شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
إيران تنخسف... انهيار أرضي متواصل بمقدار 90 ضعف متوسط البلدان المتقدمة

إيران تنخسف... انهيار أرضي متواصل بمقدار 90 ضعف متوسط البلدان المتقدمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ

الثلاثاء 30 مايو 202304:33 م

لم يعد باب المبنى الذي أسكنه يفتح بسهولة، إنه يحتاج إلى الكثير من الجهد في كلا العمليتين؛ الفتح والغلق، حدث ذلك بعد الانخساف الأرضي الذي تسبب في هبوط المبنى نحو سنتيمتر واحد. هذا هو الحال في مدينة مشهد شمال شرق إيران التي أسكنها، وهي أولى مدن البلاد في التعرض للانخساف.

"الانخساف (Subsidence)‏، هو انهيار مفاجئ أو نزول تدريجي لسطح الأرض مع تحرك أفقي ضعيف أو منعدم. كثيراً ما يُسبب الانخساف مشكلات في التضاريس الكارستية حيث يؤدي تفكك الحجر الجيري بسبب تدفق السوائل إلى خَلْق مسافات وثقوب من شأنها أن تُكوّن هيكلاً ضعيفاً وتؤدي إلى الانخساف في ما بعد"؛ هكذا وصفت الموسوعة الحرة ويكيبيديا هذه الظاهرة.


تُعدّ إيران من ضمن الدول الأكثر عرضةً للانخساف، وقد بلغ مقدار هبوط الأرض فيها 90 ضعف متوسط الدول المتقدمة. ويواجه 400 سهل من أصل السهول الـ600 في البلاد، أزمة الانخساف بشكل جدي، وقد وصل بعضها إلى مرحلة إيجاد البالوعات أو الانهيار الأرضي العميق.

تُعدّ إيران من ضمن الدول الأكثر عرضةً للانخساف، وقد بلغ مقدار هبوط الأرض فيها 90 ضعف متوسط الدول المتقدمة

وصرح مدير إدارة الزلازل والمخاطر في وزارة الطرق علي بيت اللهي، بأنه "وفقاً لآخر الدراسات، يعيش نحو 40 مليون شخص، أي ما يعادل 49% من سكان البلاد، في نطاق الانخسافات الأرضية". وجاء في الدراسات الميدانية التي أشار إليها: "مساحة الأراضي التي تواجه خطر الانخساف، وصلت إلى 158 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 10% من مساحة البلاد".

وأكد بيت اللهي على أن 380 مدينةً من أصل ألف و440 مدينةً إيرانيةً، تشهد انهيارات أرضيةً، كما تشهد العاصمة طهران، أوضاعاً خطيرة.

استغلال المياه الجوفية

من الأسباب الرئيسية في هذا الأمر، انخفاض منسوب المياه الجوفية، حيث ينخفض سنوياً مستوى المياه الجوفية نحو نصف متر في المتوسط، وحسب تقارير مؤسسة الحفاظ على البيئة فإن إيران تستخدم ثلاثة أضعاف المعدل العالمي من المياه.

وتلحق العملية العشوائية في استخراج المياه الجوفية، أضراراً جسيمةً لا يمكن إصلاحها في الهياكل والمرافق الحضرية وخطوط نقل الطاقة والمباني والمعالم التاريخية والثقافية.

ويأتي تدمير السهول الخصبة وتدمير الأراضي الصالحة للزراعة، كأبرز حصيلة للانخساف حيث تسبب حتى الآن في جفاف نحو 300 من أصل 600 سهل إيراني، فعندما تنخسف الأرض، تصبح التربة كثيفةً وجافةً وتتلاشى مغذيات التربة، وتالياً تصبح السهول، صحراء غير صالحة للزراعة.

وفي سهل شيراز جنوب البلاد، تتعرض المدينة الأثرية الملكية بَاساركَاد (Pasargad)، لخطورة الانخساف في المستقبل القريب حسب الخبراء، وهو بمثابة الإنذار النهائي حول مصير المعالم الأثرية التي يعود قدمها إلى ما يقارب 3 آلاف سنة في البلاد.

وينتج الانهيار الأرضي تلوث الطقس، حيث تعاني مدينة شَهر كُرد، من التصحر وتدفق الغبار الناعم وتلوث الهواء، أما في إقليم أذربيجان شمال غرب البلاد، فأثّر الانخساف على شدة ملوحة التربة والمياه وكذلك التصحر.

مطارات وأبراج الكهرباء وأنابيب الغاز

وكان الانخساف في سهل وَرامین، جنوب شرق العاصمة طهران، قد أثّر على استقرار أبراج نقل الكهرباء، كما تتعرض أنابيب نقل المياه والغاز والبترول إلى المشكلة نفسها.

ودعت وزارة الطرق وإعمار المدن الإيرانية، إلى وضع حدود للمطارات بغية الحد من استخراج المياه الجوفية القريبة منها كي يتم تأجيل ظاهرة الانهيارات التي يمكن أن تؤثر على سلامة المسارات الجوية وسكك الحديد.

وأدت الانخسافات المتتالية إلى تعرض خطوط السكك الحديدية للخطر، ويعاني خط سكة حديد بين مدينتي إصفهان وشيراز إلى مشكلة أساسية، حيث يمكن أن ينحرف عن مساره في المستقبل القادم.

ما هو الحل؟

يرى رئيس مركز الأبحاث في وزارة الطرق الإيرانية محمد شكرجي زادة، أن حل المشلكة بشكل أساسي أو العمل على إبطاء ظاهرة الانخساف، يكمن في تغيير الأساليب الزراعية وتقليل نسبة استخراج المياه الجوفية.

وتم إطلاق تحذير عام خلال السنوات الأخيرة، إذ قام الأخصائيون بالإعلان عن المشكلة البيئية التي تواجهها الدولة في القريب العاجل، بيد أن المعنيين لا يعيرون اهتماماً عملياً لمواجهتها، ولا المواطن يهتم بسلامة بيئته التي يمكن أن تقضي على سلامته.

واقترح الباحثون طرق ريّ جديدةً في الزراعة التي تستهلك نحو 90 في المئة من موارد المياه، وأكدوا أن وزارة الزراعة لا بد أن تتابع الأمر عاجلاً، بيد أن الوزارة تقول إن الضغوط على المزارعين في ظل أزمة اقتصادية خانقة يمكن أن تنتج مشكلات اجتماعيةً.

وتشير الإحصاءات إلى أن القطاع الزراعي الذي لا يشغل سوى 12% من المساحة الجغرافية في البلاد، يستهلك نحو 90% من المياه، بينما تشكل الزراعة 10% من الناتج القومي الإجمالي للبلاد.

تُعدّ الزراعة المروية الطريقةَ السائدة للزراعة في إيران، وهي طريقة متهالكة، إذ تؤدي إلى انخفاض حاد في الإنتاجية في الري، لذلك لم تكن الكفاءة الاقتصادية في استهلاك المياه عاليةً. كما أن أنماط الزراعة لا تتوافق مع ظروف توافر المياه في العديد من المناطق.

وصرح الباحث في شأن المياه حسين رفيع، بأنه لا يوجد أي تخطيط لحل مشكلة إهدار المياه: "يبدو أنه إذا وضعت وزارة الطاقة وشركة المياه تغيير وإصلاح شبكة نقل المياه في المدن وطرق الري على جدول أعمالها بدلاً من بناء السدود، فسيكون لذلك تأثير كبير على منع إهدار المياه والحفاظ على موارد المياه في البلاد".

لا تمتلك البلاد أي قواعد معمول بها في سبيل السيطرة على الانهيارات الأرضية، في حين أن وضع قواعد وقوانين صارمة مثل قواعد بناء المباني والمجمعات السكنية أمر ضروري في الوقت الراهن.

أرض محروقة

وقال الناشط البيئي محمد درويش، "إن الانخسافات الأرضية هي المرحلة الأخيرة من عملية التصحر، وعادةً حينما تحدث هذه الظاهرة في مكان ما، يشار إلى المكان على أنه أرض محروقة، كونها تستغرق من 50 إلى 70 ألف سنة حتى تصبح مرنةً، ولهذا السبب فإن الحكومات والسلطات والأمم المتحدة حساسة تجاه ظاهرة الانخساف الأرضي وتحاول بالأدوات الموجودة بين أيديها أن تحول دون وصول المناطق إلى هذه المرحلة".

لا تمتلك البلاد أي قواعد معمول بها في سبيل السيطرة على الانهيارات الأرضية، في حين أن وضع قواعد وقوانين صارمة مثل قواعد بناء المباني والمجمعات السكنية أمر ضروري في الوقت الراهن

وأردف الناشط البيئي: "من هذا المنطلق أعلنت الأمم المتحدة أن معدل الانخساف الأرضي يبلغ أربعة ملليمترات في السنة، واقترحت في الوقت نفسه، أنه إذا تجاوزت هذه الظاهرة ما قدره أربعة مليمترات، يجب إنشاء مقر لمواجهة الأزمات برئاسة أعلى سلطة تنفيذية في البلاد كي تحاول إيجاد حلول لهذه المشكلة بسرعة".

يوصف الانخساف بـ"القنبلة الموقوتة الصامتة" التي يمكنها أن تحدث البالوعات في وسط المدن وتدمر الهياكل والمباني، وتقلل من مقاومتها للزلازل.

وعلى عكس الزلازل، يمكن التحكم في الانهيار الأرضي من خلال التدابير المخطط لها. وقد استطاعت اليابان تقليل معدل الانخساف السنوي من 11 سم إلى صفر، خلال 15 عاماً من التخطيط والعمل. وهناك تجربة ناجحة لأمريكا في سهول كاليفورنيا، حيث تم التحكم بحدة الانهيارات الأرضية.

يمكن أن تكون هذه الخبرات الدولية مصدراً لدول الشرق الأوسط، كي تنقذ بيئتها من أزمة الانخسافات وظهور البالوعات في المدن وتآكل التربة في السهول والحد من التصحر. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image