شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ناشطون بيئيّون في الجنوب اللبناني في مواجهة انتهاكات الاحتلال

ناشطون بيئيّون في الجنوب اللبناني في مواجهة انتهاكات الاحتلال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 7 فبراير 202407:57 ص

أشكال مختلفة ومتنوعة من المواد السامة يرميها الاحتلال الإسرائيلي على رؤوس المدنيين في لبنان وغزة، غير مكترث لأي اعتبارات إنسانية لم ترد في قاموسه يوماً، فعمد خلال عدوانه على غزة والجنوب اللبناني إلى قصف المناطق السكنية بوابل من القذائف الفوسفورية الحارقة، والتي لها نتائج كارثية على البيئة والصحة.

هذا الكلام ليس من باب التهويل، وإنما حقيقة دامغة، فلبنان شهد على حروب متتالية أمطرت فيها إسرائيل مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت بالقذائف المتنوعة وذات الأغراض المختلفة، والفحوص التي أجريت من قبل خبراء أثبتت وجود الفوسفور الأبيض، والأخطر منه مواد مشعة لا زالت في التربة إلى يومنا هذا.

هذه الاعتداءات على البيئة، وضعت الجمعيات البيئية على أهبة الاستعداد للدفاع عن الطبيعة، كما اعتادت في الأيام السابقة للحرب بالوقوف في وجه العابثين والمخربين، ومنها جمعية "الجنوبيون الخضر" الناشطة في الجنوب اللبناني، وهي ترصد منذ بداية الحرب الاعتداءات الإسرائيلية من خلال الناشطين العاملين معها والموجودين في مختلف المناطق، وكذلك بالاعتماد على بيانات الدفاع المدني، ومن خلال متابعة ما يرصده الصحافيّون الميدانيون.

ويتحدث مصدر في "الجنوبيون الخضر" لرصيف22 مشيراً إلى أنه إضافة إلى رصد الاعتداءات، فإنها توثق من خلال التركيز على شقّين، أولاً نوع الذخائر وبشكل أساسي قنابل الفوسفور الأبيض والحارقة، والمناطق المستهدفة خاصة الأحراج والأراضي الزراعية.

ناشطون بيئيّون في الجنوب اللبناني في مواجهة انتهاكات الاحتلال

بعد ذلك يجري التركيز من الجمعية على كثافة تعرض تلك المناطق للاستهداف بالقصف بالفوسفور الأبيض والقنابل الحارقة، وكذلك وبدرجة ثانية الذخائر المختلفة، مثل المقذوفات من طيران حربي، إذ ألحقت كثافة الغارات على مناطق اللبونة وعيتا الشعب وتلال كفرشوبا على سبيل المثال، أضراراً جسيمة.

وقد أجرت وزارة البيئة مؤخّراً دراسة على عيّنات أُخذت من تربة ثمانية مواقع جنوبية قصفها الاحتلال الإسرائيلي في حربه الحالية بالقذائف الفوسفورية، أثبتت وجود نسب كبيرة من الفوسفور، وصلت إلى أربعين ألف جزيئة في المليون، مقارنة مع النسبة الطبيعية التي تبلغ نحو 100 جزيئة في المليون، أي بزيادة 400 ضعف.

تقارير ورصد أممي

في 19 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً لفت فيه إلى أن لبنان قد يواجه عواقب اجتماعية واقتصادية وبيئية وخيمة بسبب حرب غزة، ويسلط الضوء على الآثار السلبية للحرب على المناطق المحمية والغابات والمراعي والمسطحات المائية ونوعية الهواء والتربة.

وأكد التقرير أن هناك مؤشرات أولية على أن استخدام الفوسفور الأبيض قد تسبب في أضرار بيئية واسعة النطاق، ما يؤثر على النظم البيئية الطبيعية، ونوعية المياه، ويشكل خطراً مستمراً على صحة الإنسان وسلامته. فبحسب التقرير، يهدد الفوسفور الأبيض الحياة البرية والتنوع البيئي بشكل كبير، ومن المعروف أن سميته تسبب خطورة على الإنسان والحيوان والنبات على حد سواء.

ويمكن أن يؤدي هذا التلوث إلى تراكم للمواد السامة في الحيوانات المائية، مما قد يؤدي إلى زيادة السمية في السلسلة الغذائية، كما يساهم استعمال الفوسفور الأبيض بتدمير الموائل بسبب الحرائق، وتهجير الحياة البرية، والحد من التنوع البيولوجي، وقد سُلط الضوء على كل هذه الآثار في تقارير مثل تلك التي أعدتها منظمة العفو الدولية فيما يتعلق باستخدامه في الحرب في الجنوب اللبناني.

هناك ضرورة للتحرك على المستوى الرسمي ولتجريم العدو لاستهدافه المواقع البيئية والمناطق المدنية وهو ما يرقى إلى جريمة حرب، والبناء على ذلك لتحميلة مسؤولية التعويض عن الأضرار الهائلة التي تسبب بها على المستويات المختلفة البيئية والزراعية والثقافية

مخاطر الحرب لا تقتصر على ذلك، وإنما تتعداها إلى قصف البنى التحتية، فبحسب التقرير أدى القصف على لبنان إلى أضرار جسيمة في البنية التحتية للمياه، بما في ذلك أنظمة إمدادات المياه ومرافق إدارة مياه الصرف الصحي، ويشكّل هذا التدمير مخاطر كبيرة على الصحة البيئية، ما يزيد احتمال انتشار الأمراض التي تنقلها المياه، والناجمة عن انخفاض فرص الحصول على المياه النظيفة.

كذلك تطرق التقرير إلى احتمال تعطّل إدارة النفايات الصلبة، وبالتالي يمكن أن تخضع هذه النفايات للطمر في مدافن النفايات غير الآمنة أو لحرقها في الهواء الطلق، مما سيؤثّر على النظم البيئية سلباً.

ناشطون بيئيّون في الجنوب اللبناني في مواجهة انتهاكات الاحتلال

الحرب تهدد التنوع البيولوجي

قالت لرصيف22 مديرة برنامج البيئة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في لبنان جيهان سعود، إنّ الحرب تتهدد التنوع البيولوجي الذي يميز لبنان، ففي الجنوب خمس محميات طبيعية بينها اثنتان على البحر، وأربع محميات برعاية البلديات، وجميعها تتميز بتنوع بيولوجي مهم جدّاً، والأكيد أن هناك طيوراً مهاجرة تمر في الجنوب وخاصة في هذا الوقت، وكل ما يحصل اليوم من حرب يهدد هذا التنوع.

الاعتداءات الإسرائيلية على البيئة وضعت الجمعيات البيئية في جنوب لبنان على أهبة الاستعداد للدفاع عن الطبيعة.

البرنامج الأممي وثق الانتهاكات من خلال جمع المعلومات من تقارير الصحافيين الذين يغطون الحرب والصور التي ترد منهم، وكذلك من العاملين لمصلحته والذين لا يزالون موجودين على الأرض ويمارسون مهامهم ويتعاونون مع البلديات، بحسب سعود.

وتضيف سعود: "سنستعمل هذه التقارير لنسلط الضوء على الآثار البيئية التي حصلت خلال الحرب، وعند انتهاء الحرب سنعرضها على الجهات المانحة التي بدورها ستدعم مشاريع التعويضات التي لحقت بالبيئة والزراعة، والتقنيات المطلوبة وغيرها، على غرار ما قمنا به بعد حرب تموز 2006".

الفوسفور الأبيض يفقد التربة خصوبتها

يحذّر المهندس البيئي والزراعي الدكتور حسين مرتضى في حديثه لرصيف22 من خطورة الفوسفور الأبيض، فهو يتفاعل مع الأوكسجين بسرعة عالية جداً، وينتج عن هذا التفاعل غازات ذات حرارة مرتفعة، وهذه الغازات والدخان الأبيض الذي يرافقها تؤدي إلى أضرار هائلة على الصحة والبيئة.

كما أن هناك خطورة كبيرة للفوسفور الأبيض على التربة، ويشير مرتضى إلى أنه يبقى داخلها لفترات طويلة كرواسب، وإذا كانت التربة لا تحتوي على نسب من الأوكسيجين، فإنها تبقى كذلك لسنوات وسنوات، ما يفقدها خصوبتها ويقتلها، وهنا تكمن الصعوبة في إصلاح التربة، إذ تجب إزالتها والتعويض بتربة نظيفة مكانها، وهذا أمر صعب، وإذا بقي الفوسفور في التربة فإنه يتسرب إلى المياه الجوفية ويلوثها بأسيد الفوسفوريك.

ولم تكتفِ إسرائيل باستخدام الفوسفور الأبيض في حروبها ضد لبنان، بل عمدت إلى استخدام اليورانيوم المنضب، وفق ما يؤكده مرتضى، ويلفت إلى أن الكيان أضاف اليورانيوم المنضّب إلى بعض أنواع الأسلحة، والتي تنشر موادّ مشعة وتبقى ملايين السنين في الطبيعة وتدمر البيئية بكل مكوناتها، وهذا استعمل بشكل أكيد في لبنان في الحروب السابقة، ولوحظ وجوده من خلال موت الأماكن الزراعية وانتشار الأمراض السرطانية بنسب كبيرة جداً في الجنوب.

ناشطون بيئيّون في الجنوب اللبناني في مواجهة انتهاكات الاحتلال

الحركة البيئية ترصد الاعتداءات

تضم الحركة البئية في لبنان جميع الجمعيات البيئية اللبنانية، وتتابع من كثب كل الأحداث التي تدور في الجنوب، وترصد الاعتداءات والانتهاكات على الطبيعة اللبنانية، ويلفت رئيسها الدكتور فادي الشاعر لرصيف22 إلى تواصل الحركة مع الأخصائيين البيئين، ومن خلال الإعلام تُجمع المعلومات الكافية والوافية حول الاستهدافات بالفوسفور الأبيض، ويقول: "نحن كحركة بيئية ليس لدينا جدول نهائي لهذه الاعتداءات كونها في تزايد مستمر، ونحن بحاجة إلى وقت كي نجمع كل هذه المعلومات، ونأسف أن لهذه المواد أضراراً جسيمة على المواطنين".

ويضيف الشاعر: "خطورة هذه الاعتداءات على البيئة والتنوع الإيكولوجي كبيرة جداً، خاصة باستخدام الفوسوفر الأبيض لأنه ينزل إلى عمق 5 سنتيمترات، وبذور النباتات تمتص هذا الفوسفور، وكذلك يتسرب إلى المياه الجوفية، والتي هي ملوثة بالأساس بنسبة كبيرة".

أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً لفت فيه إلى أن لبنان قد يواجه عواقب اجتماعية واقتصادية وبيئية وخيمة بسبب حرب غزة، ويسلط الضوء على الآثار السلبية للحرب على المناطق المحمية والغابات والمراعي والمسطحات المائية ونوعية الهواء والتربة

ويؤكد الشاعر أنه فور انتهاء الحرب سيكون هناك تحرك بيئي بالتنسيق مع الجمعيات للمطالبة بالتعويضات، رغم أنها لم تُدفع يوماً للمتضررين، حتى وإن أقرّتها الأمم المتحدة وطالبت بدفعها، لكن هذا لا يعفي الحركة من التحرك لرفض مثل هذه الاعتداءات التي تؤثر على لبنان وبيئته بطريقة سلبية.

بدورها تلفت جمعية الجنوبيون الخضر إلى أنها تعمل على إعداد ملف وتوفير ما لديها من توثيقات للوزارات المعنية، ويقول المصدر في الجمعية، وقد فضل عدم ذكر اسمه: "هناك ضرورة للتحرك على المستوى الرسمي في هذا الاتجاه ونحن جاهزون للمساعدة، وهناك ضرورة لتجريم العدو لاستهدافه المواقع البيئية والمناطق المدنية وهو ما يرقى إلى جريمة حرب، بحسب اتفاقية لاهاي والقانون الإنساني الدولي، والبناء على ذلك لتحميلة مسؤولية التعويض عن الأضرار الهائلة التي تسبب بها على المستويات المختلفة البيئية والزراعية والثقافية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image