شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لماذا تغيب قضايا البيئة عن خطبة الجمعة الأسبوعية؟

لماذا تغيب قضايا البيئة عن خطبة الجمعة الأسبوعية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 17 سبتمبر 202310:36 ص

أسأل طفلي أسبوعياً عن موضوع خطبة الجمعة، فتارة يجيبني بأن خطيب الجامع تحدث عن الأمانة وعدم السرقة، ومرات أخرى يقول إنه تناول الطلاق وبر الوالدين والإيمان والرضا بالقضاء والقدر.

خطر على ذهني أن أسأله ذات مرة عن قضايا الوعي البيئي، فقلت له: "هل تحدثت خطبة الجمعة عن البيئة اليوم؟ بمعنى أنه يجب علينا المحافظة على البيئة وعدم تدميرها؟"، فكان الجواب أنه قلما يستمع إلى تلك الموضوعات المختصة بالوعي البيئي، أو ربما لم يستمع إليها يوماً في المسجد.

من هذا المنطلق يحكي معتز مختار وهو مخرج تلفزيوني لرصيف22: "تتعدد موضوعات وقضايا خطبة الجمعة ما بين فضل الاستغفار، وعقوبة تارك الصلاة، وكيفية الابتعاد عن ارتكاب المعاصي. لكنني ألاحظ ابتعادها كلياً عن القضايا البيئية، فهي غير مدرجة باستمرارية كبقية الموضوعات الأخرى".

هل تحدثت خطبة الجمعة عن البيئة اليوم؟

جهل بأهمية القضايا البيئية

في إطار هذا السياق، توضح آمنة نصير، أستاذة الفلسفة والعقيدة في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر سابقاً لرصيف22: "من وجهة نظري، يعتبر عدم الاهتمام بقضية التغير المناخي حولنا وعدم إدراجها ضمن خطبة الجمعة الأسبوعية بتوازن واستمرارية، جهلاً بأهمية البيئة المحيطة بنا وقيمتها لحماية الإنسان، وقد تحدثت عن تلك القضية منذ عشر سنوات في كتاب بعنوان ‘الإسلام وحماية البيئة’، وأشرت إلى أن البيئة إذا أضر الإنسان بها وأخل بتوازنها، أضرّت به بدورها. ويضم الكتاب فصولاً عديدة، كتنظيم الإسلام لقوانين حماية البيئة وتوزيع ثرواتها".

أما عن الزاوية الخاصة بضرورة إدراج قضية الوعي البيئي ضمن خطبة الجمعة الأسبوعية، توضح نصير: "لا بد أن تبذل وزارة الأوقاف جهوداً لتجديد الخطاب الديني، عن طريق تغيير الموضوعات التقليدية المعتادة، وإدراج الوعي البيئي وإعطائه أولوية بقدر تلك الموضوعات بل بقدر مضاعف، إضافة إلى تنبيه أئمة المساجد حول أهمية التحدث عن الشؤون البيئية بشكل مكثف وتفصيلي دون إيجاز أو تقليل من شأن القضية".

وختمت حديثها قائلة: "إذا نبعت مفاهيم الحفاظ على البيئة ومواردها من دور العبادة التي يرتادها المصلون، فإن ذلك يساعد بشكل كبير على جعل مفهوم الاستدامة البيئية أسلوب حياة لهم".

via GIPHY


"الإيكوثيولوجيا" أو اللاهوت البيئي

يعرّف بأنه نوع من الدراسات التي تجمع بين العلوم البيئية ودراسة الكائنات الحية والبيئة الحيوية المحيطة بها، وبين الدين. ويبحث أصحاب هذا الفكر عن كيفية المحافظة على البيئة بأسرها، وكيف تلعب المعتقدات الدينية دوراً بارزاً في فهم الأشخاص والمجتمعات للبيئة وسلوكيات الأفراد تجاهها.

ولا تقتصر قضايا الإيكوثيولوجيا على استكشاف تلك العلاقة الوثيقة بين الدين والطبيعة، بل تمتد لتشمل إدارة النظام البيئي بشكل عام وطرح الحلول الممكنة، من أجل تحقيق مفهوم الاستدامة البيئية والحفاظ على كوكب الأرض.

خطبة الإمام هي أداة تواصل قوية، فإذا أعطى فتوى بسيطة ضمن الخطبة عن حرمة الأذى والضرر بالموارد الطبيعية، أو أهمية العمل الجاد على مواجهة التغير المناخي أو منع استخدام الوقود الأحفوري، سيكون ذلك داعماً نحو تغيير وتعديل السلوكيات البشرية الخاطئة تجاه البيئة

وفي إطار هذا المفهوم، يشير بلال حجازي، المستشار الإعلامي لمفتي طرابلس والشمال في لبنان، إلى أن التركيز ضمن خطبة الجمعة على الوعي البيئي، سيكون داعماً للحفاظ على البيئة وتوازنها، وتغيير سلوكيات الأفراد الخاطئة التي تضر بالبيئة بشكل عام.

ويتابع: "إلى جانب ذلك، فإن خطبة الجمعة تعتبر فرصة عظيمة لنشر الوعي البيئي، فيمكن للخطباء التركيز على مجموعة متنوعة من القضايا البيئية أثناء الخطبة، مثل المحافظة على الموارد الطبيعية كالماء والهواء والتربة، وطرق الحد من الاستهلاك والنفايات الضارة، وإبراز أهمية وتبني مفهوم إعادة التدوير، وتشجيع أفراد المجتمع على الانخراط في أنشطة بيئية مثل التشجير، ودعم التبرع للجمعيات البيئية".

وعن الأساليب التي يمكن لإدارة المساجد اتباعها للتوعية البيئية إضافة إلى خطبة الجمعة، يقول حجازي: "يمكن تثقيف المصلين حول البيئة عن طريق تنظيم ندوات وورش عمل من أجل التحدث عن ضرورة المحافظة على البيئة وتوازنها، وتوزيع الكتيبات الخاصة بذلك، وإبراز أنماط الوسائل التي يمكن من خلالها حماية البيئة".

عدم إدراج قضايا البيئة ضمن خطبة الجمعة الأسبوعية بتوازن واستمرارية، يعتبر جهلاً بأهمية البيئة.

ويضيف: "من الممكن أيضاً أن نجعل التغيير ينبع من داخل المساجد، مثل تكريس مفهوم الاستدامة البيئية في أذهان المصلين، عن طريق استخدام الطاقة النظيفة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتوليد الكهرباء، وترشيد استخدام المياه داخل المساجد من خلال وضع ملصقات تشجع على عدم الإسراف في استعمال الماء. كل هذه الأساليب داعمة إضافة إلى خطبة الجمعة".

الخطبة الخضراء

تشرح نهاد عواد، منسقة الحملات والتواصل العالمي ضمن التحالف البيئي "أمّة لأجل الأرض"، لرصيف22 حول مفهوم الخطبة الخضراء بالقول: "نسعى لأن نروج بين إدارات المساجد لمفهوم الخطبة الخضراء، بمعنى أن تتحدث الخطبة عن ضرورة المحافظة على البيئة، ومدى تأثير ذلك على الكائنات الحية والتنوع البيولوجي".

وتتابع: "الخطاب الديني عبر الإمام هو واجب ديني، وخطبة الإمام هي أداة تواصل قوية، فإذا أعطى فتوى بسيطة كمثال ضمن الخطبة عن حرمة الأذى والضرر بالموارد الطبيعية، أو عن أهمية العمل الجاد على مواجهة التغير المناخي أو منع استخدام الوقود الأحفوري، سيكون ذلك داعماً نحو تغيير وتعديل السلوكيات البشرية الخاطئة تجاه البيئة. الإمام لديه القدرة على إلزام المصلين بذلك عن طريق الربط بين مسؤولياتهم تجاه الخالق والبيئة في آن واحد، وهو أمر بدوره يعمل على إعادة التوازن البيئي ويحافظ على التنوع البيولوجي".

via GIPHY


وتضيف المتحدثة أن مؤسسة "أمة لأجل الأرض" أصدرت تقريراً عن أهمية جعل المساجد خضراء، بالتعاون مع مركز عصام فارس في الجامعة الأمريكية في بيروت، تناول عشر دراسات حالة لجوامع موزعة في مختلف أنحاء العالم، مثل جامع الاستقلال في جاكرتا، وجامع النظامية في جوهانسبورغ، والجامع الأموي في سوريا، وجامع الأزهر الشريف في القاهرة، وجامع غلاسكو المركزي، وذلك تزامناً مع مؤتمر المناخ كوب26.

وأبرز هذا التقرير أهمية جعل المساجد خضراء، سواء عن طريق الخطب الأسبوعية، أو استخدام الطاقة النظيفة للعمل على توفير الطاقة الكهربائية وخفض الانبعاثات الكربونية.

وتكمل: "أطلقنا كذلك نموذجاً للخطبة الخضراء في شهر رمضان للعام الفائت 2022، وتناولت هذه الخطبة آثار التغيرات المناخية على البيئة المحيطة بنا بوجه عام، من جفاف وندرة مياه الأمطار وتقلبات الطقس من ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، وهي ظواهر تسببت بالكثير من الخسائر البيئية كالفيضانات وتلف المحاصيل الزراعية. وهدفنا لأن يكون محتوى الخطبة دافعاً للمصلين نحو ضرورة اتباع خطوات جذرية من أجل إنقاذ البيئة".

خطبة الجمعة فرصة عظيمة لنشر الوعي البيئي، فيمكن للخطباء التركيز على مجموعة متنوعة من القضايا البيئية أثناء الخطبة، مثل المحافظة على الموارد الطبيعية كالماء والهواء والتربة، وطرق الحد من الاستهلاك والنفايات الضارة، وإبراز أهمية إعادة التدوير

كما أشارت الخطبة وفق المتحدثة إلى ضرورة منع الوقود الأحفوري، كخطوة جذرية من أجل الحد من آثار التغيرات المناخية، وتناولت كذلك ضرورة توعية المصلين بالحفاظ على البيئة المحيطة بهم وعدم استنزاف مواردها الطبيعية. وتضيف: "سنستمر بنشر هذه الخطبة خلال شهر رمضان في الأعوام المقبلة أيضاً".

ومن الأمثلة عن الخطبة الخضراء، ما تحدث عنه فراس حسين بلوط، مدير قسم الشؤون البيئية في دار فتوى مدينة طرابلس اللبنانية في رمضان الفائت، إذ قال: "دورنا في التعامل مع البيئة دور تعبدي، ليس فقط جمالياً، والغذاء الروحي لا يكتمل إلا بالتفكر في خلق الله سبحانه وتعالى، والبيئة عندما تكون نظيفة، فهذا جزء من العقيدة يقربنا من الله، وشهر رمضان فسحة إيمانية ومعراج حقيقي لمزيد من الغذاء الروحي، وتالياً ينعكس ذلك على السلوك البيئي للإنسان بالمحافظة على البيئة وتوازنها، فهذا الشهر عندما نستثمره بطريقة صحيحة، سيكون قادراً على إنتاج جيل يُحسن التعامل مع الشجر والثمر والحجر والبشر أنفسهم، وبذلك نحافظ على البيئة بأسرها".

وتختم عواد: "عندنا مثل لبناني يقول ‘إيد لوحدها ما بتزقف’، فيجب أن تكون هناك علاقة تكاملية بين المؤسسات الدينية والمدنية والبيئية، لتشجيع الأفراد والمجتمعات للمحافظة على البيئة، عن طريق عمل ورش تثقيفية داخل دور العبادة كالمساجد والكنائس، بتمويل من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات البيئية. فإذا طبق هذا المفهوم بجدية وحزم داخل دور العبادة، سيكون ذلك أسلوب حياة خارج محيط المسجد أيضاً، وتالياً يمكن أن تستعيد البيئة توازنها بشكل طبيعي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard