بالإضافة إلى التوسعات في المشروعات الاقتصادية الإستراتيجية على البحرين الأحمر والمتوسط"، يقول كامل، كاشفاً السبب وراء توجّه القاهرة نحو المنظومة الصينية، مؤكداً أنّ الحديث السابق في الإعلام الإسرائيلي عن التلويح بضرب السدّ العالي، لم يمرّ مرور الكرام في القاهرة.
الجدير بالذكر أنّ منصّة "متصدقش" المصرية لتدقيق المعلومات، سبق أن أوضحت عدم صحة الادّعاء بصدور تهديدات إسرائيلية بضرب السدّ العالي.
رسالة إلى واشنطن؟
ويربط اللواء كامل، بين التوترات الجيو-سياسية في المنطقة والحرب على غزة والتهديدات الإسرائيلية الأخرى، وبين زيادة التعاون العسكري المصري الصيني، خاصةً أن القاهرة ترغب في الخروج من عباءة القيود التي تفرضها واشنطن على تسليحها الجوي، في ظلّ سياسة واشنطن القائمة على ضمان التفوق الجوي لتل أبيب على دول المنطقة كافة، ورفضها في أكثر من مناسبة منح مصر مقاتلات أكثر نجاعةً وتطوّراً.
ويرى الخبير العسكري المصري، أنّ القاهرة توجّه عبر المناورات المشتركة مع بكين، رسالةً واضحةً إلى واشنطن بأنها منفتحة على العالم أجمع في سبيل تطوير قواتها المسلحة، وأنّ اعتمادها على التسليح الأمريكي لم يعد بالأهمية القصوى لديها كالسابق، وإذا لم تفتح الباب أمام نقل بعض التكنولوجيات العسكرية المتطوّرة وتخفيف القيود التي تفرضها على نوعيات سلاح معيّنة، فإنّ لديها البدائل المختلفة، سواء في الصين أو روسيا أو فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
كما يلفت إلى أنّ إسرائيل سبق أن طالبت أمريكا بمنح مصر مقاتلات "F-15"، حتى لا تسعى إلى الحصول على مقاتلات "السوخوي-35" الروسية التي تُعدّ من صفوة المقاتلات، قبل أن تمارس واشنطن ضغوطاً على القاهرة للتراجع عن الصفقة مع موسكو، مؤكداً أنّ التوجّه نحو الصين وغيرها من مصادر التسليح العالمية بمثابة "استيعاب للدرس" الأمريكي بعد أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013، حينما منع الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، الأسلحة وقطع الغيار العسكرية عن مصر، واحتجز طائرات "أباتشي" كانت تخضع للصيانة في بلاده.
ماذا تستفيد الصين من مناوراتها مع مصر؟
ويذهب نائب مدير الاستخبارات الحربية المصرية الأسبق، إلى استفادة مهمة تسعى إليها بكين من تدريباتها الجوية مع مصر، وهي اكتشاف الأسرار الخاصّة بمقاتلات الـ"f-16" الأمريكية، والتكنولوجيا الأمريكية الموجودة بشكل عام في المقاتلات التي تستخدمها القوات المسلحة المصرية، بالإضافة إلى أنّ القاهرة تُمثّل المفتاح، والبوابة التي يُمكن للصين من خلالها الترويج لمقاتلاتها ومنتجاتها العسكرية في الشرق الأوسط، على غرار ما حدث مع مقاتلات "الرافال" الفرنسية، حينما أقدّمت دول عدة في المنطقة، مثل قطر والإمارات، على اقتنائها، بعد إبرام مصر صفقةً مع فرنسا حصلت عليها بموجبها، فالقاهرة تشكّل نقطة ارتكاز ومصداقية لغالبية الدول العربية في المجال العسكري، حسب ما يؤكد.
ويتطرّق اللواء كامل، إلى الحديث عن صفقة مُحتملة بين مصر وكوريا الجنوبية، لاقتناء طائرات "FA-50" الكورية الجنوبية، مشيراً إلى أنّ القاهرة توازن حالياً بين المقاتلة الصينيّة "J-10C"، والطائرة الكورية الهجومية الخفيفة من طراز "FA-50 Fighting Eagle"، ومدى كفاءة كل منهما في التوافق مع مقاتلات الـ"إف-16"، مؤكداً أن القاهرة وبرغم توصّلها إلى اتفاق مع بكين بشأن المقاتلة "J-10C"، إلا أنها قد تتراجع عن الاتفاق حال أثبتت المقاتلة الكورية الجنوبية كفاءتها واستيعابها بشكل أسرع في التسليح المصري، ولا سيّما أن دمج المقاتلات الجديدة يحتاج إلى وقت ليس بالقصير وقد يمتد لسنوات.
ويسلّط كامل، الضوء على نقطة مهمة، وهي نقل تكنولوجيا التصنيع محلّياً، حيث انتهجت القاهرة في الآونة الأخيرة سياسةً قائمةً على نقل تكنولوجيا التصنيع في صفقات الأسلحة التي أبرمتها، وعليه فإنّ العرضين الصيني والكوري، يتوقف المضي قدّماً في تنفيذ أحدهما، على مدى قبول نقل تكنولوجيا التصنيع إلى مصر، حيث ترغب الأخيرة في فتح خطوط إنتاج للمقاتلات وقطع الغيار محلّياً بنسبٍ تتراوح بين 40 و50%.
وكان موقع "DefenceWeb" المتخصّص في الشؤون العسكرية العالمية، قد أشار أخيراً إلى دخول مصر في المراحل النهائية من المفاوضات مع كوريا الجنوبية لشراء نحو 100 طائرة كورية هجومية خفيفة من طراز "FA-50 Fighting Eagle"، على أن تتضمّن الصفقة نقل التكنولوجيا والتصنيع محلّياً.
ويختم كامل، بالإشارة إلى أنّ الطائرة الكورية الجنوبية تمتلك "ميزةً سياسيةً" عن نظيرتها الصينية، حيث تُعدّ سول من العواصم الحليفة لواشنطن، وعليه فإنّ الأخيرة قد لا تضع عراقيل أمام الصفقة المحتملة مع القاهرة.
يقول الخبير في الشأن الصينيّ، جاد رعد، لرصيف22: "لم يحصل حتّى الآن أن قدّمت بكين أيّاً من مقاتلاتها الشبحية، وذلك على الرغم من سعيها إلى بناء علاقات إستراتيجية متينة في الشرق الأوسط، وتالياً يصعب القول إنّ الصين قد تقدّم للجيش المصري ما لم تقدّمه لدول أخرى"
القاهرة ومقاتلات الجيل الخامس الصينية
إلى ذلك، يتّفق الخبير العسكري والإستراتيجي، اللواء محمد عبد الواحد، مع سابقه، في تغيّر سياسة التسليح المصريّة بالاعتماد على أكثر من مصدر، بعيداً عن الاحتكار الأمريكي في السنوات السابقة، مؤكداً أن التعاون العسكري المصري الصيني يعود إلى ثمانينيات القرن العشرين، حينما حصلت القاهرة على غواصات صينية.
ويضيف عبد الواحد، لرصيف22، أنّ بكين تستهدف الاستفادة من الخبرات المصرية في مجال المناورات العسكرية، خاصةً أنّ القاهرة لديها مناورات على مدار العام مع مختلف القوى العسكرية في العالم، بعكس الصين التي تُعدّ مناوراتها الخارجية "محدودةً" نوعاً ما.
وينبّه الخبير العسكري والإستراتيجي إلى نقطة مهمّة تتعلّق بوجود محادثات بين القاهرة وبكين، من أجل حصول الأولى على إحدى مقاتلات الصين الشبحيّة من الجيل الخامس، على غرار مقاتلات "J-31" و"J-20"، مؤكداً أن الأمر حتّى الآن لا يزال قيد الدراسة، لكنه قد يشهد مراحل متقدّمةً في الأشهر المقبلة، في ظلّ الرغبة القويّة لدى مصر في امتلاك إحدى مقاتلات الجيل الخامس، لإحداث توازن قوى في الشرق الأوسط، خاصّةً أن إسرائيل تمتلك بشكل منفرد في المنطقة، مقاتلات "F-35".
وفي آب/ أغسطس 2024، وبعد نحو شهر على زيارة قائد القوات الجوية المصرية، الفريق محمود فؤاد عبد الجواد، إلى بكين، وعقد مباحثات مع نظيره الصيني، أفاد موقع "Tactical Report" الاستخباراتي، بوجود مفاوضات بين الجانبين، لشراء القاهرة المقاتلات الشبحية الصينية "J-31" و"J-20" من الجيل الخامس.
هل تبيع الصين مقاتلاتها لمصر؟
ويشير الخبير المتخصّص في الشؤون الصينية، عامر تمّام، إلى وجود محادثات حقيقيّة بين القاهرة وبكين، لاقتناء مقاتلة "J-31" الصينية من الجيل الخامس، حيث تعدّ هذه المقاتلة هدفاً رئيسياً للقاهرة، بعد الاتفاق على مقاتلة "J-10C" في وقت سابق، على حد قوله.
ويضيف تمّام، في حديثه إلى رصيف22، أنّ "الصين ترغب في الترويج لأسلحتها، ومضاعفة صادراتها العسكرية بشكل عام، ومضاعفة صادراتها العسكرية للشرق الأوسط على وجه التحديد، خاصةً أن المنطقة تُعدّ سوقاً واعدةً لصنّاع السلاح"، ولا سيّما في ظل التوتّرات الكبيرة التي تسيطر على المشهد في الأشهر الأخيرة.
ويذهب تمّام، إلى إمكانية عقد صفقة أخرى بين القاهرة وبكين، تتعلّق بمنظومات دفاعية قادرة على كشف الطائرات الشبحية الأمريكية الحديثة، بالإضافة إلى التعاون في المجال البحري الذي تتفوّق فيه الصين بشكل كبير، مؤكداً أن فكرة احتكار الولايات المتحدة سوق الأسلحة في الشرق الأوسط "لم تعد مناسبةً"، متوقعاً أن تنجح الصين في أن تكون شريكاً عسكرياً مهمّاً لمصر على صعيد بيع الأسلحة والتدريب في القريب.
على النقيض من تأكيدات العسكريين المصريين بأن القاهرة باتت تمتلك المقاتلة الصينيّة "J-10C"، وأنها في محادثات لامتلاك مقاتلة صينيّة من الجيل الخامس، ينفي الخبير في الشأن الصيني الدكتور جاد رعد، بيع بكين أي من مقاتلاتها للقاهرة حتى الآن، مؤكداً أنّ التعاون العسكري حالياً بين الصين ودول المنطقة ينحصر في التدريبات والمناورات المشتركة، بالإضافة إلى وجود أسطول عسكري لا يبتعد عن المنطقة.
ويشير رعد، لرصيف22، إلى أنه "لم يحصل حتّى الآن أن قدّمت بكين أياً من مقاتلاتها الشبحية، وذلك على الرغم من سعيها إلى بناء علاقات إستراتيجية متينة في الشرق الأوسط مع أكبر الدول، وفي مقدّمتها مصر والسعودية وإيران والعراق، حيث لم تَعتد بكين على مثل هذه الصفقات، وتالياً يصعب القول إنّ الصين قد تقدّم للجيش المصري ما لم تقدّمه لدول أخرى".
"الصين لم ولن تستثمر في حروب الدول الأخرى ومشكلاتها، لذا من الطبيعي أن نرى الصين تعقد الصفقات الكبيرة مع أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان (يقصد مصر)"، يقول رعد، ملمّحاً إلى أنّ بكين حتى الآن تفضّل الصفقات التجارية الاقتصادية على العسكرية.
تجنّب الغضب الأمريكي
بين تأكيد امتلاك مصر المقاتلات الصينية أو التفاوض عليها، ونفيهما، تبقى الولايات المتحدة الأمريكية حجر الزاوية في أي صفقة محتملة بين القاهرة وبكين، خاصّةً أن واشنطن سبق أن أقرّت قانوناً فيدرالياً عام 2017، يشبه الفيتو ويُعرف بـ"القانون الفيدرالي لمكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات" (CAATSA)، وينصّ على فرض عقوبات على البلدان التي تستورد معدّات عسكرية من خصوم الولايات المتحدة، ولوّحت به واشنطن سابقاً في وجه القاهرة.
يوافق الباحث في العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، الدكتور عاطف عبد الجواد، على أن مصر حاولت تجنّب الغضب الأمريكي، وحماية الأسرار العسكرية الأمريكية، ولذلك تشارك في هذه التدريبات مع الصين بطائرات "ميغ-29" الروسية القديمة، وليس بطائرات أمريكية الصنع على غرار الـ"إف-16"
"مصر ذهبت إلى مستوى إغضاب واشنطن لمعرفة رد الفعل، وعقب ذلك ستتخذ قرارها بشأن المقاتلات الصينيّة"، يقول الخبير في مركز "شاثام هاوس"، أحمد أبو دوح، في تصريحات إعلامية لـ"دويتشه فيلله"، مؤكداً أن القاهرة حاولت تجنّب الصدام المباشر مع واشنطن، على غرار ما تم قبل سنوات حينما توجّهت إلى شراء 20 مقاتلة "سوخوي-35" روسية، ردّاً على رفض أمريكا منحها مقاتلات "إف-35"، قبل أن تتراجع عن الصفقة على وقع التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات عسكرية واقتصادية عليها.
ويختصر أبو دوح، حسابات القاهرة لرد الفعل الأمريكي، بالتوجّه نحو مقاتلة "J-10C" الصينيّة من الجيل الرابع، وليس مقاتلة "J-20" الصينية المكافئة لـ"إف-35"، في الوقت الذي يرى فيه المحلل الإستراتيجي في شركة RANE للاستخبارات، ريان بول، أنّ المحادثات المصرية الصينية، تُعدّ محاولةً هدفها الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، لتقديم خيار آخر لمصر، على غرار صفقة "الرافال" الفرنسية البديلة عن "السوخوي-35" الروسية، وفق ما ذكره للمصدر نفسه.
ويتّفق الباحث في العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، الدكتور عاطف عبد الجواد، مع أبو دوح، في أنّ مصر حاولت تجنّب الغضب الأمريكي، وحماية الأسرار العسكرية الأمريكية، لذلك فإنها تشارك في هذه التدريبات بطائرات "ميغ-29" الروسية القديمة، وليس بطائرات أمريكية الصنع على غرار الـ"إف-16".
ويعتقد عبد الجواد، في حديثه إلى رصيف22، أنّ القاهرة تسعى إلى تحقيق أمرين من التعاون العسكري مع الصين؛ أولهما تنويع مصادر سلاحها عن طريق الحصول على أسلحة أمريكية وفرنسية وبريطانية وصينية وروسية، والثاني هو إرسال رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة بأن لديها خيارات عسكريةً أخرى، في الوقت الذي ينظر فيه الإعلام الأمريكي إلى مناورات "نسور الحضارة 2025"، من منظور الشكوك التي تنتاب القاهرة بشأن التعويل على بلد واحد (أي الولايات المتحدة)، في الوفاء باحتياجاتها العسكريّة، خاصّةً أن واشنطن تتقاعس عن تلبية الاحتياجات المصرية لتحديث بعض طائراتها ومنظومات الأسلحة الأخرى.
ردّ الفعل الأمريكي إلى أين؟
"على مصر الحرص على عدم شراء سلاح صيني، وأن تستقي دروس محاولة الحصول على أسلحة روسية في السابق وهو ما تسبّب في رد فعل أمريكي غاضب"، يضيف المتخصّص في الشؤون الأمريكية، مؤكداً أنّ رد فعل واشنطن يتوقف على مستوى توسع التعاون العسكري المصري الصيني، ونوعية الأسلحة التي ستتجه القاهرة لاقتنائها من بكين.
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد أنّ واشنطن تحتاج إلى الدور المصري في أزمة الحرب على غزّة، وإلى استمرار "السلام المصري الإسرائيلي"، ولعب دور في المفاوضات الأمريكية الإيرانية، معتقداً أنّ أمريكا قد تُعوّض مصر بصفقة أسلحة فرنسية أو بريطانية بدلاً من الصفقة الصينية.
ويختم عبد الجواد، بالإشارة إلى أنّ واشنطن سوف تُرغم مصر على التراجع عن أي صفقة كبيرة مع الصين، كما حدث في صفقة السوخوي، معتبراً أن أقصى مكاسب يمكن أن تنالها القاهرة من الصين، ستكون الحصول على قطع غيار لتحديث المقاتلات الروسيّة الموجودة لديها، مؤكداً أن هناك حدوداً لما يمكن لواشنطن قبوله من درجات التوسع الصيني في مصر خصوصاً، أو في الشرق الأوسط عموماً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
رومان حداد -
منذ 19 ساعةالتحليل عميق، رغم بساطته، شفاف كروح وممتلء كعقل، سأشاهد الفيلم ولكن ما أخشاه أن يكون التحليل أعمق...
Georges -
منذ يوم12
مستخدم مجهول -
منذ يومينهذا ليس طبيعيا، وهو ينشئ في الحالات القصوى من اضطرابات ومشاكل نفسية. الإنسان العاقل عندما يواجه...
مستخدم مجهول -
منذ يومينAnyone that studies human psychology and biological functioning of the body and it's interactions...
مستخدم مجهول -
منذ يومين'لا يسخر قوم من قوم', لا أذكر هذه العنصرية عندما كنت في المدرسة في الجنوب.
للأسف أن المعتقد...
Mohammed Liswi -
منذ 4 أيامعجبني الموضوع والفكرة