شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"طفلتي قررت أن تصبح نباتية"... عائلات تدافع عن خياراتها الغذائية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 8 أبريل 202103:06 م

في عصرنا، حيث صار الغذاء ساحة لمعركة تعكس عنف المنظومة الرأسمالية، لم يعد من الممكن الفصل بين ما نعده مساء لأسرتنا وما نلمسه من تردي المنظومة البيئية حولنا. كذلك، يكبر أطفالنا في ظلّ منظومة استهلاكية تساهم بتعرّض بعضهم لاضطرابات مزمنة، من سمنة مفرطة أو نحالة مرضية.

وفي مواجهة هذه المنظومة، يبحث الأهل عن النظام الغذائي الأفضل لأطفالهم. مؤخراً، بات العديد من الأسر في المنطقة العربية يتجه للنباتية كحل لمواجهة القضايا الصحية التي يعاني منها مجتمعنا، بسبب الطعام المحضّر في الأسواق، كالوجبات السريعة ومنتجات السكر الموجهة بشكل أساسي للأطفال، وفي الوقت ذاته تواجه جدلية منح الخيار لأطفالها أو فرض خياراتها وطريقتها في العيش عليهم.

وهنا يُطرح سؤال هام: لماذا يعتبر النظام الذي يحتوي على اللحوم هو القاعدة، خاصة فيما يتعلق بغذاء الأطفال؟ كثيراً ما يُحاجج الأهل الذين يختارون النباتية كنمط غذائي لأطفالهم بأن الأهل لم يمنحوهم حرية الاختيار، مع أن العبارة السالفة ممكن استخدامها بذات الطريقة لمن يختار النظام اللاحم لطفله، وقد أثبتت جدلية الطبيعة في مواجهة التربية، أن التربية التي ترتبط بالمنظومة السائدة في زمن ما هي التي تفرض قواعدها، فطالما ارتبط النظام الغذائي بقضايا مثل الطبقة الاجتماعية، ووجود الأفراد في المدينة أو الريف، أو بين الشرق والغرب، كما أثّر الاختلاط بحضارات أخرى حتى عبر الاحتلال والصراعات على أنظمتنا الغذائية.

لماذا يعتبر النظام الذي يحتوي على اللحوم هو القاعدة، خاصة فيما يتعلق بغذاء الأطفال؟

إذن لماذا يعتقد البعض أننا نستمر باستهلاك ذات الأطباق عبر التاريخ رغم وضوح عدم صحة هذه الفرضية؟ أيضاً لماذا يستمر البعض بتصور أن الغذاء الذي يحتوي على اللحوم هو العرف وأن النظام النباتي هو الاستثناء؟ هل يلجأ هؤلاء إلى حجة الأكثرية في مواجهة الأقلية لتعزيز هذه الفرضية؟

وجهنا السؤال لمجموعات خضرية على وسائل التواصل الاجتماعي، وحصلنا على إجابات بهذا الخصوص. ومن اللافت أن المشاركة كانت نسائية بحتة، إذ لم يجب أي من الذكور المشاركين بهذه الصفحات على أي من الأسئلة.


الجدات لم يعجبهن الأمر

تقول سيرين سلوم أبو فنة، وهي ثلاثينية من عرب فلسطين: "أنا نباتية منذ الابتدائية بقرار شخصي مني، وذلك قبل معرفتي بوجود نظام الخضرية الصافية 'فيغان'. كنت أعتقد أنني الوحيدة التي ترى أنه يجب عدم إيذاء الحيوانات. لم تعجب عائلتي بقراري، خاصة أن والدي جزار، ولأن أكل اللحم حلال، اعتبروا الأمر مخالفاً للتقاليد وللدين. في المقابل لم يجبروني على شيء".

الأمور باتت أسهل لسيرين بعد الزواج، خصوصاً أن زوجها لا يحب اللحوم كما تقول، لذا تأثر بنمطها الغذائي. وتتابع في حديثها لرصيف22: "في المنزل، لم يكن أطفالنا يتناولون اللحوم، فقط في منزل الجدات كانوا يفعلون ذلك. إلى أن بلغوا من العمر ثماني سنوات، عندها فاتحتهم بالموضوع وسألتهم عن رأيهم. طفلتي قررت أن تصبح نباتية، بينما قرر الصبي أن يظل كما هو، يأكل اللحوم في المناسبات فقط، وفيما بعد أصبحت خضرية صرف وطفلي الثالث كذلك".

لم يعترض زوج سيرين لكن الجدات لم يعجبهن الأمر، رغم أنها أخبرتهن بأن منتجات الحليب البقري غير صحية وأنها تمنع امتصاص الحليب، وصممت على موقفها. "عندما أكون عند العائلة أحضر أكلي النباتي معي. وعندما رأت والدتي تنوع غذاء طفلي الذي أشاركه على صفحة 'الوجبات الأولى لطفلي' اطمأنت إلى أنه يحصل على تغذية جيدة"، تشير في نهاية حديثها.


عندما نمرض يلومون نظامنا النباتي

خلود الخطيب (34 عاماً)، من سوريا، بدأت هي وزوجها بالنظام النباتي منذ حوالي خمسة عشر عاماً، حتى قبل زواجهما، وولد أطفالهما كنباتيين منذ البداية. تقول في حديثها لرصيف22: "كان الناس يتساءلون ويدفعوننا للخوف، ويقولون بأن المرأة يجب أن تغذي نفسها بعد الولادة باللحوم. على العكس مما توقعوا، ولادتي كانت سهلة، إرضاع الأطفال كان طبيعياً ومناعة الأطفال جيدة. بالنسبة للمجتمع فإن الأغلبية باتوا متفهمين لكوننا عائلة ذات نظام نباتي، ودائماً أقدّم للزوار من طعامنا النباتي الذي يحبونه جداً".

وتتابع: "المحزن أنه في حالات المرض يلقى اللوم على نظامنا النباتي، ويتجاهل من حولنا أن المرض استحقاق وأن مناعة النباتيين في المقابل جيدة. كثيراً ما يحاول أفراد من العائلة إعطاء أطفالي منتجات اللحوم دون علمي، لكن الأطفال يرفضون ذلك، كما أنهم لا يتناولون أطعمة السوق"، وتشير إلى أنها تشعر بالراحة النفسية لاتباعها وعائلتها هذا النظام، "وأتمنى أن يتقبله المجتمع لما فيه من محبة وتسامح وطاقة إيجابية".

بدورها تشارك رويدا أبو مغضب، وهي سيدة سورية ثلاثينية، تجربتها مع رصيف22: "لدي طفلان، الأول عمره سبع سنوات والثاني خمس سنوات، وهما نباتيان. في البداية كنا نباتيين ثم أصبحنا خضريين تماماً. واجهت صعوبة بخصوص البيض لكن أوجدت بدائل له، وهذا ما أفعله دوماً عندما أطبخ. عانيت من المجتمع الذي يكرر نفس الأسئلة عن صغر عمر الأطفال وحاجتهم للحوم، لذا أتجاهل التعليقات السلبية بشكل عام".

وتنوه رويدا إلى أن أصعب ما في الأمر هو العلاقة مع المدرسة، حيث يُقدم للأطفال في الأعياد الطعام المحضر في السوق والمليء بالملونات والسكر ويتجاهلون توصياتها بعدم فعل ذلك، "لذا قبل كل عيد، أحضّر طعاماً وحلويات خاصة لأطفالي وأرسلها معهم". وتستغرب رويدا عدم قيام الأهل بذات الأمر واعتمادهم على حلويات السوق.

كان الناس يتساءلون ويدفعوننا للخوف، ويقولون بأن المرأة يجب أن تغذي نفسها بعد الولادة باللحوم. على العكس مما توقعوا، ولادتي كانت سهلة، إرضاع الأطفال كان طبيعياً ومناعة الأطفال جيدة


أطفالي اختاروا نظامهم بأنفسهم

تبين شورشفان محمد، وهي سيدة كردية أربعينية مقيمة في قبرص، بأن طفلها اختار النباتية وابنتها اختارت النظام الذي يحتوي اللحوم، "وهذا كان قرارهما الخاص". وتتابع في حديثها لرصيف22: "لا أفضل اللحوم النباتية وأفضل أكلنا الكردي النباتي الصحي الذي كبرنا عليه، فحتى والدتي نباتية بشكل تلقائي".

وتقول هلا وائل من سوريا، بأن طفلتيها نباتيتان منذ الولادة، وقد احترم الجميع قرارهما. وتشير في حديثها لرصيف22 إلى أنها تتابع صحة أطفالها مع الأطباء بشكل دائم، وهم يؤكدون لها عدم حاجة أطفالها للحوم.

وتبين ديمة نصر الدين (35 عاماً)، وهي من مؤسسي صفحة 'خُضريّ وصحي وصديق للبيئة'، أنه رغم الصعوبات التي واجهتها في تربية طفلين نباتيين بسبب تدخل المجتمع والضغط عليهم كعائلة نباتية، إلا أن النتيجة رائعة، "فمحبة أطفالي لهذا النظام واهتمامهم به أمر إيجابي، والبحوث العلمية الحديثة والمتزايدة التي تؤكد أهمية النباتية تساعد في تعزيز هذا النظام"، تضيف السيدة المقيمة في كندا لرصيف22.


الأطفال النباتيون ينعمون بالصحة

تقول مروى حمود، وهي أخصائية تغذية لبنانية تعمل في مجال التغذية الخضرية: "توافق منظمة الصحة العالمية ومنظمات تغذية أخرى على اتباع النظامي النباتي والخضري الصرف لكافة الفئات العمرية، إن كان متوازناً ومخططاً له، بحيث يحتوي على كافة العناصر الغذائية. كمختصّة، تابعت كيف ينعم الأطفال النباتيون بالصحة، وخاصة عندما يكون الغذاء متوازناً، وهناك صفحات كثيرة على الإنترنت تبين نجاح هذا النظام وخاصة بالنسبة للأطفال".

وتشير الأخصائية إلى الدراسات التي تعتمد على محاكاة الطبيعة، إذ أثبتت التجارب أن الحيوانات تكتفي بالغذاء النباتي وتبني العضل وتحصل على البروتين الأساسي من خلاله، وأقوى الحيوانات، مثل الغوريلا وفرس النهر، تعتمد على الغذاء النباتي للحصول على البروتين وبناء العضل.

كما تطرح مثالاً عن مشفى الحايك في بيروت، وقد قدم برأيها نموذجاً مهماً في العالم العربي مع اعتماده تقديم النظام النباتي للمرضى: "المشفى هو للدكتور جورج حايك، الذي رأى أهمية اتباع هذا النظام في مشفاه، وخاصة أنه يعتقد أن كثيراً من الأمراض هي نتيجة الدهون واللحوم والإسراف بتناولها. كما يعمل زملائي هناك في هذا المجال ويقدمون مثالاً ناجحاً عن الالتزام والاهتمام بالصحة مع اتباع النظام النباتي".

توافق منظمة الصحة العالمية ومنظمات تغذية أخرى على اتباع النظامي النباتي والخضري الصرف لكافة الفئات العمرية، إن كان متوازناً ومخططاً له، بحيث يحتوي على كافة العناصر الغذائية

وتبين حمود بأن كثيراً من الأطباء ينصحون بهذا الغذاء، ومنهم الطبيب تي كولون كامبل، الذي يبين كيف يساهم النظام النباتي بشفاء كثير من الأمراض. وتقول: "يندر تعرض الأفراد لنقص البروتين أو الكالسيوم مع اتباعهم للنظام النباتي، إلا إن كانوا يتبعون نظاماً يعتمد على السكريات والوجبات غير الصحية أو ما يعرف باسم Junk food vegan".

وتؤكد مؤسسة التغذية البريطانية ضرورة التأكد من حصول الأطفال النباتيين على كافة العناصر الغذائية الأساسية، وتقدم بدائل اللحوم التي تحتوي على هذه العناصر. وكذلك الأمر بالنسبة لتوصيات مجموعة المختصين بأمراض الكبد والجهاز الهضمي والتغذية للأطفال الناطقة بالفرنسية، والتي تدعم بدورها النظام النباتي للأطفال، وتبيّن أهمية المتابعة مع المختصين لضمان حصولهم على العناصر الأساسية من بدائل اللحوم.

تساهم النباتية بحل كثير من القضايا الراهنة التي تستنزف طاقة المجتمع، وكما يحب الأهل الأفضل لذاتهم فهم يرغبون بتشاركه مع أطفالهم. لذا تصبح مجابهة المجتمع الرافض لاتباع الأطفال للنباتية تحدياً يعاني منه الأهل، وبدلاً من تقديم الدعم لجيل من الأمهات والآباء الباحثين بجدية عن حلول لمستقبل أفضل لهم ولأطفالهم، يجد هؤلاء أنفسهم في مجابهة مستمرة مع مجتمعهم.

يؤكد معظم الأهل متعتهم وهم يختبرون إيجابيات النظام النباتي مع أطفالهم، ولا يرجون أكثر من احترام الآخرين لقرارهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image