شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أنا محمد درويش، هكذا أسير نحو مدينتي الفاضلة

أنا محمد درويش، هكذا أسير نحو مدينتي الفاضلة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 30 يوليو 202301:05 م

أشهر الناشطين البيئيين شعبيةً لدى الأوساط الإيرانية، هو الرجل الخمسيني، مهندس مستجمعات المياه ورئيس لجنة البيئة في كرسي اليونسكو للصحة الاجتماعية، والخبير المتقاعد في معهد بحوث الغابات والمراعي الإيرانية، محمد درويش.

سبب شهرته، خبرته في تقديم القضايا البيئية المعقدة وغير المرئية بلغة بسيطة وفعالة وجذابة تجذب إليه الجمهور العام، فضلاً عما قام به من نشاط عملي وملموس في سبيل حماية الطبيعة.

ساهم درويش خلال 3 عقود من النشاط التطوعي في أمور بيئية منها: دعم مدارس البيئة الأهلية، توعية المجتمع تجاه الحيوانات المهددة بالانقراض، نشر ثقافة ركوب الدراجات الهوائية، تحذير الدولة من مخاطر الانخسافات الأرضية، وحثّ السينمائيين على صناعة أفلام وثائقية حول البيئة، حتى أصبح سفير الهواء النقي وسفير ترويج ثقافة ركوب الدراجات.

يقرأ كثيراً ويسافر كثيراً، إذ تأتي أسفاره حول البلاد لتوعية السكان المحليين بأهمية حماية الطبيعة، وتفقّد مشاريع ناشطي البيئة المحلية، وتحفيز شرائح المجتمع على ضرورة أن يصبحوا أصدقاء للبيئة.

 "يحاول محمد درويش رفع مكانة البيئة في أولويات الدولة الإستراتيجية، كي تنال موقعاً مناسباً فيها، وفي الخطوة التالية سيثبت أن النظام البيئي، أي تلك الأراضي الرملية والمستنقعات الصحراوية والصحاري اللاذعة، يمكنها أن تكون أكبر احتياطي للعملات الصعبة، ثباتاً وثراءً للإيرانيين"

يتابع حساباته عشرات الآلاف على منصات فيسبوك وإنستغرام وتويتر وتلغرام. لم يقتصر نشاطه الاجتماعي على زمن ظهور شبكات السوشال ميديا التي يستغلها لأهداف سامية، بل كان ناشطاً في عصر المدوّنات، وله مدوّنة باسم "مكافحة التصحر"، ساهم من خلالها في نشر الوعي بين أوساط الشباب المتعلمين والنخب الإيرانية آنذاك، حتى مُنح لقب صاحب أول مدوّنة بيئية حول العالم من اجتماع ألمانيا للإعلام وقتذاك.

وقد كتب في مستهل مدوّنته سابقاً: "يحاول محمد درويش رفع مكانة البيئة في أولويات الدولة الإستراتيجية، كي تنال موقعاً مناسباً فيها، وفي الخطوة التالية سيثبت أن النظام البيئي، أي تلك الأراضي الرملية والمستنقعات الصحراوية والصحاري اللاذعة، يمكنها أن تكون أكبر احتياطي للعملات الصعبة، ثباتاً وثراءً للإيرانيين".


شخصيته الاجتماعية منحته مكانة لكسب ثقة الآخرين لدعم حراسة البيئة، فقاد حملة جمع التبرعات لشراء 30 دراجةً هوائيةً لإنشاء أول وحدة شعبية لحماية غابات سردشت غرب البلاد، ثم ساهم في حملة أخرى لشراء "ساق صناعية ذكية" لحارس من حراس البيئة، خسر رجله في أثناء مهامه، ونجح في محاولة إنقاذ ابن أحد حراس البيئة من خطر عقوبة الإعدام عبر كسب رضا والدَي القتيل، وابتاع كرسيّاً كهربائياً متحركاً لحارس آخر من حراس البيئة، قُطع نخاعه الشوكي خلال تأديته واجبه.

وعلى صعيد العاصمة، ساند حملة "الثلاثاء، دون سيارة"، دعماً للتحرك والرياضة وللحد من زحمة المرور. كما ساهم في ترويج حملة "السبت، دون نفايات"، ودعم حملات أخرى لإحياء الغابات والأهوار، وكذلك نشر ثقافة القراءة، فهو باحث أول في اختصاصه الذي نال فيه لقب رجل البيئة الإيراني.

أزمة المياه وحلولها

وبما أنه محاضر بارع وخطيب سلس الحديث، فجلّ اهتمامه ينصبّ على التعليم ودور المدرسة في زيادة الوعي: "الوعي أولى من السياسات التقييدية لتعزيز الاستدامة والتنمية. تعوّد الناس على حياة اقتصادية متكئة على استهلاك المياه، ولا بد من زيادة وعيهم حول مخاطر ذلك النمط على البيئة"؛ حسب قوله.

شرح درويش في أحد لقاءاته الصحافية رؤيته التي تنص على التعليم والتوعية للابتعاد عن سبل العيش القائمة على الماء: "نحن نتوقع الكثير من المياه كي تنتج لنا الأموال. نحن نبيع الماء لنكسب النقود، وهذا كمن يبيع الدم من أجل الثراء. الماء بضاعة بيئية وليست اقتصاديةً".


يعتقد رجل البيئة أن إيران دخلت مرحلة "الفقر المائي"، موضحاً أن الدولة تمتلك سنوياً 105 مليارات من المياه الصالحة للاستخدام، وبينما يتوجب عليها أن تترك 40% منها للطبيعة دعماً لها، تستهلك 97% من المخزون في الزراعة والصناعة والشرب والصرف الصحي.

لم يتوانَ درويش عن نقد سوء إدارة البلد وسياسات الحكومة التدميرية تجاه البيئة، فأزمة المياه والجفاف الحاصلة في إيران ليست سوى نتاج سوء التدبير حسب معتقده، لكن نقده اللاذع لم يُدمج مع اليأس أبداً، إذ يملأه الأمل بحاضر البلاد ومستقبلها.

لا تأتي انتقاداته دون حلول، ولا حلول عشوائية غير علمية، لذا عمل لسنوات في مركز دراسات مكتب رئاسة الجمهورية، حتى قدّم مشاريع ومقترحات عدة للحكومة في اختصاصه، وساهم في منح الترخيص للكثير من المؤسسات الأهلية الداعمة للبيئة في عموم البلاد.

ومع تأكيده على ترك سبل العيش القائمة على الماء، كأنواع الزراعة المكلفة مائياً، أكد على تنمية سبل عيش أخرى للسكان، كالمساهمة في السياحة الطبيعية والسياحة العلاجية وتوليد الطاقة الشمسية والرياحية، والصناعات اليدوية وغيرها.

مدينة العصافير

"المدينة التي يُسمع فيها صوت العصافير، تفيد بأن الضوضاء فيها قليلة، وتلوثها البيئي منخفض، وسكانها يستخدمون الوسائل العامة في التنقل، وأهلها يحبون الحيوانات والنباتات، ومن هم على هذا المنوال لديهم الشعور البيئي، ويقدّرون قيمة بعضهم البعض"؛ هكذا وصف درويش مدينته الفاضلة.

"لا بد من تربية مجتمع يحترم البيئة، والمجتمع الذي يحترم البيئة، يسوده الاحترام في كل المجالات".

لم يسلم نشاطه ورفاقه من انتقادات توجه إليهم من عامة الناس، والسياسيين الشعبويين، فوسط مجتمع يسوده غلاء المعيشة والحرمان والظلم والصراعات اليومية من أجل حياة دون تدخل أو فرض حكومي، يسعى هؤلاء الناشطون إلى حماية نبتة صغيرة أو شجرة واحدة أو حيوان مهدد بالانقراض أو مخزون المياه الجوفية!

يأتي الرد ليركز على أن حماية البيئة حماية للحياة، فحينما يشكّل إيذاء الحيوانات مثل القطط والكلاب، جزءاً من لعبة الأطفال، حيث يدمرون البيئة من أجل المتعة، ليس مستبعداً أن هؤلاء الأطفال سيختارون أنشطةً خطرةً عند بلوغ سن الرشد، ربما يشكلون معها تهديداً للمجتمع.

"لا بد من تربية مجتمع يحترم البيئة، والمجتمع الذي يحترم البيئة، يسوده الاحترام في كل المجالات. وإن ذبح القضايا البيئية بحجة معالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يعني أن تلك القضايا ستصبح أكثر حدةً في المستقبل القريب"، كما يشرح محمد درويش.

ما هي سمات الناشط البيئي؟

الأمل دافعه الأول في السعي إلى التغيير والوعي، وقد نجح حسب استطاعته، كما وصفته أوساط النخبة الإيرانية في "أمسية محمد درويش" التي أقامها بيت المفكرين للعلوم الإنسانية عام 2019، تكريماً لثلاثة عقود من النشاط والبحث العلمي والدراسات والكتب في مجال البيئة والموارد الطبيعية وإدارة المياه في إيران.

لم يتوانَ درويش عن نقد سوء إدارة البلد وسياسات الحكومة التدميرية تجاه البيئة، فأزمة المياه والجفاف الحاصلة في إيران ليست سوى نتاج سوء التدبير حسب معتقده، لكن نقده اللاذع لم يُدمج مع اليأس أبداً، إذ يملأه الأمل بحاضر البلاد ومستقبلها

حدد الرجل سماتٍ للناشطين البيئيين الحقيقيين، نذكرها في ما يلي:

"أ- الناشط البيئي لا يتذمر ولا يشكو ولا يوجّه التهم إلى أحد.

ب. عارف بمسؤوليته الكبيرة وجدير بها.

ت. يطالب المجتمع لكنه ليس دائناً، بل هو مدين له ولأرضه.

ث. متسامح ومتفائل ومبتسم ومحب لأبناء وطنه، كي يحبوا سلوكه ويؤثر فيهم.

ج. يقرأ كثيراً ويزرع الأمل والطاقة في نفوس الناس، حتى يصغي إليه الجميع.

ح. يعرف آثار كبار مجال البيئة وأعمالهم، ويحاول أن يضيف شيئاً إليها".

وصفه الصحافي الإيراني صدرا محقق، في صحيفة "شرق"، بعد تلك الأمسية، قائلاً: "سمة درويش هي إصراره، وأنه لم يعرف الملل والكلل طوال تلك السنوات كلها؛ منذ فترة المدوّنات وحتى اليوم، حيث عصر الإنستغرام... لطالما كان لدى درويش العديد من الأفكار والنقد والنصائح، وهو منشغل بالكتابة أو بلقاءاته الصحافية أو يسافر من أجل الطبيعة والبيئة. وجاءت أمسية محمد درويش كما المتوقع: قاعة مليئة بهواة الطبيعة وأصدقاء البيئة، وهذا من نتائج جهده هو بالذات، لما قال وكتب خلال كل تلك السنوات عن البيئة حتى جذب انتباه الناس إلى هذا الجانب". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image