منذ القدم ونهر كارون (جنوب غرب إيران) يجري ويشقّ المدن التي شُيّدت على ضفافه، جامعاً الحضارات والأديان حوله. ويُعدّ كارون هويةً ورمزاً للبقاء لقاطني ما حوله من مدن وهو البصمة المتروكة في حياة الأهواز والأهوازيين وتراثهم وثقافتهم.
النهر الذي يُعدّ الأكبر على امتداد جغرافية إيران، يمر الآن بظروف صعبة، فهو مُعرّض للجفاف يوماً بعد يوم، إثر انخفاض منسوب مياهه بشكل ملحوظ، وجفافه سيحدث لا محالة، إذا ما لم تقدَّم حلول واقعية وفعالة لإنقاذه والحفاظ على ما تبقّى منه.
نهر كارون العظيم
نهر كارون الذي يبلغ طوله 950 كيلومتراً، يتدفق من جبل زردكوه في محافظة تشَهارمحال وبختياري، غرب إيران، ويتصل به نهر "بهشت آباد"، ونهر "بازفت"، ونهر "كوهرنج"، ونهر "سبز كوه"، إذ يعبر النهر ثماني محافظات هي: "جهارمحال وبختياري"، "خوزستان"، "كهكيلويه وبوير أحمد"، "لرستان"، "مركزي"، "فارس"، و"همدان"، وأخيراً يصب في شط العرب ثم في الخليج.
يشقّ نهر كارون مدينة الأهواز إلى ضفتين، ويُعدّ الروح النابضة لتلك المدينة، كما تقع مدن "تستر" و"مسجد سليمان" و"خرمشهر" (المحمرة) و"إيذج" في محافظة خوزستان، على ضفتيه، فيشكل المصدر الرئيس لمياه الشرب والزراعة وإنتاج الكهرباء لهذه المحافظة وكذلك للمحافظات المذكورة آنفاً.
منذ القدم ونهر كارون يجري ويشقّ المدن التي شُيّدت على ضفافه، جامعاً الحضارات والأديان حوله. ويُعدّ كارون هويةً ورمزاً للبقاء لقاطني ما حوله من مدن وهو البصمة المتروكة في حياة الأهواز والأهوازيين وتراثهم وثقافتهم
مجرد وجوده، يشكل أرضيةً مناسبةً لجذب الاستثمار وإنشاء أماكن ترفيهية كثيرة على جانبيه، ويمكن استخدامه كممر مائي لشحن البضائع التجارية والتصديرية الإيرانية من الأهواز، إلى موانئ خوزستان الدولية مثل "خرمشهر"، و"عبادان" المطلة على شمال الخليج، كما كان حاله على مر التاريخ.
وعن سبب تسمية هذا النهر بـ"كارون"، هناك روايتان متداولتان، الأولى تقول إن هذه التسمية أتت من مفردة "كارونية" بالسنكريستية، والتي تعني "الجدير بالثناء"، والرواية الأخرى تشرح أن عنوان النهر مأخوذ من منطقة "كوهرنك" الجبلية، التي يقع فيها جبل "زردكوه" محل تدفق نهر كارون، كما يُذكر اسمه في موسوعة الخليج وعُمان والمملكة العربية السعودية، بـ"الدُجيل"، والذي يعني "الدجلة الصغير".
كما ترد هذه التسمية في الكثير من النصوص التاريخية، وحول هذا الموضوع يكتب ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان": "الدُجيل هو أيضاً اسم نهر في الأهواز. وقد سمّى أردشير بابكان أحد ملوك إيران هذا النهر بـ'يلدا الصغير'، ومعناه دجلة الصغير، وقد أطلق عليه العرب اسم دُجيل".
كارون الحضارات
وجود نهر كارون في هذه المنطقة، تسبب في وجود حضارة "عيلام"، وهي حضارة كانت تغطي جزءاً كبيراً من الهضبة الجنوبية الغربية الإيرانية، في نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد وتم تقليصها إلى منطقة سوزيانا "السوس"، خلال الفترة الأخمينية، وأطلق العيلاميون على بلادهم اسم "حتامتي" والتي تعني "أرض الله"، كما عرّفها الأكاديون باسم "عيلامتو" (Elamtu)، وقد وصفها "السومريون" بالمنطقة "المرتفعة".
وفي عام 2700 قبل الميلاد، تشكلت الإمبراطورية العيلامية الأولى، على ضفاف نهر كارون وتحديداً في مدينة السوس جنوب غرب إيران، حيث اكتُشف أوانٍ ملونة من الفخار في تلك المنطقة، يعود تاريخها إلى نحو 3500 قبل الميلاد، ونُقشت بنمط خاص على أشكال بشر وحيوانات.
حول نهر كارون نمت ديانات مختلفة، منها ديانة "المندائية" التي ترتبط شريعتها وطقوسها بشكل كامل بالأنهر، وبما أن نهر كارون واحد من أعرق وأقدم الأنهر في العالم فهناك مجموعة من المندائيين تسكن في مدينة الأهواز، بغية التمكن من ممارسة الطقوس الدينية الخاصة بها.
تُعدّ الأهواز المنطقة الثانية في العالم من حيث عدد سكانها المندائيين بعد العراق، ويصل عدد هذه الأقلية الدينية في الأهواز، إلى أكثر من 10 آلاف نسمة، ويُعرفون فيها بـ"الصابئة" وباللهجة الشعبية "الصبّة".
جفاف أو تجفيف؟
كحال سائر دول المنطقة، إيران أيضاً تعاني من شح مائي ومن قلة الموارد المائية، وبالطبع كارون كونه واحداً من المصادر المائية القليلة المتبقية وأكبرها في إيران، يُحمّل ما لا طاقة له عليه، بوضع السدود في مجراه وعدم تجريفه بانتظام ونقل مياهه إلى مناطق صحراوية وشبه صحراوية في وسط البلاد لاستخدامات عديدة، وليس للشرب فحسب، فعلى سبيل المثال: تُنقل مياه كارون إلى مدينتي إصفهان وكرمان (وسط إيران) لاستخدامها في مجالَي صناعة الفولاذ والزراعة، وذلك إلى جانب احتمال تصدير مياهه إلى دول الجوار كـ"الكويت" و"العراق".
هذه الأعمال المغايرة للطبيعة والجغرافيا تستنزف مياه كارون في كل لحظة، مما يتسبب في تجفيفه بشكل كبير، وهو ما سيترك على المنطقة آثاراً ضارةً بالبيئة مثل التصحر في الإقليم من نبعه حتى مصبّه.
وإذا أردنا أن نتكلم عن السدود التي أنشئت على طول النهر، فهناك قائمة تطول بالأسماء كسد كارون 1 و2 و3 و4، وسد مسجد سليمان، وسدّين تحت عنوان كوتفند، كما هناك خطة لتشييد سد كارون 5.
الغرض من بناء السدود كما تقول السلطات، هو إنتاج الكهرباء والسيطرة على الفيضانات، لكن هذه الخطط أصبحت تتسبب في تجفيف النهر، حيث بات تخزين المياه مرجحاً على انخفاض مخزون الشرب والري، وبما أن نسبة الأمطار قد انخفضت في هضبة إيران إذ وصلت إلى نسب ضئيلة جداً، لذا تبقى صمامات السدود هذه مغلقةً طوال العام إلا في بعض الفترات الموسمية.
نقل المياه
هناك مشاريع عدة لا تزال جارية التنفيذ لنقل مياه نهر كارون، كما أن هناك العديد من الدراسات الجديدة لانحراف مجراه من ينابيعه إلى المدن الصحراوية في وسط إيران، وهذا على الرغم من أنه في السنوات القليلة الماضية، وصل تدفق نهر كارون إلى أدنى حد من معدل التدفق المحدد عالمياً.
وقد أعلن رضا أردكانيان، وزير الطاقة الإيراني السابق، أنه تم نقل 3% فقط من ينابيع نهر كارون، وأن سبب نقص المياه في كارون ليس خطط النقل، كما ادعى نائب وزير الطاقة آنذاك، بل السبب الرئيس للجفاف في خوزستان كثرة زراعة الأرز والزراعات ذات الإنتاجية المنخفضة والتي تستهلك كمّاً هائلاً من المياه.
من ناحية أخرى، يرى البعض أن الإحصائيات الرسمية لنقل المياه من منبع كارون غير صحيحة، والكمية المعلن عنها أقل من الكمية الحقيقية، كما في عام 2014، حيث كشف أحد نواب مدينة الأهواز في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) عن وجود نفق سرّي لنقل المياه من كارون إلى شركة "مباركة" للصلب في أصفهان.
النهر الذي يُعدّ الأكبر على امتداد جغرافية إيران، يمر الآن بظروف صعبة، بيد أنه مُعرّض للجفاف يوماً بعد يوم، إثر انخفاض منسوب مياهه بشكل ملحوظ، فجفافه سيحدث لا محالة، إذا ما لم تقدَّم حلول واقعية وفعالة لإنقاذه والحفاظ على ما تبقّى منه
في السياق نفسه، صرّح عضو هيئة التدريس في قسم الهيدرولوجيا والموارد المائية في جامعة الشهيد تشمران في الأهواز، بأن نسبة تدفق مياه كارون، في الأعوام العشرين الماضية، قد انخفضت من 19 مليون متر مكعب إلى 14 مليون متر مكعب في العام، مطالباً السلطات بتوضيح الأمر.
وبرغم أن منظمة حماية البيئة وهيئة التفتيش العامة ومركز أبحاث مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، قد أبدت معارضتها لتنفيذ بعض مشاريع نقل المياه، إلا أنها جارية بالفعل من ينابيعه الرئيسة إلى الهضبة الوسطى في إيران.
هذا الانخفاض الحاد في نسبة مياه نهر كارون، كانت له تداعيات مدمرة إذ تسبب في بطالة المزارعين وحظر الري وزيادة التلوث وانخفاض جودة مياه الشرب في محافظة خوزستان، إلى درجة أن النهر في خريف عام 2013، تعرّض لنقص حاد، حتى وصل عمق المياه فيه إلى متر واحد فقط في مدينة الأهواز.
عوامل جفاف النهر أو تقليص منسوب مياهه كثيرة، منها ما هي معروفة وأخرى غير معروفة، لكن ما هو مؤكد أن هذا النهر ليس مجرد نهر عادي للّذين يقطنون على ضفافه، بل هو جزء أساسي من تراثهم، فـ"كارون" كان ولا يزال مصدر حياتهم وبيئتهم وثقافتهم العريقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع