لم ينتبه كثيرون إلى اللقاء الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، في أنقرة، برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء 26 تموز/ يوليو الجاري، لأن حالة اليأس العامة من أطروحة "المصالحة" بين فتح وحماس، وإعادة بناء ما تم هدمه فلسطينياً وذاتياً، لا تزال حاضرةً حتى على مستوى القيادة الفلسطينية نفسها.
قيادتا فتح وحماس لم تتركا عاصمةً إلا وعقدتا فيها قمةً أو جلسات تفاوض للدفع في اتجاه "المصالحة"، دون أي نتيجة تُذكر، وآخرها في الجزائر. وإن كانت القمة التي استضافها أردوغان بين الطرفين تسبق اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية المزمع عقده في القاهرة، في الثلاثين من الشهر الجاري، فإن فكرة استمرارية الانقسام حاضرة وتذهب عميقاً في جذور العمل السياسي الفلسطيني، وكأنها إحدى المسلمات.
قمة بلا برنامج
دعا أردوغان كلّاً من محمود عباس وإسماعيل هنية إلى لقاء ثلاثي برعاية تركية، من أجل الدفع نحو خطوات عملية في اتجاه المصالحة الفلسطينية. كان واضحاً أن اللقاء شكليّ ومن دون تحضير وجدّية من الطرفين، ومن الطرف التركي أيضاً الذي بدا واضحاً أن هدفه من هذا اللقاء هو إبقاء اليد التركية حاضرةً في الملف الفلسطيني والساحة الفلسطينية، خاصةً مع تغيّر إستراتيجية أردوغان في العلاقات التركية الإسرائيلية.
قيادتا فتح وحماس لم تتركا عاصمةً إلا وعقدتا فيها قمةً أو جلسات تفاوض للدفع في اتجاه "المصالحة"، دون أي نتيجة تُذكر
ما خرج إلى الإعلام، أن اللقاء الذي جمع بين هنية وعباس في أنقرة لم يُضِف جديداً، ولم يغيّر من نوايا الطرفين في الإبقاء على الانقسام السياسي والمؤسساتي كما هو، إذ طالب هنية الرئيس عباس بالإفراج عن المعتقلين من أنصار حماس والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، بينما وبحسب صحف ومصادر محلية، لم يَعِد عباس بذلك. كما دعا الأخير حركتي الجهاد الإسلامي وحماس إلى حضور اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في القاهرة والذي تمت الدعوة إليه بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيم جنين في حزيران/ يونيو الماضي.
وفقاً لما نقلته وسائل الإعلام المحلية الفلسطينية، عن طبيعة النقاش الذي تمّ بين وفدَي حماس وفتح المرافقين لهنية وعباس في أنقرة، نفهم بالضرورة أننا أمام انقسام مستمر ومتعاظم. فعباس يريد من هنية أن توافق حماس على الدخول في حكومة توافق وطني وفقاً للاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وشروط الرباعية الدولية، وهو ما ترفضه حماس حتى وإن على المستوى الشكلي، ووفد حماس بعيد كل البعد عن أي مشروع سياسي في مطالبه، ويريد الإفراج عن بعض الناشطين مع حماس المعتقلين في سجون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
اللافت أيضاً أنه لم يخرج إلى الإعلام أي نقاش حول ضرورة توحيد الجهود الرامية إلى وضع إسرائيل أمام مسؤوليتها على المستوى الدولي، أو دعم الملف الفلسطيني في المحاكم الدولية، أو تنسيق جهود الجاليات الفلسطينية وإخراجها خارج دوائر الانقسام والعنف السياسي الداخلي، أو التخفيف من معاناة الناس اليومية في كلّ من الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال برامج عمل مشتركة، أو حلّ مشكلة الفراغ السياسي في المجلس التشريعي الفلسطيني وما يليها من سياسات حكم وقوانين.
على الرغم من أن هذه القضايا على أهميتها تمت مناقشتها في جولات المصالحة الفلسطينية الكثيرة في القاهرة والدوحة وبيروت، وفي الجزائر مؤخراً، إلا أن اجتماع هنية وعباس اليوم في أنقرة يضع كل ما تم إنجازه والاتفاق عليه في خانة الشك وإعادة النظر وبث اليأس العام فلسطينياً. أي يقول المجتمعون لنا نحن الفلسطينيين، بصوت عالٍ من أنقرة: "ليس هنالك أي أمل لتتشبثوا به".
سياسة أنقرة
تربط أردوغان وفريقه السياسي في تركيا، علاقة جيدة مع حركة حماس ومع السلطة الفلسطينية، أخذت تتطور وتتعمق من خلال استضافة تركيا لقواعد حماس السياسية وقياداتها من الصف الأول والثاني، ومع السلطة الفلسطينية في المحافل الدولية والإقليمية في الوقت الذي كانت فيه العلاقات التركية الإسرائيلية متوترةً، وتكاد تكون مشلولةً.
مؤخراً، انتهج أردوغان سياسة تصفير المشكلات وإعادة التوازنات إلى العلاقات التركية الخارجية، بدءاً من الخليج العربي وحتى الاحتلال الإسرائيلي، فعادت العلاقات مع الأخيرة بشكل متسارع وتبادل الطرفان السفراء مرةً أخرى.
بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التركية، بدأ أردوغان بالعمل على تعميق العلاقات مع الدول العربية بما فيها مصر ودول الخليج والتمكّن من الملف الفلسطيني تحديداً، الذي يمثّل بالنسبة لتركيا حجر أساس في سياستها الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط، لمعرفة أردوغان بأهمية التدخل في الشأن الفلسطيني وكثرة اللاعبين في الساحة الفلسطينية. إلا أن تركيا لا تمتلك أوراق ضغط على أيٍّ من أطراف الانقسام السياسي الفلسطيني، مثل مصر والأردن وقطر، لكنها تحاول أن ترسم تواصلاً سياسياً إستراتيجياً في المنطقة من خلال التدخل في مثل هذا النوع من الملفات في الشرق الأوسط. ودعوة الرئيس الفلسطيني ورئيس حركة حماس إلى لقاء في أنقرة هو استكمال للتفكير التركي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصةً أن الرئيس التركي خفّف من لهجته السياسية والخطابية تجاه اسرائيل بعد إعادة العلاقات معها خلال السنة الماضية.
في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها القضية الفلسطينية، مع صعود اليمين المتطرف في إسرائيل، ومع تغوّل الحكومة الإسرائيلية على الحقوق الفلسطينية والدم الفلسطيني كل صباح، وحتى على أي حلم فلسطيني بإنشاء دولة مستقلة، تقف الفصائل الفلسطينية أمام خيباتها السياسية عاجزةً عن الدفع في اتجاه التخلص من عقبة الانقسام السياسي
وفود عاجزة عن تحمّل المسؤولية
في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها القضية الفلسطينية، مع صعود اليمين المتطرف في إسرائيل، ومع تغوّل الحكومة الإسرائيلية بثلاثية نتنياهو وبن غفير وسموترتش، على الحقوق الفلسطينية والدم الفلسطيني كل صباح، وحتى على أي حلم فلسطيني بإنشاء دولة مستقلة، تقف الفصائل الفلسطينية أمام خيباتها السياسية عاجزةً عن الدفع في اتجاه التخلص من عقبة الانقسام السياسي.
فمثلاً، تجربة حماس والتشكيلات العسكرية في غزة منذ 2006، وحتى الآن، لم تثبت نجاحها ونجاعتها في حل أي مشكلة أو التقدّم خطوةً واحدةً إلى الأمام، بل على العكس من ذلك، حبست إسرائيل حماس مع مليونين من الغزيين الذين يجربون ويختبرون كل أشكال القهر والظلم والفقر والبأس. كذلك، فإن تجربة السلطة الفلسطينية في المقاومة السلمية الشعبية أثبتت ضعفها أمام تغوّل الاستيطان في أراضي الضفة الغربية والقدس، والمسارات السياسية السلمية الدولية لم تكن كافيةً لإيقاف الاستيطان ومشاريعه.
وعلى الرغم من أن القيادة الفلسطينية واعية لفشلها ولفشل أحادية المسارات والأدوات السياسية في مجابهة الحكومات الإسرائيلية، إلا أن الانقسام فكرة دائمة وحاضرة عند الطرفين. فالناظر إلى القضايا العالقة بين فتح وحماس مقارنةً مع حجم التحديات التي يعيشها الشعب الفلسطيني على المستويات كافة، سيجد أنها قضايا سطحية وهامشية جداً.
يتزامن لقاء عباس وهنية، في أنقرة، مع مرور التعديلات القضائية في الكنيست الإسرائيلي، والتي من شأنها أن تساعد الحكومة الإسرائيلية اليمينية على فتح شهيتها دون رقابة من المحكمة العليا الإسرائيلية أو محاسبة على فرض مزيد من الإجراءات القاهرة بحق الفلسطينيين، من القتل العشوائي والإعدامات الميدانية وهدم البيوت إلى مصادرة الأراضي ومصادرة حق الفلسطيني في الوجود إن صح التعبير.
أمام هذا التحدي الذي كان من المفترض على القيادة الفلسطينية أن تناقشه، وتوحّد جهودها وصفوفها لمواجهته، قررت الأخيرة أن تعيد التأكيد من عاصمة جديدة من عواصم العالم، على أن الانقسام السياسي مستمر إلى ما لا نهاية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...