شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
في غياهب الجبّ السوري... أطفال ما زالوا عالقين

في غياهب الجبّ السوري... أطفال ما زالوا عالقين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

قد يبدو يوم 11 آذار/ مارس عام 2013، تاريخاً عادياً، إلّا أنه كتب رحلة شقاء تمتد حتّى اليوم لعائلة سورية، إذ طال الكابوس ليتّسع قضيةً إنسانيةً تمسّ طفولة بريئة يندى لها جبين العدالة، طبيبة الأسنان وبطلة الشطرنج السورية رانيا العباسي (المولودة عام 1970)، وأطفالها الستّة بالكامل؛ غُيّبوا قسراً في معتقلات بشار الأسد، بعد يومين فقط من اعتقال زوجها عبد الرحمن ياسين.

عائلة رانيا العباسي

أطفال رانيا العباسي

عائلة وأطفال رانيا العباسي.

وثّقت منظمة العفو الدولية تفاصيل حادثة الاعتقال وملابساتها. كما طالبت نظام الأسد بالكشف عن مصير العائلة، حملة "دونما وجه حق" Without Just Cause الأمريكية، وهي حملة أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية من أجل السجناء السياسيين في العالم. كانت سكرتيرة رانيا، مجدولين القاضي (المولودة عام 1984)، في المنزل لحظة الاعتقال، وغُيّبت هي أيضاً مع الأسرة قسراً ولا يزال مصيرها مجهولاً.

"حين كنتُ في 'فرع فلسطين'، اعتُقِل طفل (6 سنوات) مع والدته وجدّته، شهراً كاملاً، كان خلاله يأكل من طعام السجن الرديء، ويسمع انتهاكات لفظيةً تُوجّه إلينا نحن المعتقلات، ويرى وضعنا المزري بعد جلسات التعذيب. بعد شهر، استبدّ مرض السرطان بوالدة الطفل، فجاء عنصر أمن لأخذه مدّعياً أنه سوف 'يُسلّمه لجدّه'"

تقول شقيقة رانيا، الطبيبة نائلة العباسي، لرصيف22، إنّ كل ما استطاعوا معرفته عن مصير أختها بعد الاعتقال، هو احتجازها في "الفرع 215" سيئ السمعة، وهو ما أخبرت به العائلة طبيبةٌ تزامن اعتقالها مع اعتقال رانيا، موضحةً أنها سمعت اسمها وسمعت أصوات أطفالها قبل أن تخرج من ذاك الفرع.

مارَس "الفرع 215" التابع للأمن العسكري (المخابرات العسكرية)، الذي عُرف بـ"سرّية المداهمة"، أقسى عمليات التعذيب، بحسب تقرير نشرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان عام 2014، وصفت فيه ما يحدث في الفرع بـ"الهولوكوست السوري"، علماً أنّ التقرير عن لقاءات مع ناجين من ذلك الفرع شهاداتهم موثوقة.

تقول نائلة: "دفعنا الكثير من النقود لمحامين ورجال أمن علّنا نصل إلى أي معلومة عن شقيقتي وأطفالها، إلّا أنّ جميع المحاولات باءت بالفشل. بعد ذلك، توجّهنا إلى منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية التي أرسلت خطاباتٍ رسميةً لبشار الأسد وبشار الجعفري (الدبلوماسي السوري وممثل سوريا الأسبق لدى الأمم المتحدة)، طالبت فيها بالكشف عن مصير رانيا، ولم تحصل على أي استجابة حتّى أنه في محادثات أستانة تقدّم مبعوث الأمم المتحدة آنذاك ستيفان دي ميستورا، بطلبٍ مباشر إلى الجعفري للكشف عن مصير العائلة، إلّا أنّ الأخير أنكر وجودها في سجون النظام".

أهوال معتقلات الأسد ومصير عائلة رانيا

عادت الأخبار والمطالبات بجلاء مصير عائلة رانيا العباسي، إلى الواجهة، مع تصدّر مشاهد فتح سجون ومعتقلات نظام الأسد الساقط يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، التي خرج معتقلون منها بذاكرة ممسوحة، وطالبت عائلات بفحص الحمض النووي لمن اشتبهت في أنهم أبناؤها لشدّة تغيّر ملامحهم تحت التعذيب، ومشاهدة أمهات يحفرن بأيديهنّ للوصول إلى أقبية سرّية مُتَخَيّلة، علّهنّ يجدن أي أثر يعود إلى أحبّائهن أو يدلّهنّ عليهم. كما تحتفظ برادات مشافٍ بجثث معتقلين مع "أرقام"، لا أسماء، على الصدر أو الجبهة، مع ملامح غائبة.

ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو منظمة حقوقية غير حكومية، بلغت حصيلة المقابر الجماعية المكتشفة التي وثّقها المرصد، منذ إسقاط الأسد وحتّى 29 كانون الثاني/ يناير 2025، 15 مقبرةً جماعيةً، احتوت على رفات 1،608 ضحايا، بما في ذلك أربع مقابر جماعية في كل من ريف دمشق، وحمص، ودير الزور والبوكمال، بالإضافة إلى مقبرتين جماعيتين في درعا، ومقبرة جماعية واحدة في حماة.

"اغتصبوا امرأةً أمامي… وقطّعوا شابّاً بساطور"

قد يعجز العقل عن تصوّر ما ربما يكون قد تعرّض له أطفال رانيا الستة (ديمة 14 عاماً، وانتصار 11 عاماً، ونجاح 9 أعوام، وولاء 8 أعوام، وأحمد 4 أعوام، وليان عام ونصف العام)، في جحيم معتقلات نظام الأسد. شاركت رنيم عودة (30 عاماً)، شهادتها مع رصيف22، وهي شهادة ربما تعطي لمحةً بسيطةً عن معنى أن يعيش طفل في معتقلات الأسد.

تؤكد رنيم، التي كانت معتقلةًً داخل "فرع الأمن العسكري 235"، أو ما يُعرف بـ"فرع فلسطين" سيئ السمعة الذي وثّقت جهات حقوقية محلية ودولية عشرات الشهادات لمعتقلين/ ات سابقين/ ات فيه، وجود أطفال داخل السجون والفروع التي تنقّلت بينها طوال مدة اعتقالها. "حين كنتُ في 'فرع فلسطين'، اعتُقِل طفل عمره ست سنوات مع والدته وجدّته شهراً كاملاً، كان يأكل خلاله من طعام السجن الرديء، ويسمع انتهاكات لفظيةً تُوجّه إلينا نحن المعتقلات، ويرى وضعنا المزري بعد جلسات التعذيب"، تشرح.

وتضيف رنيم أنه "بعد شهر، استبدّ مرض السرطان بوالدة الطفل، فجاء عنصر أمن لأخذه مدّعياً أنه سوف 'يُسلّمه لجدّه'. ذهب الطفل ولم ندرِ حقاً إن كان قد وصل إلى أقاربه". تُتابع المعتقلة السابقة، وهي فلسطينية سورية، أنها التقت داخل "فرع فلسطين" بشقيقتين تنحدران من الجولان، هما غُفران (14 عاماً)، وسماح (16 عاماً)، وقد تحدثتا إليها عن شقيقهما محمد (17 عاماً)، الذي اعتُقل معهما من أمام الفرن الآلي، وذلك بتهمة "إسقاط طائرة تابعة للنظام برشاش الدوشكا".

تروي رنيم: "أمضى الأخوة تسعة أشهر في الاعتقال، بدايةً في 'فرع الخطيب'، ثم 'أمن المنطقة' وانتهى بهم الحال في 'فرع فلسطين' حيث جاءت معتقلة، وتفاجأت بأنهم على قيد الحياة، وأخبرت الفتاتين بأنّ عائلتهما أقامت للأشقاء الثلاثة مجلس عزاء بعد أن تسلّموا بطاقاتهم الشخصية من الأمن على أنهم متوفّون".

تقول رنيم، إنها شهدت ضرب امرأة حامل في شهرها الرابع على ظهرها وبطنها خلال اعتقالها في "فرع فلسطين". تضيف: "لا أدري إن كانت قد اعتُقلت وهي حامل، أو حملت داخل السجن نتيجة اعتداء جنسي خلال مراحل تعذيبها. كل ما أعرفه أنها نزفت بشدّة بعد أن فقدت جنينها".

تتكرّر التكهّنات عن أنّ بعض حالات حمل المعتقلات حدثت في سجون ومعتقلات نظام الأسد، جرّاء الاغتصاب كشكل من أشكال التعذيب والتنكيل. وهناك وثائق سُرّبت حديثاً لحالات إلحاق أطفال بدور الرعاية، بعدما حدث الحمل داخل السجون، كان قد نشر واحدةً منها حسان العباسي، عبر حسابه على فيسبوك.

تعقيباً على سؤال رصيف22، حول توثيق أيّ من هذه الادعاءات (حدوث ولادات جرّاء حالات اغتصاب ضمن معتقلات النظام الساقط)، يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومقرّها لاهاي، فضل عبد الغني، إنّ أيّ وثيقة تصلهم بهذا الشأن لا تُعدّ صحيحةً إلا بعد التحقّق منها، واصفاً عملية التحقّق بأنها "عملية معقّدة، لا نزال نعمل عليها إذ إنّ لكل وثيقة كودات وشيفرات تحتاج إلى فكّها".

يتابع فضل: "المثبت لدينا أنّ العدد الإجمالي للأطفال يشكّل نسبةً تتجاوز 2% من العدد الكلي للمعتقلين وهي نسبة مرعبة. وهناك روايتان لاعتقالهم؛ قسم اعتُقل مع ذويه، وآخرون اعتُقلوا وحدهم بتهمة أنهم شاركوا في مظاهرات أو نشاطات إغاثية وغير ذلك".

بسؤال رنيم عمّا إذا كانت قد شهدت على حالات اغتصاب داخل السجون، تقول لرصيف22: "في غرفة منفصلة، تناوب أربعة عناصر على اغتصاب معتقلة أمامي بهدف ترويعي، حيث طالبوني بتزويدهم بـ400 اسم من الإرهابيين وكانوا قد اتهموني بأني ناشطة إعلامية أتعاون مع ضباط منشقّين، وزعم العناصر الذين اعتقلوني بأني تسلّلت إلى المخيم لأُفجّر سيارةً هناك".

مع ذلك، تعدّ رنيم، الاغتصاب "أمراً بسيطاً مقارنةً بما شهدتْ" من صنوف التعذيب داخل معتقلات الأسد. وتسترسل: "إلى اليوم لا أستطيع أن أمحو صورة ذاك الشاب من كوابيسي… عرّضوه لصدمات كهربائية كما تعرّضت أنا، إلا أنهم رشّوه فوراً بالماء، ففارق الحياة. بعدها، توجّه الضابط نحوي وقال: 'ما بدّك تحكي؟'، ثم أمر عنصراً بأن يأتي بالساطور. قطّعوا جثّة الشاب أمامي كوسيلة حرب نفسية عليّ لأُعلِمهم بالأسماء التي طلبوها".

تقول رنيم، إنها اعتُقلت في 14 أيلول/ سبتمبر عام 2013، بينما كانت تمشي داخل مخيّم اليرموك استهلاكاً للوقت في انتظار تصوير وإرسال أوراق ثبوتية تخصّ شقيقها في مصر داخل مكتبة حيّ الزاهرة القريب. كان شقيقها ينتظر الأوراق بعدما اعتزم ركوب البحر إلى بريطانيا. "نقلوني إلى 'القيادة العامة' بعد أن أخذوا الموافقة هاتفياً من أحمد جبريل (زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة الذي اشتُهر بـ'جزّار طرابلس واليرموك')، الذي أوصاهم بالاتصال بسهيل الحسن (قائد القوات الخاصة الذي اشتُهر بـ'جندي الأسد المفضّل')... ضُربتُ بوحشية وعلّقوا رقبتي بكابل وجرّوني بهدف قتلي إلا أنّ الكابل قُطع. بعدها اقتادوني مدماةً إلى فرع فلسطين، وهناك بدأت رحلة عذاب لن أنساها في حياتي!"، تروي رنيم وتشدّد على أنّ عناصر الأمن اقتلعوا أظافر قدميها، وجعلوها تسجد لصورة بشار الأسد حين رأوها تصلّي.

"دفعت عائلتي ما يُعادل 200 ألف دولار أمريكي، حتى أخرج بعد اعتقال دام خمسة أشهر ونصف"، تختم رنيم.

"اعتقلوا والدي وحوّلوا منزلنا إلى ثكنة عسكرية"

خيط آخر يخوّف ذوي رانيا العبّاسي، على مصيرها ومصير أطفالها. كان حليم أبو كاظم، من عناصر فرع الأمن العسكري في نقطة جسر الوزّان في مشروع دمّر، وهو معروف بارتكابه وعناصره، العديد من الانتهاكات المروّعة بحق المعتقلين/ ات، وهو من اعتقل الأسرة، وفق ما أخبر به الجيران عائلتها لاحقاً.

حليم أبو كاظم

حليم أبو كاظم.

عن إجرام كاظم، يشارك عبد الكريم غنام، رصيف22، محنة عائلته التي بدأت في السابع من آذار/ مارس 2013، حين اعتُقل والده عبد العلي (المولود عام 1944)، من منزلهم في منطقة دمّر قرب حاجز الوزّان في دمشق، من قِبل عناصر أمن تابعة لـ"السرية 215".

لم تجد العائلة للأب المُغيّب قسراً، أثراً إلّا مع تداول صور قيصر المسرّبة. كان أحد الضحايا، وقد ظهرت آثار التعذيب جليّةً على جسده. يقول عبد الكريم: "اعتُقل أبي بتهمة تمويل الإرهاب. اعتاد أن يمدّ يد العون لفقراء المسجد والحيّ. فرضت 'السرية 215'، نفسها على أرجاء بيتنا الكبير حيث عمل والدي لدى عائلة الوزّان الكويتية، وسكننا في قصرهم بعد أن سافروا بتفويض من الورثة. كان أبي مُسالماً مع عناصر الأمن الذين بقوا يسرحون ويمرحون ضمن حديقة القصر قبل أن يأتي المدعو حليم أبو كاظم، ويعتقله من فراشه بطريقة مهينة".

عبد العلي غنام

عبد العلي غنام.

يضيف عبد الكريم، أنّ هذا حدث "بعد أن هربت شقيقتي من المنزل حيث حاول العناصر اعتقالها أيضاً. بعدها تحوّل بيتنا الكبير إلى ثكنة عسكرية، وهُجّرت العائلة بين القلمون الشرقي والشمال السوري وتركيا وكذلك أوروبا".

عاد عبد الكريم، من إدلب بعد إسقاط النظام ليجد المنزل شبه مدمّر مع الكثير من الفوضى والوثائق العسكرية التي سلّمها إلى هيئة تحرير الشام التي انبثقت منها الإدارة الجديدة في سوريا.

صور من الفوضى العارمة التي أحدثها عناصر "السرية 215" في منزل آل غنام.

صور من الفوضى العارمة التي أحدثها عناصر "السرية 215" في منزل آل غنام.

صور من الفوضى العارمة التي أحدثها عناصر "السرية 215" في منزل آل غنام.

صور من الفوضى العارمة التي أحدثها عناصر "السرية 215" في منزل آل غنام.

صور من الفوضى العارمة التي أحدثها عناصر "السرية 215" في منزل آل غنام.

وثيقة تضم بعض أسماء عناصر "السرية 215" عُثر عليها في منزل آل غنام.

وثيقة تضم بعض أسماء عناصر "السرية 215" عُثر عليها في منزل آل غنام.

أطفال رانيا يفضحون إجرام الأسد

بالعودة إلى رانيا العباسي، يقول شقيقها المهندس حسان العباسي، المقيم في كندا، لرصيف22: "اعتُقلت رانيا، بعد يومين من اعتقال زوجها من مقرّ إقامته في دمّر بالقرب من حاجز الوزّان. أُخذت مع أطفالها الستة وسكرتيرتها من قبل المدعو حليم أبو كاظم، المسؤول عن الحاجز بتهمة تمويل جهات إرهابية، فقط لأنها قدّمت مساعدةً إنسانيةً بقيمة تعادل 65 دولاراً أمريكياً، لشابِِ من محافظة حمص يقطن في المبنى ذاته اقترح ووالدته تزويد العائلات الهاربة من قصف الأسد في حمص إلى دمشق بسلال غذائية خلال شهر رمضان".

وفق ما وثّقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قُتل ما لا يقلّ عن 30 ألف طفل سوريّ منذ آذار/ مارس 2011، أكثر من 23 ألف طفل منهم قضوا على أيدي قوات النظام الساقط، في حين لا يزال 5،298 طفلاً معتقلاً أو مخفيّاً قسراً على أيدي أطراف النزاع في البلاد

يتابع حسان: "كانت حفنة الدولارات تلك جريمةً غُيّبت بسببها عائلة كاملة في سجون الطاغية، وقد اقتاد عناصر الأمن الشاب وهو مدمّى حتّى يرشدهم إلى بيت رانيا، حيث اعتقلوا زوجها المولود عام 1970، ثم جاءوا في اليوم التالي واستولوا على مصاغ من ذهب وأجهزة حاسوب محمولة وسيارتين. وفي اليوم الثالث، اعتقلوا رانيا والأطفال والسكرتيرة".

تشغل اليوم قضية رانيا العباسي، الرأي العام المحلي والدولي، إذ إنه بعد إسقاط النظام طفت فوق السطح قضية أطفال العباسي الذين غيّب التعذيب أباهم الطبيب عبد الرحمن ياسين، الذي عُثر على صورته ضمن قائمة "صور قيصر" بعد عام من اعتقاله، ويُعتقد من خلال آثار التعذيب وهندام ثيابه أنه قضى بعد أيام قليلة من تغييبه، بحسب صهره حسان. تحفّظ آل العباسي الذين تواصلنا معهم عن نشر الصورة رفقاً بعائلة ياسين.

إلى ذلك، تخبرنا نائلة العباسي، أيضاً، بأنهم تلقّوا اتصالاً عام 2014 يؤكد وجود أربعة من أطفال أختها داخل "قرى الأطفال SOS". كذلك هناك من أكّد لهم هذه المعلومات في عام 2021، منبّهاً إلى أنّهم نُقلوا بعدها، وتحديداً عام 2022، إلى جهة مجهولة.

تأسّست "جمعية قرى الأطفال SOS" في سوريا عام 1975، وافتُتحت أول قرية في البلاد عام 1981، في العاصمة دمشق. وتُعدّ الجمعية أحد فروع الاتحاد الدولي لقرى الأطفال ومقرّه في النمسا، وينتشر في 136 دولةً حول العالم.

توفّر فروع الاتحاد الرعاية الأسرية طويلة الأمد للأطفال الأيتام والمحرومين من الرعاية الأسرية. غير أنه في سوريا هناك الكثير من الشبهات حول عملها وعلاقتها بعائلة الأسد.

في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أصدرت SOS، بياناً قالت فيه إنها تعاونت مع ممثل عن عائلة رانيا العباسي، لبحث اتهامات حسان العباسي، بأن الجمعية تحتفظ بعدد من أبناء شقيقته تحت أسماء غير حقيقية، وخلصت إلى أنه "ليست لدينا أي معلومات عن ذويهم".

وبعد بضعة أيام، نشرت الجمعية بياناً آخر، اعترفت فيه بأنّ النظام الساقط أدخل قسراً إلى المؤسسة أطفالاً "فُصلوا عن أسرهم خلال النزاع دون توثيق لأصولهم"، خلال فترة النزاع حتّى عام 2019، حيث طالبت الجمعية السلطات بالتوقف عن إحالة هؤلاء الأطفال إليها، مشدّدةً على أنه "لم يبقَ أيٌّ من هؤلاء الأطفال في رعايتنا اليوم".

كانت قرى الأطفال SOS، مدعومةً من قبل أسماء الأسد، شخصياً، ولها فروع في أكثر من محافظة سورية منها حلب واللاذقية. كما افتُتحت قرية جديدة عام 2017، في جنوب غرب دمشق، قرب الحدود اللبنانية. وتنتشر شائعات حول استحداث أسماء الأسد، جناحاً سرّياً لأبناء المعتقلين وأطفال وُلدوا في السجون والمعتقلات.

حقائق تتكشّف ببطء

ويقول حسان العباسي، إنه أجرى اتصالات مكثّفةً بعد إسقاط النظام بهدف الوصول إلى طرف خيط يرشده إلى أحد أطفال شقيقته على أقلّ تقدير، بعدما فقد الأمل في بقاء شقيقته على قيد الحياة بعد كل هذه السنوات، وبعد ما تكشّف عن أهوال معتقلات الأسد. كما يُعرب حسان، عن دهشته من "ألّا يترك تغييب ستة أطفال إخوة خلفهم دليلاً واحداً".

تطورات متلاحقة تتابعها عائلة العباسي، بينما تحتفظ بأمل ولو بسيط في استعادة أبناء رانيا. تقول نائلة العباسي: "لعلّكم تابعتم معنا قصة علاء رجّوب الطفل الذي اعتُقل مع خاله وعمره سبع سنوات، وتم طمس هويته وتغيير لقبه إلى ناصيف بعد نقله إلى مجمّع لحن الحياة للرعاية (دار زيد سابقاً). فرحنا للقاء علاء بأخته البيولوجية. وأيضاً هناك قصة عدنان بدرا، والكثير من الشهادات تتوالى يوماً بعد يوم".

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أعلنت وكالة الأنباء السورية (سانا)، أنّ مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عثر على "مكاتبات سرّية" تؤكد تحويل أطفال من المعتقلات والسجون إلى دور أيتام. وناشد المكتب الإعلامي للوزارة: "نهيب بذوي الأطفال المفقودين التوجّه إلى المديريات الفرعية المعنية بمديريات الشؤون الاجتماعية والعمل، لتقديم أسماء الأطفال وأي معلومات قد تُساهم في تسهيل عملية البحث وإحصاء الحالات بشكل دقيق". من العوامل التي تعقّد على الأهالي والسلطات عملية البحث عن هؤلاء الأطفال وتحديدهم أنّ أسماءهم لم تُدرج ضمن ملف واحد، وإنما كانت هناك مكاتبة وقرارات فردية تخصّ كل طفل/ ة مع هوية غير حقيقية تلتصق به/ ا داخل الدار التي تستضيفه/ ا.

في هذا السياق، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، لقناة "BBC"، إنّ نحو 400 طفل سوري جيء بهم من أفرع أمنية سوريّة إلى دور أيتام سوريّة، وإنه يمتلك اليوم ما لا يقلّ عن 30 وثيقةً أمنيةً على الأقلّ ممهورةً بختم وزير الداخلية السابق لدى نظام الأسد، محمد الرحمون، وبأسماء قادة أجهزة أمنية، فيما أعيد نحو 130 طفلاً إلى ذويهم.

أضاف رامي: "نعمل على هذا الملف منذ عام 2013، على أمل أن نتلقّى تعاوناً من الإدارة الجديدة للوصول إلى باقي الأطفال. ولنكن واقعيين، مديرو هذه الدور كانوا شركاء أسماء الأسد، وكانوا يستلمون الأطفال مع ورقة كُتب عليها 'سرّي للغاية'. نُطالب بالتحقيق معهم لمعرفة أين هم هؤلاء الأطفال اليوم، لا سيّما أنه تم إخراج بعضهم من دور الأيتام بعد بلوغهم سن الثامنة عشرة، وأودِعوا في شقق لتشغيلهم في أعمال غير أخلاقية، وبعضهم دُفع به إلى قوات النظام، وبعضهم فرّ هارباً إلى لبنان واستطعنا توثيق عودتهم".

ما يزال 5.298 طفلاً معتقلاً أو مخفيّاً قسراً على أيدي أطراف النزاع في البلاد خلال نفس الفترة، من بينهم 3702 على أيدي قوات النظام السوري.

وفي تصريحات إضافية أدلى بها لقناة "العربية الحدث"، أوضح رامي، أنّ هؤلاء الأطفال الـ400 أُلحقوا بشكل أساسي بأربع دور رعاية، منبّهاً إلى أنّ بعض الوثائق حملت الاسم الأول للطفل فقط وعمره. وأكّد رامي، أنّ المرصد يملك دلائل على أنّ حزب الله متورط في استغلال أطفال سوريين فُصلوا عن ذويهم في تجارة المخدرات وبعضهم توفي نتيجة التجارب عليه.

هذه السيناريوهات المقلقة لا تغيب عن آل العباسي، حيث يقول حسان، إنّ "أفكاراً مأساويةً تراود العائلة بين آن وآخر إزاء مصير أطفال رانيا. فتّشنا أحياناً عن صور منسوبة إلى فتيات عاملات في الجنس التجاري في أوروبا ربما تتقارب ملامحهنّ مع ملامح بنات رانيا. هل تتخيّلون إلى أين وصلنا؟!".

كما يؤكد أنّ سيناريوهات محتملة عدة تُعقّد عملية البحث عن الأشقاء الستة، من ضمنها سيناريو ترحيل بعض الأطفال إلى روسيا لاستغلالهم على الجبهة مع أوكرانيا. وكانت وكالة "يورونيوز" الأوروبية، قد نشرت عام 2018، خبراً مفاده وصول أطفال سوريين تتراوح أعمارهم بين 10 و15 عاماً إلى موسكو بهدف "التدريب العسكري"، قائلةً إنّ السفارة السورية في موسكو أكدت ذلك موضحةً أنه يأتي ضمن إطار اتفاق دائم وسنوي يخضع خلاله الأطفال السوريون للتدريب ضمن فيلق الطلاب الروس. وقد أصدرت روسيا مرسوماً بهذا الشأن في شهر تموز/ يوليو من العام نفسه، بحسب "يورونيوز".

سيناريو آخر يعكس هواجس حسان، إزاء شائعات قرأها عبر وسائل التواصل، ولم يتم التحقق منها، عن ترحيل معتقلين سوريين أصحّاء إلى روسيا بغرض تجارة الأعضاء.

من العوامل التي تُعقّد عملية إجلاء المصير أيضاً في ملف المغيّبين قسراً من الأطفال والكبار، ما رافق إفراغ المعتقلات والسجون من فوضى، ضاعت على إثرها عشرات الوثائق والملفات. في هذا السياق، يستنكر المحامي والباحث السياسي إيهاب عبد ربه، "الفوضى" في التعامل مع أماكن الاحتجاز، مشدّداً على أنّ "الفروع الأمنية مسارح جرائم، يجب تحييدها عن العبث حتّى لا تضيع الأدلة الجنائية"، بما في ذلك الوثائق التي تُجلي مصير الأطفال المغيّبين قسراً.

من المُدان في هذا الملف؟

بالإضافة إلى أسماء الأسد، التي يعدّها الأكثر مسؤوليةً في "هذا الملف الشائك"، يُصرّ رامي عبد الرحمن، على أنّ المسؤولية الكبرى تقع على عاتق كلّ من "أجهزة بشار الأسد الأمنية، ومديري دور الأيتام وهم ليسوا أبرياء ولا ملائكةً، هم يعلمون حقيقة ما كان يحدث"، وفق ما ذكر لـ"بي بي سي". كما طالب رامي، عبر "العربية الحدث"، بمحاسبة كل من ثبت تورّطه في هذا الملف "من إيرانيين وسوريين وأتباع لنظام الأسد وحزب الله ضمن محاكمة علنية"، معبّراً عن خشيته على مصير بعض الوثائق التي تهمّ هذا الملف من قبل مديري دور الرعاية المتورطين.

تجدر الإشارة إلى أنّ مديرة جمعية المبرّة في دمشق، رنا موفق البابا، أقرّت في شهادتها، عبر قناة "العربية الحدث"، بأنها شخصياً كانت تتسلّم أطفالاً من أفرع أمنية وفق كتب ممهورة باسم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، على أن يودَعوا في الدار. "أوقّع على الكتاب الذي تعود نسخة منه للمخابرات، وأتعهّد فيه بألّا أسلّم أسماء الأطفال لأحد أو حتّى إخبار ذويهم. مؤلم هذا الأمر طبعاً، لكن لم يكن بإمكاني الإفصاح عن الأسماء مطلقاً"، على حد قولها.

بدورها، تعبّر نائلة العباسي، عن استغرابها المقابلات الإعلامية التي ظهرت فيها مديرات ومسؤولات في دور أيتام وهنّ يتكلّمن عن احتجاز أطفال المعتقلين/ ات "دون أدنى شعور بالذنب أو المسؤولية!". تُشير بذلك إلى ظهور مديرة دار الرحمة للأيتام، براءة الأيوبي، في لقاء إعلامي اعترفت فيه بأنها لم تكن تشعر بتأنيب ضمير تجاه هؤلاء الأطفال وأسرهم.

ملف غامض وحسّاس

لا تقديرات دقيقةً لعدد المغيبين قسراً في سورياً. لكن بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، هناك ما لا يقلّ عن 113،218 شخصاً لا يزالون قيد الإخفاء القسري منذ آذار/ مارس عام 2011، وحتّى آب/ أغسطس 2024. من بين هؤلاء، ما لا يقلّ عن 136،614 شخصاً قيد الاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري في سجون ومراكز اعتقال تابعة لنظام الأسد.

وبحسب مشروع "جسور الحقيقة"، وهو مشروع تعاوني بين المركز الدولي للعدالة الانتقالية وثماني منظمات من المجتمع المدني السوري، في تقريره الصادر عام 2021، فإنّ "هذا الواقع سرداب مظلم لا نور فيه، يستمرّ فيه اختفاء السوريّين، حيث لا عدد معروفاً لمن اختفوا دون إدراجهم في عداد القتلى". وكانت الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة قد أقرّت بإنشاء مؤسّسة دولية جديدة لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا، في 29 حزيران/ يونيو عام 2023.

واستناداً إلى التقرير السنوي الثالث عشر حول الانتهاكات ضد الأطفال في سوريا، الصادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، يخبر مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، رصيف22، بأنه جرى توثيق مقتل ما لا يقلّ عن 30 ألف طفل سوريّ منذ آذار/ مارس 2011، من بينهم 225 جرّاء التعذيب. من هذا العدد المروّع أكثر من 23 ألف طفل قضوا على أيدي قوات النظام الساقط.

علاوة على ما سبق، ما يزال 5.298 طفلاً معتقلاً أو مخفيّاً قسراً على أيدي أطراف النزاع في البلاد خلال نفس الفترة، من بينهم 3702 على أيدي قوات النظام السوري، بحسب المصدر نفسه.

أدلّة موثوقة وأخرى تحتاج إلى التحقّق

في سياق متّسق، يقول المحامي والباحث السياسي إيهاب عبد ربه، لرصيف22، إنّ هناك أدلةً جنائيةً تُثبت تورّط نظام الأسد والأجهزة الأمنية المختلفة باعتقال أطفال دون سنّ الثامنة عشرة وتعريضهم لأشكال الانتهاكات كافة التي أودت بحياتهم، وزوّدنا بملف صور قيصر للأطفال.

عمل عبد ربه، ضمن فريق قيصر منذ البداية، ونجح الفريق في تهريب 55 ألفاً من صور سجناء قضوا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات الأسد إلى خارج البلاد، ما كان له تأثير قوي على إقرار مجلس النواب الأمريكي عام 2019، "قانون قيصر" الذي فُرضت بموجبه عقوبات مشدّدة على نظام الأسد ومن يتعاون معه، والذي أثقل بدوره كاهل الشعب السوري اقتصادياً واجتماعياً أيضاً.

ويلفت فضل عبد الغني، إلى بيان الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الصادر في 23 كانون الثاني/ يناير 2025، والذي يشمل "قوائم موثقةً تضمّ قرابة 3،700 طفل مغيّب قسرياً على أيدي نظام الأسد". يؤكّد البيان أنّ الشبكة ومنذ سنوات لديها أنباء تفيد بأنّ نظام الأسد كان ينتزع أطفالاً من عوائلهم، أو يحوّل الأطفال من مراكز الاحتجاز إلى مراكز الرعاية، التي لم يتم التحقق منها بسبب العديد من التحديات.

ومن أبرز الدور، وفق البيان، هي "SOS" التي ضمّت الكثير من هؤلاء الأطفال دون أوراق ثبوتية توضح أصولهم، لكن هذا النهج تغيّر بعد تغيير إدارتها في عام 2019، حيث بدأ المركز باستقبال الأطفال مع معلومات عنهم. وأفاد البيان بأنّ من أبرز هذه الحالات مُبهمة المصير حتّى الآن، أطفال الطبيبة رانيا العباسي.

أيّ مسؤولية على الإدارة الجديدة؟

بسؤال عائلة العباسي، عن الدور الذي تلعبه الإدارة الجديدة في سوريا في ملف أسرة رانيا، وما قد ينتظرونه منها، تقول نائلة العباسي، إنهم ينسّقون مع لجنة تحقيق دوليّة في ظلّ عجز الإمكانيات المحدودة للبلاد التي أرهقتها الحرب.

بعبارات أوضح، يُعبّر حسان العباسي، عن "خيبة أمله" من تعاطي الإدارة الجديدة مع ملف المغيّبين قسراً. كما يرى في مقابلة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، لوالدة الصحافي الأمريكي المغيّب قسراً في سوريا، أوستن تايس، الذي عمل لصالح وكالة "فرانس برس" و"واشنطن بوست" ووسائل إعلامية عالمية أخرى، "إشارةً مستفزةً رسّخت أنّ المواطن الأمريكي أغلى وأكثر قيمةً من مئات آلاف السوريين المغيّبين وما زال ذووهم ينتظرون ولو كلمة بسيطة بشأنهم من القيادة الجديدة".

يضيف حسان: "كل ما قدّمته الإدارة الجديدة لنا هو طلاء الأفرع الأمنية، وإزالة صور المعتقلين من ساحة المرجة!"، معرباً عن استيائه من "انخراط بعض من فلول النظام السابق في المشهد السياسي والإعلامي، وإعادة تعيينهم ضمن الإدارة الجديدة مثل القاضي محمد ياسين القزاز، وفاضل نجار"، علماً بأنّ القزاز، كان قد تقدّم باستقالته بعد أن استفزّ الرأي العام قرار تعيينه.

دعا بيان الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الصادر قبل أيام، الإدارة الجديدة إلى اعتبار ملف أطفال المعتقلين المغيّبين قسراً أولويةً وطنيةً وإنسانيةً، وفتح تحقيق شامل بإشراك المنظمات المحلية والدولية لتحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة

يعرب حسان، أيضاً، عن خيبة أمل إزاء "عجز" وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة المكلفة، فادي القاسم، عن الوصول إلى ملف أطفال أخته رانيا. "نشعر بالقهر والذلّ والخذلان، أنا وأفراد أسرتي، من هذه الإدارة التي كأنها باعت ملف المعتقلين واستغنت عن المحاسبة. كان من الأجدى تكريس الوقت الذي منحته الحكومة لاستقبال مؤثري التواصل الاجتماعي للبحث عن أطفال المعتقلين المرميّين في دور الأيتام. كل ما نطلبه كأهالي معتقلين لم يتبيّن مصيرهم بعد، هو القليل من الكرامة ونكرّر ما قاله أهالي المغيبين قسراً حين هتفوا في ساحة الأمويين بملء الحناجر: 'معتقلونا ليسوا أموات دون دليل أو إثبات'".

ودعا بيان الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الصادر قبل أيام، الإدارة الجديدة إلى اعتبار ملف أطفال المعتقلين المغيبين قسراً أولويةً وطنيةً وإنسانيةً، وفتح تحقيق شامل بإشراك المنظمات المحلية والدولية لتحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة. كما طالبت الشبكة جمعية SOS، بفتح تحقيق داخلي مستقلّ، ومشاركة جميع الملفات مع الإدارة الحالية في سوريا، وبتقديم "اعتذار خطّي وتعويض عادل" لذوي هؤلاء الأطفال.

والجدير ذكره أنّ الشبكة توجّهت إلى المنظمات الدولية والأمم المتحدة من أجل التحقيق في كيفية إحالة هؤلاء الأطفال من الأفرع الأمنية إلى دور الرعاية، مع توثيق عددهم والكشف عن هويّتهم. فضلاً عن التحقيق داخل دور الأيتام للكشف عن أي تزوير للبيانات الشخصية، أو تعريض الأطفال لأيّ انتهاكات، بالإضافة إلى إجلاء مصير الأطفال في حال تم نقلهم، ومحاسبة المسؤولين من الأفرع الأمنية ومديري دور الأيتام والجمعيات ومحاسبة كل من تورط وتستر وأهمل فتسبب في معاناة الأطفال وذويهم.

وبينما لم تصل جهود العائلة إلى أي معلومة مفيدة عن مصير أبناء رانيا، يناشد حسان، اليوم، كل من يمكنه المساعدة، مشاركة أيّ معلومة ولو بسيطة تقود إلى أبناء أخته. "مؤخّراً، توصّل معي أحدهم وأخبرني عن شاب شكله شبيه بشكل أحمد ابن رانيا. على الفور توجّهنا لطلب فحص DNA لحسم الشكّ، إلا أنّ الأمل تضاءل حين علمنا أنّ أحمد لا يمكن أن يكون عمره من عمر الشاب".

إلى ذلك، يبقى مصير أطفال رانيا العباسي، وغيرهم الكثير ممن غُيّبوا في ظلام المعتقلات، غامضاً لا سيّما في ظلّ الفوضى التي اجتاحت ملفات ووثائق الفروع الأمنية بعد إسقاط الأسد. فهل يلتئم شملهم مع ذويهم قريباً؟ الأيام ستجيب عن هذا السؤال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نفكر بالأطفال من أجل اليوم والغد

"هيك متعودين. هيك كانوا يعاملونا أهلنا"، وغيرها من الإجابات الجاهزة، تؤدي إلى تفادي التغيير.

المستقبل المشرق، هو أن يعيشوا في أيامنا هذه حياةً سليمةً.

كيف؟

عبر تسليط الضوء على قصصهم، وما يؤثر في حيواتهم، والمطالبة بحقوقهم وحسن تربيتهم.

من خلال التقارير والمقالات والحوارات، يمكن للإعلام أن يدفع نحو تغييرات في السياسات التربوية، وأن يعزز الحوار الاجتماعي حول قضايا الأطفال.

معاً نطرح القضايا الحساسة المتعلقة بسلامتهم النفسية والجسدية والبيئية والمجتمعية.

حين نرفع أطفالنا على أكتافنا، نرى الغد بعيونهم كما لو يكون الآن.

Website by WhiteBeard
Popup Image