قد أدهشت عملية طوفان الأقصى العالم العربي، بل العالم بأسره، والتي اجتاحت فيها حركة حماس إسرائيل في غلاف قطاع غزة. هذه العمليات العسكرية التي تُعَدُّ الأولى من نوعها، أطلقتها الفصائل العسكرية التابعة لـ"حماس"، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولاقت صدىً واسعاً في أرجاء العالم، وهي ما أثارت ردود فعل مؤيدة ومعارضة في المجتمع الدولي وبين أروقة الساسة.
ولطالما كان موقف إيران داعماً وثابتاً، إزاء المقاومة الفلسطينة والعمليات العسكرية وغير العسكرية، التي تنفذها ضد إسرائيل، وهذه المرة، دعمت إيران رسيماً عملية "طوفان الأقصى" وأشادت بها، برغم أنها نفت ضلوعها ومشاركتها فيها. وإعلامياً تصدرت العملية عناوين الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية، منذ لحظة وقوعها حتى الآن. وشهدت العاصمة طهران والمدن الإيرانية احتفالات، وإطلاق ألعاب نارية، إلى جانب وضع لافتات كبيرة تضامنية في مختلف المدن الإيرانية. لكن إلى جانب ذلك، كان هناك تباين في الآراء بشأن "طوفان الأقصى"، بل تجاه القضية الفلسطينية برمتها، حيث أشاد البعض بالعملية، فيما رفضها آخرون.
مواقف الأحزاب والناشطين/ات السياسيين/ات في إيران
تبنت الأحزاب والناشطون السياسيون في إيران، مواقف عديدة؛ فالتيار "الإصلاحي" أصدر في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بياناً متضامناً مع الشعب الفلسطيني، وحقه المشروع بالدفاع عن نفسه وأرضه، مؤكداً ضرورة تجنب الأعمال غير الإنسانية أثناء هذه العمليات، حيث جاء في نص البيان: "التيار الإصلاحي الإيراني، رغم دعمه لحق الشعب الفلسطيني الذي لا غبار عليه، في الدفاع عن كيانهم وشرفهم ضد الكيان الإسرائيلي، يؤكد على أن النضال من أجل استعادة الحق المشروع، لا يمكن ولا ينبغي أن يتلوث بالعنف غير المبرر أو انتهاك حقوق الإنسان من قبل الجانبين. وتُعَدُّ هذه المشاهد العنيفة وغير الإنسانية التي حدثت أثناء عملية ’طوفان الأقصى’، ناتجة عن ثوران الغضب المكبوت الناجم من الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية القمعية لعقود، التي لا يمكن الدفاع عنها بأي طريقة من الجانب الإنساني، كما أنها لا تجدي نفعاً للشعب الفلسطيني المضطهد".
شهدت العاصمة طهران والمدن الإيرانية احتفالات، وإطلاق ألعاب نارية، إلى جانب وضع لافتات كبيرة تضامنية في مختلف المدن الإيرانية. لكن إلى جانب ذلك، كان هناك تباين في الآراء بشأن "طوفان الأقصى"، بل تجاه القضية الفلسطينية برمتها
من جانبه اعتبر الرئيس الأسبق الإيراني محمد خاتمي الذي يُعَدُّ شيخ التيار الإصلاحي، أن "الهجوم المباغت للمقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، كان إنجازاً كبيراً للشعب الفلسطيني بعد سبعين عاماً، وإنه علامة على اختلال توازن القوى في المنطقة، حيث يتطلب الأمر النظر إليه كفرصة جديدة لتعزيز السلام وحقوق الإنسان والأخلاق".
وقال نائب محمد خاتمي السابق، محمد علي أبطحي، إن "عملية طوفان الأقصى هي أكبر من أن تكون قراراً سياسياً متخذاً من جانب حماس وحسب، فهي نتيجة متوقعة لجرائم واحتلال إسرائيل خلال هذه السنوات".
وعبر منصة إكس (X) كتب الناشط السياسي جواد إمام أن "عملية طوفان الأقصى كانت نتيجة، انهيار هيمنة إسرائيل وإذلال نظامها العنصري الذي دام سبعين عاماً، من خلال قمع وارتكاب الجرائم الممنهجة بحق الشعب الفلسطيني المظلوم. وأن هذا الأمر هو العامل الرئيس، لاستمرار دوتمة العنف".
في المقابل طرح الصحافي والمعارض الإيراني وحيد باسره، سؤالين استفهاميين عما إذا يحق الدفاع عن الشعب الفلسطيني، كالتالي: "هل يمكن الوثوق بالشعب الفلسطيني الذي يعتبر صدام حسين (قاتل خيرة الشعب الإيراني) ’سيد الشهداء’ لكي نشعر بالأسف عليهم؟! وهل يمكن اعتبار مشاكل الفلسطينيين الذين فتحوا النار على شبابنا، في تلك الحرب جنباً إلى جنب البعثيين، بأنها مشاكلنا؟!".
المشاهير الإيرانيون/ات
انقسام الرأي هذا طال المشاهير الإيرانيين/ات أيضاً، فأكثر هؤلاء المشاهير المتواجدين في إيران لم يبدوا أي رأي على الإطلاق، واختاروا جانب الصمت، لكن كان بينهم من تضامن مع الشعب الفلسطيني. منهم مقدم البرامج الشهير والموقوف عن العمل رضا رشيد بور، الذي كتب على صفحته في منصة إكس (X): "النظام الصهيوني مغتصب ومجرم ودجال، وإنه يعرف قواعد الحرب النفسية جيداً، ويستفيد من التظهار بالظلم كتكتيك في استراتيجياته الخبيثة. أتأسف لأولئك الذين يغسلون الدماء بذريعة الأفكار التنويرية أو معارضة الجمهورية الإسلامية، ولا يملكون الشجاعة لقول الحقيقة".
وعبّر المطرب الإيراني الشهير "إبي" المقيم في خارج البلاد، عن رأيه في منشور له بصفحته الشخصية على إنستغرام، كالتالي: "أعتقد أنه ليس من الضروري أن أعطي تفسيراً لاشمئزازي وكراهيتي تجاه الحرب، لأن كل ما أتمناه هو السلام والحب للبشر، كما أتمنى أن تنال ’آرميتا كراوند’ (الفتاة الإيرانية التي اعتُدي وأغمي عليها في أحد محطات مترو طهران) صحتها، فهي أيضاً ضحية أخرى للحرب".
ونشر رسام الكاريكاتير الإيراني الشهير، هادي حيدري، منشور على صفحته في الإنستغرام، رسم فيه غزة كطفل رضيع مقتول ومكفّن، وكتب: "الناس العزّل، إلى أينما ينتمون، هم ضحايا العنف، سواءً كان هذا العنف من حماس أم إسرائيل، من أمريكا أم روسيا...".
يذكر أنه وبرغم الخطاب غير المكترث بالقضية الفلسطينية الذي تصاعد خلال السنوات الأخيرة من قبل الشارع والشباب الإيرانيين كردة فعل على سياسات النظام الإسلامي وشعاراته المناصرة لفلسطين، إلا أن هناك أصواتاً مستقلة نشرت وتنشر أعمالاً ونصوصاً تدافع عن القضية الفلسطينية، كما أن خلال السنوات الأخيرة تزايد الإقبال على الشعر العربي وترجمته إلى الفارسية، وأخذت تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي كثير من المقاطع التي يقرأ فيها محمود درويش قصائد له، إلى جانب بعض الروايات والقصص من كتاب فلسطينيين صدرت مترجمةً في إيران، منهم غسان كنفاني وأحلام بشارات ومازن معروف.
الشارع الإيراني والقضية الفلسطينية
إذا تصفحنا قليلاً في مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، التي يستخدمها الإيرانيين/ات بشكل واسع، مثل إنستغرام وإكس (X)، سنرى أن غالبية هذا الشعب يتضامن مع القضية الفلسطينية، ويندد بالعدوان الأخير لإسرائيل على غزة والشعب الفلسطيني، لكن هناك البعض منهم من يبدي رأياً مخالفاً للقضية، حيث استنكروا هجوم كتائب قسّام العسكرية على إسرائيل.
فتساءل "سهراب" عبر إكس (X): "هل الجمهورية الإسلامية لديها جرائم أكثر أم إسرائيل؟"، وعلق "آرمين": "القضية الفلسطينية لا تعنيني، فإن بلادي مليئة بالمشاكل التي يجب حلها"، وكتبت "مرسا": "مع الأسف، حماس بفعلتها هذه، أعطت للكيان الصهيوني حجة مشروعة لقمع الشعب الفلسطيني، وتسببت بأن تأخذ جرائم هذا الكيان شكلاً جديداً".
برغم أن كثيراً من أبناء الشعب الإيراني متضامنون مع القضية الفلسطينية، لكننا نشهد أن فكرة عدم الاكتراث أو حتى الضدية لفلسطين وشعبها، باتت تنتشر في المجتمع الإيراني، ويرتبط هذا الأمر بسوء الوضع الاقتصادي والمعيشي في إيران، إثر العقوبات الأمريكية، ولذلك كلما تأزمت الأوضاع الاقتصادية في إيران كلما توسعت مثل هذه الأفكار. كما أن كثيراً من الإيرانيين يعتقدون أن دعم النظام لحركة حماس والشعارات المناصرة لفلسطين من قبله لا تصب في مصالحهم.
وفي هذا السياق انتشرت في الأيام الأخيرة دعوات في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي للنظام إلى الحكمة في كل خطوة يتخذها في التطورات الحالية، وحذرت من تداعيات موقف إيران من التطورات الفلسطينية على اقتصاد البلاد وأشارت إلى تراجع العملة الإيرانية مقابل العملات الصعبة في الأيام الأخيرة، منها صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية التي كتبت في مقال بعنوان: "وقت الحكمة والذكاء"، أن "الاقتصاد الإيراني المسيّس لا يتحمل مزيداً من الأزمات التي ستكلفه ثمناً باهظاً".
وهاجمت صحيفة "كيهان" التابعة للمرشد الأعلى الأطراف الداخلية التي تحذر من مخاطر موقف إيران من حرب غزة، وتدعو إلى النظر في مصالح إيران الوطنية قبل أي سياسة أو قرار، متهمة هؤلاء بأنهم لم يفكروا يوماً في مصالح إيران الحقيقية.
برغم الخطاب غير المكترث بالقضية الفلسطينية الذي تصاعد خلال السنوات الأخيرة من قبل الشارع والشباب الإيرانيين كردة فعل على سياسات النظام الإسلامي وشعاراته المناصرة لفلسطين، إلا أن هناك أصواتاً مستقلة نشرت وتنشر أعمالاً ونصوصاً تدافع عن القضية الفلسطينية
وهناك أيضاً فئة من الإيرانيين المعارضين للنظام الحاكم في إيران الذين يعارضون القضايا التي لطالما تبنّتها الجمهورية الإسلامية وأبرزها القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، لم يبدوا عن دعمهم من فلسطين في التطورات الأخيرة، ولذلك واجهوا انتقادات من إيرانيين آخرين يؤكدون بأن الدفاع عن المظلوم ودعم حقوق الإانسان ليس له علاقة بالموقف السياسي من النظام الإيراني، وهو أمر مستقل.
شرحت الناشطة السياسية الإصلاحية "آذر منصوري" في مقال بعنوان "الازدواجية في الدفاع عن المظلوم" في صحيفة "اعتماد" الإيرانية، أسباب تراجع التضامن الشعبي الإيراني مع القضية الفلسطينية، وتساءلت: "لماذا يقتصر التأييد للشعب الفلسطيني ومقاومته في إيران على وسائل الإعلام والأجهزة الرسمية، ولم يعد يحظى هذا الموقف بالدعم اللازم في الشارع كما في السابق؟"، مضيفة: "في بداية الثورة كان الرأي العام الإيراني أكثر تضامناً مع فلسطين لكن الوضع قد تغيّر، وبعد اتساع الفجوة بين النظام والشعب، وانعدام الثقة بالنظام، أصبح الشعب الإيراني لا يتضامن كثيراً مع من يعدّه حليفاً أو صديقاً للنظام".
وأشارت منصوري إلى الانقسام الذي أثاره تأييد السلطات لروسيا في الحرب مع أوكرانيا، حيث دعم الشعب الإيراني أوكرانيا، مقابل دعم النظام الإيراني لروسيا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين