يدق الجفاف آخر مسمار في نعش بحيرة "أرومية" التي توصف بالجوهرة الفيروزية في شمال غرب إيران، والتي كانت تُعرف ذات يوم بأنها أكبر بحيرة في الشرق الأوسط، وسادس أكبر بحيرة مالحة على مستوى العالم، نظراً إلى مساحتها التي تبلغ خمسة آلاف ومئتي كيلومتر مربع؛ خبر محزن للبيئة أولاً، قبل جميع الإيرانيين.
وصلت هذه البحيرة إلى نقطة اللا عودة، فكل ما تبقى فيها هي بضع لترات ربما ستتبخر في أشد قيظ عرفه كوكبنا على مرّ تاريخه. المستقبل واضح كالشمس: ستصبح صحراء قاحلةً، وستذرّ غبارها في عيون القاطنين في المنطقة عند كل هبّة ريح.
بحيرة أرومية منذ الطليعة
يعود تاريخ البحيرة إلى العصور القديمة، حيث أطلق الرومان عليها، اسم "بحيرة ماتيانوس"، وسُمّيت في النصوص الفارسية العتيقة بـ"بحيرة سبوتا"، وفي عهد الإمبراطورية الأخمينية، كانت جزءاً مهماً من الحضارة الإيرانية، حيث كانت تُستخدم للنقل، كما كانت تُعدّ منبعاً مهماً لصيد الأسماك والري في تلك الفترة.
توصف البحيرة بالجوهرة الفيروزية في شمال غرب إيران، وكانت تُعرف ذات يوم بأنها أكبر بحيرة في الشرق الأوسط، وسادس أكبر بحيرة مالحة على مستوى العالم، نظراً إلى مساحتها التي تبلغ خمسة آلاف ومئتي كيلومتر مربع
بعد ذلك، وخلال الفترتين البارثية والساسانية، أصبحت هذه البحيرة مصدراً لإنتاج الملح، وفي العصر الإسلامي استمرت في كونها مورداً اقتصادياً مهماً، تنتج الملح والأسماك واللؤلؤ. ودفعت مدينة تبريز (شمال غرب إيران)، التي كانت تقع على مقربة من البحيرة، لتصبح مركزاً تجارياً ضخماً.
البيئة والحياة والسياحة تجفّ كلها
عندما تُذكر كلمة الجفاف، فمعناها هنا دمار بيئة شاملة، بجميع تداعيتها من الحيوانات والنباتات والخيرات التي كانت تدرّ على ساكني المنطقة على مر القرون الخير الوفير، ولطالما كانت عامل توازن في البيئة، وموقعاً "للأرتيميا" (نوع من القشريات المائية)، والطيور المهاجرة.
بعدما سلكت بحيرة أرومية مسار الجفاف وانخفض منسوب مياهها عاماً إثر عام، اضمحلت الحياة فيها كذلك، ونفدت جميع كائناتها المائية، كما أنها خسرت بيئتها التي كانت بمثابة ثروة كبيرة تجلب الأموال بصادراتها التي تباع وتشترى بشكل واسع من قبل ملّاك المزارع السمكية، فهي تُعدّ أرخص طعام للأسماك المستزرعة.
ومثلما شحّت المياه والحياة، تقلصت أيضاً السياحة في المناطق المحيطة بالبحيرة، بعدما كانت نشطةً وبقوة هناك، إذ كان السائحون يأتون إليها من مختلف أنحاء إيران وجميع أرجاء العالم، ومنهم من كان يأتي للخصائص الطبية الموجودة في مياهها الكبريتية، ومنهم من يزورها بهدف الاستمتاع بمنظرها الخلاب، لكنها اليوم جفّت وما جفّت عيون ناظريها.
أزمة عمرها أكثر من قرن
مع التحديات البيئية والتغيرات المناخية الناجمة جراء التطور الصناعي والتكنولوجي في بداية القرن العشرين، ظهرت بوادر نهاية بحيرة أرومية، لا سيما أنها واجهت العديد من التأثيرات حيث بدأت الأنشطة البشرية المهلكة للبيئة هناك مثل: الاستخدام المفرط لموارد المياه في الزراعة، وتوليد الكهرباء، وبناء السدود، وتغيّر المناخ إثر الإفراط في الصناعة وتوليد غازات مضرّة بالبيئة، والنتيجة اختفاء البحيرة وتحولها إلى ضحية للمصالح البشرية الأنانية.
كانت تتغذى أكبر بحيرة في الشرق الأوسط من 60 نهراً موسمياً، وذلك إلى جانب المياه الجوفية التي تبث روح الحياة فيها، حيث كان استغلال هذه المياه واستخدامها، المحركَين الأساسيين لبداية زوالها.
بدأت البحيرة بالتقلص والجفاف شيئاً فشيئاً، حيث تضررت بيئتها بشكل كبير، على الرغم من القيام ببعض الجهود غير المجدية، فاضمحلت وأصبحت شبه معدومة، مما جعل الحفاظ عليها أمراً مستعصياً لا بل مستحيلاً.
حلول عمياء
برغم كل المطالبات من قبل خبراء البيئة الإيرانيين/ات والدوليين/ات، إلا أن الحلول التي تقدّمها الحكومة الإيرانية لا تجدي نفعاً، بالإضافة إلى أنها تعزو جفاف البحيرة إلى أسباب ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة والتغير المناخي اللذين يجتاحان كوكب الأرض، والتدخل البشري بالنسبة إليها ليس سبباً رئيساً لهذه الظاهرة.
يتوسع الجفاف في أكثر مناطق إيران، ولم تبقَ منطقة محصنة من خطر هذه الكارثة، فالتصحر سيعمّ إيران لا محالة.
في المقابل، تُظهر الدراسات أن 85% من العوامل الرئيسية لهذه الكارثة البيئية، من صنع البشر، مقارنةً بنسبة 15% فحسب تعود إلى تأثير تغيّر المناخ.
وفي هذا الإطار، قالت رئيسة معهد أبحاث العلوم الجيولوجية ومنظمة التنقيب عن المعادن الإيرانية الدكتورة مرضيه لَك، إنهم بحثوا مع مسؤولي وزارة الطاقة الإيرانية، وأكدوا أنه "إذا استمرت عملية عدم تخصيص الحصة المائية لبحيرة أرومية، فإن هذه البحيرة ستصبح كارثةً مصيرها الجفاف. وصرحت بأن المسؤولين لم يوافقوا وشددوا على أن جفاف البحيرة، يعود إلى ظاهرة تغيّر المناخ، بينما أكدوا أن العوامل البشرية وبناء السدود على الأنهار التي تصبّ فيها وعدم تخصيص حصة المياه تلعب دوراً ثانوياً في تجفيفها".
تحولت إلى شبه صحراء
من بحيرة مفعمة بالحياة إلى صحراء مليئة بالأتربة والغبار، تنغّص عيش قاطني تلك المنطقة، إذ ظهرت أعراض صحية عليهم كضيق في التنفس وأمراض رئوية، وهذا الأمر ليس جديداً على الإيرانيين/ات خاصةً من تجف بيئتهم، ولأدلة مشابهة كعوامل جفاف بحيرة أرومية، تجفّ الأنهار والأهوار (المستنقعات المائية) في محافظة خوزستان جنوب غرب البلاد، التي كانت منطقةً ثريةً لأهلها بالبشر والحيوانات، فالتنوع السمكي ووجود أنواع الطيور المختلفة فيها، كانت مصدر رزق لناسها، لكن بعد جفافها أصبحت مناطق صحراويةً خاويةً لا تصلح للعيش، فالأهالي هناك يعانون من عواصف ترابية والأمراض منذ أكثر من عقد ونصف، مما تسبب بهجرتهم إلى أماكن أخرى.
فشحّ المياه ليس مشكلةً جديدةً على إيران، حيث أنها تماطل منذ زمن مع هذه المعضلة الكبيرة، وتُعدّ البلد الرابع، بعد قطر والأراضي الفلسطينية المحتلة (إسرائيل) ولبنان، في اقتراب مصادرها المائية من النضوب، وذلك حسب تقرير معهد الموارد العالمية (WRI) سنة 2019.
إضافة إلى ذلك فإن الزراعة في جميع أنحاء إيران مهددة بشكل خطير، فما بين منع الزراعة في بعض المناطق وتقليلها في مناطق أخرى، تعيش الزراعة أسوء أيامها، إلا إذا أتت حلول نافعة تنقذ ما تبقى من هذا القطاع.
إيران تتصحر
يتوسع الجفاف في أكثر مناطق إيران، ولم تبقَ منطقة محصنة من خطر هذه الكارثة، فالتصحر سيعمّ إيران لا محالة، وحسب رئيس المركز الوطني للجفاف في منظمة الأرصاد الجوية أحمد وظيفة، فإن "المناطق الشمالية من محافظة سيستان وبلوشستان (جنوب شرق البلاد)، ومحافظة كرمان (وسط البلاد)، وأجزاء مهمة من المناطق الوسطى في البلاد تواجه تحديات مائيةً، مثلما يواجه شرق محافظة إصفهان (وسط البلاد)، والمحافظة الوسطى، ومحافظة قم (وسط البلاد)، من خطورة في ما يتعلق بالجفاف، كما واجهت محافظة خراسان الرضوية (شمال شرق البلاد) في السنوات الأخيرة مشكلات نقص المياه، ونتيجةً لذلك، أصبحت هذه المناطق عرضةً للتحول إلى صحارى".
شحّ المياه ليس مشكلةً جديدةً على إيران، حيث أنها تماطل منذ زمن مع هذه المعضلة الكبيرة، وتُعدّ البلد الرابع، بعد قطر والأراضي الفلسطينية المحتلة (إسرائيل) ولبنان، في اقتراب مصادرها المائية من النضوب
وعن احتمال تصحر الجانب الغربي في إيران يقول وظيفة: "إذا أُهملت المحافظات الغربية ولم تُتخذ إجراءات سريعة في قطاعات الشرب والزراعة والصناعة، فإنها ستكون أيضاً عرضةً للتصحر".
ما الحلول قبل وقوع الكارثة؟
مع استمرار قلة هطول الأمطار واتساع الجفاف وعدم وجود أي جهود مجدية، ستتدهور الأمور في كل البلاد في الأيام المقبلة، بينما وعود الحكومة لحل هذه المشكلات حتى الآن هي كلام ليس إلا.
وبرغم مرارة الكارثة إلا أن البعض يستفيد منها، كالشركات النفطية التي تستخرج النفط من الحقول النائمة تحت مياه هذه المناطق، والتي لم يكن ممكناً استخراجه منها سابقاً، نظراً إلى عدم وجود معدات استخراج تناسب هذه الأماكن المائية بالإضافة إلى صعوبة شرائها إثر العقوبات الأمريكية. فهل سيكون التجفيف أقل كلفة لهذه الشركات من شراء تلك المعدات، ويصدق المثل القائل: مصائب قوم عند قوم فوائد!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع