شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"نقص المياه يهددنا أكثر من إسرائيل"... إيران تقترب من "اليوم الأخير"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الجمعة 12 مايو 202302:08 م

"نحن في مرحلة الإفلاس المائي، وقد تجاوزنا مرحلة أزمة المياه، لأن الطلب والاستهلاك تخطيا كمية المياه الموجودة بكثير"؛ عبارة خالدة من رئيس مؤسسة المياه والبيئة والصحة في جامعة الأمم المتحدة، العالم الإيراني كاوَه مدني، يرددها كثر من الأخصائين والمهتمين بالبيئة المحلية.

تعاني إيران من مشكلة كبيرة في المياه، إذ إنها رابع دولة، بعد قطر وإسرائيل ولبنان، في اقترابها من "اليوم الأخير"، اليوم الذي قد تنفد فيه الموارد المائية حسب تقرير معهد الموارد العالمية (WRI) سنة 2019.

جفاف الأنهار والبحيرات والأهوار (المستنقعات المائية)، خفض منسوب المياه الجوفية، هبوط الأرض، تدمير جودة المياه، تآكل التربة، والتصحر والعواصف الترابية، كلها قد شهدتها البيئة الإيرانية، وتُعدّ العاصمة طهران، عاصمةَ هذه الأزمة المتفاقمة.

"استهلكنا 120 مليار متر مكعب من المياه العذبة الأحفورية التي تعود إلى مئات الآلاف من السنين، وهي تمثل نحو 75% من المياه الجوفية. وهذا يعني نهب الموارد. لا توجد اليوم مياه في الأهوار، واستمرار هذه الحالة يعني إخلاء البلاد من السكان"

أعلنت وزارة الطاقة في 2021 أن نصف سكان القرى يعانون من وجود المياه الصحية، مما فاقم أزمة النزوح إلى المدن والعيش في ضواحيها وبروز مشكلات اجتماعية أخرى.

3 أسباب وراء نقص المياه

أكد الباحثون أن ما تعانيه البلاد من إشكالية أساسية في الموارد المائية هو حصيلة ثلاثة أسباب: سرعة النمو والنمط غير المناسب للاستيطان السكاني، الزراعة المكلفة، وسوء الإدارة والتعطش إلى التنمية.

كان عدد سكان إيران في القرن التاسع عشر أقلَّ من 10 ملايين نسمة، ووصل العدد في ثمانينيات القرن العشرين إلى نحو 35 مليون شخص، ثم في عشرينيات القرن الحالي إلى نحو 85 مليوناً.

المزيد من الكثافة السكانية يتطلب المزيد من المواد الغذائية والموارد الأخرى، وهذا ما زاد من إنتاج المنتجات الزراعية حتى تم استهلاك معظم مخزون المياه الجوفية والجارية.

وحول السبب الثاني، أي الزراعة غير الفعالة أو المكلفة، فتشير الإحصاءات إلى أن القطاع الزراعي الذي لا يشغل سوى 12% من المساحة الجغرافية في البلاد، يستهلك نحو 90% من المياه، بينما تشكل الزراعة 10% من الناتج القومي الإجمالي للبلاد.

تُعدّ الزراعة المروية الطريقةَ السائدة للزراعة في إيران، وهي طريقة متهالكة، إذ تؤدي إلى انخفاض حاد في الإنتاجية في الري، لذلك لم تكن الكفاءة الاقتصادية في استهلاك المياه عاليةً. كما أن أنماط الزراعة لا تتوافق مع ظروف توافر المياه في العديد من المناطق.

ومما ضخم دور الزراعة في إيران، تأكيد الساسة على الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية حتى الوصول إلى تصديرها، وتسببت هذه السياسة في انعدام الأمن في قطاع المياه، وفي المحصلة فشلت سياسة الاكتفاء الذاتي. ولكن ما زالت هذه السياسة من أهم الملفات التي تتابعها الحكومة.

وعن السبب الثالث، أي سوء الإدارة والتعطش إلى التنمية، فقد أدى سعي السلطات منذ منتصف القرن الماضي في تطوير البنية التحتية والافتتان بمشروع تصنيع البلاد إلى تقليل الاهتمام بالآثار البيئية طويلة المدى.

کما أن هيكل النظام الإداري المرتبط بالموارد المائية، يخلق في ذاته فرصاً للفساد، ناهيك عن عدم كفاءته في تحويل السياسات إلى أعمال ملموسة على أرض الواقع تصب في مصلحة ترشيد الموارد.

نهب الموارد!

"منذ حقبة الإخمينيين والساسانيين (أي قبل 2،500 سنة)، وحتى قبل 35 عاماً، لم یکن هناك استهلاك إضافي من موارد المياه، ولكن منذ تلك الفترة وحتى اليوم استهلكنا 120 مليار متر مكعب من المياه العذبة الأحفورية التي تعود إلى مئات الآلاف من السنين، وتمثل نحو 75% من المياه الجوفية. وهذا يعني نهب الموارد. لا توجد اليوم مياه في الأهوار، واستمرار هذه الحالة يعني إخلاء البلاد من السكان"؛ هذا ما صرح به وزير الزراعة السابق ورئيس المؤسسة الوطنية للحفاظ على البيئة، عيسى كَلانتَري، في 2015، وقد وصف أزمة المياه في إيران بأنها أخطر من وجود إسرائيل على البلاد.

ينخفض سنوياً مستوى المياه الجوفية نحو نصف متر في المتوسط، إذ تستخدم إيران ثلاثة أضعاف المعدل العالمي حسب تقارير مؤسسة الحفاظ على البيئة، وهو ما تسبب في جفاف نحو 300 من أصل 600 سهل إيراني.

وعن شبكة نقل المياه المتهالكة، فقد أهدرت نحو 13% من المياه الصالحة للشرب حسب تقارير شركة المياه والمجاري، بينما يُقدّر استهلاك المنازل بنحو 7% من المياه الموجودة.

أما خزانات السدود، فهي فارغة بنسبة 54%، كما أن متوسط هطول الأمطار في البلاد، انخفض بنحو 10 مرات من المتوسط العالمي، وقد أعلنت هيئة الأرصاد الجوية أن درجة حرارة البلاد، ارتفعت درجتَين في عام 2021، وكل ذلك الجفاف أسهم في حلول أضرار جسيمة بالبيئة الإيرانية.

وأما الكهرباء، فقد تواجه شبكتها نقصاً بحدود 5،500 ميغاواط، مما سبب قطع التيار في صيف العامين الماضيين، وقطع التصدير نحو العراق.

کما أن المصدر الأساسي للعواصف الترابية التي تعصف بالأهواز، جنوب غرب البلاد، منذ عقد ونصف، هو جفاف جزء مهم من هور الحويزة أو هور العظيم الواقع على الحدود الإيرانية العراقية، بسبب عمليات التنقيب التي تقوم بها وزارة النفط الإيرانية، وفق ما أعلن خبراء البيئة ومسؤولوها. وأكدت ذلك هيئة الأرصاد الجوية من خلال تحليل بيانات المراقبة للمنطقة.

وأدت أزمة المياه، ومشاريع نقل المياه بين المحافظات، خاصةً تلك التي تتم من جنوب غرب البلاد نحو المحافظات المركزية، إلى احتجاجات شعبية تندد بسياسات الحكومة المائية.

وبالإضافة إلى الاحتجاجات التي شهدتها محافظات خوزستان (الأهواز)، ولرستان، وتشَهار مَحال وبَخْتياري، احتج مزارعو محافظة أصفهان خلال الأعوام الماضية على شحّ المياه وعدم تخصيص مياه للزراعة.

تُظهر تنبؤات بعض المؤسسات والمعاهد الدولية أن إيران ستصل إلى معدل 500 متر مكعب من المياه للفرد بحلول عام 2050، وهو ما سيشكل كارثةً كبيرةً للغاية

وكذلك هو الحال في مدينة دَشتِستان في محافظة بوشِهر المطلة على الخليج، ومدينة كازِرون في محافظة فارْس جنوب البلاد، وأيضاً في مدينة ياسوج وسط البلاد، وقد أعلن أحد نواب البرلمان في 2019 أن المجلس الأعلى لموارد المياه، والمجلس الأعلى للأمن القومي، أصدرا أوامر تمنع قانونياً نشر أخبار أزمة المياه في وسائل الإعلام الإيرانية.

وأُعلن رسمياً قبل سنوات أن أزمة المياه باتت ملفاً أمنياً بالنسبة للسلطات تتم متابعته إلى جانب المؤسسات المختصة.

الكارثة قادمة

تُظهر تنبؤات بعض المؤسسات والمعاهد الدولية، أن إيران ستصل إلى معدل 500 متر مكعب من المياه للفرد بحلول عام 2050، وهو ما سيشكل كارثةً كبيرةً للغاية.

وصلت خسائر تآكل التربة إلى 10 مليارات دولار سنوياً، ويوصي علماء البيئة الحكومة بالحد من الموارد التالية: تآكل التربة بسبب العوامل الطبيعية والتدخلات البشرية، تحويل الأراضي الزراعية إلى استخدامات حضرية في المناطق الخصبة، قطع أشجار الغابات وتحويل أراضي الغابات إلى فيَل، والرعي العشوائي في مراعي البلاد.

وتزامُن العقوبات الدولية ضد طهران مع أزمة المياه الآخذة في التصاعد، وتدمير البيئة، سيتسببان في ازدياد الاعتماد على استيراد المحاصيل والثروة الحيوانية والمداخيل الزراعية، وارتفاع أسعارها بسبب الاضطرابات في التجارة الخارجية، وزيادة أسعار العملات الصعبة في إيران.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

Website by WhiteBeard