تندرج هذه المادة ضمن ملف الطريق إلى إيران، في رصيف22.
تعتبر الحرب العراقية الإيرانية، أطول حرب في القرن العشرين وأحد أكثر الصراعات دموية وكلفة من الناحية البشرية والاقتصادية، فما هي حكايتها؟
بعد انتصار الثورة الإيرانية على النظام الملكي مطلع عام 1979، أطلق مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني، نظرية "تصدير الثورة الإسلامية"، وبعد اندلاع أعمال شغب مناهضة لحزب البعث في المناطق الشيعية في العراق ظن الرئيس العراقي صدام حسين ونوابه أن أعمال الشغب مستوحاة من الثورة الإيرانية.
أعلنت بغداد في 10 آذار/مارس 1980، أن السفير الإيراني شخص غير مرغوب فيه، وطالب بانسحابه من العراق، وردت إيران بخفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع العراق، وطالبت بغداد بسحب سفيرها من طهران. وفي نيسان/أبريل ذلك العام تم شنق آية الله محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى كجزء من حملة استعادة السيطرة على جنوب العراق.
وبعد الاضطرابات التي شهدتها مدينة الأهواز (مركز محافظة خوزستان) المحاذية للحدود العراقية، حول مطالب عرب إيران بنيل حقوقهم من النظام الإسلامي الجديد في إيران، دعم حزب البعث بعض الجهات التي كانت تطالب باستقلال الأهواز أو نيله حكماً ذاتياً. كما دعم الحزبَ الديمقراطي الكردستاني الإيراني في نيل استقلال الأراضي الكردية أو حكماً ذاتياً لها، وكان قد حدث عكس ذلك في أيام الشاه عندما كان ملك إيران يدعم أكراد العراق في نضالهم ضد صدام حسين.
عربياً وغربياً تم تسمية الحرب بـ"حرب الخليج الأولى"، أما الرئيس العراقي صدام حسين فاستخدم مصطلح "معركة القادسية"، تلميحاً منه إلى معركة القادسية التي وقعت في القرن السابع الميلادي
ثمة تطورات أخرى حصلت في المشهد السياسي الإيراني شجعت العراقَ على التفكير في شن حرب ومباغتة إيران، منها: حالة الفوضى والضعف التي مرت بها إيران بعد الإطاحة بحكم الشاه، الراعي الكبير للمصالح الأمريكية في المنطقة، والعزلة الدولية جراء اقتحام السفارة الأمريكية لدى طهران واحتجاز طاقمها كرهائن، وقيام الثوار في حل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي كانت قائمة خلال عهد النظام الملكي.
الذريعة شط العرب
أعلن الرئيس العراقي أن اتفاقية الجزائر الذي تنص على تقاسم السيطرة بين العراق وإيران على شط العرب، والموقعة أصلاً بينه وبين الشاه محمد رضا بَهْلَوي سنة 1975، لم تكن مقبولة لديه، ويريد أن يعيد تأكيد سيادة بلاده على ضفتي شط العرب، ويذكر أن البلدين يمتلكان حدوداً برية تمتد حتى 1609 كلم. بدأت الحرب في 22 أيلول/سبتمبر 1980، حين غزا الجيش العراقي جنوب غرب إيران. في حين ادعت حكومة صدام حسين أن الحرب بدأت في الرابع من سبتمبر/أيلول عندما قصفت إيران عدداً من النقاط الحدودية، وكانت المناوشات على طول حدود البلدين حدثاً يومياً قبل بدء الحرب رسمياً، خاصة قيام الجيش العراقي بذلك وثقته بضعف القوات الإيرانية ما بعد الثورة للأسباب التي تم ذكرها.
تقدم الجيش العراقي داخل الأراضي الإيرانية على طول جبهة واسعة في محافظة خوزستان. واستولت القوات العراقية على مدينة المحمَّرة المطلة على شط العرب، لكنها فشلت في الاستيلاء على مصفاة النفط في مدينة عبادان التي لا تبعد سوى 15 كلم عن المحمرة.
أوقفت المقاومة الإيرانية غير المتوقعة بحلول كانون الاول/ديسمبر 1980، الهجومَ العراقي على بعد حوالى (80-120 كيلومتراً) من داخل إيران. وبدأت إيران بشن هجمات مضادة باستخدام الحرس الثوري وقواتها المسلحة العسكرية الأخرى مما أجبر العراقيين على التراجع عام 1981.
التسميات
عربياً وغربياً تم تسمية الحرب بـ"حرب الخليج الأولى"، أما الرئيس العراقي صدام حسين فاستخدم مصطلح "معركة القادسية"، تلميحاً منه إلى معركة القادسية التي وقعت في القرن السابع الميلادي وهي إحدى معارك الامتداد الإسلامي لبلاد فارس، وقال إنها تأتي للدفاع عن الحدود العربية أمام مد ثورة إيران، كما سماها العراقيون بـ"قادسية صدام".
أما الإيرانيون ففضلوا تسمية "الحرب المفروضة"، وأطلق عليها آية الله الخميني "الدفاع المقدس" عن الإسلام وإيران، وشجع مئات الآلاف من المتطوعين الملتزمين أيديولوجياً بالإسراع نحو ساحات الحرب في غرب وجنوب البلاد.
إنهاء أو استمرار؟
حرر الإيرانيون مدينة المحمرة في عام 1982، وصرح الخميني بأن "خرمشهر (المحمرة) قد حرّرها الله"، واختلفت الأوساط الإيرانية بعد هذا التحرير الذي أغرم الجيش العراقي على الانسحاب، على إنهاء الحرب أو استمرارها، وبينما كان يرى الجيش الإيراني والكثير من الأحزاب السياسية ضرورة إنهائه، شدد الحرس الثوري والإسلامييون على استمرارها إلى "تأديب" الرئيس العراقي صدام حسين.
جاءت بعدها المعارك الإيرانية لانسحاب القوات العراقية من جميع الأراضي الإيرانية، التي استولت عليها، فبدأ صدام يسعى لإنهاء الحرب، لكن إيران وبقيادة الخميني، ظلت ترفض مساعي السلام التی وصلتها من الأمم المتحدة ومنظمة الدول الإسلامية والوساطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات. وواصلت الحرب في محاولة للإطاحة بالرئيس العراقي، وقيام حكومة إسلامية عراقية على غرار إيران.
تعززت دفاعات العراق بمجرد أن تراجعت قواته وباتت في موقف الدفاع عن أراضيها واستقرت خطوط القتال وراوحت المعارك مكانها على طول الحدود المشتركة.
شنت إيران مراراً هجماتِ مشاة غير ناجحة مستخدمةً موجاتٍ بشريةً مكونة جزئياً من مجندين صغار السن وغير مدربين. كان العراقيون يتصدون لها بالمدفعية والقوة الجوية اللتين كان يتفوق بهما العراق على إيران وأحياناً باستخدم الأسلحة الكيمياوية.
أثيرت قضية تجنيد صغار السن الإيرانيين، خاصة بعد أسرهم من الجانب العراقي وبث صورهم للعالم، وتم تفقدهم من قبل اللجنة الأممية في سجون العراق، رفضت إيران تجنيدهم بالقوة وأكدت أنهم يأتون طواعية للدفاع عن حياض الوطن، كما أعلنت أن الكثير منهم يتلاعب في شهادة الميلاد كي تتسنى له فرصة الحضور في جبهات "الحق ضد الباطل".
دخلت الحرب مرحلة جديدة عندما لجأ البلدان إلى شن هجمات جوية وصاروخية ضد مدن بعضهما بعضاً، إضافة إلى المنشآت العسكرية والنفطية. واستولت إيران على ميناء الفاو العراقي سنة 1986.
كما تبادل الطرفان الهجمات على ناقلات النفط في الخليج. ودفعت هجمات إيران على ناقلات النفط الكويتية وغيرها من دول الخليج الأخرى، أمريكا ودول أوروبية إلى نشر سفن حربية في الخليج لضمان تدفق النفط إلى باقي أجزاء العالم.
مولت السعودية والكويت ودول عربية مجاورة وأمريكا والاتحاد السوفياتي السابق، الجيشَ العراقي بشكل علني وغير علني، في حين قامت ليبيا وسوريا بدعم إيران، كما أن هناك تسريبات عن دعم إسرائيلي غير مباشر لطهران ضد بغداد، وهي معلومات تؤكدها إسرائيل وتنفيها إيران.
المحطات الإذاعية
إعلامياً أدت الخدمة الفارسية في إذاعة بغداد والتي تدار من قبل بعض الإيرانيين الذين كانوا ضد الخميني، منهم الشيخ علي طهراني صهر المرشد الأعلى الإيراني الحالي علي خامنئي الذي كان يتقلد منصب رئيس الجمهورية أثناء الحرب، وفي الجانب الإيراني محطات الأهواز وعبادان وطهران الإذاعية العربية، دوراً كبيراً لتحريض المجتمع الإيراني والعراقي ضد قادتهم.
وأدت إذاعة الأهواز دوراً جلياً أثناء الحرب عبر تسجيل وبث لقاءات مع الأسرى العراقيين، فما كان للأسر العراقية إلا متابعة الإذاعة كي تتسنى لهم معرفة مصير الجنود الذين كان يكتم إعلام العراق أخبارهم. فامتلاكها معلومات حصرية من جنود عراقيين وبثها تقارير عربية من جبهات القتال، زاد من شعبية إذاعة الأهواز العربية لدى شعوب المنطقة التي كانت تنتظر بفائق الصبر المزيد عن مستجدات الحرب خارج دائرة الإعلام العراقي.
تم إثبات أدلة رصينة على استخدام صدام حسين للأسحلة الكيمياوية ضد القوات الإيرانية، مما تسببت بزعزعة مكانته، خاصة بعد أن هاجم أكراد العراق بحجة وقوفهم إلى جانب إيران. وبقيت مجزرة قرية "حلبجة" الكردية العراقية التي راح ضحيتها نحو 5 آلاف مدني في أذار/مارس سنة 1988، من أبرز المجازر المروعة في المخيلة الإيرانية والعراقية.
النهاية
في آب/أغسطس 1988 أجبر تدهور الاقتصاد الإيراني والمكاسب العراقية الأخيرة في ساحة المعركة، إيرانَ على قبول وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة، حيث شبه الخميني قبوله قرار الحرب بتجرّع السّمّ.
وعادت اتفاقية الجزائر نفسها لتكون الفصل المائي بين البلدين في شط العرب، التي تسميه إيران "أروَند رود".
ليس واضحاً إجمالي عدد ضحايا الحرب لدى الجانبين. ولكن كلا البلدين كانا في حالة التعبئة وخضع الرجال في سن التجنيد مسلحين. وتترواح بعض التقديرات أن ضحايا الحرب كانت ما بين مليون إلى مليوني شخص.
اقتصادياً بلغت كلفة الحرب المادية بما قُدّر نحو 1190 مليار دولار لكلا الطرفين. وبعد مرور 43 عاماً على نهاية الحرب، ما زال الكثير من الغموض عالقاً في المخيلة الإيرانية عن دور قادة البلاد في حجم الخسائر البشرية والمادية التي تعرضت لها البلاد
وما زال على جانبي الحدود يتم العثور على رفات آلاف الضحايا العراقيين والإيرانيين، ويتم تسليمها بإشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وخلفت الحرب 20 مليون لغم على جانبي الحدود، وحصدت الحرب الكثير من الأرواح وجرحت المئات من السكان المحليين.
اقتصادياً بلغت كلفة الحرب المادية بما قُدّر نحو 1190 مليار دولار لكلا الطرفين. وبعد مرور 43 عاماً على نهاية الحرب، ما زال الكثير من الغموض عالقاً في المخيلة الإيرانية عن دور قادة البلاد في حجم الخسائر البشرية والمادية التي تعرضت لها البلاد. كما أن هناك شكوكاً كبيرة تدور في أذهان الشعب حول أسرار المعارك الفاشلة التي حصدت أرواحاً كثيرة، كما أن الصراع ما زال قائماً لدى الأوساط النخبوية والمحاربين في تلك المعركة حول ضرورة إنهاء الحرب أو استمرارها بعد تحرير مدينة المحمرة عام 1982 وإمكانية تجنب إيران خسائرَ فادحة.
وبالنسبة لمئات الآلاف من المعاقين خلال الحرب، فذكريات الحرب لم تكن ضمن ماضٍ قديم، بل ما زالوا يحملون تلك اللحظة الفارقة في عمرهم كوِزر أثقل من الألم الذي في داخلهم حتى بعد مرور أربعة عقود على وقوعها، وكأن الحياة أصبحت صراعاً أبدياً لهؤلاء المحاربين.
ويفضل النظام أن يرى الحرب بمنظار قدسي وإلهي، فيثني على جهود القادة والجنود، ولا يسمح إلا بذكر المشاعر الإيمانية المخلصة أثناء الحرب. فقلما نجد فيلماً في السينما الإيرانية التي تنتج عشرات الأفلام عن الحرب العراقية الإيرانية، يتطرق لرواية خارج الرواية الرسمية. وهكذا هو الحال في الكتب والخطابات والفن والإعلام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.