يوماً بعد يوم، تتصاعد حدّة التوتر والاتهامات المتبادلة بين مصر وإسرائيل، في الوقت الذي تواصل فيه الأخيرة خروقاتها لمعاهدة السلام المعروفة إعلامياً بـ"اتفاقية كامب ديفيد"، والتي وقّعتها القاهرة وتل أبيب في الـ26 من آذار/ مارس 1979، في مشهد ضمّ الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيجن، والرئيس الأمريكي جيمي كارتر، في حديقة البيت الأبيض في واشنطن.
تصاعُد التوتر يعكس خلافات عميقةً بين البلدين حول ملفات عدة، تقف الحرب الإسرائيلية في غزّة حجر الزاوية فيها، بينما تأتي خروقات تل أبيب لاتفاقية السلام الأولى لإسرائيل مع دولة عربية، والأهم حتى يومنا هذا، لتفتح الباب للحديث عن مصير هذه الاتفاقية، ولا سيّما أنّ الجيش الإسرائيلي يفرض منذ أيار/ مايو 2024، سيطرته على محور صلاح الدين "فيلادليفا"، المتاخم للحدود المصرية مع غزّة، في مخالفة للاتفاقية، زاعماً أنّ القاهرة لم تضطلع بدورها لمنع وصول السلاح عبر الأنفاق إلى داخل القطاع، وهو ما نفته القاهرة في أكثر من مناسبة.
وكان من المفترض بحسب بنود اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، والذي بذلت فيه القاهرة جهوداً كبيرةً، ونقضته إسرائيل، انسحاب قوات الأخيرة من محور فيلادلفيا في اليوم الأخير من المرحلة الأولى للاتفاق؛ أي في الأول من آذار/ مارس 2025، على أن يتم استكمال الانسحاب خلال 8 أيام. إلا أنّ تل أبيب لم تنسحب، واستأنفت القصف على غزّة بشكل جنوني.
الخروقات الإسرائيلية الأخيرة لكامب ديفيد، تفتح الباب القانوني والباب السياسي لتساؤلات من نوع: لماذا تخاطر إسرائيل بانتهاك معاهدة السلام مع مصر، مع أنها كانت الأكثر حرصاً على الاتفاقية خلال السنوات السابقة؟ وهل هناك مكسب سياسي أكبر من السلام مع الجارة الكبرى مصر؟
هذا ما يحاول رصيف22، أن يجيب عنه في السطور التالية، بعد العروج على بنود "كامب ديفيد" التي تنتهكها إسرائيل بتحركاتها الأخيرة.
الانتهاكات الإسرائيلية للملحقات الأمنية
يقول أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيّتَين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، الدكتور محمد محمود مهران، عن انتهاكات إسرائيل لمعاهدة كامب ديفيد، وبالأخص الملحقات التي تُعدّ جزءاً لا يتجزأ من المعاهدة، والتي تُنظّم الترتيبات الأمنية والعسكرية في شبه جزيرة سيناء والحدود، إن هناك تجاهلاً متعمداً من الجانب الإسرائيلي لبنود ملاحق معاهدة كامب ديفيد، خصوصاً الملحق الأول المتعلق بالترتيبات الأمنية في سيناء، والذي يُعدّ أحد أهم الملاحق التي تضمن السيادة المصرية الكاملة على أراضيها، مع ترتيبات خاصة ترمي إلى ضمان الأمن المتبادل.
في العام 2005، انسحبت القوات الإسرائيلية من محور فيلادلفيا بعد توقيع ما يُعرف بـ"اتفاقية فيلادلفيا"، وعدّها تابعةً لمعاهدة كامب ديفيد، وهي الاتفاقية التي حددت مسافة 14 كلم كشريط عازل على طول الحدود بين مصر وغزّة، وذلك بعدما كانت القوات الإسرائيلية تسيطر على المنطقة (د) التي تتضمن المحور، قبل أن تعاود احتلالها بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023
ويوضح مهران في حديثه إلى رصيف22، أنّ الملحق الأول من معاهدة السلام يقسم سيناء إلى ثلاث مناطق؛ (أ)، (ب)، و(ج)، وأنّ إسرائيل انتهكت هذه الترتيبات من خلال قيامها بعمليات عسكرية غير مصرّح بها في المنطقة (د) المجاورة للحدود، والتي وفقاً للمعاهدة يجب أن تتواجد فيها قوات حفظ سلام متعددة الجنسيات لمراقبة تنفيذ المعاهدة، بالإضافة إلى تجاوز حدود المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح التي تبلغ مسافتها كيلومترين على جانبي الحدود، حيث أقامت منشآت عسكريةً وأمنيةً داخل هذه المنطقة، ما يُعدّ انتهاكاً واضحاً للمادة الثانية من الملحق الأول.
يُكمل أستاذ القانون الدولي، أنّ تل أبيب أنشأت نقاط مراقبة ومواقع عسكريةً في المنطقة (د)، على الجانب الإسرائيلي، بما يتجاوز القيود المنصوص عليها في الملحق، والتي تسمح فقط بوجود أربع كتائب من المشاة مع معدّات محددة، مع تجاوز الحدّ المسموح به من القوات العسكرية في هذه المنطقة، والتي يجب ألا تتجاوز 4،000 جندي وفقاً للمعاهدة.
"الملحق الأول من المعاهدة يحتوي على خرائط تفصيلية ومخططات دقيقة لتقسيم المناطق وتوزيع القوات، لكن إسرائيل تجاهلت هذه الخرائط في العديد من الحالات، خاصةً في منطقة فيلادلفيا، محور صلاح الدين، على الحدود مع قطاع غزّة، حيث توغلت قواتها في هذه المنطقة بشكل متكرر، برغم حظر الاتفاقية ذلك"، يقول مهران، ويواصل سرد الانتهاكات الإسرائيلية لكامب ديفيد، مؤكداً أنّ ملاحق المعاهدة تُعدّ جزءاً لا يتجزأ منها وفقاً للمادة التاسعة من المعاهدة نفسها، وتالياً فإنّ أي انتهاك لهذه الملاحق يُعدّ انتهاكاً للمعاهدة كلها، ويُخضع إسرائيل للمساءلة وفق قواعد القانون الدولي المتعلقة بالمسؤولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة.
في العام 2005، انسحبت القوات الإسرائيلية من المحور بعد توقيع ما يُعرف بـ"اتفاقية فيلادلفيا"، وعدّها تابعةً لمعاهدة كامب ديفيد، وهي الاتفاقية التي حددت مسافة 14 كلم كشريط عازل على طول الحدود بين مصر وغزّة، وذلك بعدما كانت القوات الإسرائيلية تسيطر على المنطقة (د) التي تتضمن محور فيلادلفيا، قبل أن تعاود احتلالها بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
التدخل في الشؤون الأمنية المصرية
وفي ما يتعلق بالتساؤلات التي أُثيرت مؤخراً بشأن حد التسلح المصري المسموح به في سيناء، يشير أستاذ القانون الدولي، إلى أنّ المعاهدة في الملحق الأول تحدد بوضوح عدد القوات ونوعية التسليح المسموح به في كل منطقة من مناطق سيناء، لكن هذه القيود يجب أن تُفهم في سياق الظروف الأمنية المتغيرة، لافتاً إلى أنّ المعاهدة تسمح لمصر في المنطقة (أ) بنشر قوات عسكرية كاملة، وفي المنطقة (ب) بقوات شرطة مدنية مسلحة تصل إلى 4،000 فرد، بينما في المنطقة (ج) تسمح فقط بقوات شرطة مدنية خفيفة التسليح، قبل أن يتم تعديل ذلك في الملاحق الأمنية.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أُجري تعديل على الملحق الأمني الخاص بكامب ديفيد، سمح بزيادة قوات حرس الحدود المصرية في المنطقة (ج)، مع تسليح ثقيل، بما يتماشى مع المستجدات الأمنية.
ويُضيف أنّ إسرائيل ترفع مطالبات متكررةً بتخفيض الوجود العسكري المصري في سيناء، برغم أن هذا الوجود يأتي لضمان أمن المنطقة وحفاظاً على الأمن القومي المصري، خاصةً في ظل مخطط التهجير القسري الإسرائيلي، وأنّ هذه المطالبات تُعدّ تدخلاً سافراً في الشؤون الأمنية المصرية وتجاهلاً للتهديدات الأمنية المشتركة، مبيّناً أنّ إسرائيل تتجاهل حقيقة أن المعاهدة تنص على إمكانية مراجعة الترتيبات الأمنية بموافقة الطرفين، وهو ما تم بالفعل في مناسبات سابقة عدة بموافقة إسرائيلية عندما اقتضت الضرورات الأمنية ذلك، على غرار حرب مصر ضد الإرهاب منذ سنوات والتي استدعت زيادة القوات الموجودة في المنطقة (ج)، محذّراً من خطر حقيقي يتمثل في استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، التي تُفرغ المعاهدة من مضمونها وتحوّلها إلى مجرد حبر على ورق.
وفي الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أُجري تعديل على الملحق الأمني الخاص بكامب ديفيد، سمح بزيادة قوات حرس الحدود المصرية في المنطقة (ج)، مع تسليح ثقيل، بما يتماشى مع المستجدات الأمنية، حيث صرّح المتحدث العسكري المصري حينها: "نجحت اللجنة العسكرية المشتركة بناءً على الاجتماع التنسيقي مع الجانب الإسرائيلي، في تعديل الاتفاقية الأمنية، بزيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها بالمنطقة الحدودية في رفح".
"وفقاً لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، فإن الإخلال الجوهري من أحد الأطراف ببنود معاهدة ما، يمنح الطرف الآخر الحق في تعليق العمل بالمعاهدة كلياً أو جزئياً"، وهو البند الذي يشير من خلاله مهران، إلى خيار متاح أمام مصر في ما يتعلق بكامب ديفيد، خاصةً أن الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاقية وملاحقها تتعارض أيضاً مع مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، ومع قرارات مجلس الأمن التي تؤكد على ضرورة احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، مطالباً بضرورة تفعيل آليات الرقابة الدولية على تنفيذ المعاهدة، وتعزيز دور قوة المراقبة متعددة الجنسيات (MFO) في سيناء، بحيادية.
"كامب ديفيد" إلى "زوال"؟
وفيما يشير مهران، إلى إمكانية التعليق الجزئي أو الكلي لكامب ديفيد، يؤكد عضو اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس النواب المصري، ضياء الدين داوود، أن معاهدة السلام مع إسرائيل إلى "زوال" يوماً ما، ولن تصمد مهما مَرت السنين، في ظل أنّ الحرب هي "حرب وجود وليست حرب حدود"، معتبراً أن الانتهاكات الإسرائيلية كانت جليةً بشكل أوضح في محور فيلادلفيا، وذلك عبر الدفع بتشكيلات عسكرية في المنطقة (د)، بما يخالف الملاحق الأمنية لكامب ديفيد.
ويضيف داوود، في حديثه إلى رصيف22، أن إسرائيل لا تحترم أي معاهدات أو اتفاقيات أو قرارات أممية ودولية، وعليه فليس من حقها مطالبة مصر بتفكيك أو تقليل وجودها العسكري في سيناء كما أُثير مؤخراً، ويجب بسط كامل النفوذ والسيادة على كل شبر داخل التراب المصري، كردّ على الانتهاكات الإسرائيلية وحرب الإبادة التي تنفذها بحق سكان غزّة.
ونقلت صحيفة "إسرائيل هيوم"، مؤخراً، عمن وصفته بـ"المسؤول الأمني الإسرائيلي الرفيع المستوى"، أن بلاده تقدمت بطلب لمصر وأمريكا؛ من أجل تفكيك البنية التحتية العسكرية المصرية في سيناء، معتبراً أنها تمثل "انتهاكاً كبيراً" للملحق الأمني في اتفاقية السلام، لن تقبله تل أبيب، والمسألة تحظى بأولوية قصوى على طاولة وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس.
يرى خبراء بأن الجميع يستخدم أوراقه في المرحلة الحالية من تاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية، وكامب ديفيد لم تعد الورقة الأهم كما في السابق، وبرغم ذلك مصر وإسرائيل لا ترغبان في الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة،؛ خاصةً أن أي حرب بينهما ستكون مُدمرةً للطرفين، كما أن واشنطن لن تسمح بهذه الحرب التي تهدد مصالحها
وفي الوقت الذي أشار المسؤول الإسرائيلي فيه، إلى أن بلاده لا تسعى إلى تعديل اتفاقية كامب ديفيد، إلا أنه وصف دخول قوات عسكرية مصرية إلى سيناء بما يتجاوز الحصص المتفق عليها وفق الملحق العسكري للاتفاقية، وتعزيز البنية العسكرية المصرية بشكل مستمرّ بـ"خطوة غير قابلة للتراجع بسهولة" لدى إسرائيل وتجب معالجتها بشكل عاجل.
في غضون ذلك، يتوقع البرلماني المصري مزيداً من التصعيد في الفترة المقبلة في ظلّ المعطيات الحالية من دعم أمريكي مفتوح لإسرائيل، وحكومة متطرفة غير مسبوقة في تل أبيب، وعدم نفاذ القوانين والقرارات الدولية، وعليه يطالب بالتحرك سياسياً بورقة كامب ديفيد، مع ضرورة تشكيل موقف عربي موحد وقوي.
الضفة الغربية هدفاً
وعن الخروقات الإسرائيلية المتكررة لكامب ديفيد، والتصعيد الإعلامي الأخير في ما يتعلق بالبنية العسكرية المصرية في سيناء، يرى رئيس برنامج الدراسات الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية سابقاً، عماد جاد، أنّ تل أبيب تمارس نوعاً من "الضغط السياسي" على القاهرة؛ لرفض الأخيرة الموافقة على ملف تهجير سكان غزّة باتجاه سيناء، وذلك عبر الزعم بوقوع "انتهاكات" مصرية لمعاهدة كامب ديفيد، بزيادة القوات المسموح لها التواجد في المنطقة (ج)، على الرغم من أن زيادة هذه القوات تمت بموافقة إسرائيلية وضمن حرب مصر على الإرهاب قبل سنوات.
ويرى جاد، في حديثه إلى رصيف22، أنّ إسرائيل تسعى إلى هدف أكبر من السلام مع مصر يجعلها تخاطر بانتهاك معاهدة "كامب ديفيد"، ويتمثل في الضفة الغربية وليس غزّة كما يظن كثيرون، حيث إن الضفة مذكورة لديهم في العقيدة التوراتية بمسمّى "يهودا وسامرا"؛ ولذلك فإنهم يسعون إلى إخراج سكان غزّة بأي طريقة كانت، ومن ثم نقل سكان الضفة باتجاه غزة، والسيطرة الكاملة على الضفة العربية، بما فيها القدس الشرقية والغربية وقبر سيدنا إبراهيم وخلافه من المعتقدات الدينية التي تُعدّ محركاً أساسياً للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في حربها في غزّة.
"غزة 360 كلم، على عكس الضفة 5،500 كلم، وعدد السكان متقارب، وقد صدر مؤخراً تشريع من الكنيست الإسرائيلي بمنع ذكر اسم West Bank، ونطق يهودا وسامرا عن الضفة، التي تُعدّ زاخرةً بالكثير من المعتقدات التوراتية"؛ هكذا يبرهن رئيس برنامج الدراسات الإسرائيلية السابق على حديثه، مؤكداً أنه حال تهجير سكان غزّة سيكون من الأسهل نقل سكان الضفة باتجاه غزة، والسيطرة الكاملة على يهودا وسامرا.
يستطرد: "الجميع يستخدم أوراقه، وكامب ديفيد لم تصبح الورقة المهمة كما في السابق، وبرغم ذلك مصر وإسرائيل لا ترغبان في الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة،؛ خاصةً أن أي حرب بينهما ستكون مُدمرةً للطرفين"، مؤكداً أنّ القاهرة لن تدخل الحرب إلا بدخول قوات إسرائيلية إلى سيناء، وما دون ذلك فهي محاولات ضغط لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، ولا سيّما أن تل أبيب تعي أن القاهرة لا تجد مساندةً عربيةً حقيقيةً، والموقف العربي في غاية التواضع والتخاذل وتسيطر عليه لغة المصالح الخاصة.
إسرائيل تستثمر في العجز العربي
ويتفق الكاتب والصحافي المصري، عبد الله السناوي، مع سابقه، في ضعف الموقف العربي، مؤكداً أنّ إسرائيل تستثمر حالياً في حالة "العجز العربي" والدعم الأمريكي الُمطلق لطموحاتها، بالإضافة إلى تراجع تأثير ما يُعرف بـ"محور المقاومة" بعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، وما نجم عنها من تغيرات في سوريا ولبنان وكذلك اليمن، ولذلك فإنها لم تعد حريصةً بالقوة نفسها على معاهدة كامب ديفيد كما في السابق.
"مصر في وضع حرج للغاية، وموقفها متأزم، ولا تريد التوجه نحو الحرب مع إسرائيل؛ في ظلّ أوضاعها الاقتصادية الصعبة التي فتحت الباب لمحاولات إغوائها من واشنطن وتل أبيب، بتخفيف ديونها مقابل القبول بملف التهجير إلى سيناء"، يوضح السناوي، في حديثه إلى رصيف22، مؤكداً أنّ القاهرة سبق أن لوحت في الغرف المُغلقة بتعليق اتفاقية كامب ديفيد، ما كان له دور واضح في تراجع ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، إلا أنّ هذه الضغوط عادت من جديد، في ظل حالة الدعم غير المحدودة التي يقدمها ترامب، وإدارته لتل أبيب، ما يجعل الورقة المصرية الخاصة بمعاهدة السلام أقل تأثيراً وقوةً، إذا ما قورنت بالمكاسب التي ستحصل عليها إسرائيل حال تنفيذ ملف التهجير.
وبعد قرابة نصف قرن على توقيع الاتفاقية، يُبدي السناوي، وهو أحد الأصوات المعارضة في مصر، تحفّظه على كامب ديفيد، معتبراً أنها "اتفاقية كارثية" تسببت في تهميش دور مصر في محيطها العربي والإقليمي، وآثارها نعيشها اليوم من تخاذل واضح في موقف عربي موحد قادر على ردع أطماع تل أبيب وواشنطن، ورغبتهما في تصفية القضية الفلسطينية.
لا يستطيع نظام مصري تحمّل خسارة سيناء
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد الكاتب والصحافي المصري، أنّ النظام الحالي لا يستطيع تحمّل خسارة سيناء من دون حرب، معتبراً أن إسرائيل تتعامل بنوع من "الاستهتار"، مع اتفاقية كامب ديفيد؛ حيث تمادت في خروقات المعاهدة منذ بداية أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بأشكال غير مسبوقة، مقارناً بين مانشيت لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية قبل عقود، حينما وصفت توقيع كامب ديفيد، بثاني أهم إنجاز في تاريخ إسرائيل بعد إعلان تأسيسها في 1948، وبين تعامل إسرائيل اليوم مع الاتفاقية.
يسترسل: "إذا ضاعت سيناء، ضاع الأمن القومي المصري، فجميع حروب القاهرة السابقة كانت لأجل سيناء، وإذا حاولت إسرائيل فرض ملف التهجير بالقوة، فإنّ الجيش المصري سيدخل الحرب حتماً، ولا يمتلك النظام أي رفاهية تتعلق بهذه المسألة".
القاهرة سبق أن لوحت في الغرف المُغلقة بتعليق اتفاقية كامب ديفيد، ما كان له دور واضح في تراجع ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، إلا أنّ هذه الضغوط عادت من جديد في عهد ترامب.
إلى ذلك، يركّز السناوي، على جملة ذُكرت في بيان المحادثة الهاتفية الأخيرة التي جمعت الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي، والأمريكي دونالد ترامب، حينما قال الأخير إنه تمّت مناقشة التحركات العسكرية، مشيراً إلى أن تلك التحركات تتعلق بالجيش المصري في سيناء، حيث طالبت تل أبيب، واشنطن بالضغط على القاهرة لخفض وجودها العسكري، معتبراً أن مصر لن تستجيب لمطالب واشنطن في ظل صمت الأخيرة إزاء الخروقات الإسرائيلية المستمرة على الحدود، وعليه فإنّ ترامب، وإداراته، من المنتظر أن يعملوا على احتواء الموقف قبل الذهاب إلى مرحلة تقضي على السلام بشكل لا رجعة فيه.
أين الدور الأمريكي؟
وعن الدور الأمريكي الذي شكّل لعقود، "الضامن" لمعاهدة كامب ديفيد، يعود عماد جاد، ليشير إلى أنّ واشنطن خلال السنوات الأخيرة، خفضت المساعدات السنوية التي تأتي تحت مُسمى "المعونة الأمريكية" إلى مستويات أقل من 200 مليون دولار كمساعدات اقتصادية، ومليار و300 مليون دولار مساعدات عسكرية، بالتزامن مع تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتخفيض الأخيرة إلى النصف، العام المقبل، بالإضافة إلى عدم كبح جماح تل أبيب في حربها في غزة، وأطماعها بضم الضفة وتصفية القضية الفلسطينية.
ويفسر ذلك بأنّ "واشنطن الترامباوية" تضع أهداف ومساعي تل أبيب في مقدمة أولوياتها، حتى إنّ ترامب أعلن في بداية حقبته الرئاسية استعداده للاعتراف بضمّ إسرائيل الضفة الغربية، وهو يعي خطورة تلك الخطوة.
وبحسب اتفاقية كامب ديفيد، تبلغ قيمة المساعدات السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر تحت مُسمى "المعونة السنوية"، نحو 2.1 مليار دولار، منها 1.3 مليارات دولار كمساعدات عسكرية مخصصة للجيش، فيما يوجّه باقي المبلغ كمساعدات اقتصادية تشمل الحكومة المصرية ومنظمات غير حكومية جرى حجب غالبيتها مع مرور السنين، في الوقت الذي تربط واشنطن جزءاً من هذه المساعدات، يُقدّر بنحو 300 مليون دولار، بمدى التزام القاهرة بتعهدات تتعلق بسجلها الحقوقي.
وعلى عكس عماد جاد، يرى رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق والمستشار في أكاديمية ناصر العسكرية، اللواء نصر سالم، أنّ أمريكا مُستمرة في الاضطلاع بدورها "المراقب" على معاهدة السلام، ولن تسمح بالوصول إلى مرحلة اندلاع حرب بين القاهرة وتل أبيب، حيث تجري عمليات مراقبة واستطلاع دورية على الحدود المصرية الإسرائيلية بواسطة أجهزة ومراقبين أمريكيين، بالإضافة إلى القوات متعددة الجنسيات.
ويشير سالم، في حديثه إلى رصيف22، إلى أنّ أمريكا تعي جيداً أهمية كامب ديفيد وتأثيرها على استقرار المنطقة بالكامل، معتبراً أن أحاديث وسائل الإعلام الإسرائيلية الأخيرة عن تجاوزات عسكرية مصرية لاتفاقية السلام، مجرد محاولة "لإبعاد الأنظار" عما ترتكبه إسرائيل من جرائم إبادة بحق سكان غزة، وأن الحرب المصرية الإسرائيلية ليست في المتناول كما يظن البعض.
وفيما يؤكد رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، أن مصر حريصة كل الحرص على احترام اتفاقية السلام ولا تسعى أبداً إلى الاعتداء على أحد، فإنه يشدد على حق القاهرة في اتخاذ كل ما يلزم لحفظ أمنها القومي ضد أي تهديد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohamed Adel -
منذ 6 ساعاتلدي ملاحظة في الدراما الحالية انها لا تعبر عن المستوى الاقتصادي للغالبية العظمى من المصريين وهي...
sergio sergio -
منذ 21 ساعةاذا كان امراءه قوية اكثر من رجل لكان للواقع رأي آخر
أمين شعباني -
منذ يومينهذا تذكيرٌ، فلا ننسى: في فلسطين، جثثٌ تحلق بلا أجنحة، وأرواحٌ دون وداعٍ ترتقي، بلا أمٍ يتعلم...
Rebecca Douglas -
منذ يوميننحن أنصار الإمام المهدي عبد الله هاشم أبا الصادق(ع) ناس سلميين ندعو للسلام والمحبة وليس لنا علاقة...
Baneen Baneen -
منذ يوميننقول لكم نحن لا نؤذيكم بشيء وان كنا مزعجين لهذه الدرجة، قوموا باعطائنا ارض لنعيش فيهاا وعيشوا...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا اتفق بتاااتا مع المقال لعدم انصافه اتجاه ا المراه العربية و تم اظهارها بصورة ظلم لها...