شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
إلى أي تضامن تحتاج فلسطين في المستقبل؟

إلى أي تضامن تحتاج فلسطين في المستقبل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

السبت 12 أغسطس 202311:12 ص

هذا المقال جزء من ملفّ "على رصيف المستقبل"، بمناسبة عيد ميلاد رصيف22 العاشر.


تنشغل الأنظمة العربية في البحث عن مخرج بوجهٍ حسن، لاتفاقيات التطبيع التي أبرمتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أكثر من انشغالها في تحسين حياة الناس والارتقاء بالمجتمعات العربية والقضاء على الفساد وتحسين التعليم وإفساح المجال أمام الاختلاف والتنوع وسيادة القانون. فالتطبيع بالنسبة لبعض الأنظمة هو المسار الوحيد للتخلص من الصداع الكبير -حسب اعتقادهم- أي القضية الفلسطينية.

وهذه الأنظمة، برغم كل ما تدّعيه من دعم للقضية الفلسطينية ومناصرة قوى "المقاومة" في فلسطين، تعمل عكس التيار بثقل أكبر من خلال سياسات التجهيل الممنهجة عن التضامن العربي وتشبيك العلاقات والبحث في المشتركات، وقضية فلسطين تأخذ نصيباً كبيراً من سياسات التجهيل التي تمارسها الأنظمة على شعوبها، ويلعب الإعلام الممول من بعض الأنظمة العربية على دعم هذه السياسات والرواية.

تنشغل الأنظمة العربية في البحث عن مخرج بوجهٍ حسن، لاتفاقيات التطبيع التي أبرمتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أكثر من انشغالها في تحسين حياة الناس 

لا يمكن أن نتجاهل فشل المؤسسة السياسية الفلسطينية، ومعها كل الفصائل، في إيجاد حلول سياسية للقضية الفلسطينية حتى الآن، وهذا ما تستند إليه الأنظمة العربية في تبرير تطبيعها، أي أن تقول لشعوبها: إن كانت السلطة الفلسطينية والفصائل والأحزاب الفلسطينية غير قادرة على فعل أي شيء للقضية، فماذا نفعل نحن؟ وهذا السؤال في سياقه المباشر يبدو طبيعياً، إلا أن ما هو غير طبيعي هي هذه الحالة من الفشل المتراكم والتي كانت إحدى نتائج سياسات عزل الفلسطيني مع قضيته في دائرة مفرغة من فك الارتباط الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي عن محيطه العربي. العزل والتفسيخ لم يصيبا الفلسطينيين أنفسهم، بل شملا أيضاً العرب الذين يقرأون أخبار فلسطين كأنها أحداث عادية روتينية في جريدة الصباح، بمعنى أن العمل العربي سياسياً وثقافياً واجتماعياً محارَب ويعاني من تهميش حقيقي، خاصةً بعد انعدام الحوار العربي-العربي حول القضية الفلسطينية والقضايا العربية المشتركة، فتكاد لا تسمع بأن هناك مؤتمراً عربياً يناقش قضايا التحرر من الاستعمار، والتحرر من السيطرة الدينية والديكتاتورية. ينسحب ذلك أيضاً على مستوى الإنتاج السياسي والثقافي والفكري العربي المشترك.

كأن الأنظمة العربية تقول لشعوبها: إن كانت السلطة الفلسطينية والفصائل والأحزاب الفلسطينية غير قادرة على فعل أي شيء للقضية، فماذا نفعل نحن؟

سياسات العزل التي تمت، جعلت العربي منشغلاً في قضاياه اليومية، وكأن قضية فلسطين ليست جزءاً من الهم العربي اليومي، وهذه الفكرة على قساوتها باتت اليوم واقعاً لا يمكن التغافل عنه، حيث أن الناس في العالم العربي يتضامنون مع القضية الفلسطينية وفقاً للحدث؛ كحدث الحرب، حدث الحصار، حدث الفقر، حدث الاقتحام، وحدث الموت، بمعزل عن القضية الأساسية ودوافع التحرر من الاحتلال وممارسة الضغط الشعبي المنظم والعمل المؤسسي السياسي والثقافي والفكري والتشجيع على المقاطعة ونشر الوعي بالقضية العربية الفلسطينية، عدا عن أن الكثير من المؤسسات العربية الحالية التي تشتغل في السياسة والإعلام تأخذ صراحةً مواقف معاديةً وإن كانت بشكل غير مباشر لحقّ الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، باعتبار أن هذا الحق يعطّل المصالح العربية في التطبيع مع إسرائيل وإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في المجتمعات العربية.

حين يقرأ المرء المشهد العربي اليوم، وما آلت إليه الظروف بعد الربيع العربي والخيبة الكبرى والموت السريري لفكرة الديمقراطية وصعود الديكتاتورية باعتبارها سبيلاً "للمقاومة"، لا يجد سبيلاً وبصيص أمل في وجود تفكير عربي مشترك حول القضايا المشتركة مستقبلاً. هذا المستقبل الذي رسمته الديكتاتورية والأنظمة البوليسية في الوعي العربي العام، والذي نحّى جانباً القضية الفلسطينية عن النقاش اليومي، لا يبدو مستقبلاً مبشراً في حالة التضامن العربي مع القضية الفلسطينية، ليس فقط ذلك التضامن المبني على الحدث، أي التضامن مع غزة خلال أيام العدوان الخمسة مثلاً، أو رسائل التعزية إلى أم شهيد نشرت وسيلة إعلامية فيديو لها وهي تبكي ابنها على فيسبوك، ولا حتى بعض المقالات اليتيمة في صحف عربية لا يقرأها أحد، ولا ذلك الدعم المتطرف الراديكالي من بعض أتباع الأنظمة الديكتاتورية لحلفائهم في فلسطين الذين يشتركون معهم في القمع.

الحاضر الذي نرى فيه انسحاباً لأصحاب الرأي والكلمة والفكر والمعرفة من منصة التنظير للقضية الفلسطينية، لتحل محلهم مجموعة من أصحاب المعارف المشوهة والمنحازة دينياً وأيديولوجياً وسياسياً، يجعلنا نفكر كثيراً في حالة التضامن التي سيكون عليها العرب مستقبلاً

التضامن المبني على المعرفة الحقيقية الكاملة بالقضية بات مفقوداً إلا في بعض الأروقة الأكاديمية النخبوية، والتي للأسف بسبب ضعف العمل الأكاديمي العربي لا تصل إلى البنى الاجتماعية، ولذلك لا تتفاعل الشعوب مع إنتاج الجامعات العربية من أبحاث ودراسات ومقالات بالطريقة المثلى.

الحاضر الذي نرى فيه انسحاباً لأصحاب الرأي والكلمة والفكر والمعرفة من منصة التنظير للقضية الفلسطينية، لتحل محلهم مجموعة من أصحاب المعارف المشوهة والمنحازة دينياً وأيديولوجياً وسياسياً، يجعلنا نفكر كثيراً في حالة التضامن التي سيكون عليها العرب مستقبلاً. الحاضر الذي نرى فيه جهلاً واضحاً بالقضية الفلسطينية وتاريخها وتاريخ شعبها وحضارته وحجم تضحياته وحياته اليومية وتناقضات المجتمع فيه وحالة التخبط السياسي داخل نظامه، يجعلنا نفكر كثيراً في مستقبل العمل العربي السياسي تجاه فلسطين، ومعها.

ما نحتاج إليه اليوم كفلسطينيين وكعرب، هي إعادة الاعتبار للتفكير الجماعي والعمل السياسي المشترك المبني على احترام حقوق الإنسان.

تبدو هذه الفكرة تقليديةً ونمطيةً عند كثيرين، عندما نتحدث عن التضامن العربي مع القضية الفلسطينية باعتبارها فكرةً بائتةً وقديمةً ومليئةً بالمغالطات والأحكام والتاريخ غير المنقح وبعض العتب والعتاب وتحميل المسؤولية في أماكن وعدم تحميلها في أماكن أخرى. إلا أن الجغرافيا والتاريخ وحركة المجتمعات وتاريخها لا تجعل فلسطين منعزلةً عن عمقها العربي، حتى لو تغيرت الأنظمة وسياساتها وتغيرت توجهات القوى السياسية والاجتماعية الحاكمة فيها. الجغرافيا تقول شيئاً واحداً: فلسطين جزء من العالم العربي وفي صلب أولوياته وقضاياه.

وما نحتاج إليه اليوم كفلسطينيين وكعرب، هي إعادة الاعتبار للتفكير الجماعي والعمل السياسي المشترك المبني على احترام حقوق الإنسان، والذي يأخذ بعين الاعتبار تنوع مجتمعاتنا واختلافاتها السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية والتي تعبّر عنها اختلافات في اللغة وممارسات الحياة اليومية والعادات، ونحن نشترك في المصير نفسه، مصير المنطقة واستقرارها ولدينا الرغبة في التخلص من الاستعمار وإفرازاته والعيش من مواردنا وثرواتنا وموروثنا الحضاري الغني. التضامن العربي مع فلسطين لا ينبغي أن يكون حالةً عاطفيةً بل حالةً معرفيةً أخلاقيةً لصيقةً بالعمل الإنساني والسياسي، وعزلها في التعاطف السلبي المبني على الحدث يجعل مستقبل هذا التضامن على المحك.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard