"أحقًا ما سمعته؟ جماعة جريئة... تريدني أن أدفع الثمن لأجل بيئة... تقول أنها بسببي قد صارت رديئة... على يدي دمرت بأفعالي المسيئة... تلومني على التلوث الذي بأرضها... كأني أخرجت من جيبي غازات دفيئة".
بهذه الكلمات يبدأ الفنان السوداني وصانع المحتوى أمجد النور أغنيته "الملوث يدفع" التي أنتجتها "غرينبيس الشرق الأوسط"، وهي منظمة بيئية عالمية تعمل على التوعية بقضايا البيئة والمناخ للوصول إلى أوسع شرائح ممكنة عالمياً ومحلياً.
أنتجت هذه الأغنية لتسليط الضوء على المحور الأساسي لمؤتمر المناخ كوب28 الذي انعقد في الإمارات في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، وهو الوقود الأحفوري والأضرار التي تسببت بها دول الشمال العالمي لدول الجنوب، والسجال بين هذه الدول حول مسؤولية الأضرار وتغطية نفقاتها. وتتبع أسلوب السخرية من مطالب دول الجنوب، وذلك على لسان "الرجل الأبيض"، وسط مشاهد بين مصانع وشوارع ممطرة، وأماكن مؤتمرات تعكس أساليب اتخاذ القرار عالمياً.
تقول دانيا شري، المسؤولة الإعلامية لغرينبيس الشرق الأوسط والمسؤولة عن الإشراف على هذا المشروع، إنهم في غرينبيس يحاولون دائماً الاعتماد على طرق مبتكرة ومختلفة في الترويج للأفكار حول التغير المناخي، وتضيف لرصيف22: "لم تكن تجربة تحويل معلومات عن التغير المناخي والصراع بين دول الشمال والجنوب والحديث عن الوقود الأحفوري، أمراً سهلاً، كانت تحدياً لنا ولأمجد النور".
وعن اختيار النور لأداء الأغنية، تشير شري إلى كونه يتناول عادة موضوعات تهم الشباب، ومبتكرة، ولغته العربية جيدة ومفهومة، وطريقة تقديمه مرحة وذكية.
تنوه المتحدثة إلى أن الأغنية حصدت الكثير من التعليقات الإيجابية وردود الأفعال، ولم تكن مقتصرة على الحديث عن الأغنية والعمل الفني، بل كانت هناك تعليقات عديدة حول موضوع الأغنية نفسه، أي عدم العدالة بين دول الشمال والجنوب، والوقود الأحفوري، وتأثير الأمر على مستقبل الناس وحياتهم، وكان هذا مؤشراً إيجابياً للغاية لهم.
الإنسان بطبيعته لا يحب كلمة ‘لا’، والفن يلطّف هذه الكلمة، ويوصل الرسالة بشكل أرقى.
وتستكمل موضحة: "بشكل عام كنا نستهدف الجمهور الشاب، وكان موضوع الأغنية وتوقيتها مرتبطاً بانعقاد كوب28، لذلك كان اختيار الفكرة نفسها وتحويلها لشكل إبداعي ونشرها على مواقع التواصل مرتبطاً بنوع الجمهور المستهدف"، وتضيف بأنه يجب التقرب من الشباب، والتعامل معهم بلغتهم إذا أردنا أن نصل إلى هذه العقول، لذلك وصلت فكرة الأغنية بطريقة سهلة ومرحة.
الوعي المناخي في العالم العربي
تحدث رصيف22 أيضاً مع أمجد النور، فذكر بأن تجربة العمل على الأغنية ليست جديدة عليه، لأنه يقدم موضوعات مشابهة على منصات التواصل الاجتماعي، بإنتاج محتوى راب بالعربية الفصحى لمناقشة قضايا اجتماعية، وهذا سهّل عليه الأمر.
ويشير النور إلى أن بعض التحديات التي واجهته هي أنه لم يكن ملماً بموضوع الأغنية بشكل كافٍ، لكن غرينبيس ساعدوه على هذا، أما التحدي الآخر فقد كان إنسانياً، وهو إطلاق الأغنية وقت الحرب على غزة والحرب في السودان.
ويضيف: "كنا نحاول ألا نبدو غير مهتمين بما يجري، وبالفعل لم تكن هناك تعليقات سلبية بعد إطلاق الأغنية، بالعكس كانت ردود الأفعال صادمة بشكل إيجابي، وأحد أسباب ذلك برأيي أن المشاهدين رأوا شخصية المظلوم تنتصر على الشرير، ولم أتوقع أبداً أن نحصد خلال أسبوع عشرات آلاف المشاهدات".
وعن رأيه في تأثير الأغنية على الوعي بالقضايا المناخية، يعتقد النور بأننا لا زلنا بعيدين في العالم العربي عن قضايا المناخ بسبب الأوضاع الاقتصادية والحروب، فالتركيز دائماً يكون على الاحتياجات الأساسية، وما زال الطريق طويلاً للمواطن العربي للنظر إلى قضية المناخ على أنها محورية، لكن ذلك لا يمنعه من متابعة العمل على تجارب مشابهة قريباً.
تعزيز ثقافة الأمانة البيئية
لم تكن فكرة هذه الأغنية الأولى من نوعها، فهناك عدة أغان عربية وعالمية أنتجت من قبل حول التغير المناخي، مع اختلاف موضوعاتها وجهات إنتاجها.
مثلاً أنتجت جامعة عين شمس في مصر، أغنية عن التغير المناخي بعنوان "الأرض زعلانة عشان شيفانا بنفرط"، تناقش الأضرار التي يتعرض لها كوكب الأرض، وأهمية إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، وكان ذلك العام الماضي بالتزامن مع مؤتمر المناخ كوب27 الذي عقد في محافظة شرم الشيخ، واحتوت الأغنية على جزء بالإنجليزية يترجم نفس الكلام.
ومنذ سنوات، أطلق الناشط البيئي والفنان العُماني فهد العبري أغنية "الأرض علينا أمانة"، انطلاقاً من منظوره بأن الفن يوصل رسائل يعجز الكلام المباشر عن إيصالها.
أحاول تعزيز ثقافة الأمانة البيئية، فعندما نربط القضايا البيئية بقيمة كبيرة مثل الأمانة يكون فهم القضية أفضل. وانا أكتب الأغنية، كنت أحتاج إلى كلمة أعم وأشمل من البيئة، تشمل الإنسانية والصحة والحيوانات، لذا وصلت إلى أن ‘الأرض علينا أمانة’، فالأرض تضم البشر والكائنات الحية
وفي لقاء مع رصيف22، يقول العبري إنه قرر إنتاج هذه الأغنية، لأن الوعي البيئي عموماً في العالم العربي ما زال ضعيفاً، والمحتوى العربي الغنائي في هذا المجال قليل جداً، ويتابع: "أبسط شيء يمكن شرحه عن البيئة هو قضية القمامة الشائعة عالمياً وعربياً، وما لفتني أنه بالرغم من وجود لافتات كثيرة في الشوارع مثل ‘يرجى عدم إلقاء القمامة’ وغيرها، إلا أن هذا لا يفضي إلى نتيجة مما يعني أن هناك مشكلة في التواصل، فسرتها بأن الإنسان بطبيعته لا يحب كلمة ‘لا’، والفن يلطّف هذه الكلمة، ويوصل الرسالة بشكل أرقى، كما يجمع بين الناس رغم اختلافهم، عكس الحلول السياسية التي تركز على الاختلافات كمشكلة".
ويشرح الناشط المزيد عن الأغنية: "أحاول تعزيز ثقافة الأمانة البيئية، فعندما نربط القضايا البيئية بقيمة كبيرة مثل الأمانة يكون فهم القضية أفضل. وانا أكتب هذه الأغنية، كنت أحتاج إلى كلمة أعم وأشمل من البيئة، تشمل الإنسانية والصحة والحيوانات، لذا وصلت إلى أن ‘الأرض علينا أمانة’، فالأرض تضم البشر والكائنات الحية كافة".
وعن التحديات التي واجهته في هذه الأغنية يشير فهد إلى أنه كفنان مستقل، كانت الميزانية المنخفضة هي التحدي الأبرز لأنها ميزانية فردية منه هو فقط، وكان يعتقد أن من الأفضل أن تكون هناك جهة داعمة لكي يصل إلى جمهور أكبر، ويذكر أنه تواصل لعرض الأغنية على العديد من الفنانين الكبار ليتعاونوا معه، لكن لم يتفاعلوا بشكل إيجابي، وربما هذا مفهوم بسبب شيوع أغاني الحب والعلاقات بكثرة في العالم العربي.
وعن ردود الأفعال، يقول العبري بأن الناس أحبت الأغنية بسبب عفويتها، ولاقت صدى جيداً وأشعلت حملات تنظيف في عُمان: "وجدت أشخاصاً يجمعون القمامة ويشغلون الأغنية، فصارت هذه الرسالة تتناقل بطريقة إيجابية، وهذا تأثير جيد"، لذا يفكر الفنان بتكرار التجربة على نطاق أوسع، مثل إنتاج ريمكس مع فنان كبير، أو غنائها في حفل سياحي مع أحد الفنانين، لتصل الرسالة بشكل أكبر.
تجارب عالمية
وعلى المستوى العالمي، نجد العديد من الأغاني التي أنتجت للتوعية بالتغير المناخي مثل Despite Repeated Warnings "بالرغم من التحذيرات المتكررة" لبول مكارتني، وفيها يناشد المستمعين أن يأخذوا في الاعتبار التحذيرات العديدة والمتكررة لتداعيات التغير المناخي، مثل ارتفاع درجات الحرارة والحرائق الشديدة والعواصف.
كذلك أغنية "Feels Like Summer" التي رشحت مغنيها دونالد جلوفر للحصول على جائزة غرامي عام 2019، وهي تتحدث عن مواضيع عدة بما فيها التغير المناخي وندرة المياه وتلوث الهواء واختفاء الغابات.
بالإضافة إلى أغنية الهيب هوب "Trouble in the Water" التي تؤديها مجموعة من المغنيين المشاهير مثل مالك يوسف وكوماسي وآرون فريش وتشوكليت ولاسي كاي، وتتحدث عن درجات الحرارة المتغيرة وتلوث المياه والهواء، في فيديو كليب واقعي يعرض صوراً من مصانع المياه المعدنية، وأشخاصاً يحاولون الحصول على الماء من الآبار، باعتبارها صرخة ودعوة للعمل لوقف إساءة معاملة البيئة.
كما توجد مبادرات وأغان أخرى أقل حدة في رسائلها، موجهة للأطفال لتعريفهم بالقضايا المناخية بشكل مبسط ودعوتهم للحفاظ على البيئة، مثل أغنية أصدقاء البيئة، وباللغة الإنجليزية أغنية We Need to wake up أو "يجب أن نستيقظ".
الأغنيات ونشر الوعي البيئي
وعن تأثير الأغاني على الإنسان، يقول الناقد الفني والكاتب الصحافي محمد عبد الخالق، لرصيف22، أن الأغاني مثل باقي الفنون، لها تأثير فوري على الإنسان متمثل في التفاعل اللحظي مع الموسيقى أو الكلمات، وهناك تأثير أكثر عمقاً، وهو توسيع مدارك الوعي، وجعل الروح والإحساس أكثر رهافة. ويضيف عبد الخالق بأن الأغنية مرآة من مرايا المجتمع، تتأثر بأحواله الفكرية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وتعكس كل هذا في شكل فنون سريعة الانتشار، مثل الفنون القولية أي الغناء والتمثيل.
الأغاني مثل باقي الفنون، لها تأثير فوري على الإنسان متمثل في التفاعل اللحظي مع الموسيقى أو الكلمات، وهناك تأثير أكثر عمقاً، وهو توسيع مدارك الوعي، وجعل الروح والإحساس أكثر رهافة
لكنه يرى بأن الأغنية تساعد على التغيير ولا تخلقه، فهي تنشر الفكرة وتحمس الناس لها، وتشجعهم على تبينها، وتوصلها لجميع الطبقات بشكل بسيط وممتع. كذلك تختلف قوة التأثير حسب عرض الأغنية، فالفيديو كليب يضيف لها كثيراً، فلو كان للكلمة قوة، فتلحينها وغناؤها يضاعف هذه القوة، وتصويرها يزيد هذا أضعافاً، لأننا حينها نكون أمام اتحاد تأثير عدد من الفنون، وكما يقال دائماً "الصورة بألف كلمة".
ويستكمل شارحاً: "يمكننا أن نرصد هذا التأثير انطلاقاً من تجربة سيد درويش الذي نؤرخ به لبداية الغناء والموسيقى العربية، وحينها بدأت الأغنية تنشر الوعي بين مختلف الطبقات، وعلى المستوى الشعبي كانت الجماهير تحول الكثير من هتافاتها المسجوعة إلى أغانٍ وأهازيج. وفي الحقبة الناصرية تولى عبد الحليم حافظ توثيق ونشر فكر ثورة 1952 وأهدافها وخطها في أغانٍ حفظتها الجماهير ورددتها رغم حملها ألفاظاً سياسية واقتصادية واتجاهات فكرية صعبة، ولا ننسى انتفاضة الأقصى عام 2000، وكيف واكبتها انتفاضة غنائية في الوطن العربي، معبرة عن رفض العدوان، وبث الحماسة في النفوس والتعريف بالقضية والإصرار على تحرير فلسطين. وكان من أشهرها ‘الأقصى نادى’ لمحمد فؤاد، و’القدس دي أرضنا’ لعمرو دياب وغيرهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.