حين بحثت المخرجة كاملة أبو ذكري عن فنان يجسّد رجل الطبقة المتوسطة الذي يتعرض لكافة التقلبات منذ عصر السادات، وحتى ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، للقيام ببطولة مسلسل "ذات" الذي تم عرضه عام 2013، لم تجد أنسب من الفنان باسم سمرة الذي جسّد الدور ببراعة، بالرغم من أنه ليس من نجوم "الصف الأول" بمعايير السوق الفني، لكن المخرجة المتفردة كسبت الرهان بعمل خالد سكن وجدان الجمهور.
منذ هذا العمل، وربما قبله قليلاً، وأنا أتابع باسم سمرة الذي بت أفرح لكل نجاح يحققه، كما حدث مؤخراً في تألقه في مسلسل "منورة بأهلها" الذي أثبت فيه –كالعادة- أنه فنان استثنائي، لكن ما لفت نظري أكثر أنه وسط الإشادات تبقى النقطة الثابتة أنه قادر على تجسيد الطبقة المتوسطة كما هي من دون تجميل أو ظلم، ولذلك لم يكن غريباً أن أكثر من يُعجبون بـ"سمرة" مثلي من أبناء تلك الطبقة الذين وجدوا فيه نجمهم الحقيقي.
وللتوضيح أكثر، فالمتتبع لمشوار باسم سمرة الفني، سواء في الأفلام أو في المسلسلات، يرى أنه لم يتخلَّ عن دور رجل الطبقة المتوسطة بالرغم من تنويعات ما يقدمه، ففي فيلم "أنا مش معاهم"، نراه يجسد المتدين ابن الطبقة المتوسطة، وفي "البيه رومانسي" المحامي الكوميدي للطبقة نفسها، وحتى حين قدّم دور الثري في الجزء الثاني من فيلم "أولاد رزق"، كان الغني الذي يحيا حياة ابن الحارة الشعبية بالرغم من سكنه في القصور.
يأتي دور باسم سمرة الذي لا يملك "جسداً متناسقاً" وفق "معايير البطولة"، ولا يكترث كثيراً للمعة أسنانه، وهو ما جعلني أنا وغيري حين نشاهده في أي عمل عن الطبقة المتوسطة، نصدّقه لأنه يشبهنا بملابسه "غير المكوية" وبشرته المكسوة بحرارة الشمس والعرق
إذاً، هكذا اختار باسم سمرة طريقه منذ البداية، أو ربما وجد المخرجون أنه يصلح لهذا الدور، لكن هذا ليس كافياً لأن تثق فيه الطبقة التي يعبّر عنها، فماذا حدث ليطمئن له جمهور طبقته ويمنحه صك نجاح لكثير من الأعمال بعد سنوات من الثقة المتبادلة؟
في رأيي، إن أول الأسباب هو الصورة التي صارت نمطية للطبقة المتوسطة في الأعمال الفنية خلال السنوات الماضية، وهي صورة لا تمت إلى الواقع بصلة، فأبطال تلك الأعمال من الرجال هم دوماً أصحاب أجساد رياضية متناسقة وعروق نافرة وأسنان بيضاء لامعة. أما النساء فلديهن البشرة الخالية من أي شوائب والجسم المثالي والضحكة الهوليودية، ولا يخفى على أحد أن تلك صورة لطبقة مخملية قادرة على دفع ثمن عيادات التجميل والذهاب إلى "الجيم" يومياً، وتالياً هؤلاء لا يقربون الطبقة المتوسطة التي تقضي معظم أوقاتها في العمل حتى لا تسقط، وهو ما فطن إليه الجمهور الذي ابتعد عن تلك الأعمال، بل وتحوّل الأمر إلى سخرية في بعض الأحيان من فنانين يمثلون أدوار من لا يملكون المال، بالرغم من أن مظهرهم يوحي بعكس ذلك.
هنا بالضبط يأتي دور باسم سمرة الذي لا يملك "جسداً متناسقاً" وفق "معايير البطولة"، ولا يكترث كثيراً للمعة أسنانه، وهو ما جعلني أنا وغيري حين نشاهده في أي عمل عن الطبقة المتوسطة، نصدّقه لأنه يشبهنا بملابسه "غير المكوية" وبشرته المكسوة بحرارة الشمس والعرق، أضف إلى ذلك ذكاءه في انتقاء المصطلحات التي تعبّر عن لغة الطبقة التي يجسدها، ما جعلنا أيضاً نصدّقه لأنه يتحدث بلساننا.
ثاني الأسباب التي تجعل من باسم سمرة فنان الطبقة المتوسطة، أنه لم يتوقف عند حدود ممثل متمكن يصلح للأدوار الثانية فقط، بل استطاع اجتياز "تابوهات البطولة"، وسواء تم ذلك لسعيه المستمر أو لحظه الجيد في أنه وقع بين يدي مخرجين التقطوا إمكاناته، لكنه في النهاية كان بطل كثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية وما زال حتى الآن، وهو ما أعطاه شهرةً جعلته يبرز أكثر من غيره من الفنانين الذي يجسّدون الطبقة المتوسطة أيضاً ببراعة.
تبقى الصورة النمطية التي يرسمها باسم سمرة لنفسه، إذ نرى حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي خاليةً من "البذخ" وإظهار ما يملك، على عكس نجوم كثر يظهرون ذلك -وهذا حقهم- لكن في النهاية يشعروننا بمدى الفجوة بيننا وبينهم، وتالياً حين يقدّمون أعمالهم الفنية التي تعبّر عنا لا نصدّقهم
والعارف بـ"تابوهات البطولة"، يُدرك أن ذلك ليس سهلاً، فتاريخنا السينمائي يعطي لتلك "التابوهات" أهميةً تتجاوز القدرة التمثيلية أحياناً، كما أنها "تابوهات" تتغير حسب المرحلة، فحتى نهاية الستينيات كانت السطوة للنجم القادر على ضرب الجميع، ثم "الشعر الناعم والعيون الملونة" في مرحلة السبعينيات، وصولاً إلى الألفية الثانية حيث الجسد الخالي من "الكرش" والوسامة. ولإدراك مدى سيطرة "التابوهات"، عليك أن تعرف أنها تسببت في تأخر نجومية فنان بحجم أحمد زكي، وآخر مثل يحيى الفخراني، وهما من كسرا الصورة النمطية بشجاعة وجهد.
إذاً، إن وجود باسم سمرة كبطل لعدد من الأعمال يجعله فناناً كبيراً فعلاً، لكن هناك عامل ثالث ربما أكمل ما وصل إليه من نجاح، وأقصد التنوع وعدم الخوف من تأدية دور ما، ففي "عمارة يعقوبيان" لا يرفض دور المثلي جنسياً، وهو دور يرفضه بعض الفنانين خشية التأثير عليهم أو رفض الجمهور لهم، ونراه في فيلم آخر مثل "بعد الموقعة"، يجسّد خيّالاً يحب مبارك، وهكذا تنقّل بين التراجيدي والكوميدي والأكشن والدراما، وأجاد فيها جميعها في اعتقادي، وهذا أضاف إليه الكثير.
تبقى الصورة النمطية التي يرسمها باسم سمرة لنفسه، إذ نرى حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي خاليةً من "البذخ" وإظهار ما يملك، على عكس نجوم كثر يظهرون ذلك -وهذا حقهم- لكن في النهاية يشعروننا بمدى الفجوة بيننا وبينهم، وتالياً حين يقدّمون أعمالهم الفنية التي تعبّر عنا لا نصدّقهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين