عندما نقرأ أو نسمع عبارة "السجاد الفارسي" أو "السجاد الإيراني" أو "العجمي"، تتبادر إلى أذهاننا تلقائياً صور الأزهار والبساتين والقصور الملكية الجميلة المزينة أرضياتها بهذا السجاد، فهذا الفن البديع الإيراني، لطالما اعتبر من أرقى القطع الأثرية التي تتواجد في أكبر القصور في أنحاء العالم وحتى في البيوت البسيطة لأصغر القرى الإيرانية.
للسجاد الفارسي أشكال وتصاميم وأساليب عديدة، حيث تختلف أساليب تصميمه وحياكته من منطقة إلى أخرى، أو من حائك/ إلى آخر/أخرى، فعلى سبيل المثال: السجاد الكاشاني (مدينة في وسط إيران) يختلف تماماً عن السجاد المشهدي (مدينة في شمال شرق إيران)، فثقافة وذوق الناس في كل منطقة يؤثران مباشرة على الشكل النهائي لهذه التحف الفنية.
وإذا عمقنا النظر بالسجاد الفارسي، وتمعنّا في تفاصيله، سنجد اختلافاً كبيراً بين كل سجادة وغيرها، فمن الممكن أنها حيكت في نفس المنطقة وحتى على يد الفنان/ة ذاته/ا، لكننا سنجد بالتأكيد اختلافاً في التفاصيل، وهذا هو ما يميز السجاد الإيراني عن غيره في جميع أنحاء العالم.
تاريخ طويل مليئ بالجمال
لهذا الفن البديع الإيراني تاريخ طويل ومعروف في جميع أنحاء العالم، فتظهر الأدلة التاريخية أن استخدام السجاد كان شائعاً منذ العصر الأخميني. يكتب عالم الآثار الأوروبي كينيث كروشا عن هذا: "في التاريخ القديم لإيران، تظهر الشواهد أن هناك فترة أضرم فيها جيش إسكندر المقدوني النارَ في برسبوليس (تخت جمشيد)، وأحرق فيها السجاد الأخميني الفاخر والرائع". کما ذكر المستكشف الروسي سيرغي رودينكو: "نشر الإسكندر سجاداً إيرانياً منسوجاً بجودة ولكنه سميك أمام عرشه الملكي".
كثيرة من قصور العالم تستخدم السجاد الإيراني للتزيين، فقصر باكنغهام والبيت الأبيض ومجموعة القصور في طهران وقصور أخرى في شتى أرجاء العالم، تستخدمه كقطع أثرية وعتيقة
ونجد في النصوص القديمة، للمؤرخين اليونانيين أنهم أوردوا في كتبهم أن الإيرانيين ينشرون السجاد تحت أسرّتهم لجعلها ناعمة، وتأتي في الوثائق الصينية وتحديداً في التقويم الصيني، أن الصين استوردت في العصر "الساساني" سجادة صوفية من إيران.
بازيريك أعتق سجادة في العالم
سجادة "بازيريك" تثبت صحة هذه الأقاويل، فهذه السجادة التي تم اكتشافها من قبل سيرغي رودينكو، في قبر مجمد لأحد حكام السكيثيين في عام 1949، في "وادي بازيريك" بروسيا، وسميت كذلك بسبب مكان اكتشافها، مزينة بإطار زهري وصور لفرسان وغزلان ترعى وحيوانات أسطورية برأس نسر وجسم أسد، حيث لاحظ مكتشف هذه السجادة بعد فحص هيكلها ونقوشها، التشابهَ الكبير بينها وبين نقوش برسيبوليس، على الرغم من أن معظم الباحثين يعتبرون هذه السجادة تنتمي إلى فترة البارثيين أو الميديين، إلا أنه لا تزال هناك نظريات مختلفة حول العمر الفعلي لهذه السجادة. تعرض سجادة بازيريكر حالياً في متحف "هيرميتاج" في مدينة سان بطرسبورغ.
حتى الملوك يفتخرون بها
ولا يستخدم السجاد الإيراني لمجرد غرض تغطية الأرض والبلاطات، إذ أنه يصنف منذ القدم مع السلع الثمينة والأثرية العتيقة منها والجديدة، ويفتخر بها كل من يغتنمها كونه يمتلك عمل من أجمل الأعمال الفنية التراثية.
كثيرة من قصور العالم تستخدم السجاد الإيراني للتزيين، فقصر باكنغهام والبيت الأبيض ومجموعة القصور في طهران وقصور أخرى في شتى أرجاء العالم، تستخدمه كقطع أثرية وعتيقة، ترفع من مستوى هذه الأماكن.
إلى جانب القصور نجد السجاد الفارسي موزعاُ في مختلف متاحف العالم، مثل متحفَي ميونيخ وبرلين (ألمانيا) ومتاحف بوسطن ومتروبوليتان والمنسوجات (الولايات المتحدة الأمريكية) ومتحف بولدي بيزولي (إيطاليا) ومتحف جوبيلين (فرنسا) ومتحف فيكتوريا وألبرت (إنجلترا)، ومتاحف عديدة أخرى في أرجاء العالم.
السجاد الفارسي عالم بلا حدود
مثلما أبدع الرسام فان جوخ بأسلوبه الانطباعي، وأبهر بابلو بيكاسو العالم بلوحاته التكعيبية، وفنانون تشكيليون آخرون نالت لوحاتهم الشهيرة إعجاباً واسعاً، فالسجاد الإيراني يلمع بذات التميز والإبهار، حيث أن نقوشه وحياكته، فن لا يعرف أحد أسراره سوى النساجين/ات الإيرانيين/ات.
ولهذا السجاد أساليب مبهرة ومتنوعة في التصاميم والنقوش، منها: القديمة والإسلامية والشاه عباسية والأرابيسكية والاقتباسية والأفشانية والتركمانية والمشجّرة والطوبية والسمكية والهندسية والمحرابية والتلفيقية والعشائرية، وتصاميم أخرى كثيرة يصعب عدّها في مقال واحد.
على سبيل المثال في التصميم المشجّر "على الرغم من أن الأغصان والأوراق تشكل أساس نقوشه، إلا أن تشكل الأشجار والشجيرات الصغيرة والكبيرة، هي النقوش الرئيسية لهذا السجاد الفاخر".
وفي التصميم الهندسي، لا تنقش فيه أي شجرة أو زهرة أو حيواناً، وهو ما اعتدنا عليه في السجاد الإيراني، فالسجادة الهندسية "تتكون جميع نقوشها من أشكال وخطوط هندسية" ليس إلا، ويعتبر هذا التصميم من أقدم التصاميم للسجاد الفارسي.
كما يتنوع السجاد الإيراني بأشكاله، فتحاك السجادات بعض الأحيان بشكل دائري أو مربع أو مستطيل، أو أي شكل هندسي آخر، نظراً لتصميمها واستخدامها. وكل مدينة يحاك فيها السجاد لها خصائصها في الحياكة؛ فمثلاً إذا تم صنعها في مدينة تبريز (شمال غربي إيران)، ستنسج السجادة بخيوط الحرير والصوف، بنسيج دقيق وصغير جداً ومكثف بسطور كثيرة من الحياكة ذات سمك قصير.
وإذا نظرنا للسجاد الكاشاني (وسط إيران)، سنجده أنه منسوج بسماكة أكثر من السجاد التبريزي، وتقتصر الألوان المستخدمة فيه على ألوان العاج والرمادي والبني، وهكذا تتغير السجادة الإيرانية مع تغيير مكان نسجها.
صادرات السجاد الفارسي
كما ذكرنا، لهذا السجاد تاريخ عريق في الصناعة والتصدير، حيث جاب العالم منذ زمن بعيد، وكسائر السلع في السوق الإيرانية، تتدهور تصديراته بعد أن كان في ذروته، فالمشاكل الاقتصادية داخل إيران بسب العقوبات الأمريكية تحرق الأخضر واليابس ولم ينج أي قطاع منها.
وفقاً للإحصائيات، فإن أكبر تصدير للسجاد الإيراني حصل في عام 1994، حيث سجلت إيران في ذلك العام، رقماً قياسياً بلغ ملياري و 132 مليون دولار من صادرات السجاد المنسوج يدوياً، واستحوذ تصدير السجاد على 44% من إجمالي الصادرات الإيرانية غير النفطية في تلك السنة.
ولكن الفرحة لم تدم طويلاً، فبعد سنة فقط تضاءلت هذه النسبة من الصادرات لتصل إلى ميليار دولار، وفي عام 1996 انخفض هذا العدد من المليار ليصل إلى 657 مليون دولار، وبقيت وتيرة الصادرات في تدهور وانحدار شديد، حتى سقطت في عام 2021، لتصل إلى خمسين مليون دولار فقط.
لهذا التدهور أسباب عديدة، تأتي العقوبات على رأسها، فمن المؤكد أن العقوبات هي أهم دليل في إطفاء بريق هذه الدرر الإيرانية، ولفهم مدى تأثيرها يكفي القول إن في عام 1994 استوردت الولايات المتحدة الأمريكية 25% من إجمالي صادرات إيران للسجاد في ذلك العام.
كسائر السلع في السوق الإيرانية، تتدهور تصديرات السجاد الإيراني بعد أن كان في ذروته، فالمشاكل الاقتصادية داخل إيران بسب العقوبات الأمريكية تحرق الأخضر واليابس ولم ينج أي قطاع منها
والسبب الآخر في هذه المحنة الاقتصادية هو التزييف، المشكلة الكبيرة التي يواجهها جميع مصنعي/ات للسلع في أنحاء العالم، فكما الحال في سائر القطاعات، للسجاد الفارسي نسخ رخيصة وغير أصلية تباع في أنحاء العالم، والبلاد الأكثر تصنيعاً للسجاد المزيف، هي: الصين والهند وباكستان.
وحول هذا الموضوع صرحت رئيسة المركز الوطني للسجاد الإيراني فرحناز رافع أن: "بعد العقوبات، حلت الهند محل إيران في السوق العالمية للسجاد المنسوج يدوياً"، فهنا العقوبات تأتي إلى جانب التزييف وتزيد من جراح هذا القطاع في إيران.
الكنز المدفون لا ثمن له
برغم جميع هذه المشاكل، يتفق الجميع على جمال وروعة السجاد الفارسي، هذا الفن الإيراني العريق الذي يكون بمثابة كنز فني، لكنه بات شبه مدفون اليوم، فالعقوبات والتزييف وأسباب عديدة أخرى، كفيلة بأن تخفي هذا الفن في جميع مجالاته، فلا صناعة اليوم ولا صادرات مزدهرة مثل السابق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع