شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"الفدائيون العرب"… صوت فارسي بصير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الأربعاء 11 أكتوبر 202302:12 م

الشاعر الإيراني محمد علي سِبانْلو (1940-2015) كان أول شاعر كتب بالفارسية من أجل فلسطين. وكان الشاعر الذي غادر عالمنا في شهر أيار/مايو 2015، يذكر هذا الأمر كثيراً فی المقابلات الصحافیة، ويفخر به.

في حوار صحافي له ذكر سبانلو أنه كتب قصيدته "الفدائيون العرب" في شهر تموز/يوليو عام 1968، وبعد الحرب الذي طالت ستة أيام أمام إسرائيل، وإثر تلك النكسة الفلسطينية والعربية التي أثرت على مشوار الكتابة وروح نصوص كثير من الشعراء ليس العرب، وشعراء الشرق وحسب، بل على كثير من شعراء العالم.

ومصرّاً على ذكر تاريخ كتابة هذه القصيدة، ونشرِها في ذلك الوقت بالتحديد، نشر سبانلو هذه القصيدة آنذاك في جريدة "كيهان روزانه" في طهران، ومن ثمّ نشرت القصيدة في السبعينيات في ديوانه "الهجوم"، وكان قد منع هذا الديوان عن الطباعة لعدة سنوات إبان عهد الشاه البهلوي -في إيران نظراً لانتماء الشاعر إلى الصفوف اليسارية المعارضة لحكم الشاه وموالاة الشاه لإسرائيل-، ومن ثم رأى هذا الديوانُ النور بعد سنوات، وكان يضمّ هذه القصيدة إلى جانب قصائد أخرى، ومن ضمنها قصيدته المطولة "فلسطين أرضُنا". سبانلو إلى جانب شعراء إيرانيين آخرين أمثال أحمد شاملو، بقوا غير مرغوب بهم من قبل الحُكم سواء في عهد الشاه أو بعد انتصار الثورة الإسلامية.  

الشاعر الإيراني محمد علي سِبانْلو كان أول شاعر كتب بالفارسية من أجل فلسطين. وكان يذكر هذا الأمر كثيراً فی المقابلات الصحافیة، ويفخر به

هاتان القصيدتان تُظهران مدى تعاطف الشعراء والفنانين الإيرانيين مع القضية الفلسطينية منذ البداية وقبل أن تحوّل السياسات اللاحقة والمنادية باسم فلسطين في إيران كثيراً من هذا التعاطف والتضامن إلى نفور أو عدم اكتراث؛ فالعدالة والنضال من أجل الإنسان صوتٌ يُسمع لا محالة.  

ولد محمد علي سبانلو في 20 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1940 في طهران، وكان معروفاً بـ"شاعر طهران"، إذ كتب قصائد كثيرة عن المدينة، وأجزائها، وكانت طهران أحد الشخوص الحية في نصوصه. وقد حصل سبانلو على جائزة "ماكس جاكوب" للشعر في فرنسا، كما أهدي وسام "فارِس الثقافة والأدب" من قبل الحكومة الفرنسية في حياته.

الشاعر الإيراني محمد علي سِبانْلو

من دواوينه يمكن الإشارة إلى: "الأرصفة"، "السندباد الغريب"، "أجسّ نبض وطني"، "منفى في الوطن"، "ساعة الأمل"، "الشوارع، الصحاري"، "فيروز في الغبار"، و"ركوب القارب في طهران".

وإلى جانب كونه من أهمّ الشعراء الإيرانيين، كان سبانلو كاتباً ومترجماً بارعاً، وباحثاً مجتهداً، فقد ترجم إلى الفارسية روايات كـ"إنهم يقتلون الجياد" لهوراس مك كوي، و"طفولة الرئيس" لجان بول سارتر، كما ترجم مجاميع شعرية للشاعر اليوناني يانيس ريتسوس. وألف كتاباً مهمّاً جداً تحت عنوان "شعراء الحرية الأربعة"، يتحدث فيه عن الشعراء الأربعة التي ناضلوا بشعرهم من أجل الثورة الدستورية في إيران في بدايات القرن العشرين، وهم "عارف القزويني"، و"فرّخي يزدي"، و"محمد تقي بهار"، و"ميرزاده عشقي".

كما أن سبانلو كان ملمّاً إلى حد كبير بالتراث الأدبي الفارسي، والأساطير، وتلك المعرفة كانت ظاهرة في شعره، إذ يمتلئ شعره بصور تاريخية وأساطيرية كثيرة، وقد صار بعض النقاد والأدباء يعتبرونه الذاكرة الشفهية للشعر الإيراني الحديث.

في حوار صحافي له ذكر سبانلو أنه كتب قصيدته "الفدائيون العرب" في شهر تموز/يوليو عام 1968، وبعد الحرب الذي طالت ستة أيام أمام إسرائيل، وإثر تلك النكسة الفلسطينية والعربية

رحل سبانلو ربيع عام 2015 في مستشفى في طهران، بعد صراع مع المرض، صراع ربما لم يشعر به أحد إلا هو، فالصورة الباقية منه حتى نهاية عمره، هي صورة بوجهه الضاحك البشوش، والظرافة التي كان يتميّز بها في نظرته، وحديثه. وسوف تبقى الأجيال القادمة تتذكر ذلك الشاعر الجميل بعينيه الخضراوين والذي كتب كثيراً للإنسان، والحرية، والحب، ودافع عن قيمه الإنسانية لسنوات طويلة، وعانى من ذلك كثيراً طوال حياته لكنه بقي يبتسم.

هنا ترجمة لقصيدتيه اللتين كتبهما من أجل فلسطين:


الفدائيون العرب


الفدائيونَ العربُ يحملون إلى الليلِ لهيبا عاليا

الفدائيون العربُ ينظرون إلى القمر وضوئه، من النهر الأسود

وتحت البدر، في الشهر العام

حين يتنحّى الفجرُ

والقيامة تنادي من عرض البحر الميت

يفكّرون بنحاسِ الرّصاص

***

الفدائيون العربُ يمنحون ثروةَ صمتِهم الرُّجوليِّ

ثروتَهم الوحيدةَ - تذكارَ إصدارِ المجاهدينَ

إلى الدمِ والنارِ والسجنِ

يمنحونها للأحجار، والأشواكِ، والأمطار

إنّهم رجالٌ كما هندسة "الصحراء".

***

الفدائيونَ العربُ قادمُونَ من مَدارِ الصُّبح

وكالبِشارةِ

يُطيّرون الرمادَ الفِضّيَّ لعظامٍ نخرت في معركة الفلق

***

وردةٌ سوداءُ على کثبةٍ رمليةٍ

تفكّرُ في تشويهِ القيَمِ

بعادةِ الإنسانيةِ أسيرةً بينَ قضبانِ اللا إنسانية

بالطُرُقِ الصِّحّيةِ لِأَكلِ الآدميّين

على حدودِ "المبكى"، "حائط" لدموعِ التماسيح.

***

الإخوة المجاهدون

الغرباء

أمام حضارة الدولار/ هوية هذا العصر

الفدائيون العرب، نعم

على رمالِ الصّحاري

في النهر الأسود، في مهالك الطُرُق

يسقطون أرضاً بعقيدتهم الطاهرة

حارسينَ إدراكَ تلك الحقيقةِ المهجورة

أنّ :التراب من الإنسان

والإنسان من التراب.


فلطسين أرضُنا


فلسطينُ أرضُنا

فلسطين، انعكاسُ أيامٍ

جاريةٍ من صوبِ البحر

نحوَ ماوراءِ الزّمن

فلسطينُ، دَوَرانُ حُلمٍ

يعود في أعيُنِنا کلّ لحظة

وحلمٌ في حقائقِ اليقظة؛

فلسطين فديةُ الحبّ

وفي موسم النبيذ الأحمر

فلسطين، قدح من الدفء

فلسطين، أرضنا

نشيدُ الذهولِ والحزن

نشيدُ عودةِ الشّعوب يُغنّيه المتشرّدون

متطلّعين إلى أقاليمَ يذكُرونَها في الغربة.

الجلوسُ في المخيّمات

أيامَ الانتظار

الجلوسُ، التفكرُ، الخلودُ إلى النوم

في ليلةٍ تنزلق فيها السفينةُ الموعودة نحوَ القمَر

الغناءُ، طلبُ القمرِ القديمِ

وقد غرقت فيه الصحراءُ بالشّهُداء

والاكتفاء من القمر القديمِ بزيتونةٍ

وماءٍ

(وموتُ الأماني الأخرى في القلب

فلا مكان للأماني على هذه الحدودِ المُقمِرة)

فهنا مركزُ العالمِ

والعالمُ ليس إلا فلسطين

ومن هناك

فلسطين أرضنا...

احتمِلي ليلةَ أيوب، أيتها الريحُ المكبّلة!

واحتمِلي الجيرانَ في شهر المأتم، والفوضى المضاءةَ

ومن بينِ أناشيدِ نصرِ العدوّ، اختاري شريعةَ نصرِكِ

وأصغي لرنينِ العَزفِ

فالجرحُ يعزِف أمَلا على الجرحِ الآخر

وإن كان المنفى دونَكِ، أو الملاحقة، أو السلاسلُ، والإعدام...،

فلتكن عينُك حارسةً لدماءِ الورود

فهو ابتسامةُ الشهداءِ، في موسمِ النبيذِ الأحمر

وقلبُك، الألواحُ المحفوظة لحكايات الحريّة

يداكِ

مثل شجرةِ الأمان، في وادي الازدراء

تحرسُ استقلالَ روحِ الإنسان.

افترضي –حتى-

أنك كنتِ طفلة

هلكت في صراعٍ غيرِ متکافئ

في طريقِ عودتِها من المدرسة

ابشري اليوم، فالإقليم القديمُ قد مات/

عجوزُ هذا العالم

أمّا فلسطينُ فطفلةُ العالم

فلسطينُ، أرضُنا.

ستنمو فلسطين بين السلاسلِ

ومزيجُ الدم والحديدِ المعلّم

سيلتحقُ بنهر الحليبِ كما لو نهر من البراءة

ومن هناك بنهر القار (نهر الأردن القديم)...

رأسك سوف يبلُغُ المجرّةَ، ومن قلبِك

سيقفز برقٌ

يروي السيفَ العتيق

في البحيراتِ المُرّةِ؛

يا فلسطين، ضحكتُكِ ماءٌ مُرٌّ

يا فلسطين، جسمُك حلمٌ...

فلسطينُ، أرضنا

فلسطينُ ليست قاعدة للتعارف

ليست مكاناً

فلسطينُ روحٌ مشرّدةٌ في العالم الساكن

العالمِ المنهَك، الكئيب، بابتسامته المجبَرة

والذي يتظاهر أنه جنة المأوى

برائحة الرفاهيةِ والنموّ الوطني، في المؤامرات والقدرات...

فلسطينُ القديمةُ تذكّر بهَول الجَحيم

تقول ثمة جحيمٌ، وثمة شيطانُ

الشيطانُ في كلّ مكان، وهنا

فلسطينُ، أرضنا

فلسطين، خندقُنا الأخير

من أجل قيمة نادرة

من أجل غضّ النظر

من أجلِ الرحيل، والقيام المتأخّر

فلسطينُ، خندقنا الأخير

والقاعدة الوحيدة لمحاربةِ مسخِ الشياطين

فلسطينُ، ليست هذه الصحاري

هي شكلُ أحلامنا

ولغزٌ لا يجري الموتُ فيه

قلبٌ من النار، ومن الرّيح

لا يرويه إلّا رمحُ السُّموم...

ونحن المشرّدين، الشحاذين، الأمواج المنكوبة المضروبة

لنعلمْ بعد اليوم

ولنتذكّرْ

أن الأمانيَ لن تبقى أسيرةَ السلاسلِ والسجون

ولا تعرف الجرحَ والضَرَبات

قتلَها، نصلٌ في الماء

وكالنهارِ

أبديةٌ ومتجدّدة

ويُشرِق نَصرُها

في المُستقبل

فلسطينُ، أرضُنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image