يكاد لا يمرّ يوم على إيران دون أن يتضرر سكان مدنها من تلوث الهواء في مختلف أصنافه؛ أزمة باتت قديمة يصل عمرها إلى عقدين من الزمن، وقد تحولت إلى حالة احتجاجية ضد السلطات في بعض الأحيان ، وأبرز ما يعاني منه البلد حالياً هي العواصف الغبارية والترابية التي تعصف بالبلاد شرقاً وغرباً.
جفاف الأنهار والبحيرات والأهوار (المستنقعات المائية)، أخفض منسوب المياه الجوفية، مما تسببت بزيادة التصحر والعواصف الترابية. قبل عام من الآن أعلنت المؤسسات الرسمية الدولية والمحلية جفاف بحيرة أُرومية التي كانت توصف بالجوهرة الفيروزية في شمال غرب إيران، فكل ما تبقى فيها اليوم هو بضعة لترات من المياه ربما ستتبخر في أشدّ قيظ عرفه كوكبنا على مرّ تاريخه. المستقبل واضح كالشمس: ستصبح صحراء قاحلةً، وستذر غبارها في عيون القاطنين في المنطقة مع كل هبّة ريح.
قبل بحيرة أرومية، تم تجفيف عشرات الآلاف من أجزاء هور العظيم على الحدود الإيرانية العراقية في جنوب غرب البلاد، وهو الذي يعد أكبر الأهوار الإيرانية، كل ذلك من أجل إستخراج النفط، وهي خطط قديمة كان وما زال يتم تنفيذها على حساب البيئة عبر عقود، دون محاسبة قضائية.
يطالب الخبراء المعنيون في المجال البيئي الحكومةَ بتكثيف اهتمامها بالموضوع البيئي، خاصة مكافحة التصحر، حفاظاً على مستقبل البلاد وسكانه، بيد أن أسباب العواصف الغبارية والترابية لم تأت كلها من داخل إيران فقط
يتوسع الجفاف في أكثر مناطق إيران، ولم تبقَ منطقة محصنة من خطر هذه الكارثة، فالتصحر سيعمّ إيران لا محالة، وحسب تأكيد رئيس المركز الوطني للجفاف في منظمة الأرصاد الجوية أحمد وظيفة، فإن "المناطق الشمالية من محافظة سيستان وبلوشَستان (جنوب شرق البلاد)، ومحافظة كِرمان (وسط البلاد)، وأجزاء مهمة من المناطق الوسطى في البلاد تواجه تحديات مائيةً، مثلما يواجه كلٌّ من شرق محافظة أصفهان (وسط البلاد)، ومحافظة مركَزي، ومحافظة قُم، خطورةً في ما يتعلق بالجفاف، كما واجهت محافظة خراسان الرضوية (شمال شرق البلاد) في السنوات الأخيرة مشكلات نقص المياه، ونتيجةً لذلك، أصبحت هذه المناطق عرضةً للتحول إلى صحارٍ".
وقال رئيس لجنة البيئة في كرسي اليونسكو للصحة الاجتماعية، الناشط الإيراني محمد درويش: "إن الانخسافات الأرضية هي المرحلة الأخيرة من عملية التصحر، وعادةً حينما تحدث هذه الظاهرة في مكان ما، يشار إلى المكان على أنه أرض محروقة، كونها تستغرق من 50 إلى 70 ألف سنة حتى تصبح مرنةً".
ويعتقد رجل البيئة الإيراني الشهير أن إيران دخلت مرحلة "الفقر المائي"، موضحاً أن الدولة تمتلك سنوياً 105 مليارات من المياه الصالحة للاستخدام، وبينما يتوجب عليها أن تترك 40% منها للطبيعة دعماً لها، تستهلك 97% من المخزون في الزراعة والصناعة والشرب والصرف الصحي.
الأزمة إقليمية وليست محلية
يطالب الخبراء المعنيون في المجال البيئي الحكومةَ بتكثيف اهتمامها بالموضوع البيئي، خاصة مكافحة التصحر، حفاظاً على مستقبل الدولة وسكانها، بيد أن أسباب العواصف الغبارية والترابية لم تأت كلّها من داخل إيران فقط.
أكد رئيس لجنة البيئة في مجمع تشخيص مصلحة النظام محمد مُجابي، أن "أكثر من 70% من العواصف الغبارية في البلاد تأتينا من خارج حدود الدولة. هناك كتلة بمساحة 2 مليون هكتار في العراق وقطعة بمساحة 10 ملايين هكتار في السعودية (صحراء الربع الخالي)، مما يؤثر بشكل خطير على كمية الغبار المتواجد في مدن إيران".
إضافة إلى ذلك يمكن الإشارة إلى آثار صحراء قره قوم أو صحراء الرمال السوداء في آسيا الوسطى التي تغطي 70% من أراضي دولة تركمانستان، في إثارة العواصف الغبارية في شرق إيران.
إنها قضية عابرة للأقاليم بالنسبة لإيران، التي تعد ضمن الدول الخمس الأولى عالمياً في التضرر من العواصف الغبارية، تطالب باهتمام عاجل دولي لهذه الأزمة البيئية في ظل تغييرات مناخية لا مفر منها. أقامت إيران في العام الماضي مؤتمراً إقليمياً بحضور 11 دولة، تحضيراً لمؤتمر دولي أقيم في التاسع والعاشر من أيلول/سبتمبر الجاري، حضرته وفود أخصائية ومعنية بالوضع من خمسين دولة وممثلين عن 15 وكالة دولية.
جاء مؤتمر طهران لمكافحة العواصف الغبارية والترابية الدولي، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، وذلك لبحث سبل التعاون لإبطاء وتيرة العواصف الرملية على الصعيد العالمي.
وعلى هامش المؤتمر صرح سكرتير اللجنة الإيرانية لمكافحة للغبار، علي طَهْماسِبي، أن "لدينا خطط عملية للتخفيف من حدة العواصف الغبارية، تم طرحها في المؤتمر وسوف نستمر بمتابعتها من الدول المشاركة إلى أن نحولها إلى قانون عبر منظمة الأمم المتحدة، يستوجب تنفيذه في جميع الدول".
مركز إقليمي وصندوق مالي خاص بالغبار
يسعى مؤتمر طهران لتأسيس مرحلة جديدة من التعاون المشترك لمكافحة التصحر عبر إنشاء مركز إقليمي لغرب آسيا وآسيا الوسطى يهتم بقضايا البيئة، وصندوق مالي لتنفيذ المشاريع التي يمكن أن تقلل من آثار العواصف الترابية وتداعياتها على دول الأعضاء. لم يتم الإعلان على قبول المقترحات في المؤتمر، لكن الإيرانيين يقولون إنهم سيتابعون الأمر حتى حصول النتيجة المرضية.
أممياً قال أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمته المتلفزة: "لقد اقترحت ميثاقاً للتضامن المناخي، يبذل بموجبه كل المنتجين الرئيسيين للغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، المزيدَ من الجهد للحد من الانبعاثات. ولا بد من أن تدعم البلدان الأكثر ثراءً الاقتصاداتِ الناشئة لتحقيق هذا الهدف. بالإضافة إلى ذلك، اقترحت خطة 'أجندة التسريع' لبذل المزيد من الجهود بما يتماشى مع هذه التدابير".
وبدا غوتيريش بشرح أهمية مكافحة الأزمة: "العواصف الترابية أثرت على 330 مليون شخص في العالم"، ثم طالب المجتمعين في طهران أن يستغلوا تلك الفرصة لاستخدامها في بناء الشراكات وزيادة التعاون والالتزام بالإجراءات العملية.
أصاب الاتهام نحو الغرب
أما الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، فقد وجه أصابع الاتهام إلى الدول النامية، حيث أنها لا تهتم إلا بتطوراتها الصناعية وإنتاج المعدات العسكرية، واعتبر ذلك "ظلماً في حق الإنسانية والبيئة".
"على دعاة حماية البيئة وجميع الحكومات الإقليمية وغير الإقليمية والمنظمات الدولية أن يعتبروا أنفسهم ملزمين باكتشاف قوانين الطبيعة واحترامها"، قال رئيسي.
لم تمضِ كلمة الرئيس دون ردود أفعال من قبل الناشطين البيئين، فقد نشر رئيس مؤسسة المياه والبيئة والصحة في جامعة الأمم المتحدة، العالم الإيراني كاوَه مدني، مقطع فيديو من إبراهيم رئيسي يقول فيه: "نعم للتنمية، وكلّا لتعرض البيئة للخطر"، فأرفق مدني تغريدته بعلامة استغراب، تلميحاً منه على أن حكومته لم تهتم بالقضايا البيئية، كما أن الناشطين يتهمونها بذلك.
وناقش المختصون في علم التصحر تداعيات الأزمة على مدار يومين متتاليين، كما عُقدت الوفود اجتماعات ثنائية على هامش المؤتمر لمناقشة التعاون البيئي بينها.
استعدادات السعودية وتركيا واليابان
جاء الوفد السعودي برئاسة الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد في السعودية، أيمن بن سالم غلام، ومستشار وزارة البيئة أبو مشاري وخبراء آخرون، وقد أكد الوفد أن المشاركة في المؤتمر، هي مساهمة علمية ولا توجد هناك اتفاقيات تعاون مع طهران حول صحراء الربع الخالي، كما لم يستبعد أي مساهمات ثنائية بين الجانبين في المستقبل بعد تحسن العلاقات بين الرياض وطهران.
جاء مؤتمر طهران لمكافحة العواصف الغبارية والترابية الدولي، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، وذلك لبحث سبل التعاون لإبطاء وتيرة العواصف الرملية على الصعيد العالمي
وأوضح بن سالم غلام في كلمته أمام الحاضرين: "اتخذت المملكة العربية السعودية خطوات لمعالجة تغير المناخ من خلال المبادرات البيئية مثل المبادرة السعودية الخضراء. كما نساعد في الحد من التحديات الدولية في مجال البيئة".
أما الوفد التركي الذي ترأسه مدير عام دائرة التصحر في وزارة البيئة والتخطيط العمراني، نوريتين تاش، فقال: "نحن هنا لنعرض مقترحاتنا من أجل مكافحة التصحر ونتبادل الآراء حول هذه الأزمة العالمية. كما أننا جاهزون لتقديم خبراتنا في مجال التنكولوجيا إلى الجانب الإيراني".
بدورها اليابان، صاحبة الخبرات العلمية والتكنولوجيا الحديثة في مكافحة التصحر والعواصف الترابية، أكدت على لسان سفيرها لدى طهران إيكاوا كازوتوشي، أنها مستعدة لتكثيف التعاون الثنائي مع طهران في هذا المجال، وأثنت على ضرورة المساهمات الدولية في القضايا البيئية.
ومن جانبه صرح رئيس هيئة حماية البيئة الإيراني علي سلاجقة أن هناك أربعة مصادر للغبار في العراق، تؤثر مباشرة على الأجواء الإيرانية، ومن هذا المنطلق نولي اهتماماً كبيراً لتخفيف حدة العواصف الغبارية في العراق.
"بعد استشارات مع الجانب العراقي، توصلنا إلى نتيجة مفادها أنه ينبغي البدء في إجراءات تنفيذية في أربع محافظات عراقية على أساس تجريبي كي نحد من وتيرة العواصف هناك"، حسب قوله.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون