أنا مصري، لدي طفلة اسمها جنين. ولا يعكس اختيار الاسم أي استمرارية أو ارتباط واقعي أو اهتمام جمعي أو سيطرة للقضية على أذهاننا وقلوبنا كمصريين، بل أصدم كثيراً كلما ذكرت اسمها، وما أراه من اندهاش واستغراب يطول كثيرين، ثم تعقيبهم: "اسم من الأسماء الجديدة غير المفهومة أم (دلع) لاسم ما؟".
كنت أحدّثهم عن جنين "المخيم" وجنين "المدينة"، منطلقاً من مقولة تم تخزينها وتكرارها وهي أن "فلسطين قضيتنا المركزية"، ودوماً كانت تتم مواجهتي بأن كلامي وأفكاري من النوع الذي لا يساعد على الحياة أو بلغتنا العامية "كلام كبير ميأكلش عيش". ربما يساعد هذا في صياغة معنى لأفكاري الخاصة أو ما تمثله القضية لي، لكن ماذا يجمع بيني وبين آخرين لكي نعبر عن أفكارنا وقضايانا المشتركة؟ ماذا نحمل من أفكار مشتركة عن طريقة التعايش وطلب الحقوق وطبيعة وجودنا؟ هل لهذا الحديث معنى اليوم؟ هل نستطيع التفكير في طريقة ننتمي بها إلى هذا العالم بدلا من لعنه وسبّه؟
ثم أتى "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وما تبعه من حرب إبادة تُبثّ على الهواء مباشرة، لحظة بلحظة؛ قُرى ومدن تم تسويتها بالأرض، عائلات بأكملها تحت الأنقاض، وعشرات الآلاف من الضحايا والجرحى والنازحين، ومصير مجهول ينتظر الباقين، بينما تظلّ الحكمة المُستخلصة من هكذا مشهد مهول، تلخّصها حالة الهلع التي تقارن الحياة برغم ما فيها من سوء بحالة اللاحياة واللاوجود التي يعكسها الوضع في غزة، بدءاً من الحكام والرؤساء مروراً بإعلاميين ونخبة وصولاً إلى المواطنين العاديين الذين عاشوا بالأمس تحت حكمة أخرى: "أحسن من سوريا والعراق". حكمة لا تقل حقارة ودناءة، والغاية من كل هذا هو الابتعاد عن أي شيء لا يساعد على "أكل العيش".
تضاف إلى ما تؤجّجه الحرب من صدمة بالغة جراء الحجم الهائل من المأساة والدمار، صدمة على مستوى آخر، حيث الجدل الدائر لإنتاج التفسيرات والصراع على المعنى، وما أراه، ويراه كثيرون، على مدار عام كامل من مناشدات ومطالبات لوقف الحرب وتهديدات أخرى تحذّر من توسعها. كل هذا تجمعه مقولات تنطلق من "نحن كمصريين"، أو "نحن كعرب"، أو خطابات أخرى تنطلق من مفهوم "الإنسانية"، وكيف يقبل العالم كل هذه الفوضى والدمار ولا يحرك ساكناً؟
أفكر في هذه المقولات في ضوء مشهد واقعي آخر رآه الجميع، حيث خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وظهوره حاملاً خريطتين، تشير الأولى إلى وجود إسرائيل في محيط "النعمة"، بينما تشير الأخرى إلى وجودها أيضا بجوار محور "النقمة". وقعت مصر في حدود التصوّر الأول بالنسبة لنتنياهو، حيث الدول العربية المُحبة للسلام والتعاون المشترك.
أثناء حديث نتنياهو كان يهدّد إيران قائلاً: " ليس هناك أي مكان في إيران لا يمكن لذراع إسرائيل الطويلة الوصول إليه. ينطبق الأمر ذاته على الشرق الأوسط برمته". لم أدر ما المفترض أن يستقر داخلي كمصري يشاهد هذا التهديد، خاصة بعد مرور عام كامل على حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، وإرهاصات توسع الحرب. لقد توسعت بالفعل.
ماذا يجمع بيني وبين آخرين لكي نعبر عن أفكارنا وقضايانا المشتركة؟ ماذا نحمل من أفكار مشتركة عن طريقة التعايش وطلب الحقوق وطبيعة وجودنا؟ هل لهذا الحديث معنى اليوم؟ هل نستطيع التفكير في طريقة ننتمي بها إلى هذا العالم بدلا من لعنه وسبّه؟
ربما يتوافق هذا المشهد مع ما يردده العديد بأن "العالم تغير كثيراً" حتى أنه صار من الصعب جدا معرفة الأصدقاء من الأعداء، من معنا ومن علينا، ومع تسارع الأحداث نجد فيها ما نعدّه مؤلماً، وما نراه تافهاً. آسف، بل ما أعدّه، وما أراه، إذ لم يعُد استخدام "ضمير الجماعة" بالشيء اللائق. تحدثت من قبل عن سبب هذا الأسف، والآن لا توجد فرصة أنسب مما يطرحه الواقع بتعقيداته، لنحاول استخراج المعنى من مقولة "نحن". ما المقصود بهذه الـ "نحن"؟ وكيف نفهمها وسط شلال التصورات والانطباعات الذاتية؟
*****
أحاول صياغة تساؤلات معنية بالتفكير في المقولات التي تنطلق من "نحن"، نحن كمصريين أو نحن كعرب، بتسليط الضوء أكثر على خرائط نتنياهو والتصوّرات الإسرائيلية عن ما يعنيه "الشرق الأوسط الجديد" بالنسبة لهم، الأمر الذي يبدو للكثيرين أنه تصور ناتج عن أهداف ومآلات الحرب، ولكن يتناسى البعض أن جلّ هذه التصوّرات تم إعدادها والانخراط فيها قبل الحرب.
فما يعلنه نتنياهو تحت اسم "الشرق الأوسط الجديد" هو، بشكل أو بآخر، بقبول وانخراط عربيين. نفس هذا القبول وهذا الانخراط يفسّر موقف الحكومات العربية قبل السابع من أكتوبر وبعده أيضاً، لا خيانتها ولا عمالتها، بل مصالحها. افتراض الخيانة في السلطة يعني أن هناك ما يجعلها في صف واحد مع شعبها وما تمثله من مصالح لأجله، وفجأة تقرّر السلطة التخلي والمغادرة، إلا أن الأمر عكس ذلك تماماً، حيث لا يوجد ما يجمع بين السلطة والمواطنين، ولو على سبيل الحد الأدنى مما تقتضيه توافقات داخلية أو مصالح واعتبارات خارجية، بل إن ما يجمع السلطة في مصر بإسرائيل أكبر بكثير مما يجمعها بمواطنيها، وفي ضوء هذا تصبح توصيفات "الخيانة أو العمالة" غير معبّرة عن حالة "التماهي" بين السلطة في مصر وإسرائيل.
فحين يقول أحدهم: "نحن كمصريين..." ماذا يعني؟ بالنسبة للكيان السياسي، السلطة السياسية، فهي أول من توصل إلى اتفاق للسلام مع الكيان الصهيوني منذ عام 1978. تدعّم هذا الاتفاق، وعلى مدار السنين اللاحقة، بتفاهمات وتعاون سياسي واقتصادي وانصهار بين نخب ورجال مال وأعمال: اتفاقية الكويز 2004 واتفاق تصدير الغاز 2005، ثم اتفاقات أمنية وعسكرية بخصوص سيناء، وصولاً للعب دور الوساطة بين الكيان وما يعتبره أعداء في حربه الجارية، بل أصبح هناك معتقلون سياسيون مصريون وقضايا باسم "التضامن مع فلسطين" منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023 حالياً في مصر.
من الممكن أن يتبادر هنا للأذهان تمييز بين السلطة السياسية من ناحية، والشعب من ناحية أخرى. أفعال السلطة وما تدّعيه من أفكار والتزامات، وبالمقابل مدى الرضا والقبول لهذه الأفعال والسياسات أو رفضها والضغط باتجاه معاكس. لكن إذا كان تحديد الدور الذي تلعبه السلطة السياسية بأنها سلطة مُطبّعة، بل نزيد من الأمر، أنها متصلة ومندمجة بشكل عضوي بمصالح وثيقة مع الكيان الصهيوني، فماذا عن الشعب؟ كيف نرصد مصالحه وآليات التعبير عنها؟ هل بالحديث عن شعب مصري، نستطيع تلمّس روابط وأفكار يجري التعبير عنها لقبول أو رفض ما يحدث بين مصر وإسرائيل؟ هل هناك "بداهة" سياسية أو اجتماعية تشكلت في خضم مسار التشكّل الوطني؟ هل هناك "صيغة وطنية" أو صياغات مختلفة نستطيع الاشتباك معها برفضها أو نقدها أو الدفاع عنها؟
وحين يقول آخر: "نحن كعرب..." ماذا يعني أيضاً؟! في الجانب الأخضر الذي يراه نتنياهو بمثابة "النعمة" هناك عرب، وفي الجانب الأسود الذي يعرفه نتنياهو "بالنقمة" هناك أيضاً عرب، لكن بإمعان النظر في الجانب الأول نجد العديد من التناقضات بين العرب أنفسهم. تناقضات يلعب فيها رأس المال الخليجي -السعودي والإماراتي- لا دور كلب الإمبريالية أو وكيل الاستعمار(التسميات التي ورثناها من القرن التاسع عشر) بل الدور الإمبريالي والاستعماري نفسه؛ صفقات الاستحواذ وشراء الأصول واستغلال الأراضي والموارد والعمالة الرخيصة، على سبيل المثال وليس الحصر، تستحوذ شركة إماراتية واحدة على 143 ألف فدان للزراعة في مصر، وفي المقابل تقترض الحكومة المصرية من الإمارات ملايين الدولارات لشراء منتجات مزروعة بمصر، بموارد وعمالة مصرية. ماذا نستطيع تسمية هذا؟ تطلق عليه الحكومة مسميات مثل "استثمار أجنبي" أو "شراكة اقتصادية".
نحن كعرب... بينما تدور في السودان حرب تم تهميشها حتى على سبيل الأخبار والتداول في عصر البثّ المباشر للحروب. لا تدور هذه الحرب بين عرب واستعمار، أو بين داخل سوداني وخارج أجنبي، بل بين الجيش السوداني من ناحية، وميليشيا الدعم السريع من ناحية أخرى، الذي لا يخفى على أحد ما تبذله الإمارات "العربية" من دعم سخي عليها لحماية مصالحها في السودان ومساعدتها بالوصول لاحتياطات الذهب، والاستحواذ على مساحات شاسعة من أخصب الأراضي الزراعية.
يرجعنا هذا إلى تذكر مقولة "الاستعمار الجديد"، والتي تمت صياغتها من قبل أدبيات فترة ما بعد الاستعمار؛ إذ لم يعد الاستعمار يُعرّف بكونه إخضاع مجتمع أو دولة من قبل دولة أقوى، بل صار الإخضاع ممكناً في عالم اليوم، بل وأرخص بحسابات التكلفة الاستعمارية، من قبل شركات، أو في حالتنا تلك من "دول على هيئة شركات".
لم يعد الاستعمار يُعرّف بكونه إخضاع مجتمع أو دولة من قبل دولة أقوى، بل صار الإخضاع ممكناً في عالم اليوم، بل وأرخص بحسابات التكلفة الاستعمارية، من قبل شركات، أو في حالتنا تلك من "دول على هيئة شركات"
*****
البحث عن معنى لوطنيتنا أو لفكرة ما ننتمي لها يجب أن يخوض في كل هذا التعقيدات. مفاهيم مثل: الوطنية، أو المقاومة، أو التحرّر... إلخ، لا تصاغ ولا يُفهم معناها إلا بإعادة اكتشافها وتعريفها في كل لحظة تاريخية. في واقعة تذكرها الباحثة المصرية آمنة حجازي في مرجعها عن "الوطنية المصرية في العصر الحديث"، بأن لجنة امتحان مصرية عام 1890 وضعت شروطها بغرض تعيين عدد من الموظفين، واشترطت أن يكونوا مصريين مولودين في مصر، وبهذه الكيفية أخرجت من نطاقها الأجانب أو من يتمتعون بحماية أجنبية، مع العلم أنه حتى حدوث تلك الواقعة كانت مصر ولاية تابعة للدولة العثمانية، بالتالي يسري عليها أحكام الجنسية العثمانية الصادرة منذ 1869، ما يجعل جنسية المصريين "جنسية عثمانية" ولا وجود لما يعنيه "جنسية مصرية" خاصة.
وبفضل الشوام والسوريين تمت إثارة قضية "الجنسية المصرية" في الصحف، وكانت جريدة "الأهرام" هي أول من تبنى الدفاع عن حق الشوام في الجنسية المصرية. التفكير في ما هو مطروح آنذاك كان بمثابة شيء بعيد تماماً عن أذهان المصريين، بل وعن أذهان نخبة وصفوة المجتمع حينها، فكيف يُعقل أن يكون هناك وطنان بدلاً من وطن واحد؟ حتى رموز الوطنية مثل مصطفى كامل، لم يكن تبلور لديهم مفهوم عن الوطن والوطنية، وتستدل الباحثة بواقعة شهيرة بين الكولونيل بارنج -شقيق اللورد كرومر- ومصطفى كامل، حين سأله الأول: هل أنت مصري أم عثماني؟ وأجابه كامل بأنه "مصري عثماني".
وبعد هذه الواقعة سينشب جدل كبير في الصحف، وبين النخبة السياسية والثقافية، عن معانٍ كثيرة مثل "ما يعنيه الوطن؟"، و"الوطنية والاستقلال"، وستظهر اتجاهات عديدة؛ من تبنى فكرة الاستقلال المستندة على رفض الاحتلال البريطاني مع الاحتفاظ بالانتماء للدولة العلية -العثمانية- ويمثل هذا الاتجاه مصطفى كامل. وهناك من كان مضمون الاستقلال يعني بالنسبة له فكّ الارتباط بكل ما هو خارج أجنبي ، مثلما رفض جمال الدين الأفغاني الاحتلال البريطاني والدولة العثمانية معاً، وهناك من دافع عن الفكرة الوطنية من منطلق أكثر ليبرالية كـ أحمد لطفي السيد.
واحدة من أكثر المقولات التي تناولت الباحثة كيفية تشكلها والصراع الناشئ حول المعنى حولها، مقولة "مصر للمصريين". الحالة التي تغيرت عن عام 1798، والتي يصفها كتاب "صحوة المحكومين في مصر الحديثة" لمحمود حسين، بأن لم يكن هناك سوى "رعايا السلطان"، لم يتمتعوا بعد بضمير ذاتي مستقل، بل اعتبروا ألا سيطرة لهم على موقعهم ودوره في النظام السياسي والاجتماعي. كما لم يظهر الكيان المصري، بوصفه حيّزاً لهوية جماعية واعية، بل انتمى المصريون إلى جماعات تقليدية منغلقة على نفسها.
إعادة التفكير في مقولة "مصر للمصريين" في 2024، تجعلنا نقف كثيراً لتحديد ما هو المقصود من شطري الجملة؛ مصر أم "إيجيبت"؟ هذه المفارقة ليست متعلقة بفكرة الهوياتية، بقدر ما باتت متعلقة بضمانات الوجود الإنساني التي تسهم في تعيين المواطن من غير المواطن، ما إن كان ذي حيثية أم لا، أما المقصود بـ "المصريين"، فهم بالتأكيد ليسوا عوام أو فلاحين أو عمال يومية أو سكان عشوائيات.
وفق هذه الصورة يتبين ما أعنيه بالصراع على المعنى، فما نعرفه مثلاً عن مصطفى كامل أنه كان "رجلاً وطنياً" بدون الغوص والتفكير في مضمون هذه الوطنية، وما إن كانت "وطنيته" شيئا طبيعياً وجد نفسه يكرّره ويتحمس لأجله، أم أن "وطنيته" كانت شيئاً مكتسباً، أو معنى انخرط وغيره في الصراع حول تعريفه.
وبقدر ما تظهر مقولة "الوطنية" باعتبارها كلمة مفهومة تشرح نفسها بنفسها، إلا أن التبسيط ليس بالشيء المفيد دائماً، وخصوصا في لحظات مأزومة كتلك التي نعيشها، ولربما يرى الكثير بأن لا وقت للجدال حول "الوطنية"، فيكفي فقط الجري وراء "لقمة العيش".
إعادة التفكير في مقولة "مصر للمصريين" في 2024، تجعلنا نقف كثيراً لتحديد ما هو المقصود من شطري الجملة؛ مصر أم "إيجيبت"؟ هذه المفارقة ليست متعلقة بفكرة الهوياتية، بقدر ما باتت متعلقة بضمانات الوجود الإنساني التي تسهم في تعيين المواطن من غير المواطن
*****
ربما يساعد هذا السرد على فهم ما تحتويه مقولة "العالم تغير كثيراً" من حقائق موضوعية، ما يجعل التشويش والغموض ينتابا عدد من مقولات أطراف الجدالات الفكرية التي يلتهب بها فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، بالتالي يظهر ما يقال من آراء وتوجيهات ونقد... إلخ حول الحرب الدائرة في غزة أو حتى عن أزمتنا الداخلية -الاقتصادية/السياسية/الاجتماعية- في مصر، كل هذا يظل أقرب إلى انطباعات وتفضيلات ذاتية، تجد الحماس وتتشدّق بمقولات وعبارات دينية تارة، وقومية تارة أخرى، فقط حين يتعلّق الأمر بفلسطين، لكن ماذا عن السودان وما يدور فيها، وما نراه من مصالح مشتركة متعلقة بوحدة وادي النيل مثلاً؟
المشكلة بصدد المواقف، أو بمعنى أدق الانطباعات، ليست في قطيعة بين السلطة والشعب، أو بين المثقفين والمجتمع، لكن المشكلة تمتد لحالة انقسام عميقة بين المثقفين والمهتمين بالرأي العام أنفسهم، تمنع أي أمل بثقافة مجتمعية أو تقدم فكري قابلين للاستمرار، ويرجع هذا لغياب القيم المعترف بها من مجموع النخبة، التي لم تشكل في مجرى تطورها أي "بداية ثقافية أو اجتماعية"، بداهة تؤسس لما يمكن تسميته "بفهم مشترك" لما يحدث وما يستجد من موضوعات، لكي يظل موقع المتسائل بصدد ما يتعيّن فعله، مجرد موقع شخصي، لا ينشغل بالتعقيدات والمواقف المركبة، ولا يهتم بمن يشاركه موقفه -إذا وُجدت ضرورة أصلاً للمشاركة- أو من يعارضه.
وبدلاً من السعي نحو مفهوم ودور للمثقف الاجتماعي، أو "المثقف العضوي" بالمفهوم الجرامشي -المصطلح الذي ابتُذل كثيراً- يصبح مفهوم "المثقف" نفسه معيار لتأكيد التفاوت، وإظهار التفوق والاختلاف. وفي حقيقة الأمر لا أعلم ما المعنى المنتظر والغاية المنشودة للتفوق والاختلاف في ظل مجتمع كمصر، يعاني من تفاقم ظاهرة "أمية المتعلمين"؟
بالعودة إلى الواقعة التي أثارت قضية "الجنسية المصرية" والصراع على المعنى بخصوص مفاهيم "الوطنية والاستقلال"، نجد سوريين وشوام في قلب الدفاع عن "قضية مصرية"، أما اليوم فنجد الكثير من التبجّح على السوريين والسودانيين المقيمين في مصر، واستغلال تواجدهم باعتباره "سبباً" ينغّص العيش على المصريين.
ربما ما يجمع عديد من الآراء اليوم هو "عجزها". ليس عجز عن الفعل فقط، بل إن جانب كبير من العجز يأتي من صعوبة تخيل أن هناك شيئاً ما ينبغي فعله بالأساس، إذ تندفع الآراء وراء سؤال: ما العمل؟ أملا في الحصول على إجابات جاهزة أو حلول سحرية، بينما يفوت على الكثير التطرق قبلا لسؤال: ماذا يحدث؟
في مقدمة كتابه "فلسفة الفوضى"، يعيد المفكر سلافوي جيجك مقولة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ الشهيرة: "الوضع ممتاز طالما فوضى كثيرة تسود تحت السماء"، ويعقد جيجك مقارنة بين ما قصده ماو "بالوضع الممتاز"، عندما يتفكك النظام الاجتماعي القائم، تتيح الفوضى التي تلي ذلك للقوى الثورية فرصة سانحة للتحرّك بحزم، ويتساءل جيجك: ألا تزال هذه الفوضى تجعل الوضع ممتازاً، أم أن مخاطر التدمير الذاتي مرتفعة للغاية؟
أما بخصوص الوضع الذي تظهر به الفوضى في أيامنا الحالية، فهي تتجه للخيار الثاني، حيث ما زالت هناك احتمالات مرتفعة للغاية نحو التدمير، لاسيما وقد فُرض علينا التفكير فيما يحدث، بينما هناك إبادة لم يتحدّد بعد الثمن المقابل لوقفها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع