شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لا إطارات محروقة أو مرمية في لبنان بعد اليوم... معامل إعادة التدوير بالمرصاد

لا إطارات محروقة أو مرمية في لبنان بعد اليوم... معامل إعادة التدوير بالمرصاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 12 يوليو 202311:06 ص

ارتبطت الإطارات المستعملة في لبنان بمظاهر مختلفة على مدار السنوات الماضية، سواء بإشعالها ضمن التحركات الاحتجاجية وقطع الطرقات بها وتحويل السماء نتيجة لذلك إلى غمامة سوداء، أو برميها في الطبيعة بإهمال ودون اكتراث. وفي كلتا الحالتين، يتم التعامل معها دون إدراك لخطورتها تجاه البيئة وصحة الإنسان.

ولندرك خطورة حرق الإطارات أو التخلص منها بشكل عشوائي علينا أولاً أن نعرف مكوناتها، فتشير الخبيرة والباحثة في مجال الاقتصاد البيئي وإدارة الموارد الطبيعية الدكتورة فرح كنج في حديث مع رصيف22، إلى أن الإطارات إلى جانب المطاط الطبيعي والكتان والأسلاك المكوّنة لها، تحتوي على نسبة صغيرة من المعادن الثقيلة كالرصاص والكروم والزئبق والكادميوم، ونسبة من المركبات العضوية المستعصية مثل مركبات البولي كلورينات البنزين.

حرق الإطارات يحولّها إلى مصدر خطر كبير على البيئة والهواء والتربة.

لكن حرق هذه الإطارات يحولّها إلى مصدر خطر كبير على البيئة، فبحسب كنج يؤدي ذلك إلى التلوث الهوائي نتجية انبعاث المركبات الكيميائية السامة مثل ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين والكبريت والمعادن الثقيلة، وكذلك التلوث البيئي، فالمواد الكيميائية الضارة تتسرّب إلى التربة والمياه الجوفية والمسطحات المائية القريبة، كالمركبات العضوية المتطايرة وتشمل المواد الكيميائية مثل التولوين والزلوين والستايرين، والديوكسينات والفورانات التي تعتبر من أخطر الملوثات وتتسم بسميتها واستقرارها العالي، وهي تنتمي إلى عائلة الملوثات العضوية الثابتة.

وتشير كنج إلى انبعاثات أخرى تنتج عن حرق الإطارات كالبنزين وهو مركب عضوي سام صُنف كمادة مسرطنة للإنسان من قبل وكالة حماية البيئة الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية، وقد يؤدي التعرّض المطوّل للبنزين إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض الدم والجهاز العصبي، كذلك أكسيد النيتروجين الذي يسبب مشاكل في الجهاز التنفسي مثل التهاب الرئة والربو، ويتسبب في تكوين المطر الحمضي وتلويث الهواء، وثاني أكسيد الكبريت الذي يؤدّي إلى تهييج الجهاز التنفسي، ويمكن أن يسبب مشاكل مثل التهاب الأغشية المخاطية وتهيج العيون وضيق التنفس.

أما الجسيمات العالقة مثل الرماد والدخان والجسيمات الدقيقة، فيمكن أن تدخل إلى الجهاز التنفسي وتتسبب بمشاكل صحية مثل السعال وصعوبة التنفس وتهيج الرئتين، ويمكن أن تترسب إلى الرئتين والأعضاء الداخلية.

ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن حرق الإطارات ينتج عنه عدد من الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروز والميثان والهيدروكربونات العطرية، وتؤدّي جميعها لزيادة الاحتباس الحراري.

أما رمي الإطارات في الطبيعة فيؤدي إلى تفكك المواد الكيميائية المكونة لها بفعل العوامل الطبيعية، وبالتالي تسربّها إلى التربة والمياه الجوفيّة، ما يؤدي إلى تلويثها بشكل كبير.

إعادة التدوير كحل للأزمة

مع استفحال الأزمة الاقتصادية والنقدية في لبنان، عمد البعض إلى حرق الإطارات لاستخراج الأسلاك المعدنية ومنها وبيعها خردة، وهذا ما فاقم الأزمة البيئية.

هنا وجد المهندس أحمد شمس الدين وشركاؤه في الإطارات عنصراً هاماً للاستثمار، فهي ستأتي عليهم بالمال بعد إعادة تدويرها واستخراج المواد الأولية منها، فأسسوا في "شركة العلا" لتدوير وصناعة المطاط، معملاً لإعادة تدوير الإطارات في بلدة جون قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان، وعوضاً عن حرق الإطارات في الطبيعة، بات الناس يجمعونها ويبيعونها للمعمل بسعر مجزٍ، ودون تكلف عناء الحرق.

بما أنه أصبح للإطار قيمة ماديّة، بات الناس يحرصون على عدم رميه في الطبيعة، بل أصبح مصدر دخل للعديد من العائلات، وبات الكثيرون يبحثون عنه ليجمعوه ويبيعوه للمعمل مقابل بدل مادي، وبهذه الطريقة يمكن المساهمة في التخفيف من الكوارث البيئية على الطبيعة

ويروي شمس الدين لرصيف22 تجربته المميزة والناجحة، فقد ساهم المعمل في التخفيف من أزمة الإطارات المكدّسة في الطبيعة أو المشتعلة على الطرقات، خاصة مع قدرته على إعادة تدوير قرابة ألف إطار في اليوم، ويقول: "في لبنان هناك ثقافة سيّئة وهي أن الاحتجاجات دائماً ما يتم ربطها بحرق الإطارات، وهو أمر له نتائج كارثية على الطبيعة والإنسان، من هنا بدأنا بفكرة إيجاد حل نهائي لها عبر الاستثمار في الإطارات القديمة، أولاً للتخفيف من آثارها المدمّرة على البيئة والإنسان، وثانياً لتحريك العجلة الاقتصادية".

ويتحدّث المهندس عن مراحل تدوير الإطار، فالمرحلة الأولى هي سحب الحديد والأسلاك منه، والمرحلة الثانية هي الفرم والتقطيع عبر ماكينات كبيرة، أما المرحلة الثالثة فهي شفط مادة الكتّان، وبهذه النتيجة نصل إلى حبيبات مطاطية صغيرة.

هذه الإجراءات لا تدخل فيها أي عمليّة حرق على الإطلاق، ما يعني أن العمل صديق للبيئة 100% وفق شمس الدين، فحبيبات المطاط المنتجة تدخل في صناعات متعددة، منها تجهيز أرضية ملاعب كرة القدم، وتصنيع بلاط مطّاطي للمدارس والأندية والمزارع، وينوّه المتحدث إلى إمكانية الدخول في صناعات عديدة من خلال هذه الحبيبات المطاطية مع الوقت.

أما الأسلاك المستخرجة فتباع لمعامل الحديد، ويتم تدعيمها أو إدخالها في صناعات معدنية أخرى، كما أن الكتّان المستخرج يباع إلى مصانع النسيج ليدخل في صناعات نسيجية متعددة.

كيف تُجمع الإطارات؟

يشير شمس الدين إلى أن مصدر الإطارات يكون عادة أصحاب المحال التجارية التي تبيعها، فتجمّع الإطارات عندهم، ويقوم المعمل بجلبها من التجار، كما أن بعض مالكي الشاحنات اتفقوا مع عدد من المحال، وباتوا يقصدونها ويأخذون منها الإطارات ويأتون بها إلى المعمل، كذلك أجرت إدراة المعمل عدّة إتفاقيات مع سفارات دول وبلديات وجمعيات دولية، لاستلام الإطارات المستعملة الصادرة عن سياراتها وشاحناتها.

"سعر الدولاب مثل البورصة"، يقول شمس الدين، إذ يبلغ سعر الطن الواحد من إطارات السيارات 25$، وأحياناً يصل إلى 40$ ومرات أخرى ينخفض تبعاً لحركة السوق.

سعر الدولاب مثل البورصة يرتفع وينخفض تبعاً لحركة السوق.

وبما أنه أصبح للإطار قيمة ماديّة، بات الناس يحرصون على عدم رميه في الطبيعة، بل أصبح مصدر دخل للعديد من العائلات، وبات الكثيرون يبحثون عنه ليجمعوه ويبيعوه للمعمل مقابل بدل مادي، وبهذه الطريقة يرى شمس الدين أنه يمكن المساهمة في التخفيف من الكوارث البيئية على الطبيعة وآثارها المدمّرة على صحّة الإنسان، وبنفس الوقت أحدثت إجراءات إعادة تدوير الإطارات حركة في العجلة الاقتصادية في المنطقة.

شراكة ناجحة مع الجمعيات والبلديات

يتحدث رئيس لجنة البيئة في مركز بيروت للتنمية وحقوق الانسان زياد خالد لرصيف22، عن الشراكة التي عقدها المركز مع معمل تدوير الإطارات، فأكّد على إيمان المركز بالشراكات بين المجتمع المدني والقطاع الخاص وأيضاً العام، دون أن ننسى الشريك الأساسي وهو الإعلام، والايمان بهذه الشراكة من قبل الطرفين ساهمت في نجاحها.

يقول خالد: "نخوض تحدياً كبيراً، وقد لمسنا الفرق مع المبادرة رغم الظروف. كنا قد استحصلنا على تمويل من مرفق البيئة العالمي وأقمنا نقطة تجميع للإطارات في بلدة قصرنبا في البقاع، ونتيجة لارتفاع كلفة النقل جرى التنسيق مع إدارة المعمل فأصبحت تستلم منّا الكميات التي يتم تجميعها عند وجودهم في منطقة البقاع، علماً بأننا وقعنا اتفاقية تعاون مفتوحة لتكريس هذه الشراكة، ونسعى لتوسيع هذه المبادرة لتطال جميع الأراضي اللبنانية".

في لبنان هناك ثقافة سيّئة وهي أن الاحتجاجات دائماً ما يتم ربطها بحرق الإطارات، وهو أمر له نتائج كارثية على الطبيعة والإنسان، من هنا بدأنا بفكرة إيجاد حل نهائي لها عبر الاستثمار في الإطارات القديمة، أولاً للتخفيف من آثارها المدمّرة على البيئة والإنسان، وثانياً لتحريك العجلة الاقتصادية

ويلفت خالد إلى أنه وبالرغم من الأزمة الاقتصادية في لبنان، فإن المبادرات التي تُعنى بالبيئة تأخذ حيزاً هاماً من العمل المدني، فالموضوع يحتاج أولاً إلى زيادة الوعي لدى المواطنين وإلى التعاون والدعم والتشدّد من قبل الدولة، مؤكّداً على دور الصحافة البيئية كشريك أساسي لرفع الوعي البيئي وتعريف الناس بأهمية البئية والمحافظة عليها وخطورة العبث بها.

في الماضي كنا نرى الإطارات مكدّسة في المطامر، وكذلك منتشرة في الأودية وسفوح الجبال، حتى قعر البحر في لبنان لم يسلم منها، لكن اليوم تغيّر المشهد بنسبة معقولة، فباتت الإطارات القديمة غير الصالحة للاستعمال بعيدة عن الطبيعة، والسبب انتشار معامل متخصصة بإعادة تدويرها، وهنا تبرز أهمية هذه الإجراءات ليس فقط للإطارات وإنما كل النفايات الصادرة عن البشر، لأن الكوكب لم يعد يحتمل مزيداً من الملوثات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image