لا نزال نشعر بالأسى مع توارد الأخبار حول وفاة عدد من المؤثرين والمؤثرات بسبب اتباع ممارسات متطرفة في الأنظمة والمكملات الغذائية في سبيل الشهرة ومتابعة "الترند"، ومنها وفاة المؤثرة الروسية زانا سامسونوفا، التي عُرفت بترويجها لنمط غذائي خضري غير متوازن، ووفاة المؤثر جو ليندر وهو مختص ببناء كمال الأجسام، وهي حادثة تُعزى لتعاطي هرمونات التستسرون.
ويتصاحب هذا الأسى مع قلق متنامٍ من انتشار هذه الممارسات، التي يستمر عدد من المؤثرات والمؤثرين بالدعوة إليها، في سبيل تحقيق عدد كبير من المتابعات على حساب الصحة والتوازن النفسي والجسدي وحتى البيئي.
إنّ بناء عضلاتنا بهدف الصحة والتوازن وتحقيق راحة الذات مع الحفاظ على البيئة، هو أمر يصعب إيجاد من يروج له على منصات التواصل المزدحمة بالمغالطات. وضمن ترند الهوس ببناء العضلات، وهستيريا الأنظمة الغذائية المتطرفة لتحصيل المشاهدات والإعجاب، نبحث في ضرورة وجود ممارسات غذائية متوازنة بعيداً عما سبق ذكره من مظاهر سامة.
هناك إمكانيات أخرى لبناء العضلات والحفاظ على الصحة، بعيداً عن الهوس بالبروتين الحيواني.
من المؤثرين الذين يساهمون بتحدي الصور المغلوطة عن رياضة بناء العضلات، يبرز السعودي علي آل سلام (36 عاماً)، كمؤثر على قناته على يوتيوب وحسابه على انستغرام، وهو مختص بالتغذية النباتية وبناء العضلات وطالب في كلية العلوم الصحية. يقدم علي جهداً كبيراً من خلال عمله ومشاركته نصائح ووصفات تتحدى العادات الغذائية السائدة خاصة لدى الرياضيين.
في لقائه مع رصيف22 يحدثنا علي عن النظام النباتي المتوازن كطريقة لتغيير الممارسات المغلوطة لبناء العضلات.
بداية، يشاركنا قصته مع النباتية: "بدأت حكايتي قبل ست سنوات في تاريخ مميز 17/7/2017 حين قررت تغير نظام تغذيتي بشكل كامل، إذ كنت أعاني من ضغط مرتفع في الدم ومشاكل صحية بسبب تناول اللحوم. استغرق البحث سنوات، ولم أكن متأكداً من قدرتي على بناء العضلات من خلال البروتين النباتي، لكن مع قراءتي وجدت أن النظام النباتي في مجال بناء العضلات مفيد وصحي، واتبعت دورات برامج تغذية ساعدتني في تعميق معارفي وتجنب الأخطاء، بالإضافة لتجاربي كشخص يعمل على بناء العضل مع اتباع نظام خضري".
صناعة محتوى مسؤول
ويجيب علي حول سؤال عن تجربته كصانع محتوى تخصصي على منصات التواصل، وكيفية مواجهة المغالطات التي تسبب بهوس جمعي لبناء العضلات، ومنها الاعتماد بشكل متطرف على البروتين الحيواني وعلى الهرمونات والمكملات الصناعية: "للأسف، الموضوع ليس سهلاً، ونواجه تحدياً بنشر المعرفة بالتغذية النباتية. لست مع الترويج للنظام النباتي بقدر ما أسعى لبيان وجود طرق أخرى للتغذية. رسالتي لا تدّعي أن النظام النباتي هو الأصح، وحقيقة لا يوجد نظام أصح، بل النظام الصحيح هو المناسب لخصوصية طبيعة حياة كل إنسان حسب ظروفه وتجربته".
ويتابع: "هدفي هو توضيح وجود طرق أخرى، فهناك الكثير من الناس الذين لا يرغبون بتناول كميات كبيرة من الدجاج والبيض، لكنهم يجبرون أنفسهم بسبب المعلومات المغلوطة. لذلك أشير لوجود إمكانيات أخرى لبناء العضلات والحفاظ على الصحة، بعيداً عن الهوس بالبروتين الحيواني. لكني ما زلت أواجه تشكيكاً بالمعلومات عن النباتية، والبعض يعتبر أن هناك تحيزاً تجاهها، كأنها صارت توجهاً سائداً. حالياً المعلومات حول النباتية والخضرية متوافرة أكثر مما مضى، وأتمنى لو توافرت من قبل عشر سنوات، فهي طريقة مهمة لتطوير المعارف".
هل يمكننا بناء العضلات باتباع نظام خضري؟
وعن كيفية تحويل جهدنا لبناء العضلات لممارسة صحية هدفها التوازن بدل أن تكون ممارسات سامة، يقول علي: "باتباع النباتية والخضرية هناك سهولة أكبر بأن نكون صحيين مقارنة مع الأنظمة الأخرى، هذا مع العلم بوجود نظامي نباتي (Junky) يعتمد على وجبات سريعة غير صحية، ومنها البطاطا المقلية والبرغر النباتي والحلويات والسكر، ولكن غالباً هذه الخيارات، مثل اللحوم النباتية المعالجة، لا تتوافر في كل مكان. في المقابل، فإن الطعام النباتي المطبوخ والمحضر منزلياً بطريقة صحية هو خيار ممكن واقتصادي ومتاح تحقيقه غالباً".
هناك إشكالية الهوس بتناول كميات البروتين العالية، ومنها الأسطورة التي تقول بضرورة استهلاك 2 أو 3 غرامات من البروتين لكل كيلوغرام من وزن الجسم، وهذا يجعل من البروتين النباتي غير كافي. لكن بالعودة للدراسات نرى أن الاحتياج يقتصر على 1.6 غرام لكل كيلوغرام
وحول كيفية بناء العضلات باتباع الخضرية وعن احتياجنا لإرشاد خبير تغذية لاتباع هذا النظام، يجيب: "بناء العضلات لا يختلف بين نظام نباتي وحيواني، الفكرة في كيفية تنظيمنا لغذائنا والتمارين. عند بناء العضلات نضعها في حالة جهد عن طريق ممارسة تمارين المقاومة، وبعدها تأتي التغذية والاستشفاء. بالنسبة للجسم فإن قطعة لحم أو عدس هما سيان، لكونه سيفكك هذا الصنف ويحصل على المغذيات وهي الأحماض الأمينية، بالتالي هو لا يميز إن كنا تناولنا العدس أو اللحم طالما حصّلنا الغذاء المطلوب للبناء".
ويضيف: "فكرة أن البروتين النباتي غير كامل، هي أسطورة نُفيت رغم الاستمرار بتداولها. وللأسف، لسنوات طويلة لم تُجرَ دراسات لمعرفة الفرق بين البروتينين النباتي والحيواني في سياق البناء العضلي حتى مؤخراً، فبات هناك التفات من العلماء للتغذية النباتية.
من خلال الدراسات تبين للباحثين عدم وجود فرق بين استهلاك البروتينين النباتي والحيواني، في حال غطينا احتياجنا من كمية البروتين وهو 1.6غرام لكل كيلوغرام من وزن الشخص. في الحقيقة، هناك فرق طفيف في كمية الأحماض الأمينية، لكن عندما نغطي احتياجنا خلال اليوم لن يكون هناك فرق. كما أجريت دراسات مقارنة بين مكملات البروتين النباتي الصرف والحيواني الصرف، وأظهرت بدورها عدم وجود فرق في عملية البناء العضلي".
ويتابع: "من الأفضل وجود خبير/ة لضمان حصولنا على الكمية التي نحتاجها، لكي نحقق هدفنا بشكل آمن وسليم بعيداً عن العشوائية التي نرى آثارها المدمرة من تجارب البعض".
ما يميز النظام النباتي هو إمكانية أن نكون صحيين تجاه أنفسنا وبذات الوقت أصدقاء للبيئة.
الخضرية نظام صديق للبيئة
يبين علي فوائد النظام الخضري للبيئة، لكوننا نخفف به من استهلاك اللحوم ومن الاحتياج لكميات كبيرة من العلف، وبالمقابل تساعد الخضرية على زراعة المساحات الخضراء، ويقول: "بالغالب فإن المنتجات النباتية الطبيعية تباع بالكيلو في الأسواق، لذا ممكن التوجه لشرائها ونحن نحمل أكياساً غير بلاستيكية بالتالي تكون غير مضرة للبيئة. وعند طبخها في المنزل نكون تجنبنا تعليبها، كما هو الحال عند طلب الطعام الجاهز، وبهذا نتجنب هدر الأكياس والكرتون وعلب التعبئة المصنوعة من مواد سامة للبيئة ويصعب تكريرها. وهذا أمر يميز النظام النباتي، فيمكن أن نكون صحيين تجاه أنفسنا وبذات الوقت أصدقاء للبيئة".
في مواجهة "الأساطير"
فيما يتعلق بإقبال الرياضيين والرياضيات على النظام الخضري والنباتي يوضح علي:
"من تجربتي ليس هناك إقبال كبير بسبب رواج المعلومات الخاطئة وخاصة على منصات التواصل الاجتماعي. كما يقع اللوم على بعض النباتين المؤثرين، ومن ذلك حادثة وفاة المؤثرة التي اتبعت نظاماً غير مطبوخ، وقد تناقلت وسائل الإعلام الخبر بشكل تعميمي على الأنظمة النباتية، وكأنها جميعها تؤدي للوفاة. من جهة أخرى، هناك إشكالية الهوس بتناول كميات البروتين العالية، ومنها الأسطورة التي تتناقل على مواقع التواصل بضرورة استهلاك 2 أو 3 غرامات من البروتين لكل كيلوغرام من وزن الجسم، وهذا يجعل من البروتين النباتي غير كافي. لكن بالعودة للدراسات التي ترى أن الاحتياج يقتصر على 1.6 غرام لكل كيلوغرام تتبين سهولة تحقيق ذلك من النباتات".
ومع وجود تحديات تمنع وصول بعض المستهلكين لمصادر أغذية شائعة في النظام النباتي مثل التوفو والساتن وهي تحتوي نسبة عالية من البروتين، يبين علي: "هذه المنتجات ليست أساسية لتحصيل البروتين، في حال توافرها فهي تضيف مصادر بروتين أعلى، مع العلم أنه يسهل إعدادها في المنزل. الأساسيات هي البقوليات ومنها الترمس وكذلك البذور والمكسرات والخضروات، لذا من المهم عدم تصعيب الأمور على أنفسنا".
وصفات خضرية أسبوعية
ومن خلال صفحة علي على انستغرام يقدم وصفات للطعام الخضري وبعض النصائح المهمة.
ويشاركنا بنظامه الغذائي الذي يتبعه خلال أسبوع: "بخصوص التغذية اليومية، أتبع نمطاً ثابتاً، فأجهز طعامي في بداية الأسبوع، وتكون لدي طبخات وأصناف متنوعة. في الصباح أستهلك منقوع الشوفان بالحليب النباتي وزبدة المكسرات، وأحليه بالتمر، ولأجل تعزيز القيمة الغذائية أضيف إليه بذور الكتان والشيا. بعد ذلك بساعة أستهلك حبة فاكهة من أي نوع، وكوباً من أنواع التوت ومكسرات مشكلة. بعدها لدي وجبة رئيسية، عبارة عن أرز أسمر مع أي نوع من البقوليات المطبوخة وطبق سلطة جانبي. آخر وجبة تكون نهاية اليوم، مثلاً طبق بقوليات مشكلة مطبوخة مع الخضروات، أو ساندويش الفلافل المشوي مع السلطة، أو طبق سلطة مع البقوليات".
بالنسبة للجسم فإن قطعة لحم أو عدس هما سيان، لكونه سيفكك هذا الصنف ويحصل على المغذيات وهي الأحماض الأمينية، بالتالي هو لا يميز إن كنا تناولنا العدس أو اللحم طالما حصّلنا الغذاء المطلوب للبناء
مع تطور العلوم والبحث والسعي لتحسين شروط الصحة، يصبح تطبيق ذلك بالتزامن مع العمل على الرفق بالحيوان والحفاظ على البيئة حاجة ضرورية، وفي وقت نشهد أثر التغيرات المناخية علينا وعلى مجتمعاتنا، يعتبر سعينا لتعزيز قضايا البيئة أولوية يجب تعميمها على مناحي الحياة.
لا يمكن فصل قضايا الصحة عن شروطها البيئية والاقتصادية والمنظومة المسيطرة، ووعينا بوجود شركات مستفيدة من صناعة اللحوم وتسعى للتسويق لها كشرط لبناء العضلات، يساعدنا بتفكيك خطابها. كما أن اتباع نظام متوازن هو أمر يستلزم بحثاً وجهداً لحماية أنفسنا من سرديات لا تبالي بنا، بل تسعى للكسب واغتنام الفرص. التوازن بالأنظمة الخضرية يتم من خلال التثقيف والوعي وهو حاجة ينبغي تعزيزها في ثقافتنا لمزيد من الصحة الجسدية ولبيئة متوازنة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...