جلال الدين سادات آل أحمد (3 ديسمبر/كانون الأول 1923 - 9 سبتمبر/أيلول 1969)، المعروف باسم جلال آل أحمد، كان مفكراً وكاتباً وناقداً أدبياً ومترجماً اشتراكياً إيرانياً، ويمكن عَدّه الكاتب الأكثر إثارة للجدل في إيران بالقرن العشرين، حيث لا يزال الحديث عن تراثه الفكري وتأثيره على التيارات السياسية والاجتماعية والفكرية في إيران موضوعاً ساخناً.
ذاع صيت آل أحمد بسرعة كبيرة، وذلك برغم عمره القصير، إذ اعتبر أهم كاتب ومفكر إيراني في خمسينیات قرن الماضي، لظهور جوانب مختلفة ومتناقضة كثيرة في شخصيته ونتاجه، يمكن أن نشير منها إلى عضويته في حزب "توده" الشيوعي في إيران، وإكثاره في شرب الخمر بكثر، ودراسة العلوم الإسلامية في النجف، واهتمامه بالكيبوتس في إسرائيل.
يمكن عَدّ جلال آل أحمد الكاتبَ الأكثر إثارة للجدل في إيران بالقرن العشرين، حيث لا يزال الحديث عن تراثه الفكري وتأثيره على التيارات السياسية والاجتماعية والفكرية في إيران موضوعاً ساخناً
ومن أكثر كتبه إثارة للجدل، هو كتابه الذي ألفه عن رحلته إلى الحج، والذي نُشر تحت عنوان "قشة في الميقات" (بالفارسية: خَسي در ميقات). من خلال هذا الكتاب يصف ويحلل جلالُ، الوضع الثقافي والاجتماعي للمسلمين، خاصة في المملكة العربية السعودية، وبالنظر إلى محتوى هذا الكتاب، فقد أكد العديد من النقاد على تدينه وتمسكه بالتعاليم الإسلامية، ولكن في الآونة الأخيرة تم نشر مخطوطاته لهذا الكتاب، مما تدل هذه الكتابات الأولية على أن النص الرئيسي للكتاب، تعرض للرقابة سنوات قبل الثورة الإسلامية في إيران، وبحسب هذه النصوص، فلا يمكن اعتبار هذا الكتاب كتاباً دينياً بحتاً.
جلال آل أحمد... من طهران إلى النجف وثم إسرائيل
وُلد جلال آل أحمد في أسرة متدينة في حي نصر الدين بمدينة طهران. تنحدر عائلته من مدينة طالقان وبالتحديد من قرية أورزان، شمال إيران، والتي ألف جلال كتاباً عنها وعن تلك المنطقة.
مرت طفولته ومراهقته بنوع من الرفاهية الأرستقراطية الدينية، إذ كان يعيش في أسرة ثرية متدينة، وبعد إنهاء دراسته الابتدائية، لم يسمح له والده، أحمد طالقاني، بالدراسة في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يستسلم لحكم والده ودخل الثانوية رغماً عن إرادته.
بعد ذلك ذهب آل أحمد في سن العشرين إلى النجف بناءً على طلب والده لدراسة العلوم الإسلامية الفقهية والاستمرار بطريقة أو بأخرى على خطى أسلافه، حيث كان كل من حوله، من والده وأخيه وجده، رجال دين شيعيين. لكن جلال عاد إلى إيران بعد ثلاثة أشهر من هذه الرحلة.
عودة جلال هذه، كانت متأثرة بتعرفه أثتاء دراسته بالثانوية، على الأفكار اليسارية والمناهضة للدين للمفكر الإيراني أحمد كسروي، حيث أصبح هذا الأمر مقدمة لانضمامه إلى حزب "توده"، الذي كان عضواً في الحزب الشيوعي في إيران. وبحسب بعض النقاد فإن رجوع جلال المبكر من النجف وانسحابه من الدراسات الدينية، كان بسبب شكوكه حول أصل الدين.
انجذاب جلال للمثقفين، تسبب في طرده من منزل والده، وكان لهذا التحول سببان رئيسيان: الأول هو إدارة ظهره لرجال الدين، والآخر هو الانضمام إلى حزب "توده".
وفي عام 1943، عندما كان عمره 20 عاماً، دخل جلال جامعة طهران وتخرج في فرع اللغة والأدب الفارسيَين، حتى أنه واصل دراسته إلى مرحلة الدكتوراه في الأدب الفارسي، لكنه توقف في إكمال دراسته، وبدأ بالتدريس في أكاديمية طهران للفنون الجميلة للفتيان. في هذه الفترة، أصدر جلال أول كتاب له بعنوان "الزيارة".
وفي عام 1947، انفصل من حزب "توده" الذي أصبح بحسب مثقفين آخرين، بيدقاً في يد الحكومة السوفياتية، وألّف كتاب "من المعاناة التي نتحملها" والذي يحكي فيه قصص فشله في هذا الحزب.
بعد ثورة 19 أغسطس/آب 1953، التي نفذته الحكومة الأمريكية بمساعدةٍ بريطانية ضد حكومة محمد مصدق الوطنية في إيران، ووجهت ضربة قاصمة لجسد الباحثين عن الحرية والمناضلين ضد الاستبداد في إيران، أصيب جلال باكتئاب شديد. في هذه السنوات نشر كتابه "تاريخ خلايا النحل".
بعد ذلك، أصبح أحد المهتمين بفكرة الكيبوتس الاشتراكية في إسرائيل، ومن هذا المنطلق كتب مقالات عن "الاشتراكية الفلاحية الإسرائيلية" ونشرها في مجلة "إيرانيان"، حيث أنه خلال رحلته إلى إسرائيل عام 1961، والتي كانت على حساب الممثل السياسي لإسرائيل في طهران، تعرف على هذه الظاهرة عن كثب، برفقة زوجته الكاتبة سيمين دانِشوَر، وكان لهذه الرحلة العديد من المخالفين، منهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية اإيرانية الحالي، علي خامنئي، الذي يعتبر من معجبي آل أحمد.
كتاب "قشّة في الميقات" بدون رقابة
خلال رحلته لأداء فريضة الحج عام 1963، ألف جلال كتاب "قشّة في الميقات"، إذ كتب فيه: "تحت سقف تلك السماء وذلك الخلود، قرأت كل القصائد التي استطعت أن أتذكرها، ونظرت إلى نفسي عن كثب قدر استطاعتي حتى بزوغ الفجر، ورأيت أنني 'قشّة' جاءت إلى الميقات وليس شخصاً جاء إلى الميعاد ، وبرأيي إن الخلود هو الوقت، والميقات باستطاعته أن يكون في أي مكان".
صدر مؤخراً بحث من قبل ابن شقيقته محمد حسين دانائي، عن دار "رشديه" للنشر في طهران، حيث ركز دانائي خلاله على نسخة من مخطوطات كتاب "قشة في الميقات"، والرسائل والملاحظات التي كتبها جلال أثناء رحلته، والتي تحتوي على الأجزاء المحذوفة من هذا الكتاب. هذه السطور المحذوفة يمكن أن تغير تصور القارئ للكتاب والكاتب بشكل عام، وما يجعل هذه المخطوطات فريدة من نوعها هو تضمين تلك الأجزاء من قصة الرحلة التي تم حذفها من نص الكتاب في طبعته الأولى الصادرة عام 1966 عن دار "النيل" للنشر، أي ثلاث سنوات قبل وفاة جلال.
ما يقدمه هذا البحث، أن الاسم الأولي للكتاب هو "مروري على البدوية"، وليس "قشة في الميقات"، وما تم حذفه من النص النهائي بموافقة المؤلف هو آراؤه وأفكاره المعادية للدين، وميوله النقدية القوية تجاه التقاليد الناشئة عن المؤسسة التاريخية للدين، ولعل يأس جلال من التغييرات العلمانية في إيران أو خوفه من العواقب مثل هجمات السلطات الدينية عليه، جعله يوافق على هذه الرقابة. ولكن ما الذي حذف من كتابات جلال؟
انجذاب جلال للمثقفين، تسبب في طرده من منزل والده، وكان لهذا التحول سببان رئيسيان: الأول هو إدارة ظهره لرجال الدين، والآخر هو الانضمام إلى حزب "توده" الشيوعي
هنا بعض السطور التي تم حذفها من الكتاب:
1 – "إذا كنت أعتقد أن أغلبية هؤلاء ليسوا مثلي، إذ يأتون مؤمنين معتقدين، فلا خيار لدي إلا أن أتقبل أنهم جهلة، وهم خاضعون للجهل والظلم...". (ص 48)
2 – "الليلة لدي رغبة شديدة بشرب الكحول... فأنا لم أبلل شفتي منذ مجيئي من طهران، ولم يسبق لي أن شعرت بذلك...". (ص73)
3 – "الآن (في طريق العودة من الحج)، أحتاج بشدة إلى الكحول... ولا أعرف من أين أحصل عليها، ففي هذا المطار لا توجد أي كحول...". (ص 197)
4 – "يأتون الناس إلى عرفات للتنزه، ومنهم من يأتي إل اللهو والمرح... والشيعة فقط هم الذين يأتون للبكاء والصراخ والتشفع...". (ص 113)
الموت... حجرة على قبر
من الجوانب الأدبية والفكرية المهمة لجلال هي كتابة السيرة الذاتية، لكنه ولأول مرة في تاريخ الأدب الفارسي، أزال الحدود بين السيرة الذاتية والرواية من خلال كتاب "شاهدة على قبر"، الذي ألفه عام 1962 ونشر في عام 1981، ولم ينشر جلال هذا الكتاب احتراماً لزوجته سيمين، ولكن بعد وفاته نشره شقيقه شمس آل أحمد.
أسلوب جلال النثري في هذا الكتاب موجز وملفت للنظر، حيث يعد هذا الكتاب ذروة الكتابة النثرية وأحد أكثر الأعمال الحسية في الأدب الفارسي المعاصر.
توفي جلال آل أحمد بعد ست سنوات من كتابته "شاهدة على قبر" في 9 أيلول/سبتمبر 1969 عن عمر يناهز 45 عاماً في مدينة أسالِم، شمال إيران. وبعد وفاته المفاجئة، تم دفن جثمانه بسرعة، وكان جلال قد أوصى أن تهدى جثته لجامعة الطب لتشريحها على يد الطلاب، ولكن بما أن وصيته لم تكن متوافقة مع الشريعة، فقد تم دفن الجثة في مسجد فيروز آبادي بمدينة ري القريبة من طهران، وعلى الشاهدة الصغيرة لقبره الذي لا يحمل اسمه حتى، لا يمكن رؤية سوى صورته وتوقيعه.
وبالنسبة لموته المفاجئ، كان أخوه شمس يعتقد أن السافاك (جهاز الاستخبارات الإيرانية قبل الثورة الإسلامية)، هو من قتله، إذ شرح وجهة نظره هذه في كتاب "من عين الأخ"، لكن زوجته سيمين دانشوَر ذكرت في كتاب "غروب جلال" أن لا علاقة للسالفة بوفاة جلال، بل كان السبب، كما جاء في التقرير الطبي، هو الانسداد الرئوي بسبب الإفراط في استهلاك المشروبات الكحولية والسجائر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين