منذ صدور البلاغ الملكي في 26 أيلول/سبتمبر، الذي طالب الحكومة بإعادة النظر في قانون الأسرة المغربي المعروف بـ"المدونة"، لا يزال الرأي العامّ المغربي يناقش التعديلات الممكنة التي ستطرأ عليها.
وقد احتدم النقاش حول مضامين المدونة الجديدة التي لن تصدر حتى العام المقبل، فيما سترفع أبرز مقترحات التعديلات إلى الملك خلال مدة زمنية لا تتعدى ستة أشهر، أي نهاية شباط/فبراير 2024.
واحتدّت الآراء والشائعات، في أوساط المنتقدين للإعلان ممّن اعتبروا التغييرات "مهينة لمكانة الرجل وخراباً قد يطال الأسرة المغربية"، رغم أنهم لا يعرفون محتوى التعديل القانوني، قائلين إن "المدوّنة" الجديدة ستقف في صف المرأة وتضمن "حقوقها" على حساب الرجال.
بل هناك من وصل به الحد إلى دعوة الشباب إلى الامتناع عن الزواج مع نشر تعديلات مضلّلة، والدعوة إلى مقارعة "الباطل" في نظرهم.
بالمقابل رحبت الفعاليات النسائية مع بعض مكونات المجتمع المغربي بالبلاغ، معتبرة إياه خطوة جريئة دام انتظارها لسنين.
وقد عانت الفعاليات النسائية منذ رفعها مطالب تعديل مدونة الأسرة خصوصاً موضوع إلغاء الإرث بالتعصيب، من هجمات التيار المحافظ والذكوري، مع دعوات بتكفير هذه التنظيمات النسوية.
أسندت مهمة الإشراف العملي على إعداد إصلاح المدونة، حسب الرسالة الموجهة إلى رئيس الحكومة المغربية لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، مع إشراك المجلس العلمي الأعلى (مؤسسة دينية رسميّة)، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية)، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، والانفتاح على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.
مساواة في الإرث
ترى سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء في المغرب، أن الحركة النسائية كانت في أمسّ الحاجة لمثل هذه التغييرات المرتقبة التي جاء بها البلاغ الملكي، وتتمنى أن تصبّ في إطار ضمان كرامة النساء واحترام حقوق جميع أطراف الأسرة، وأن تتخلص النساء فعلاً من وصاية الرجال، وأن تلائم المدونة الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية المصادق عليها.
وتضيف أن "المطلوب هو التحلّي بالشجاعة والجرأة في إنتاج هذه المواقف وضرورة إشراك الحركة النسائية باعتبارها اشتغلت منذ سنوات على المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة، ولديها رؤى ومذكرات وتصورات واضحة تمنح الحقوق والمواطنة للنساء".
في ظل تجاذب مجتمعي تريد النساء حقوقاً أكبر وعدالة تنصفهن داخل الأسرة وتضمن المساواة بينهن وبين الرجال
وضمن النقاط التي يجب العمل عليها في مدونة الأسرة، تؤكد سميرة موحيا أن نظام الإرث في المغرب مبني على التمييز على أساس الجنس والعقيدة، وبالتالي منظومة الإرث تعرقل ولوج النساء إلى الثروة وملكية الأراضي، فعدد النساء المالكات للأراضي الصالحة للزراعة في القرى لا تتعدى 1 في المئة، وفي الحواضر ملكية النساء للعقارات لم تتجاوز 7 في المئة. وتربط المتحدثة ذاتها هذا الحيف والتمييز بتوزيع الإرث غير المنصف. خصوصاً أن المرأة أصبحت منتجة وتساهم في مراكمة ثروة العائلة.
وتدعو المتحدثة إلى تفعيل مبادئ الإنصاف والمساواة في الإرث ما بين الرجال والنساء، واحترام مبدأ وحق تصرف الشخص في أمواله، مع ضرورة إلغاء القاعدة الفقهية "لا وصية لوارث" وإلغاء اعتبار اختلاف الدين من موانع الإرث خصوصاً في حالة الزواج المختلط.
إلغاء القاموس "الفقهي القديم"
وتنتظر الحركة النسوية في المغرب، إلغاء "الصّداق" ضمن شروط الزواج، وأن يبقى رمزياً يخص الزوجين ضمن الأعراف والعادات، لا مادياً يكرس من دونية المرأة.
واعتبار النفقة مشتركة بين الزوجين أيضاً، مع مراعاة عمل ربات البيوت، بالتالي اعتبار هذا العمل مساهمة في النفقة وفي مراكمة ثروة العائلة.
وتطالب الحركة النسوية، بضرورة تغيير مجموعة من المفاهيم في مدونة الأسرة الحالية المستوحاة من الفقه القديم، كالمتعة، والنكاح، والوطء، واللعان والنشوز (رفض الزوجة طاعة الزوج)، وتعويضها بمصطلحات أخرى لا تُشيِّئ المرأة.
حرية الزواج بغير المسلم
وتنتظر الحركة النسائية من التعديلات الحالية، أن تساوي بين الرجل والمرأة في الزواج بغير المسلم، إذ أن القانون الحالي ينص على أنه لا يحق للمرأة المغربية في الزواج بغير المسلم ويعتبر من موانع الزواج.
وتضيف المتحدّثة أن البنية الاجتماعية للمغرب طرأت عليها تغييرات وأصبح المغرب بلد استقرار كثير من المهاجرين ذوي الديانات المتنوعة، الذين يتزوجون بمغربيات ويصطدمون بهذه المشاكل القانونية، ونفس الأمر بالنسبة لمغربيات العالم، وبالتالي يسقطن في "أكذوبة" شهادة اعتناق الزوج للإسلام، والتي هي شكلية فقط لتجنب المنع القانوني.
ترحب الحركة النسوية بالدعوة إلى تعديل قانون الأسرة المغربي. لكن ما هي أبرز انتظاراتهن من التغيير؟
وترى الحركة النسائية أنه يجب النصّ بصفة تلقائية في عقد الزواج على اقتسام الممتلكات بالتساوي بين الزوجين، وعلى التدبير المشترك للأموال المكتسبة أثناء الزواج، مع الأخذ بعين الاعتبار ربات البيوت كجزء فاعل وأنهن ساهمن في مراكمة الأموال أثناء فترة الزواج وتربية الأبناء وتدبير البيت.
حق ولاية الأم
بالمقابل اعتبرت بشرى عبده، مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، باللحظة المهمة لإخراج قانون أسرة جديد إلى حيز الوجود يستجيب للحاجيات المعاصرة للنساء المغربيات، ويتجاوز كل الاختلالات والسلبيّات التي أبانت عنها التجربة السابقة في التطبيق لأزيد من 18 سنة.
وتؤكد بشرى عبده، على تحقيق التوازن بين الزوجين فيما يخص الولاية على الأبناء عبر إلغاء جميع المقتضيات التي تجرد المرأة من حقها في الولاية القانونية على أبنائها القاصرين والتي تجعلها في مرتبة ثانوية أو تحت وصاية طرف آخر.
والتنصيص على حق الأم في النيابة الشرعية على أبنائها إلى جانب الأب، واعتبارهما معا متساويين في الولاية القانونية على الأبناء.
منع زواج القاصرين
وتترقب الحركة النسائية، من اللجنة المشرفة على تعديل مدونة الأسرة، منع تزويج الأطفال بحذف المادة التي تعطي إمكانية إذن القاضي بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، وإضافة زواج الأشخاص دون سنّ الأهلية (18 عاماً) إلى موانع الزواج المؤقتة.
تدوم هذه المطالب منذ عقدين من الزمن، وترفع المنظمات النسائية مذكرات مطلبية تطالب بمراعاة التحولات الاجتماعية والاقتصادية
وكان القانون الحالي أجاز بشكل حصري للقاضي أن يزوج القاصرين ما بين 15 و18 سنة، وهو ما فتح ثغرة قانونية تستغل خاصة في البوادي، وفي الأوساط الشعبية لتزويج القاصرات، بالتحايل على القانون، وقد منحت المحاكم عام 2020 على سبيل المثال 13 ألف إذن بالزواج، بعد توصلها بعشرين ألف طلب. وهو السيناريو الذي تؤكد المنظمات النسائية على ضرورة الحذر من الوقوع فيه مجدداً خلال التعديل القانوني الجديد.
إثبات النسب بالعلم
كما تطالب الحركة النسائية بالنص على إصلاح إجراءات إثبات النسب باعتماد الخبرة الجينية كأداة لإثبات النسب، وإلحاق النسب فور ثبوته، ويترتب عليه كل آثار البنوّة الشرعية.
وتخلص بشرى عبده إلى ضرورة حذف عبارتي "أجرة الحضانة" و"أجرة الرضاعة"، التي تعدّ إحدى التجليات الصارخة للعقلية الذكورية، التي تأبى إلا أن تحطّ من قيمة مساهمة النساء داخل أسرهن وتبيّن أنها لا تعدو كونها عملاً مأجوراً.
كما تطالب الحركة النسوية بحذف مصطلح "نفقة المتعة" لما تخلقه من التباس لغوي، نظراً لارتباطها في الوعي الجمعي بمقابل المتعة الجنسية، في إشارة إلى مقابل تمتع الرجل بجسد طليقته طيلة فترة الزواج.
منع التعدّد وحقوق المطلّقات
كما تطالب الحركة النسائية بالمنع النهائي لتعدد الزوجات والإبقاء على طلاق الاتفاق والشقاق والغيبة، وإعطاء الحق في الزواج للأم الحاضنة، ثم إعادة النظر في مستحقات النفقة في حالة حل ميثاق الزوجية.
وتتفق مختلف فعاليات الحركة النسوية بالمغرب، على ضرورة تغيير مواد من قانون "مدونة الأسرة" تسيء إلى النساء، وتجعلهن يعشن وضعاً من الهشاشة الاجتماعية سواء داخل مؤسسة الزواج أو بعد الطلاق.
وتدوم هذه المطالب منذ ما يقارب عقدين من الزمن، وترفع المنظمات النسائية مذكرات مطلبية وفق رؤاها الخاصة، تطالب بمراعاة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المجتمع المغربي، والتغيرات التي طرأت على مكانة المرأة داخل المجتمع، حيث أصبحت فاعلة في مختلف المجالات الحيوية.
لكن هذه التطلعات الواقعية والعملية تبقى محل تجاذبات سياسية وإيديولوجية، وهنا يتساءل كثيرون إن كانت النقاشات الحادة التي أعقبت الإعلان ستبقى رهينة مواقع التواصل الاجتماعي بين التيار المحافظ والعلماني، أم أنها ستنزل للشارع، كما حدث عام 2000 بخصوص "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" و"مدونة الأحوال الشخصية" التي انقسم بخصوصها المجتمع وخرجت حركات الإسلام السياسي في مسيرة مليونية كبيرة في مدينة الدار البيضاء للمطالبة بالحفاظ على المكوّن الديني في القانون الأسري المغربي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 ساعاتربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 13 ساعةحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ يومينبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي