شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
عرب إيران... واقع يواجه التنمر بالمودة والإرث الثقافي

عرب إيران... واقع يواجه التنمر بالمودة والإرث الثقافي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 18 يناير 202204:49 م

"انفصاليون"، "إرهابيون تابعون للنظام البعثي العراقي"؛ بهذه العبارات هاجم رجل من الطبقة البرجوازية في إيران يدعى محمد، أكثر غرفة ازدحاماً تشارك للمرة الأولى، في معرض التراث للقوميات الإيرانية وسط جامعة طهران، قبل ما يقارب عشرين عاماً.

لعل محمد، وهو واحد من عشرات المتفرجين الملتفين حول غرفة العرب، لم يقبل بأن يكون للعرب داخل حدود بلاده حريةُ الإفصاح عن هویتهم. واستمرّ باعتراضه الشديد على وجود هؤلاء الرجال ذوي الزي الرسمي العربي كما هو السائد في دول الخليج.


صاحب الغرفة الذي يمسك بيساره السيف، أخذ بيمينه يدَ الرجل المتهجم، وأدخله إلى الغرفة، ودخلت خلفهم جموع المتفرجين. حبس محمد أنفاسه، لأنه كان بين رجال تشدّهم الغيرة على عروبتهم، التي طالها التحريض والتنمّر وسط محيط أكاديمي يعتبر ملتقى الثقافات.

"ميسان" التي اختارتها الفرقة عنواناً لها هي حضارة أهوازية امتدت من جنوب غربي إيران حتى جنوبي العراق قبل میلاد المسیح بقرنین

سلة من خوص النخل ممتلئة بأنواع التمور وُضعت أمام محمد، وقُدّم له فنجان قهوة، بين ترحيب مهلهل بـ"أهلاً ومرحباً"، كان كل ما فعلته فرقة "مِيسان" العربية أمام هذه النظرة الاستعلائية ونبذ الآخرين، الناتجة خصوصاً بعد الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. کان الوضع داخل إيران مشحوناً ضد العرب، حيث يعتبر الإيرانيون، هجوم جيش نظام صدام حسين، بمثابة حرب عربي ضدّهم، الأمر الذي جعل الطريق أمام الأهوازيين العرب ملئياً بالصعاب، وحال دون المشارکات الاجتماعية والثقافية والفنية علی صعيد البلاد، رغم مشاركة المئات منهم في الحرب التي طالت مدنهم.


في اليوم التالي عندما كانت الفرقة التراثية التي تُعدّ أيقونة عرب إيران، تستعرض رقصةَ السيف علی إیقاع الطبل، والمزمار، والعود، وسط حفاوة الجمهور بالأداء والموسيقى العربية التي كانت تشعل المنصة في قلب طهران للمرة الأولی، عاد محمد بمعية زوجته وابنته، وعند نهاية العرض، تقدّم الرجل، ودخل المضيف حاملاً باقة زهور وحلوى، ومنذ تلك اللحظة عند بداية القرن الـ21 حتى الآن تحول مفهوم النبذ والكره إلی تواصل حميم بين محمد وأعضاء الفرقة، وهو اليوم من أقرب أصدقائهم في العاصمة طهران حسب قول باسم الحمادي، مؤسس الفرقة.

حضارة عربية في إيران تمتد لثلاثة آلاف سنة

خلال العقدين المنصرمين تكرّر المشهد هذا في عشرات المشاركات من أصل 300 مشاركة داخل مدن إيران، ولعل الأهوازيين أتقنوا اللعبة في مواجهة التحديات والنعرات العنصرية، وتمكنوا من تحويل الكُره إلى مودة، وبناء صداقات جديدة في أنحاء إيران. الأسلوب الخلوق هذا يعتبر ميثاق شرف تعهد به الشباب في نقل ثقافتهم العربية طيلة مسيرتهم الفنية، كما يصرح باسم الحمادي، ويؤكد أن مثل هذه الأصوات تبقى قلیلة وسط شعوب وقوميات ترحب بنا دائماً في شتی مناطق البلاد.

"ميسان" التي اختارتها الفرقة عنواناً لها هي حضارة أهوازية امتدت من جنوب غربي إيران حتى جنوبي العراق قبل میلاد المسیح بقرنین. أما موطن عرب الأهواز يعود إلى نحو 2800 سنة، أيام الدولة الآرامية، وفق كتاب "مملكة ميسان، الأهواز أم الأحواز؟" للباحث العربي الإيراني عبدالنبي القيم.

المحافظة (خوزِستان) التي يقطنها العرب في جنوب غربي إيران، المحاذية للحدود العراقية، والمعروفة باسم الأهواز رغم أن الأهواز اليوم هي مركز المحافظة رسمياً، تقدر نفوس سكانها العرب بما يقارب 3 ملايين نسمة بشکل غیر رسمي، حيث اختار بعضهم مدناً إيرانية أخرى للعيش بسبب تدهور الوضع المعيشي في السنوات الأخيرة.

سياحة إيرانية عبر فلكلور عربي

في برد قارس بشمال شرقي إيران، وسط جبال تعلوها الثلوج والأمطار ينهمك رجال ميسان للمرة الثانية بعد مدينة کَرَج ببناء بيت الطّين، وبيت الشَّعْر، وبيت القصب، لانعكاس الحياة الحضرية والقروية، والبدوية، والأهوار (المستنقعات) داخل الأهواز لصالح مجموعة سياحية تسعی للتعريف بنمط عيش القوميات الإيرانية في مدينة مشهد.


لم تدع ميسان التراثية وهي مؤسسة "NGO"، فرصة إلا وعرضت مخزونها الثقافي والفني، كي تقوم بواجبها التي تأسست من أجله، حيث ترفع من رصيد الفولكلور العربي جنباً إلى جنب فعاليات القوميات الإيرانية الأخرى.


وعلى هذا الغرار تحولت "ميسان" من فرقة إلى مجموعة منوعة تضم أقساماً مختلفة کتالي:

1. الفرقة الاستعراضية: مهامها تنفيذ رقصة السيف، والدبكة أو الجوبي، والأهازيج المحلية.

2. الفرقة الموسيقية المقامية: واجبها أداء الغناء الأهوازي كمقام الحُويزي، وطور العَلوانية.

3. الفرقة السياحية: تعرّف الجمهور بالأماكن السياحية والأثرية الأهوازية.

4. الفرقة المعمارية: تدشن نمط العيش والسكن عند الحضارة الأهوازية، وفق طبيعة المتطلبات في المهرجانات أو الأماكن السياحية.

5. الفرقة النسائية: مهتمة بالأكلات الشعبية والصناعات اليدوية.

6. فرقة الأشبال للألعاب والرقصات المحلية.

الدشداشة وبيت القصب ضمن التراث الإيراني

حصيلة هذا العمل المنتظم لسنوات، ما يزيد عن 30 جائزة وتكريماً في مجالات شتى ومدن عديدة، لكن ما نتج عن هذا النشاط العربي بشكل مباشر أو غير مباشر هو الاعتراف بالعرب في جنوبي إيران، وتسجيل الزي العربي الرجالي كثوب رسمي للأهوازيين في وزارة الصناعات اليدوية، ودخول بيت القصب في قائمة التراث الوطني، وشدّ انتباه الإعلام الإيراني إلى حياة عرب إيران وتاريخهم العريق، وتعزيز ثقتهم بنفسهم من خلال إبراز هويتهم وفلكلورهم، كما هو الحال لدى الشعوب غیر الفارسية التي تعيش في البلاد.

"(عرب الأهواز)، واقع لا يمكن إنكاره، وهم إحدى القوميات التي تعيش في جغرافيا إيران، ويجب أن تنال المجموعة نصيبها من المشاركات خارج البلاد"

ما يجسد حبكة فرقة ميسان المنسجمة ونشاطها المبهر في لفت الأنظار وقوة الاستقطاب، هو وجود مستشارين من نخب وأكاديمين أهوازيين حول المجموعة في مجال الأدب، والتاريخ، والتراث، والسياحة، والفن، والثقافة، كي تستمر الفرقة بقوة الأداء، وربط الحواس، وتوعية المواطن الإيراني على وجود مثيل عربي له داخل الحدود، يتمتع بحضارة وتاريخ عريق.


عراقيل أمام اظهار الهوية العربية الإيرانية على الساحة الدولية!

يبدو أن مَيسان العربية حاضرة الآن في كل مكان، وكل ما تطمح إليه في مسيرها ومصيرها المقبليْن، أن تكون سفيرة عرب إيران في المعارض والمهرجانات والاحتفلات الدولية والإقليمية. لكن ما زالت هناك عقبات وتحفظات، إذ أن وزارتي الثقافة والسياحة لم تدعيا المجموعة إلى المشاركات الدولية، وهذا ما يأمله باسم الحمادي مؤكداً أن "عرب الأهواز" واقع لا يمكن إنكاره، وهم إحدى القوميات التي تعيش في جغرافيا إيران، ويجب أن تنال المجموعة نصيبها من المشاركات خارج البلاد كباقي الفرق الفارسية، والأذرية، والكردية، والبلوشية، والتركمانية التي تحضر بقوة على الصعيد الدولي علی مدار السنة. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image