شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
في كعبة العيلاميين التي شُيدت قبل 4 آلاف سنة

في كعبة العيلاميين التي شُيدت قبل 4 آلاف سنة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب نحن والتاريخ

الجمعة 9 سبتمبر 202202:22 م

لم تنقطع حركة السياح الأجانب حتى في أشد أيام الصيف حرارة نحو أول معبد ديني في إيران؛ إنها زقّورة دور أونتاش، بالقرب من مدينة الشوش (السوس) أو سوسا التاريخية في جنوب غربي البلاد.

جلّ الوفود الأوروبية تتألف من شخصيات أكاديمية وباحثين ومؤرخين ومحبي التاريخ وهم في العقد الخامس أو السادس أو أكثر من العمر، يتوافدون من إسبانيا وإيطاليا واليونان وفرنسا وغيرها، كي يعيشوا أجواءَ أول أثر تاريخي إيراني دخل قائمة اليونسكو عام 1979، وقد شيد قبل 4 آلاف سنة، مُتَحدّين بذلك وعورةَ الطريق وشحَّ المرافق السياحية وشدة الحرارة.

شكلت فترةُ الملك أونتاش نیبيریشا في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، قمةَ ازدهار الدولة العيلامية، فقد أمر الملكُ ببناء معبد لإقامة الاحتفالات والطقوس الدينية الغامضة حتى الآن، وذلك في مدينة دور أونتاش التي تبعد 30 كلم عن مدينة الشوش باتجاه الجنوب الشرقي، حيث المنطقة الخضراء والخصبة بين نهري دِز والكرخة.

معبد على هيئة الهرم

في عام 1250 قبل الميلاد، شيد العيلاميون زقّورة دور أونتاش أو ما يسمى الیوم في إيران بـ"چَغا زَنبِيل" (وتعني السلة المقلوبة)، أما الكلمة العربية لها فهي الزقورة (Zigurat)، مأخوذة من اللغة السامية الأكدية، وتعني المكان المرتفع أو قمة الجبل.

أول معبد ديني في إيران وأول أثر تاريخي إيراني دخل قائمة اليونسكو عام 1979 شُيد قبل 4 آلاف سنة... "زقّورة دور أونتاش" بالقرب من مدينة الشوش أو سوسا التاريخية في جنوب غربي البلاد

تُعدّ الزقورة الاختراعَ المعماري الأكثر تميزاً في الشرق الأدنى القديم، وهي شبيهة إلى حد ما بالهرم المصري القديم. وتضم دولة العراق أكبر عدد من الزقورات (30 زقورة)، كانت قد شيدت في عهد السومريين.

وبنى العيلاميون المعبدَ على قاعدة مربعة فوقها تأتي طبقات، ويبلغ طول هذا المعبد 105 أمتار، وعرضه 105 أمتار، على ارتفاع 52 متراً، وهو على هيئة هرم، له خمسة طوابق. وفي الطابق العلوي يوجد معبد إنشوشيناك، إله تتلخص مهمته في حراسة عاصمة العيلاميين.

صرح فريد بتفاصيل مميزة

ومن أبرز الفروقات بين زقورة دور أونتاش وزقورات بلاد ما بين النهرين، هو أنه في تلك المنطقة كان يتم بناء كلّ طابق فوق الطابق السفلي، بينما طوابق معبد العيلاميين، وبالرغم من شكلها النهائي المتلاصق، إلا أنها تمتلك أساساً منفصلاً، ومبنية من على الأرض على حدة.

تم بناء الزقورة في الجنوب الشرقي من الشوش من الطوب الطيني المائل إلى الأحمر، ولكي يزين العيلاميون معبدَهم فقد كُتبت معلوماتٌ بالخطّ المسماري واللغة العيلامية على نحو 5000 طوب استخدمت في جميع أنحاء المبنى.

تعد "زقّورة دور أونتاش" الاختراع المعماري الأكثر تميزاً في الشرق الأدنى القديم، وهي شبيهة إلى حد ما بالهرم المصري القديم، وتضم دولة العراق أكبر عدد من الزقورات، كانت قد شيدت في عهد السومريين

"أنا أونتاش گال، قمت بإنشاء هذا المبنى هنا من أجل الإلهة گال، والإله إنشوشيناك. وقد وهبت هذا المكان المقدس عسى أن يتقبل الإلهان أعمالي"؛ هكذا شرح ملك العيلاميين على إحدى الطوب المستخدمة في بناء المعبد، سرَّ تشييده لهذا الموقع.

كان للزقورة سوران، وداخل السور الداخلي يقع قسم الطقوس، وله سبعة أبواب، وأمام إحدى المدارج سبعة صفوف للمذبح، فمن المحتمل أن رقم 7 كان مقدساً للعیلامیین وفق معتقداتهم الدينية.

ولم يتغافل العيلاميون من وضع مجاري المياه في جميع زوايا المعبد مخصصةً لاستخراج مياه الأمطار، كما صنعوا ساعةً شمسية كبيرة في فناء المعبد.

وعلى الرغم من أن زقورة أور في مدينة الناصرية بالعراق هي أقدم من مثيلتها في مدينة الشوش الإيرانية بتسعة قرون، ولكن الأخيرة تعلو على الأولى بطابقين وبنحو 26 متراً، ويتميز معبد الشوش بهندسته وتصميمه الفريد، مما يجلب سياحاً ذوي اهتمامات خاصة لمشاهدته عن كثب.

أصناف آلهة العيلاميين ومعابدهم

وحوالي كعبة العيلاميين، شُيّدت معابد صغيرة ومتوسطة لبقية الآلهة، فكان يحج الناس إليها من أقصى المناطق ويحضرون نذوراتهم وتقدماتهم إلى الآلهة، والتي كانت عبارة عن الفائض من محصولهم الزراعي.

ومن أبرز المعابد التي بقيت آثارها حتى الآن في تلك البقعة: معبد اَدَد (Adad) إله الطقس، ومعبد نوسكو (Nusku) إله النار، ومعبد پي نيكير (Pinikir) جدة الإله، ومعبد نپراتيپ (Nepratep) إله الرزق، ومعبد إيشني كاراب (Ishni-karab) إله القسم.

تقع الزقورة في السور الأول من دور أونتاش، والتي تعني مدينة أونتاش، ملك العيلاميين، مساحتها في حدود 1000 في 130متراً، أما بقية المعابد وقصور الملوك فتقع في السور الثاني من المدينة. والسور الثالث فقد خصص لمراقد الأمراء ومصافي المياه.

أول مصفاة ماء في العالم

تعتبر مصفاة دور أونتاش من أول مصافي المياه عالمياً، إذ بنيت باستخدام أطباق متصلة، يتم سحب المياه عبر قناة من نهر الكرخة على بعد 45 كلم، ومن ثمّ كانت تُسكب في أحواض التسوية الصغيرة والكبيرة، ثم تمرّ عبر أنابیب خزفیة. وعبر استخدام قوانين فيثاغورس تتم تنقية هذه المياه حتى إزالة الطين منها.

تعتبر مصفاة دور أونتاش من أول مصافي المياه عالمياً، إذ بنيت باستخدام أطباق متصلة، يتم سحب المياه عبر قناة من نهر الكرخة على بعد 45 كلم ومن ثمّ كانت تُسكب في أحواض التسوية الصغيرة والكبيرة، ثم تمرّ عبر أنابیب خزفیة 

توفي الملك أونتاش نیبيریشا وأكمل خليفته المعبد، ولكن بعد قرون ترك الملوك المدينةَ والزقورة الفريدة التي تتوسطها، فقلّ الاكتراث بها، ولم يعد المكان ضمن أولوية الحكومات، إلى أن أتى دورُ ملك الإمبراطورية الآشورية آشور بانيبال، الذي قضى على العيلاميين، ودمر مدينة أونتاش عام 640 قبل الميلاد. وبمرور الزمن اندثرت العاصمة بما فيها الزقورة تحت الأرض.

في بدايات القرن العشرين عندما كانت عمليات تنقيب آبار النفط متواصلة في جنوب إيران، اكتشف المهندس النيوزيلندي بورافن (Boraven)، الزقورةَ في عام 1936. ثم واصل عالم الآثار الفرنسي رومن جيرشمن وفريقه الحفرياِت لأكثر من عقدٍ حتى تم إخراج المعبد بأكمله من تحت الأرض.

آثار المعبد في باريس وطهران

لم يتبق من المعبد بعد الآف السنين سوى طابقين ونصف. ارتفاعه الذي كان 52 متراً فهو اليوم 25 متر فحسب، كما نقل المعنيون عشرات القطع الأثرية المستخرجة من معبد دور أونتاش إلى متحف "الشوش" ومتحف مدينة "هفْت تَپّه" في نفس المنطقة وبالقرب من الأهواز، وتمّ نقل بعضها إلى "المتحف الوطني" في العاصمة طهران، وبعض آخر إلى متحف اللوفر في باريس.

ومن أبرز الآثار المكتشفة في الزقورة والتي تم تسجيلها ضمن قائمة وزارة التراث: تمثال من مخلوق أسطوري، وهو جسد يشبه الأسد، ورأسه وذيله وأجنحته تشبه النسر، يحتفظ به اليوم في متحف هفت تپّه، كما أن هناك تمثالاً لبقرة معلقة في المتحف الوطني الإيراني تمّ اكتشافها في البوابة الشمالية الغربية من المعبد، مكتوب عليها أنها هدية الملك أونتاش.

المدينة الدينية العيلامية دور أونتاش، تتسع لـ100 هكتار ولم يكشف منها سوى المعبد، الذي أبهر علماء الآثار الغربيين، وأما بقية المدينة فهي ما زالت مدفونة تحت الأرض، ولا تحظى إلا بقليل من الاهتمام.

يمرّ السيّاح من بين التلال حتى يصلوا إلى الزقورة؛ تلال تتطلع للمزيد من البحث والكشف لتخبر العالم عمّا تخبئه من تاريخٍ عريق للدولة العيلامية، يستحق تسليط الضوء.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image