شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
إيران تتراجع خطوتين إلى الوراء… هل يكون حزب الله قربان الاتفاق النووي؟

إيران تتراجع خطوتين إلى الوراء… هل يكون حزب الله قربان الاتفاق النووي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 25 سبتمبر 202404:05 م

بين تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وبداية الحرب الإسرائيلية على غزة، وأيلول/ سبتمبر 2024 وبدء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، تغيرت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن دور بلادهم في الصراع بين إسرائيل وحزب الله بشكل ملحوظ.

في البداية كان الخطاب الإيراني الرسمي داعمًا بشدة لتصعيد المواجهة مع إسرائيل عبر حزب الله، إذ رأى في ذلك وسيلة لتعزيز نفوذها الإقليمي. لكن مع مرور الوقت، بدأت تلك التصريحات تتراجع تدريجيًا، فبعد كُل الحديث عن وحدة الساحات، أي ساحات محور الممانعة، يبدو اليوم أن لا ساحة إلى حزب الله، ولبنان بالطبع، فما الذي حدث؟

دعم جبهة الإسناد ووحدة الساحات

في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التقى وزير الخارجية الإيراني السابق، حسين أمير عبد اللهيان بأمين عام حزب الله، حسن نصر الله، وحذّر من تصعيد أوسع إذا لم توقف إسرائيل هجماتها على غزة. وأكّد أن "محور المقاومة" على استعداد للتحرك إذا استمر العدوان الإسرائيلي.

وفي 31 من الشهر نفسه، خلال زيارة إلى قطر، صرّح عبد اللهيان بأن دول محور المقاومة "لا تنتظر قرارات سياسية" للتحرك ضد إسرائيل، مما يظهر التزام إيران بالتحالفات العسكرية في المنطقة. 

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة وحتى اليوم تغيرت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن دور بلادهم في الصراع بين إسرائيل وحزب الله بشكل ملحوظ. فبعد كُل الحديث عن وحدة الساحات، أي ساحات محور الممانعة، يبدو اليوم أن لا ساحة إلى حزب الله، ولبنان بالطبع، فما الذي حدث؟

في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، تحدّث نصر الله في خطابه عن إمكانية حدوث تصعيد كبير بدعم إيراني إذا استمرت إسرائيل في هجماتها، مؤكدًا أن التحالف مع إيران قوي. بينما أكّد عبد اللهيان على كلام الأمين العام لحزب الله في تصريحه الذي تبع هذا التصريح بأسبوع قائلاً: "الفصائل المتحالفة مع إيران تضبط عملياتها ضد إسرائيل وحلفائها، وجماعات المقاومة لا تزال لديها قدرات لم تستخدمها بعد للضغط على إسرائيل".

في بداية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بدأ الحرس الثوري الإيراني بالتركيز على أن دعم حزب الله في لبنان يظل جزءًا من إستراتيجيتها الأوسع، وبعد مقتل القيادي في الحرس الثوري المسؤول عن وحدة إسناد محور المقاومة سيد رضى موسوي في قصف إسرائيلي على منزله في السيدة زينب، توعّدت إيران بأشد العبارات بالرد على إسرائيل والانتقام منها. وأنه "يتعين على تل أبيب أن تنتظر عداً تنازلياً صعباً" بعد مقتل موسوي، وأعلنت وزارة الدفاع الإيرانية أن "الرد على هذه الجريمة سيكون صارماً ومؤثراً في الوقت والمكان المناسبين وبالطريقة التي نراها ملائمة".

تغير الخطاب منذ بداية العام

مع بداية العام 2024 كانت لكنة التوعد ودعم الحلفاء في الخطاب الإيراني قد وصلت ذروتها منذ بداية الحرب على غزة، وتدخّل حزب الله لتشكيل جبهة إسناد، من خلال التشديد على خطاب الانتقام الذي بلغ ذروته في 14 نيسان/ أبريل 2024 مع الليلة التي أطلقت فيها إيران الصواريخ الباليستية باتجاه تل أبيب، والتي ذكرت عدة مواقع أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت على علم مسبق بها.

وقد استهدفت الصواريخ عدة مناطق وصلت إلى تل أبيب فيما قيل إنه "رد على عملية اغتيال قيادات إيرانية عسكرية بالقنصلية الإيرانية بسوريا".

ويرى محللون أن هذه الهجمة التي قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري إن معظم الصواريخ التي أطلقتها إيران صُدّت واعتُرض نحو 99% منها، كانت "لحفظ كرامة إيران" و"إنزالها عن الشجرة" وبداية انسحابها من الدعم لحليفها الأهم في المنطقة حزب الله، تمهيداً لاستئناف المفاوضات بشأن الملف النووي، فبعد استهدافها لإسرائيل بشكل مباشر، تكون إيران قد قدمت المطلوب منها والتزمت بتعهدها بضرب إسرائيل، فيما أطلقت عليه اسم "الوعد الصادق". 

وصلت تهديدات إيران بالتدخل ذروتها في نيسان/ أبريل 2024 مع الليلة التي أطلقت فيها إيران الصواريخ الباليستية باتجاه تل أبيب. ويرى محللون أن هذه الهجمة التي علمت الولايات المتحدة بها مسبقًا، كانت "لحفظ كرامة إيران" وإنزالها عن الشجرة 

لاحقاً ومع مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته في أيار/ مايو 2022 في حادثة سقوط طائرته، والالتفات للشأن الداخلي الإيراني، ومع ما تبع هذه المرحلة من انتخاب رئيس محسوب على التيار الإصلاحي، ومعروف برغبته بالمضي قدماً في الاتفاق النووي مع الديمقراطيين، بدأت التصريحات الإيرانية الداعية للانتقام وتوسّع الحرب والملتزمة بدعم "محور المقاومة" بالتراجع قليلًا عن ذي قبل، بما في ذلك التوعد بالانتقام لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أراضيها في 31 تموز/ يوليو الماضي، إذ صرح أكثر من مسؤول إيراني بأن إيران تنتظر اللحظة المناسبة لحق الرد، كما قال عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني محسن رضائي، حول سبب تأخير رد إيران على مقتل إسماعيل هنية في طهران: "إننا نقف في كمين، ونرصد إسرائيل، وبكل تأكيد سنرد على مقتل إسماعيل هنية".

لكن، منذ الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، تصاعدت التساؤلات عن الموقف الإيراني غير المحسوم، والذي "كان يفترض به" حسب التصريحات الرسمية منذ بداية العام دعم الحليف الأقوى لها في المنطقة، لا سيما في ظل ضعف النظام السوري وعدم تمكنه من "تقديم الدعم" أو "رد الجميل" لحزب الله كما يرى البعض.

ومؤخراً، صرّح الرئيس الإيراني بزكشيان خلال وجوده في نيويورك لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن حزب الله لن يقف بمفرده في مواجهة إسرائيل. قائلًا: "لا يمكن لحزب الله أن يواجه بمفرده دولة تدافع عنها وتدعمها وتزودها الإمدادات دول غربية ودول أوروبية والولايات المتحدة". وهو التصريح الذي رفع وتيرة التخمينات حول المقصود بكلمة "بمفرده".

يقول المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني حسين شبكشي، في لقاء مع صحيفة عكاظ عن المرحلة الحالية في السياسة الخارجية الإيرانية: "إيران تطغى عليها عقلية التاجر الأصفهاني القديم صاحب خان السجاد في البازار العتيق، إنه موعد الصفقات. تصريحات الرئيس الإيراني الجديد والمليئة بنبرات اللطف والمودة بحق (الشيطان الأكبر) أمريكا تؤكد أن المزاج السياسي الواقعي فرض نفسه في المرحلة الحالية. حماس وحزب الله -تُركا- ليدبرا نفسيهما ويواجها إسرائيل. تارة بحجة أن حماس لم تنسق مع طهران قبل عملياتها في أكتوبر، وتارة أن حزب الله ليس بحاجة لمن يدافع عنه".

ويضيف: "هذا يؤكد أيضاً أن صمت النظام في سوريا تماماً عن كل ما يحصل لحليفه الأهم في المنطقة حزب الله يؤيد وجهة النظر التي تؤكد أن بشار الأسد أدرك أن هناك من قرر التضحية بحزب الله وبالتالي الدفاع عنه الآن هو معركة خاسرة وسوريا لن تستطيع تحمل ذلك، وخصوصاً في ظل برود الموقف الإيراني وإنهاك الروس مالياً في حربهم ضد أوكرانيا".

هل بزكشيان السبب؟

على الرغم من ربط هذا التحول بوجود رئيس إصلاحي في سدة الحكم، يعتقد الكثير من المتابعين أن هذه السياسة العليا لا علاقة لها بإبراهيم رئيسي أو مسعود بزشكيان. بل إنها تعكس تحولاً براغماتيًا تقوده المؤسسة الدينية الإيرانية، وخاصة المرشد الأعلى علي خامنئي. بما في ذلك بعض التحليلات التي أصدرها "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية"، التي ترى بأن المرشد الأعلى الإيراني "بارك" وصول بزكشيان إلى سدة الحكم، ليلقي على عاتقه مسؤولية التحول من الدعم المطلق للوكلاء في المنطقة إلى التركيز على الشأن الداخلي الإيراني. لا سيما أن كل القرارات المتعلقة بالحرس الثوري الإيراني، و"محور المقاومة" تُتخذ من قبل المؤسسة الدينية لا مؤسسة الرئاسة. 

مؤخراً، صرّح الرئيس الإيراني بالقول: "لا يمكن لحزب الله أن يواجه بمفرده دولة تدافع عنها وتدعمها وتزودها الإمدادات دول غربية ودول أوروبية والولايات المتحدة". وهو التصريح الذي رفع وتيرة التخمينات حول المقصود بكلمة "بمفرده"

مؤخراً، صرّح الرئيس الإيراني بزكشيان خلال وجوده في نيويورك لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن حزب الله لن يقف بمفرده في مواجهة إسرائيل. قائلًا: "لا يمكن لحزب الله أن يواجه بمفرده دولة تدافع عنها وتدعمها وتزودها الإمدادات دول غربية ودول أوروبية والولايات المتحدة". وهو التصريح الذي رفع وتيرة التخمينات حول المقصود بكلمة "بمفرده".

فمنذ بداية الحرب والهجمات بين إسرائيل وحزب الله، ظلّت إيران تدعم الحزب بقوة كجزء من "محور المقاومة". لكن هذه السياسة بدأت تتغير لتجنب تصعيد واسع النطاق قد يؤدي إلى تدخل دولي أكبر أو تداعيات سلبية على إيران نفسها، ولعل تراجع الخطاب الإعلامي لا يقارن بتراجع الدعم اللوجستي.  

فوفقًا لمصادر بحثية مثل المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن تشاتام هاوس، فإن إيران ظلت ملتزمة بدعم "المقاومة" ضد إسرائيل، ولكنها بدأت في توجيه الحزب نحو اتخاذ قراراته بشكل مستقل، مع محاولة تحييد نفسها عن المواجهة المباشرة.

وبحسب دراسة "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية"، فالمرشد الأعلى علي خامنئي هو القوة المحركة لهذا التوجه الجديد، إذ رأى أن استقرار النظام في إيران يعتمد على التوازن بين دعم حلفائها الإقليميين والحفاظ على استقرار داخلي.

وبزشكيان، برغم كونه محسوبًا على التيار الإصلاحي، لم يسعَ إلى تغيير سياسات إيران الخارجية الأساسية فيما يتعلق بمحور المقاومة، وبدلاً من ذلك، عمل على الحفاظ على نهج براغماتي يعكس توجيهات خامنئي الصارمة. كما يضاف إلى الأسباب السابقة التي دفعت إيران لتغيير نهجها من الدعم المطلق لوكلائها في المنطقة صعود اليمين المتطرف في أوروبا، والذي يغير كل حسابات التقارب والتباعد من وجهة نظر الأوروبيين.

بالتالي، يمكن القول إن هذا التحول كان مدفوعًا بمتطلبات إستراتيجية، أكثر منه نتيجة لتغير في الرئاسة الإيرانية، وهو ما يظهر ويُثبت استمرار النفوذ المركزي للمرشد الأعلى في تحديد التوجهات الرئيسية للسياسة الخارجية.

حدث سابقًا مع الحوثيين

التحولات البراغماتية في السياسة الإيرانية ليست جديدة، وتعود إلى عقود من التعامل مع الأزمات الإقليمية والدولية. هذه التحولات تأتي استجابةً لمخاطر خارجية تهدد مصالح النظام الإيراني، وتشمل التخلي عن مواقف متشددة لصالح حلول دبلوماسية أو تراجع في دعم الحلفاء لتجنب مواجهات مباشرة قد تكون مكلفة. 

تاريخيًا، غيرت إيران استراتيجيتها بالكامل أكثر من مرة، أهمها حين تراجعت عن برنامجها النووي بعد أن تأكدت أن الولايات المتحدة ستشن حربًا ضدها كما فعلت مع العراق، وكذلك حين خففت من دعم الحوثيين بعد تحسّن علاقتها بالسعودية في العام 2023 

أبرز الأمثلة على هذا النهج البراغماتي هو التراجع الذي حدث في البرنامج النووي الإيراني. بعد سنوات من التصعيد حول تطوير قدرات إيران النووية، أدركت القيادة الإيرانية أن الولايات المتحدة قد تذهب إلى حرب كما فعلت مع العراق في عام 2003 بسبب ما اعتبرته تسليحًا نوويًا يهدد المنطقة.

في هذا السياق، بدأت إيران في تقديم تنازلات دبلوماسية، وصلت إلى توقيع الاتفاق النووي (JCPOA) في عام 2015 مع القوى العالمية. الهدف الرئيسي من هذا الاتفاق كان رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران في مقابل الحد من تطوير برنامجها النووي. هذا الاتفاق جاء كاستجابة لخطر تصاعد الضغط الدولي وتهديدات عسكرية محتملة

مثال آخر على هذا النهج هو التغير في الموقف الإيراني تجاه الحوثيين في اليمن. في السنوات الأولى للحرب الأهلية في اليمن، كانت إيران داعمًا قويًا للحوثيين، سواء من خلال توفير الأسلحة أو تقديم الدعم اللوجستي. ومع ذلك، شهدت العلاقات الإيرانية السعودية تحسنًا ملحوظًا في عام 2023، بعد توقيع اتفاقية بين الطرفين بوساطة صينية. وضمن هذا التحسن، بدأ الإيرانيون في تخفيف دعمهم للحوثيين بشكل تدريجي بقصد تحسين العلاقات مع السعودية، بهدف تعزيز الاستقرار الإقليمي وتجنب تصعيد جديد مع دول الخليج.

يبقى السؤال هل تخفيف الدعم أو تغيير نوع التحالف يعد شكلاً من أشكال التخلي عن الوكلاء، أم هي مجرد مناورات سياسية بالاتفاق بهدف الحفاظ على مناطق قوة في "محور المقاومة"؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image