يوفر شهر رمضان معادلة جماعية على وشك الانقراض، وهي اجتماع أفراد الأسرة، على مدار شهر كامل، في موعد محدد يومياً، من أجل تناول وجبة الإفطار، التي عادةً ما تصيبهم بـ"تخمة"، تجعل مشاهدة التلفاز النشاط الأسهل.
في الأثناء، هناك غزو يقوده مولود جديد من رحم الحداثة وهو السوشال ميديا. لم يعد الجمهور يتابع المسلسلات والبرامج التليفزيونية فقط، يتابع معها أيضاً وبنفس الاهتمام - إن لم يكن أكثر - مواقع التواصل الاجتماعي.
ريموت في يد، ومحمول في الأخرى، وعين تنتقل بين هذا وذاك، هذا هو حال الكثيرين. لم تعد المدخلات هى المسلسل وحده، بل أصبحت المسلسل وما يخصه على السوشيال ميديا من مقاطع وتعليقات ونقد. كيف اختلفت طريقة تفاعلنا مع المسلسلات بسبب ذلك؟… 6 نقاط من وحي دراما رمضان 2024 قد توجز الإجابة.
"يالا بينا" و"ع الدوغري" و"يترموا من فوق سور القلعة"... كيف غيّرت السوشال ميديا من طريقة مشاهدتنا لدراما رمضان؟
1- ضحايا الطعنات المبكرة
قبل بداية شهر رمضان، يبدأ ماراثون الدعاية والتسويق للمسلسلات عن طريق النجوم والجهات المنتجة، وتبدأ معه أيضاً ردود الفعل الفورية والتوقعات الاستباقية على السوشال ميديا.
هذا العام، بدأ النجم أحمد العوضي مبكراً منشورات تسويق مسلسله "حق عرب" عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك ذكر مسابقة يومية من وحي أحداث كل حلقة من حلقات المسلسل. سريعاً، ظهرت منشورات عديدة للسخرية من الفكرة باعتبارها وسيلة "استجداء رخيصة" للمشاهدة، وأصبح المسلسل ونجمه موضع سخرية.
الموقف كله يمكن استخلاص درس مهم منه، وهو أن استخدام السوشال ميديا بكثافة للتسويق لمسلسل أو فيلم، قد تسفر عنه نتائج عكسية إذا لعبت أوراقك خطأً. وأن الطريقة التي يمكنك بها جذب شريحة من الجمهور، قد تعني سقوطك في عيون شريحة/ شرائح أخرى.
2- العدسة المُكبرة للأخطاء
موقف مختلف تعرض له مسلسل "نعمة الأفوكاتو" بسبب مشهد يُفترض أنه موتر يتعلق بشجار ومطاردة مفزعة بين فتاتين في المنزل، لكن ظهرت فيه الفنانة مى عمر بتعبيرات وجه اعتبرها كثيرون ساذجة ومضحكة كما يتضح في الصورة.
قبل ظهور السوشال ميديا، كان من السهل أن تمر هذه المشاهد مرور الكرام، لكن السوشال ميديا حالياً كفيلة بالتركيز عليها، ووضعها تحت عدسة مكبرة. بصياغة أخرى مشهد واحد سيىء، قد يكون كل ما يفصلك عن "مشرحة" السوشيال ميديا، خاصة في حالتنا هنا، مع نجمة يراها كثيرون أصلاً غير جديرة بالفرص التي تنالها كممثلة، وعمل كثرت فيه "الأخطاء" الأمر الذي تكرر في مسلسلات من إخراج زوج البطلة، محمد سامي.
قبل ظهور السوشال ميديا، كان من السهل أن تمر هذه المشاهد مرور الكرام، لكن السوشال ميديا حالياً كفيلة بالتركيز عليها، ووضعها تحت عدسة مكبرة. بصياغة أخرى مشهد واحد سيىء، قد يكون كل ما يفصلك عن "مشرحة" السوشيال ميديا، وهو ما حدث مع الفنانة مي عمر في "نعمة الأفوكاتو" والفنانة ياسمين صبري في "رحيل"
3- تصريحاتك الخطأ في الإعلام قد تدفع فواتيرها أعمالك
على ذكر الأخطاء والترصّد من الجمهور، تستحق حالة الفنانة ياسمين صبري في رمضان 2024 وقفة تأمل أطول. بداية التراجع والتآكل في الجماهيرية على السوشيال ميديا، كانت عند ظهورها في بودكاست مع الإعلامي عمرو أديب، صرّحت فيه بأنها تضيف الكثير والكثير لأى رجل يتزوجها، وأن حياتها الشخصية خالية من الأخطاء السلوكية، وأنها نموذج استثنائي جداً مقارنة بباقي الفنانات، وأن جمالها مجرد عنصر واحد وسط ألف عنصر آخر في نجاحها، وغيرها من التصريحات التي جعلتها موصومة بالغرور والتكبر في آلاف المنشورات.
حدث هذا في منتصف رمضان، بالتزامن مع بدء عرض مسلسلها "رحيل"، ليصبح العمل مبكراً ومنذ بدايته، موضع ترصّد في السوشيال ميديا، وجاء المشهد الذي تظهر فيه بكامل أناقتها داخل المحكمة، رغم أن الشخصية الدرامية التي تلعبها محبوسة منذ أسابيع، ليضاعف حملات السخرية، باعتبارها فنانة لا تحترم عقلية المتفرج، ولا تفهم الحد الأدنى عن التمثيل.
السؤال هنا: هل يمكن اعتبار ما حدث معها أقرب لثأر؟
منح الجمهور ياسمين صبري الكثير منذ بدايتها من منطلق إعجابه بجمالها وأناقتها، ويبدو أن محاولتها - في البودكاست - الانتقاص من دور جمالها في معدل نجاحها، كانت بمثابة استفزاز ولحظة فض العقد بينها وبين شريحة من الجمهور. معادلة قد يكون ملخصها "عفواً لكن لا داعي لإهانة عقولنا بالحديث عن مهارات وقدرات غير موجودة لديك يا فنانة لأننا نعلم جيداً ما تملكينه وما تفتقدينه".
4- لا تتجاوز "الحد الأقصى" لدى الجمهور
تجاوز الحد الأقصى المسموح به، وتدمير الفنان بنفسه للهوية الذهنية التي يعرفها الجمهور عنه، قد يكون نفس الخطأ الذي وقع فيه النجم أحمد العوضي لكن بطريقة مختلفة عن ياسمين. طريقة الإفراط أو "الأڤورة" بالمصطلح المصري الدارج المستمد من كلمة Over بالإنكليزية.
الهوية الفنية التي صاغ بها العوضي نجوميته قامت على أساس الأدوار والقصص الشعبية، وعلى نزعات ومصطلحات مثل الرجولة والجدعنة والشهامة والفتونة وولاد البلد، وهى عناصر تلازمه في أحاديثه الإعلامية أيضاً ومنشوراته على السوشيال ميديا.
تكرار استخدام هذه العناصر عاماً بعد عام، والضغط بها، والإفراط في التأكيد عليها في مسلسل "حق عرب"، طريقة أصابت كثيرين بالملل، وهى أزمة ازدادت سلبيتها مع توفر محتوى بصري في المسلسل يوجز حالة "الأڤورة"، ويسهل تداوله ورواجه في منشورات ساخرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
بحلول النصف الثاني من رمضان، أصبح العوضي في مرمى نيران صفحات الميمز، وازداد حجم القاعدة الجماهيرية التي تتفاعل مع هذه السخرية، ولهذا كان من السهل أن يحصد فيديو كهذا يلعب بفكرة "الأڤورة" في مسيرة العوضي أكثر من 1.6 مليون مشاهدة خلال ثلاثة أيام فقط، على فيسبوك.
5- عباءة المسلسل المقدس
في كل عام يرتبط مسلسل ما بعوامل ومعطيات وخلافات تجعل أهميته تتضاعف بالنسبة للكثيرين، بما يصل به إلى درجة القدسية والحصانة بالنسبة للبعض، بحيث يصبح أي نقد أو انتقاص من عناصر فنية فيه، شىء يُعرّض أصحاب هذه الانتقادات لهجوم وتشكيك في النوايا، والمسلسل الذي منحه الجمهور المصري هذه العباءة هذا العام هو الحشاشين.
البداية كانت مع جدل اللغة المستخدمة في المسلسل، ثم ظهور مقارنات بينه وبين مسلسلات سورية وتركية تاريخية. في الحالتين ارتبطت الخلافات بـ"نزعة وطنية" لدى شريحة من الجمهور المصري، أودت بأصحابها إلى إدانة أي هجوم على المسلسل باعتباره هجوماً على صناعة الفن في مصر عامة، وسلوكاً ناتجاً عن الغيرة من نجاح العمل.
في حين لم يحقق مسلسل كوبرا نجاحاً لافتاً، اخترق إفّيه "ع الدوغري" الذي يردده كزبرة عالم "التيك توك" والسوشال ميديا بسهولة، بل عمل صناع المسلسل أنفسهم على توثيق هذا النجاح واستثماره في عالم "الريلز"، بمن فيهم بطل المسلسل، الفنان محمد إمام
لا يمكن نفي وجود هذه الدوافع بالكامل لدى بعض المهاجمين، لكن لا يمكن أيضاً تصنيف منظومة "المسلسل المقدس" وهذه الدرجة من العصبية كشيء إيجابي. فواحدة من أهم مزايا الفن أنه يفتح الباب لنقاشات وقراءات مختلفة وتعدد آراء، في مجتمعات مغلقة فكرياً، وهو ما فعله مسلسل الحشاشين بنجاح. غلق أبواب هذه النقاشات والاختلافات على السوشيال ميديا، خطأ لن يؤدي إلى أي استفادة حقيقية.
6- عالم الإفيهات
يحرص كثير من نجوم دراما رمضان سنوياً على ابتكار جملة أو "إفّيه"، قابل للانتشار السريع والواسع النطاق على السوشال ميديا، بعد أن سجل بعضهم نجاحات بهذه الطريقة، وهى لعبة ازدادت أهمية مؤخراً مع انتشار فيديوهات "التيك توك" القائمة على توظيف مقطع "الإفّية" في مواقف متنوعة، وبالتالي تلميع الاقتباس والعمل ككل وإعادة تصديره لشريحة أخرى لا تعرف المسلسل.
هذا ما حدث في حالة إفّيه "ع الدوغري" الذي يردده الفنان كزبرة في مسلسل كوبرا. في حين لم يحقق العمل نجاحاً لافتاً، اخترق إفّيه "ع الدوغري" عالم "التيك توك" والسوشال ميديا بسهولة، بل وعمل صناع المسلسل أنفسهم على توثيق هذا النجاح واستثماره في عالم "الريلز"، كما يظهر هنا في فيديو من صفحة بطل المسلسل، الفنان محمد إمام.
مثال آخر على رواج الإفّيه:
حقّق باسم سمرة أيضاً نجاحاً يسهل رصده هذا العام بفضل عبارتي" "يالا بينا" و"باى من غير سلام" اللتين يكررهما بانتظام في مسلسل العتاولة، وأصبحت جملة "يالا بينا" موضع توظيف لوصف المواقف والقرارات الحمقاء والجنونية.
في المقابل، يصطاد الجمهور أحياناً جملاً عادية، لم تتردد بكثرة في مسلسلها، وأبعد ما تكون عن العبث وعالم الإفيهات والكوميديا، ليجعلها موضع اهتمام وتكرار في عالم "الميمز"، وهو الحال مع جملة "يترموا من فوق سور القلعة" التي يرددها حسن الصباح في مسلسل الحشاشين عند إعدام خصومه.
امتزج هنا عنصران لنجاح وانتشار الجملة، أولهما القسوة في الفعل نفسه - قتل الضحايا برميهم من سطح عال - وثانيهما الطبيعة الحاسمة للشخصية نفسها، ولأن القتل فعل "إكستريم"، كان من المنطقي أن تداعب الجملة جمهور "الميمز" لوصف سلوك مزعج ما، باعتباره بشع واستفزازي لدرجة تستوجب القتل
في حالتي "يالا بينا" و"يترموا من فوق سور القلعة" تحديداً، ساهم عالم الميمز في تلميع الشخصيتين والنجمين، رغم اختلافهما. فالأول مسلسل أقرب لعالم المغامرات الشعبية ولا يخلو من كوميديا مباشرة، والثاني مسلسل جاد مقتبس من أحداث تاريخية حقيقية، وأصبحت الميمز معهما دعاية يومية، أقنعت كثيرين بأهمية المسلسلين واستحقاقهما للمشاهدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه