جيل الانتفاضة الثانية، هذا هو جيلنا. تفجرت الانتفاضة الثانية يوم 28 أيلول/ سبتمبر 2000، وبعدها بيومين، قتل محمد الدرة في المشهد الشهير الذي ترسخ للأبد في الذاكرة الجمعيّة لجيلي. كنت وقتها طفلة في المرحلة الأولى من التعليم الابتدائي. اندلعت بعدها المظاهرات في كل محافظات مصر، وتحول التلفزيون المحلي إلى نشرات إخبارية عن الانتفاضة، ونقل عن محطات أخرى بجانب مراسليه؛ فكانت ذاكرتي الأولى أيضاً عن شيرين أبو عاقلة.
ماهي فلسطين؟ ماهي إسرائيل؟ وما معنى الاحتلال؟ كانت أسئلتي الأولى استفهاماً عما يدور حولي، يقال أن الطفل في سنواته الأولى غالباً هو غير مدرك لمعنى الظلم، لكني متأكدة من أني أدركت الغضب الذي تسبب فيه الشعور بالظلم عند رؤية أطفال في مثل سني يقتلون بدم بارد.
ماهي فلسطين؟ ماهي إسرائيل؟ وما معنى الاحتلال؟ كانت أسئلتي الأولى استفهاماً عما يدور حولي، يقال أن الطفل في سنواته الأولى غالباً هو غير مدرك لمعنى الظلم، لكني متأكدة من أني أدركت الغضب الذي تسبب فيه الشعور بالظلم عند رؤية أطفال في مثل سني يقتلون بدم بارد
فارس عودة، أو "طفل الحجارة" الواقف أمام الدبابة، أشهر صور الانتفاضة ومثال الشجاعة لطفلة في مثل عمره تقريباً، أتذكر كشاكيل الدراسة التي طبعت عليها صورته. لسنوات ترسخت في عقلي وقلبي شجاعته، تساءلت كيف لا يخاف طفل في مثل عمري تقريباً من الوقوف أمام دبابة؟ وعرفت بعد سنوات أنه استشهد في نفس الوقت تقريباً، فالاحتلال لم يتردّد كثيراً قبل قتله، إلّا أنّه ورغم ذلك، فصورة فارس ظلّت محفورة كرمز للانتفاضة الثانية.
صورة الأقصى معلقة على جدار
تزامناً مع الانتفاضة الثانية كان طبيعياً أن تجد صورة للمسجد الأقصى معلقة في كل المنازل تقريباً. منزلنا كان منها. عندما كبرت، وقرأت رواية "عائد إلى حيفا" لغسان كنفاني وجدته يسأل صفية: "ما هو الوطن؟ أهو صورة القدس معلقة على الجدار؟" صورة القدس للفلسطينيين في الشتات كانت كصك العودة، كبطاقة الهوية، كرمز للانتماء. في بداية الألفية الجديدة كان رمز انتماء معظم العرب إلى القدس والأقصى، فكان معلقاً على كثير من الجدران غير الفلسطينية كنوع من أنواع التضامن والمقاومة. وصوت شيرين أبو عاقلة كان صوت فلسطين لسنوات طويلة في تلك المنازل. أشعر أن جزءاً كبيراً من شعورنا بأننا غير أحرار أن هذه الصورة لم تزل على الجدران، غالباً مغبرة، ونحن ندرك أنها ما زالت محتلة، كأننا توحدنا مع الصورة، وأصبحنا ندرك أن هذا الجزء منّا محتل.
لا أتذكر عدد المرات التي تصور أحدهم فيها أنني فلسطينية
هل أنتِ فلسطينية؟ هل لديكِ أصول فلسطينية؟ أنت منين في فلسطين؟ أسئلة اعتدتها لسنوات، كما اعتدت نظرات الدهشة حين أخبرهم أني مصرية تماماً وليس لدي أي أصول فلسطينية. يخبرني صديقي الفلسطيني مازحاً: "أنتِ فلسطينية أكتر مني".
بين زجاجات زيت الزيتون الفلسطيني، والأثواب المطرزة، وقلادة على شكل خارطة فلسطين، ودروس الدبكة الفلسطينية، وحفظ الأغاني التراثية، وتاريخها ومدنها وقراها، وجدت نفسي. لم أعرف تحديداً السبب لكني وجدت نفسي أبحث عن فلسطين في كل شيء.
كلّما ارتبط الأمر بفلسطين زدت قرباً منه، كأن حبلاً ما خفياً يجذبني إلى كل ما تعلق بها. تخصصت بقسم التاريخ في الجامعة لأعرف عن القضية أكثر، وأحفظ تاريخها عن ظهر قلب، وأعرف غالباً آخر المستجدات وما يحدث بها.
بين زجاجات زيت الزيتون الفلسطيني، والأثواب المطرزة، وقلادة على شكل خارطة فلسطين، ودروس الدبكة الفلسطينية، وحفظ الأغاني التراثية، وتاريخها ومدنها وقراها، وجدت نفسي. لم أعرف تحديداً السبب لكني وجدت نفسي أبحث عن فلسطين في كل شيء
"لماذا أنت متعلقة بفلسطين هكذا إن كنتِ غير فلسطينية؟… أشعر أن القضية الفلسطينية قضية شخصية بالنسبة لكِ، كلنا مهتمون، لكنك تعبرين وكأنها قضيتك الشخصية، ما السبب وراء هذا؟" كثيراً أيضاً ما كنت أسأل هذه الأسئلة، ولا أجد لها إجابة، أقول غالباً لأني من جيل الانتفاضة. الدفاع والحديث عن فلسطين شكّلا وعيي الأول، هذا أول ما وعيت عليه، مظاهرات في كل مدن مصر، حرق العلم الإسرائيلي، ارتداء الكوفية، لكنّي داخلياً كنت غالباً ما أشعر أن علاقة ما أكبر تربطني بها، فلست الوحيدة من هذا الجيل، وأجد كثيراً منهم حولي ليسوا بهذا التعلق.
علاقتي بفلسطين لم تكن قط مبنية على أساس القيمة الدينية، فلو حررت القدس فلا تزال عكّا محتلة، بالنسبة لي؛ فلسطين ليست القدس فقط، ولا الضفة فقط، ولا غزة فقط، فلسطين هي كل فلسطين من النهر إلى البحر، فلسطين بالنسبة لي هي كل فلسطيني في الشتات ليس لديه حق العودة.
لطالما رأيت أن حصر فلسطين في قيمتها الدينية هو انتصار للاحتلال، لأن الاحتلال روّج لقضيته على هذا الأساس منذ البداية، فبقينا في إطار الصراع المسلم اليهودي بالنسبة للعالم. فلسطين قضية احتلال بحت، قضية استعمار، مستعمرات كولونيالية بيضاء تقام على أساس التمييز الديني والعرقي. فعندما نجد فلسطين في صورة "الجهاد الديني"، نؤكد بذلك على الأجندة الاستعمارية ونتجاهل أن فلسطين ضمّت الأديان الثلاثة الإبراهيمية قبل الاحتلال، وأن لكل طوائفها حق التحرير.
فلسطين، الانتماء لقضية إنسانية أكبر
كان لفلسطين الأثر عليّ في الشعور بالانتماء لقضية أكبر وأشمل من مجرد التماهي في فرديتي. فلسطين قضية استعمار وتحرير، قضية نسوية، قضية بيئية، قضية عنصرية وتطهير عرقي. بالارتباط بفلسطين والدفاع عنها لطالما شعرت بالارتباط والدفاع عن إنسانيتي. بحثت عن فلسطين في كل شيء، في كل شخص أقابله يهمني أكثر ما يهمني أن أختبر مدى دفاعه عن القضايا الإنسانية وخصوصاً فلسطين.
الدفاع عن فلسطين هو دفاع شمولي عن الإنسانية بأشكالها. ولا أزال ورغم هذا لا أستطيع أن أجيب بشكل واضح عن علاقتي وارتباطي بها. لكني لا أزال أحلم بزيارتها، بلمس تراب الأراضي المحتلة. فلسطين، لا أزال أبحث عنكِ في كل شيء... أمر بالصدفة في أحد الشوارع الجانبية، أجد محلّاً متواضعاً عليه لافتة مكتوب عليها بقالة فلسطين، أبتسم بهدوء، أصوّر اللافتة، ثمّ أمضي.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 6 ساعاتيعني اذا اليسا اللي عملت اغاني وفيديو كليبات عن العنف ضد النساء وقال حملت قضايا المرأة العربية، غنت ودافعت عن المغتصب سعد المجرد... قرطة منافقين.
Farah Alsa'di -
منذ 13 ساعةرغم قديه الحادثة موجعة ومؤسفة إلا أني مبسوطة أنه هاي من المرات القليلة تقريباً اللي المجتمع الأردني بوقف فيها مع "المرأة" الضحية... عشان تعودنا يكون الحق عليها دايماً أكيد!
Line Itani -
منذ يومعجيب في بلد ومجتمع "محافظ" زي المصري انه يكون فيه حرمات على أشياء كثيرة بس الموت لا - ودا بس لأن فيها أرض ومصاري..
jessika valentine -
منذ يومالمشكلة هي المجتمع واللغة انبثقت منه وتغذي هذا الفكر الذكوري. لن تتغير اللغة الا إذا نحن تغيرنا. وزيادة على الأمثلة التي قدمتها للغة العربية، الانكليزية ليست افضل حالا فيُقال للقميص الابيض الذي يُلبس تحت القمصان wife beater باللغة الانكليزية، والنق bitching. وعلى سيرة say no، يقول الذكور المتحدثون باللغة الانكليزية no means yes and yes means anal. على الدجاجة أن تكسر قوالب التربية لبيضها الإناث والذكور لان أحدا سواها لن يفعل.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعit would be interesting to see reasons behind why government expenditure on education seems to be declining -- a decreasing need for spending or a decreasing interest in general?
Benjamin Lotto -
منذ أسبوعجدا مهم البحث