منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، واجه النظام السوري ممثلاً برئيسه بشار الأسد تغيرات جذرية في علاقاته الإقليمية والدولية. وفي الوقت الذي ضحى فيه بالحاضنة العربية و-القبول النسبي- العالمي، اختار حينها حرق مراكبه واعتمد بشكل رئيسي على دعم إيران وحزب الله، إلى جانب روسيا التي قدمت دعماً عسكرياً وسياسياً حاسماً.
لكن السنوات العشر الأخيرة غيّرت كل شيء، بما في ذلك الثقة العمياء بالحلفاء الذين انشغل بعضهم بحروبه، وأصبح بعضهم محل شك، وعلى الرغم مما يمكن تسميته بالتضحيات السياسية التي قدمها الأسد كرامة لهذه التحالفات، طرأت تحولات كبرى على المشهد، خاصة في ضوء انشغال إيران وروسيا في قضايا دولية أخرى، فضلاً عن التقارب السوري التركي ومحاولات سوريا العودة إلى الحاضنة العربية. فهل يقف الأسد اليوم وحيداً؟
تراجع دعم حزب الله وإيران
كان حزب الله الحليف الأبرز للنظام السوري خلال الحرب الأهلية على امتداد سنواتها وتحولاتها. فقد تدخل الحزب بشكل مباشر في المعارك داخل سوريا لدعم النظام في مواجهة المعارضة، سواء تلك السلمية، أو المسلحة.
منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، ضحّى النظام السوري ممثلاً برئيسه بشار الأسد بالحاضنة العربية و-القبول النسبي- العالمي، اختار حينها حرق مراكبه واعتمد بشكل رئيسي على دعم إيران وحزب الله، إلى جانب روسيا التي قدمت دعماً عسكرياً وسياسياً حاسماً. لكن السنوات العشر الأخيرة غيّرت كل شيء، فهل يقف الأسد اليوم وحيدًا؟
لكن دخول حزب الله كجبهة إسناد في الحرب مع إسرائيل منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أظهر بوضوح عدم رغبة النظام السوري بالتدخل بشكل مباشر لدعم حليفه التاريخي. وحتى حين وجهت إسرائيل ضربات مباشرة داخل الأراضي السورية، كان التوعد بالرد يأتي من إيران أو من حزب الله، أي من خارج سوريا، لذا يُعتقد أن النظام السوري يتجنب التورط في صراع إقليمي جديد قد يزيد من معاناته الداخلية، خاصة مع التغيرات في العلاقات مع إيران.
إلى ذلك، تشير تقارير إلى أن إيران قد تراجعت عن تقديم الدعم الكامل لحزب الله نتيجة المفاوضات النووية مع الغرب. وإن طهران خففت من دعمها لحلفائها في المنطقة، مثل حزب الله، لتجنب تصعيد الصراع مع إسرائيل والولايات المتحدة في هذه المرحلة الحساسة.
من ناحية أخرى، تفيد دراسات غربية بأن تصعيد المواجهة بين حزب الله وإسرائيل كان مؤشراً واضحاً على تراجع التصعيد أو حتى السعي للتهدئة بين طهران وتل أبيب، كيف هذا؟ بالبناء على طريقة الرد الإيراني يوم قصف تل أبيب بصواريخ تم صد 99% منها، وبترتيب مسبق من الولايات المتحدة.
تراجع الدعم الروسي بسبب الحرب الأوكرانية
تلعب روسيا دوراً محورياً في حماية النظام السوري منذ تدخلها العسكري في سوريا عام 2015. ومع ذلك، أدت الحرب في أوكرانيا إلى تراجع التأثير الروسي في سوريا. وفقاً لتقارير، بدأت روسيا في سحب بعض قواتها من سوريا لتلبية احتياجاتها في الحرب ضد أوكرانيا، تاركةً بعض الفراغات التي شغلتها القوات الإيرانية أو الموالية لها. على الرغم من ذلك، لا تزال روسيا تحتفظ بقاعدتيها الجوية والبحرية في سوريا، ولكن قدرتها على التأثير المباشر قد تراجعت بسبب انشغالها في أوكرانيا.
تراجعُ الدعم الروسي للنظام السوري بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا أصبح واضحاً على عدة مستويات. روسيا، حيث تم نقل بعض القوات والخبراء الروس من سوريا إلى أوكرانيا، خاصة القوات الجوية والبشرية التي كانت تلعب دورًا هامًا في العمليات العسكرية السورية.
في حين أن روسيا لم تتخل بالكامل عن سوريا، إلا أن وجودها العسكري قد انخفض، مما أعطى إيران وحلفاءها فرصة لتعزيز وجودهم العسكري على الأرض السورية. كما تراجعت المساعدات المالية الروسية إلى سوريا نتيجة العقوبات الدولية المفروضة على روسيا وتوجيه الموارد نحو الجبهة الأوكرانية.
إضافة إلى ذلك، تراجع الخط البياني للتعاون الروسي-السوري في المجال الاقتصادي بشكل ملحوظ، إذ كانت روسيا تقدم إمدادات غذائية ومساعدات إنسانية إلى سوريا، إلا أن هذه الموارد بدأت تنحسر مع توجيه روسيا دعمها نحو المناطق التي ضمتها في أوكرانيا.
ومع ذلك، لا تزال موسكو تحاول الحفاظ على نفوذها في سوريا من خلال الوساطة في محادثات التقارب بين سوريا وتركيا ومحاولة استقرار الأوضاع في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري. لكن عدم وجود دعم مكثف يترك النظام السوري أمام تحديات اقتصادية وعسكرية كبيرة، لا سيما في ظل استمرار الصراعات الداخلية والضغوط الدولية.
دخول حزب الله كجبهة إسناد في الحرب ضد إسرائيل أظهر بوضوح عدم تدخل النظام السوري لدعم حليفه التاريخي، وحتى حين وجهت إسرائيل ضربات مباشرة داخل الأراضي السورية، كان التوعد بالرد يأتي من إيران أو من حزب الله.
في النهاية، يمكن القول إن الحرب الأوكرانية قللت من قدرة روسيا على دعم النظام السوري كما كان في السنوات السابقة، مما يترك سوريا تبحث عن دعم بديل ووسائل أخرى للحفاظ على استقرارها.
هل العودة إلى الحاضنة العربية ممكنة؟
على الرغم من رغبة النظام السوري في العودة إلى الحاضنة العربية، لا تزال قضايا تهريب المخدرات، خاصة الكبتاغون، عبر الحدود السورية تمثل عائقاً كبيراً أمام تحسين العلاقات مع الدول العربية.
فالأردن مثلاً يواجه تحديات متزايدة على حدوده مع سوريا بسبب تهريب المخدرات والأسلحة، وهو ما دفع المملكة إلى اتخاذ خطوات أكثر صرامة لمكافحة هذه الأنشطة التي تشكل تهديداً لأمنها القومي. في السنوات الأخيرة، تصاعدت عمليات التهريب، خاصة الكبتاغون، وهو المخدر الذي يتم إنتاجه بكميات ضخمة في سوريا ولبنان، ويُستهلك بشكل كبير في دول الخليج، مما يزيد من الضغط على الأردن، الذي يشكل نقطة عبور رئيسية لهذه العمليات.
في عام 2023، قام الأردن بعدة ضربات جوية استهدفت مستودعات ومخابئ في جنوب سوريا مرتبطة بشبكات تهريب مدعومة من إيران، مما يشير إلى حجم التهديد المتزايد. في الوقت نفسه، عبرت السلطات الأردنية عن قلقها من استخدام أسلحة متقدمة من قبل المهربين، بما في ذلك القذائف الصاروخية والألغام والطائرات بدون طيار. هذه التطورات تزيد من خطورة الصراع على الحدود، خاصة أن شبكات التهريب أصبحت أكثر استعدادًا لاستخدام العنف لمواجهة الجهود الأردنية لإحباط عملياتهم.
الأردن لا يواجه فقط تهديدات من تهريب المخدرات، ولكن أيضاً من تهريب الأسلحة، الذي زاد بسبب انخراط الميليشيات المدعومة من إيران وحزب الله في تلك الأنشطة. في الوقت نفسه تضغط السعودية على الأردن لاتخاذ خطوات حاسمة لوقف تدفق المخدرات، التي تشكل هذه الأنشطة خطراً كبيراً على دول الخليج، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة في محاولاتهم لاختراق الحدود، وهو ما أدى إلى اشتباكات عنيفة في بعض الأحيان، مثل تلك التي وقعت في كانون الأول/ ديسمبر 2023، إذ تم إحباط محاولة تهريب ضخمة شملت كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة. الرد الأردني شمل أيضاً تعزيز التعاون العسكري مع حلفاء مثل الولايات المتحدة، لضمان تأمين الحدود وتطوير قدرات المراقبة والرد السريع، خاصة في مواجهة التهديدات المتزايدة من المهربين والمليشيات المدعومة من الخارج.
وبالإضافة إلى تهريب المخدرات، هناك عدة تحفظات رئيسية من الدول العربية تجاه عودة النظام السوري إلى الحاضنة العربية. أبرزها الجرائم الإنسانية الجسيمة لحقوق الإنسان، وعلى رأس هذه الدول السعودية وقطر، اللتان لا تزال لديهما تحفظات كبيرة بشأن عودة النظام السوري بسبب الانتهاكات التي ارتكبها النظام خلال الحرب الأهلية، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية وقصف المدنيين. رغم أن بعض الدول مثل الإمارات ومصر تبدي مرونة أكبر، فإن هذه القضايا تمثل عقبة رئيسية أمام عودة سوريا إلى الجامعة العربية بشكل كامل.
إلا أن هذه التحفظات بدأت بالذوبان مؤخراً على ما يبدو مع إعلان السعودية في أيلول/ سبتمبر 2024، إنما ليس بأعلى تمثيل دبلوماسي بصفة سفير، بل بصفة القائم بالاعمال بالإنابة عبدالله الحريص الذي أعلن إعادة افتتاح أعمال السفارة في دمشق، وأشار إلى أن ذلك اليوم يعد "لحظة مهمة في العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين"
وأكد القائم بالأعمال بالإنابة "حرص السفارة ومنسوبيها على بذل كافة الجهود لتعزيز العلاقات الثنائين بين البلدين".
أما العقبة الكبرى فهي النفوذ الإيراني، فالعديد من الدول العربية، وخاصة دول الخليج، تشعر بالقلق من النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا. تُعد إيران أحد الداعمين الرئيسيين للنظام السوري، وهذا الدعم يعزز وجودها العسكري والسياسي في المنطقة. دول مثل السعودية والإمارات تعتبر النفوذ الإيراني تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، مما يجعل عودة سوريا تحت قيادة بشار الأسد المدعوم من إيران خطوة غير مرحب بها.
تراجع الدعم الروسي للنظام السوري بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا على عدة مستويات. فتم نقل بعض القوات والخبراء الروس من سوريا إلى أوكرانيا، خاصة القوات الجوية والبشرية التي كانت تلعب دورًا هامًا في العمليات العسكرية السورية. مما أعطى إيران وحلفاءها فرصة لتعزيز وجودهم العسكري على الأرض السورية
كذلك هناك قلق واسع بين الدول العربية بشأن التزام النظام السوري بحل سياسي للصراع. حتى الآن، لم يقدم النظام تنازلات كبيرة في المفاوضات الدولية مثل محادثات جنيف أو أستانا، مما يثير الشكوك حول قدرته على تنفيذ إصلاحات سياسية أو إعادة بناء البلاد بعد الحرب.
لذا سيظل النظام السوري عارياً من الدعم العربي، مما يثير التساؤلات حول داعميه، في ظل تراجع إيران، وانشغال حزب الله في حربه مع إسرائيل عدا اغتيال قياداته، وانشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا؟
الالتفاف شمالاً... إلى الأتراك
من التحولات البارزة الأخرى هو التقارب الأخير بين النظام السوري والحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان. فمنذ بداية الحرب السورية، كانت تركيا من أكبر داعمي المعارضة السورية المسلحة، إلا أن الظروف السياسية والاقتصادية دفعت أنقرة ودمشق إلى البحث عن سبل لتحسين العلاقات. تقارير تفيد بأن هناك جهوداً تركية سورية بوساطة روسية لتخفيف حدة التوتر وإيجاد صيغة توافقية بين البلدين، وهو ما قد يساعد النظام السوري على تأمين مصالحه في ظل تراجع دعم حلفائه التقليديين.
لذا، يأتي هذا التقارب كجزء من إستراتيجية سورية لمواجهة ضعف "محور المقاومة" الذي كانت تقوده إيران وحزب الله، خصوصاً مع انشغال إيران بالتعامل مع الغرب بشأن الملف النووي، مما يجعل سوريا تبحث عن تحالفات جديدة لضمان استقرارها الإقليمي.
في الوقت نفسه، لا يمكن التغاضي عن أن التقارب الأخير بين سوريا وتركيا يأتي في إطار معقد يعتمد على عدة عوامل إستراتيجية، أبرزها العدو المشترك بين الطرفين: الأكراد. دمشق وأنقرة تعتبران القوات الكردية في شمال شرقي سوريا، وخاصة قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، تهديدًا لأمنهما الوطني. تركيا، منذ فترة طويلة، تعتبر هذه القوات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي يخوض تمرداً ضد الحكومة التركية منذ الثمانينيات، وهو ما يدفع أنقرة إلى محاولة القضاء على الطموحات الكردية في تلك المنطقة. في المقابل، تسعى دمشق لاستعادة السيطرة على الأراضي الغنية بالنفط التي يسيطر عليها الأكراد منذ عام 2014.
تركيا تأمل أن يؤدي التقارب مع سوريا إلى نوع من التعاون العسكري الذي يحد من نفوذ القوات الكردية ويفضي إلى سحب دعم الولايات المتحدة للأكراد. لكن هذه الطموحات تصطدم بمصالح دولية أخرى، مثل الولايات المتحدة، التي لا تزال تحتفظ بقوات صغيرة في شمال شرقي سوريا لدعم الأكراد في حربهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
على الجانب السوري، يدرك بشار الأسد أن الأكراد، بدعمهم الأمريكي، قد أصبحوا عقبة كبيرة أمام استعادة سيطرته الكاملة على البلاد. وبالتالي، قد يجد في التقارب مع تركيا وسيلة لمواجهة الأكراد، لكنه في الوقت نفسه يريد ضمان انسحاب كامل للقوات التركية من الأراضي السورية كجزء من اتفاقية التطبيع السورية التركية.
أفلحت الوساطة الروسية في إيجاد صيغة توافقية بين تركيا وسوريا، وهو ما قد يساعد النظام السوري على تأمين مصالحه في ظل تراجع دعم حلفائه التقليديين. بالأخص مع بقاء الأكراد كعدو مشترك للفريقين.
لكن، في النهاية، لا يزال التقارب بين تركيا وسوريا هشاً، إذ سيعتمد نجاح هذه المحادثات على كيفية التعامل مع الأكراد، بالإضافة إلى انسحاب تركيا من الأراضي التي تسيطر عليها في شمال سوريا. هذه المعادلة تعقد الوضع وتجعل من الصعب التنبؤ بنتائج نهائية سريعة.
ومع استمرار الضغوط الاقتصادية والعسكرية، وتراجع الدعم من إيران وروسيا، يبدو أن النظام السوري يحاول اتباع إستراتيجية براغماتية تجمع بين تحسين علاقاته مع دول الجوار مثل تركيا ودول الخليج، والحفاظ على الحلفاء التقليديين مثل إيران وروسيا، وإن كان بنطاق أضيق.
مع ذلك، يتوجب على النظام السوري تقديم تنازلات أكبر، خاصة فيما يتعلق بوقف تهريب المخدرات وضمان أمن الحدود، إذا كان يرغب في استعادة "الثقة" من الدول العربية وضمان الدعم الاقتصادي والسياسي اللازم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...