كان النظام الملكي البهلوي في إيران من عام 1925 حتى عام 1979، نظاماً متحالفاً مع إسرائيل، والبلَدان كانا في علاقات وطيدة على المستوى العسكري والدبلوماسي والتجاري، لذلك كان يحظى الشاه محمد رضا بهلوي بدعم كبير من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، حتى بات يلقب بـ"شرطي الخليج".
ولم تعترف إيران حتى في العهد البهلوي رسمياً بإسرائيل، لكنها كانت على علاقات جيدة معها، تجسدت هذه العلاقات الحسنة من خلال إبرام إيران صفقة أسلحة ومعدات عسكرية من إسرائيل مقابل بيع نفط على تل أبيب. ورويداً رويداً تعمقت العلاقات أكثر، حتى قامت إسرائيل بتحديث النظام الزراعي والدفاع الجوي والقواعد البحرية في إيران ونشاطات أخرى، حتى وصل حجم صادرات إسرائيل إلى إيران عام 1977، أي عامين قبل انتصار الثورة الإسلامية، إلى ما يقدّر بنحو 225 مليون دولار.
وفي مثل هذه الظروف تكونت فكرة الثوار الإيرانيين ضد الشاه وسياساته الداخلية والخارجية، ومن ضمنها الكراهية تجاه إسرائيل، ودعم القضية الفلسطينية. ومما زاد من توطيد علاقة الثوار بالقضية الفلسطينية، كان تواصل ياسر عرفات مع الثوار الإيرانيين في منفاهم بسوريا ولبنان، إذ كان عرفات الذي أسس منظمة تحرير فلسطين، منبوذاً لدى دولة إيران آنذاك، بل كان يعتبر تأسيس منظمة التحرير مصدر تهديد للمنطقة.
زيارة یاسر عرفات إلى إيران
في تلك الأثناء افتتحت السفارة الإسرائيلية في طهران، لكن لم يدم الأمر طويلاً، حتى في 19 فبراير/شباط 1979، أي بعد أسبوع واحد من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أُغلقت هذه السفارة رسمياً، وحلت السفارة الفلسطينية محلها، وتم تسليم مبنى السفارة الإسرائيلية بكل محتوياتها، من تجهيزات ووثائق، إلى الفلسطينيين.
لم تعترف إيران حتى في العهد البهلوي رسمياً بإسرائيل، لكنها كانت على علاقات جيدة معها، تجسدت هذه العلاقات الحسنة من خلال إبرام إيران صفقة أسلحة ومعدات عسكرية من إسرائيل مقابل بيع نفط إلى تل أبيب
يوم التسليم جاء رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات كأول ضيف أجنبي يحلّ على طهران، والتقى بمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية روح الله الخميني، وأصبح الرجل الذي كان منبوذاً في عهد نظام الشاه، ضيفاً عزيزاً على النظام الإسلامي.
بعد الإطاحة بعلم إسرائيل في سفارتها لدى طهران على يد الثوار الإسلاميين ورفع لافتة "سفارة فلسطين" فوق المبنى، افتتح عرفات سفارة دولة فلسطين رسمياً في نفس المكان، وعيّن هاني الحسن الذي رافقه في زيارته، كأول سفير لفلسطين في إيران، وبيوم افتتاح السفارة الفلسطينية، أصدرت وزارة الخارجية للحكومة الإيرانية المؤقتة، بياناً قالت فيه إن طهران تقطع جميع علاقاتها مع إسرائيل، وتم تغيير اسم الشارع الذي تقع فيه هذه السفارة من "كاخ" إلى "فلسطين".
تفاصيل الزيارة
من الواضح أن انتصار الثورة الإسلامية وسقوط الحكم البهلوي، كان أمراً مهماً للغاية بالنسبة لعرفات وحركة فتح، حيث جاء عرفات إلى إيران بعد ستة أيام فقط من انتصار الثورة، وعندما سُئل عن سبب مجيئه إلى طهران دون تنسيق، أجاب أن أي شخص لا يستأذن في الذهاب إلى بيته.
حماسه وشوقه اتضح في كلماته التي قالها عند وصوله إلى طهران، حيث قال: إن "الإنسان إذا جاء إلى بيته فلا يحتاج إلى إذن، وأنا اليوم أشعر بأني في بيتي. اليوم هو أحد الأيام العظيمة، ويُعَدُّ انتصاراً للمسلمين، ولثورة الإسلامية هي بمثابة نصر عظيم لفلسطين. عندما دخلت أجواء طهران شعرت أنني دخلت القدس، لقد أظهرت إيران والإمام الخميني أن أمتنا لن تستسلم أبدا، حيث كسر الإيرانيون السياج المحيط بالإخوة الفلسطينيين، وثورتكم العظيمة هذه هي ضمان انتصارنا، نحن نعتبر الإمام الخميني هو القائد والإمام الأول، وسيأتي الخير قريباً من الشرق ليغطي المنطقة بأكملها، كلما زاد الظلام كلما اقترب الصباح، وقد رأينا ذلك من خلال الثورة الإيرانية".
بعد ذلك التقى عرفات، بالخميني الذي كان يسكن المدرسة العلوية آنذاك، وخلال هذا اللقاء تحدث الخميني عن عدم وجود الحريات الاجتماعية في النظام البهلوي ومشاكل البلاد المتراكمة، قائلاً: "باسم الحضارة الفارسية العظيمة، طمسوا حضارتنا الإسلامية، وباسم 'التقدم' قاموا بتدمير زراعتنا بالكامل، وبذريعة الحرية خنقوا الحريات الحقيقية، والآن ورثنا دولة مشتتة ومدمرة في كل مكان ويجب إعادة بنائها من الأول".
ووعد الخميني عرفات بأن الجمهورية الإسلامية ستدعم حركة فتح، وبعد هذا الاجتماع ذهب عرفات إلى مقبرة "بهشت الزهراء"، وأعلن أنه إذا كانت إسرائيل تعتمد على الغرب، ففلسطين تعتمد على إيران.
ثم زار عرفات مدينتي مشهد (شمال شرق) والأهواز ذات الأغلبية العربية (جنوب غرب)، حيث لاقى استقبالاً واسعاً، وألقى هناك خطابات أثارت مخاوف بعض رجال الدولة والمسؤولين الجدد، الذين كانوا يخشون تواصل المجتمع العربي بالأقلية العربية في المحافظة ومطالباتها بالانفصال نظراً لقرب محافظة خوزستان ومدينة الأهواز من الحدود العراقية.
وما زاد من قلق السياسيين الإيرانيين، كان احتمال ارتباط بعض المنظمات الشعبية العربية التي كانت تسعى للانفصال عن إيران، مع المنظمات التحريرية الفلسطينية. ولم يكن هذا القلق دون أساس، عندما طرحت منظمات خلقية فكرة الحكم الذاتي.
هذه الرحلة وإشادة الخميني بعرفات دفعت الكثيرين إلى الاعتقاد بأن عرفات سيظل صديقاً للحكومة الجديدة في إيران، حيث رسمت صوره في الشوارع وذكر كبطل لحركة التحرير، لكن عدة أحداث في السنوات التالية أدت إلى توتر العلاقة بين عرفات والحكومة الإيرانية، إحداهما كانت الحرب العراقية الإيرانية التي دعم فيها عرفاتُ صدام حسين.
وكان عرفات محايداً في المراحل الأولى من الحرب، ولكن عندما رفضت إيران اقتراح السلام، انحاز للعراق. والسبب الآخر لتدهور علاقاته مع طهران، هو علاقات إيران مع الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد، الذي كان على خصومة معه. والأمر الذي زاد الطين بلة، هو محاولات عرفات للتوصل إلى سلام مع إسرائيل.
العلاقات مع حماس
في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، سبتمبر/أيلول 2000، ومع انهيار محادثات السلام في الشرق الأوسط في "كامب ديفيد"، أطلق عرفات سراح نشطاء حماس والجهاد الإسلامي المسجونين لدى المنظمة، وهو القرار الذي أعاد العلاقات بين إيران والحكومة الوطنية الفلسطينية، وأصبح دعم إيران لفلسطين أكثر واضحاً، إذ استولت القوات الإسرائيلية على سفينة كارين (A)، التي كانت تحمل 50 طناً من الأسلحة المتطورة من إيران إلى غزة في عام 2002.
وزادت المساعدات لحركة حماس بعد رحيل عرفات في عام 2004 وانسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005، حيث بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، انقطعت المساعدات الخارجية عنها وأصبحت على وشك الإفلاس، مما دفع طهران إلى إرسال مساعدات مالية كبيرة لدعم السلطة الفلسطينية الموحدة.
وقد اعترفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بهذا التنظيم ودعمته علناً سياسياً وعسكرياً، إذ تبرعت بالكثير من المساعدات المالية له، وفي أعقاب الاشتباكات واسعة النطاق التي وقعت في يونيو/حزيران 2007، بين حركة حماس وحركة فتح الندة لها في الأراضي الفلسطينية، حيث استولت حماس على السلطة في قطاع غزة.
هنا اتهم قادة حركة فتح وكذلك بعض الدول العربية، الحكومةَ الإيرانية بلعب دور في "التدريب العسكري لمسلحي حركة حماس، وذلك للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والسيطرة على قطاع غزة، فضلاً عن المساعدات المالية لهذه الحركة. ولكن في تلك الحقبة، نفى وزير الخارجية السابق الإيراني "منوشهر متكي"، هذه الاتهامات مدعياً أن إيران تقدم فقط "الدعم المعنوي" لحماس.
وعلى الرغم من نفي الحكومة الإيرانية، أكد مسؤول في حماس في محادثة مع صحيفة التايمز، تدريب مقاتلي حماس في إيران على يد الحرس الثوري الإيراني، بإرسال 300 عنصر من حماس إلى إيران، وذلك لتلقي دورات تدريبية سرية، ووفقا للمسؤول فإن حماس أرسلت سبع مجموعات للتدريب في إيران منذ بداية الاشتباكات ولمدة ستة أشهر، فيما كشف أن إيران تزودهم بالمعلومات والمعدات العسكرية والمال.
لكن علاقات إيران الودية مع حركة حماس، تدهورت مع بداية الربيع العربي، ومنذ بداية الحرب الأهلية السورية، حيث أصبح لدى إيران خلاف جوهري في الرأي مع قادة حماس، وأظهر الجانبان رغبة أقل في التعاون الثنائي، واستمر هذا البرود في العلاقات رغم دعم إيران لحركة حماس في حرب "عامود السحاب".
ومن أهم أسباب تدهور تلك العلاقات، هي وصول حكومة الإخوان المسلمين في مصر، إذ جعل حماس تفضل إخوانها السنة على إخوانها الشيعة، لكن حكم الأخوان في مصر لم يدم سوى عاما واحدا، حيث سقطت جماعة الأخوان المصرية بانقلاب عسكري.
هنا فقدت حركة حماس داعمها الرئيس، وبسبب توتر العلاقات مع طهران في السنوات الأخيرة، وجدت نفسها في حالة يرثى لها، لذلك عملت على إعادة العلاقات مع إيران.
الجمهورية الإسلامية والسلطة الفلسطينية
بعدما قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعم حركة حماس مجدداً بشتى الأشكال والمجالات، تأزمت العلاقات بين طهران والسلطة الفلسطينية، حتى وصلت لأسوأ المراحل خلال رئاسة الرئيس الأسبق الإيراني محمود أحمدي نجاد.
ففي سبتمبر/أيلول 2010، قال أحمدي نجاد إن محادثات السلام في واشنطن لن تحقق أهدافها لأن حماس هي الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني. وردت السلطات الفلسطينية في رام الله على هذه التصريحات الإيرانية بشدة غير مسبوقة. ورداً على ذلك، قال المتحدث باسم السلطة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إن محمود أحمدي نجاد، لا يمثل الشعب الإيراني، وجاء بتلاعب نتائج الانتخابات في الدورة الثانية، وهو ظالم لشعبه، وسارق حق السيادة، وليس له الحق بالتحدث عن فلسطين أو رئيسها أو ممثليها.
بعد الإطاحة بعلم إسرائيل في سفارتها لدى طهران على يد الثوار الإسلاميين ورفع لافتة "سفارة فلسطين" فوق المبنى، افتتح عرفات سفارة دولة فلسطين رسمياً في نفس المكان، وعيّن هاني الحسن الذي رافقه في زيارته، كأول سفير لفلسطين في إيران
كما صرح المتحدث باسم حركة فتح، أسامة القواسمي، أن "إيران تحاول خلق التفرقة في فلسطين، وإشعال حروب أهلية وطائفية وعرقية بين المناطق العربية، ولهذا السبب لا يمكن أن تكون سياستها ونهجها مفيدين للشعب الفلسطيني".
وبعد فترة حكم أحمدي نجاد، أي منذ سنة 2013 حتى الآن، بقيت هذه العلاقات متدهورة وشبه منقطعة، كما كان حالها منذ بدايات حكم الإسلاميين في إيران.
من یوم القدس إلى عداد انهیار إسرائیل في إيران
بعد بضعة أشهر من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1979، فأصدر الخميني في 7 أغسطس/آب، بياناً طالب فيه باعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس، وقال: "إنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، ليكون يوم القدس وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين".
وأكمل الخميني في بيانه: "لسنوات عديدة، قمت بتحذير المسلمين من الخطر الذي تشكله إسرائيل الغاصبة، والتي تكثف اليوم هجماتها الوحشية ضد الإخوة والأخوات الفلسطينيين. كما وهي مستمرة في قصف منازل الفلسطينيين في جنوب لبنان على وجه الخصوص، على أمل سحق النضال الفلسطيني. وأطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية العمل معاً لقطع يد هذه الغاصبة ومؤيديها".
ومنذ ذلك العام وحتى الآن مازالت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تخلد ذكرى القدس بمسيرات شعبية واحتفالات عسكرية وثقافية ودبلوماسية، في داخل البلاد وخارجها.
كما تم تسمية الشوارع والساحات العامة ودور السينما في إيران، بـ"فلسطين" و"القدس" و"بيت المقدس"، وشيّدت إدارة مرقد ثامن أئمة الشيعة الإمام علي بن موسى الرضا في مدينة مشهد، وهو أبرز الأماكن المقدسة في إيران، قبة رمزية مستلهمة من القدس في إحدى باحاتها، أُطلق عليها "قبة الصخرة"، في ثمانينيات القرن الماضي. كل هذا يأتي من أن دعم مقاومة الفلسطينيين ومناهضة إسرائيل بات جوهراً أساسياً في سياسة إيران الخارجية.
أما المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، لا يفوت مناسبةً إلا وتكون قضية فلسطين وتدمير إسرائيل حاضرة في خطاباته، ومن أشهر أقواله "إسرائيل لن تشهد عام 2040"؛ وعدٌ آمن به أنصاره وضحك عليه آخرون.
وفي يونيو/حزيران 2017 وتزامناً مع يوم القدس العالمي، أزيح الستار عن عداد إلكتروني يظهر العد التنازلي لانهيار إسرائيل، في دوار "فلسطين"، القريب من سفارة فلسطين بطهران.
واستلهم وضع هذا العداد من كلام المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، حين قال عام 2015 إنه "لن يكون هناك شيء اسمه إسرائيل في عام 2040".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...