شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لغة

لغة "الحشاشين"... أو ماذا عن مسلسل فرعوني باللهجة السعودية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الجمعة 15 مارس 202406:36 ص

"ارتدى الفنان رامي يوسف جلباباً عربياً أثناء مشاركته في حفل جوائز الأوسكار"، هكذا وصفت الصحف والمواقع زيّ الممثل الأمريكي من أصل مصري أثناء الحفلة، بينما استخدمت صحف ومواقع أخرى عبارة "جلابية مصرية" لوصف الزيّ نفسه. 

من غير المحتمل أن أولئك كانوا يتعمدون مخالفة هؤلاء، لكن الجدل حول وصفيّ مصري/ عربي، خصوصاً فيما يتعلق بالفن، لا يخمد إلا ليندلع من جديد، وآخره ما تعلق بمسلسل "الحشاشين" الذي بدأ عرضه أخيراً، واختار مؤلفه عبد الرحيم كمال والمخرج بيتر ميمي أن يكون باللهجة المصرية، بدلاً من العربية الفصحى التي درج استخدامها في المسلسلات التاريخية، ما أثار حالتي الهجوم والدفاع في الصحافة والسوشال ميديا، على الرغم من أن الشخوص والأحداث الحقيقية، لم تنطق بأي من اللهجتين/ اللغتين، فقد جرت الأحداث الأصلية في فارس خلال القرن الخامس الهجري. 

كلنا... نفهم المصرية 

"هل يمكن أن تعيد سؤالك مرة أخرى؟"، يقول "رامي" آخر، هو –أيضاً– الفنان الأميركي من أصل مصري رامي مالك، الذي اشتهر ببطولة مسلسل "مستر روبوت" قبل أن يحوز أوسكار أفضل ممثل عن دور "فريدي ميركوري" في فيلم "Bohemian Rhapsody ". طلب رامي إعادة السؤال خلال لقاء مع إعلامي عربي كان يسأله بالفصحى، وكان السؤال -للمفارقة- هو: هل تريد أن تصنع فيلماً باللغة العربية؟ فيلما مصرياً؟"، فيطلب رامي – بالإنكليزية- إعادة السؤال، يعيد الإعلامي سؤاله باللهجة المصرية: عايز تعمل فيلم مصري؟ فيجيب رامي وقد فهم السؤال هذه المرة: Yes! 

الجدل حول وصفيّ مصري/ عربي، لا يخمد إلا ليندلع من جديد، وآخره مسلسل "الحشاشين"، الذي اختار مؤلفه عبد الرحيم كمال والمخرج بيتر ميمي أن يكون باللهجة المصرية، بدلاً من العربية الفصحى التي درج استخدامها في المسلسلات التاريخية، ما أثار حالتي الهجوم والدفاع في الصحافة والسوشال ميديا

يتم تداول مقطع الفيديو تحت عنوان "الفنان العالمي رامي مالك يفهم المصرية ولا يفهم العربية"، ثمة نسخة أخرى "طفولية" من هذا الموقف، حين تعجز طفلة مصرية عن فهم أسئلة الفنانة اللبنانية نجوى كرم خلال أحد برامج المواهب، ولا تفهم السؤال إلا حين يوجهه الفنان المصري أحمد حلمي رغم أنه استخدم نفس الكلمات. لكن يمكن القول إن مثل تلك الحالات يجوز وصفها بالمتطرفة، فغالبية الجمهور الفني العربي يفهم اللهجة المصرية بسهولة، خاصة لهجة المسلسلات الأسهل -مفردات ونطقاً- من لغة الشارع، ولهذا فإن الجدل حول استخدام العامية في مسلسل تاريخي كالـ "حشاشين" لا يتعلق بالقدرة على فهمها، أكثر مما يتصل بالمواقف الفكرية من الفصحى و"قداستها". 

تركي آل الشيخ في الجدل المصري... كالعادة

لذلك فإن أكثر المعترضين على استخدام العامية، كانوا من مواقع التواصل المصرية، لا العربية. وبدا واضحاً من متابعة الجدل أنه خلاف بين "المحافظين" من جهة، و"الوطنيين" من جهة، وهما جهتان لا تندمجان كما يجرى عادة في الثقافات الأخرى، لأن وراءهما صراعا، "يميّز" المنطقة العربية، يتعلق بـ "الفتح" الإسلامي، والثقافات "الأصلية" كالفرعونية والفينيقية والأمازيغية والنوبية وغيرها، ولهذا ليس غريباً أن يبدو رفض أزهريّ مصري – على سبيل المثال – للهجة العامية في العمل التاريخية أشد من رفض مواطن عربي غير مصري للهجة نفسها. 

 كعادته شارك تركي آل الشيخ في الجدل، وقال عبر حسابه على موقع "إكس": "من حق صناع مسلسل الحشاشين اختيار اللغة التي تناسبهم، واللهجة المصرية عريقة ومفهومة في كل العالم العربي".

بدا ذلك مثلاً في تعليق أبداه رئيس هيئة الترفيه السعودية، المستشار تركي آل الشيخ، قائلا عبر حسابه على موقع "إكس": "من حق صناع مسلسل الحشاشين اختيار اللغة التي تناسبهم، واللهجة المصرية عريقة ومفهومة في كل العالم العربي"، مشيراً إلى أن الأتراك يصنعون مسلسلاتهم بلغتهم.

إن تدخل "آل الشيخ" في جدل مصري لم يعد يثير الاستغراب، فقد بدا في السنوات الأخيرة "مهتماً" بالقوى الناعمة المصرية وممارساً للكثير من "الاحتواء" لها، وقد كان مثال "المسلسلات التركية" محلاً لاستخدام الكثيرين على أية حال، ومنطلقاً للكثير من النكات أيضاً، سواء من جهة اعتبار "الدوبلاج السوري" لتلك المسلسلات بديلاً للغة الفصحى في مخيلة الكثير من المشاهدين، أو عبر مشاهد كوميدية في مسلسلات مصرية جعلت الأتراك يتحدثون اللهجة السورية بدلاً من لغتهم الخاصة. 

اللغة المتخيلة في العمل الفني 

وبالطبع فإن اختيار اللغة شأن خاص بالمبدع، وهي في كل الحالات لغة متخيلة لوقائع متخيلة وإن كانت مستندة إلى أصل تاريخي، فلا "الحرافيش" في حارات مصر كانوا يتحدثون بفصحى نجيب محفوظ، ولا الفراعنة كانوا يتحدثون بفصحى المسلسلات الدينية المصرية، وليس في العالم العربي بيت يتحدث الفصحى على أية حال، وإنما هي لهجة بيضاء للاستخدام العام، وإن حلت محلها – في عالم الفن – اللهجة المصرية لقرن من الزمان، ولكن من المثير تخيّل الحرية المطلقة للمبدع في اختيار لغة الحوار، فهل يمكن تخيل مسلسل يتحدث فيه الفراعنة اللهجة السعودية (لو أن السعودية أنتجت مثلاً عملاً عن النبي موسى)؟ 

غالبية الجمهور الفني العربي يفهم اللهجة المصرية بسهولة، خاصة لهجة المسلسلات الأسهل -مفردات ونطقاً- من لغة الشارع، ولهذا فإن الجدل حول استخدام العامية في مسلسل تاريخي كالـ "حشاشين" لا يتعلق بالقدرة على فهمها، أكثر مما يتصل بالمواقف الفكرية من الفصحى و"قداستها"

إن الاحتمالات في ذلك السياق لا نهائية، وهي أرض تجري تحتها صراعات ثقافية وسياسية تتبدل أماكنها سريعاً، وإن كانت أسبابها الحقيقية لا تُرى دائماً بالعين المجردة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image