"لبنان يا أخضر حلو... يا حقول مليانة ودنية جنى وغلال".
لو علم الرحابنة ماذا سيكون مصير لبنان "الأخضر الحلو"، لما كتبوا ربما تلك الكلمات، لأننا كلما نسمع تلك الأغنية نشعر وكأن سكاكين تغرز في قلوبنا، أسفاً على بلاد تغنى الشعراء بغطائها النباتي والحيواني المتنوع، لكنها اليوم تواجه حرباً ضروساً متمثلة بتدهور التنوع البيولوجي.
ويشتهر لبنان بتنوع بيئي غني، إذ يضم مجموعة واسعة من النظم البيئية، بما في ذلك الشواطئ الرملية والصخرية والوديان والبحيرات والأنهار والجبال والغابات الكثيفة، وعدداً كبيراً من الأنواع النباتية، والتي تشمل الأشجار المثمرة والصنوبر والكرمة والزيتون، إلى جانب التنوع الحيواني ووجود أنواع نادرة مثل الدببة والثعابين والغزلان والظباء والثعالب والذئاب، بالإضافة إلى العديد من الأسماك والطيور.
يشتهر لبنان بتنوع بيئي غني، إذ يضم مجموعة واسعة من النظم البيئية، لكنها اليوم تواجه تدهوراً خطيراً.
لكنه في الأعوام الأخيرة يواجه تدهوراً في كل ذلك، متمثلاً بفقدان الأنواع النباتية والحيوانية، وانخفاض كمية وجودة الموارد الطبيعية مثل المياه والهواء والتربة. وعالمياً، فإن 25% من أنواع النباتات والحيوانات معرضة للخطر بفعل الأنشطة البشرية، بحسب تقرير صادر عام 2019 عن المنتدى الحكومي الدولي للعلوم والسياسات والمعني بالتنوع البيولوجي، وللبنان حصة كبيرة من هذا الخطر نظراً للاستهلاك الجائر وغير المسؤول لموارد الطبيعة.
ويُمكن ملاحظة الأمر من خلال تدهور صحة النباتات والحيوانات، وتراجع مستوى إنتاجيتها، وتغير سلوكها ونمط حياتها من جهة، ومن جهة أخرى من خلال انخفاض عدد الأنواع النباتية أو الحيوانية، وانقراض أنواع أخرى. كما أن اختفاء مناطق زراعية وغابات هو مؤشر هام للتدهور البيولوجي، وأيضاً تغير النظام الغذائي والبيئي، وتغير نظام التكاثر والتناسل.
أبرز التهديدات
توضح الدكتورة سارة عبيد، الخبيرة البيئية والمحاضرة في جامعة البلمند اللبنانية، لرصيف22، بأن "لبنان نقطة مهمة جداً للتنوع البيولوجي بسبب موقعه الجغرافي ومناخه المتوسطي، وتحديداً منطقة جبل لبنان، وهي منطقة صغيرة نسبياً بحسب مساحة الأرض ولكنها تضم أنواعاً كثيرة من النباتات والحيوانات، كما أنها تقع بجوار أربع مناطق جغرافية حيوية رئيسية، بحيث يمكن اعتبار كتل الأراضي في لبنان والدول المجاورة على أنها الجسر الذي يربط أوروبا بآسيا، وكذلك شبه الجزيرة العربية وأفريقيا".
وتضيف أن لبنان يقع في منطقة تسمى "موقع عنق الزجاجة"، فيستضيف تجمعات كبيرة من الطيور الحوامة المهاجرة كل ربيع وخريف، من طيور جارحة ولقالق وبجع.
وبحسب تقرير مشترك صادر من وزارة البيئة اللبنانية والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة عام 2021، فإن أبرز التهديدات للتنوع البيولوجي في لبنان تتمثل فيما يلي:
1- فقدان الموائل وتجزئتها وتدهورها: التغييرات في الموائل هي الأسباب الرئيسية لتغير النظام البيئي وانخفاض تنوع ووفرة أنواع النباتات والحيوانات الموجودة به، ومن أبرز المناطق اللبنانية التي تأثرت بتجزئة الموائل الطبيعية وفقدانها منطقة الساحل اللبناني، الذي كان يُعد من المناطق المهمة للغاية نسبة لتنوعه البيولوجي، إلا أنه بدأ يعاني في الفترة الأخيرة من تدهور شديد، بسبب التحركات العمرانية والزراعة والتلوث.
يُمكن ملاحظة الأمر من خلال تدهور صحة النباتات والحيوانات، وتراجع مستوى إنتاجيتها، وتغير سلوكها ونمط حياتها من جهة، ومن جهة أخرى من خلال انخفاض عدد الأنواع النباتية أو الحيوانية، وانقراض أنواع أخرى. كما أن اختفاء مناطق زراعية وغابات هو مؤشر هام للتدهور البيولوجي
أما عن جبل لبنان، الذي كان يحوي العديد من النباتات والحيوانات النادرة، أضحى اليوم عرضة للتدهور بسبب التغيرات المناخية والتلوث البيئي. وتطول الأمثلة لتطال بحيرة القرعون وغابات لبنان، وهي بدورها تأثرت بشكل سلبي وكبير، لا سيما من التصرفات البشرية غير المسؤولة، المتمثلة سواء برمي النفايات في البحيرات أو بقطع الغابات.
2- التلوث: لا سيما تلوث الحياة البحرية، ومن أسبابه الإلقاء غير القانوني للنفايات الصلبة البلدية والصناعية، والتخلص من النفايات غير المعالجة، والجريان السطحي الزراعي.
3- فقدان الموارد الطبيعية بوتيرة أسرع من معدل تجددها.
وبالطبع هناك أسباب عدة ساهمت بهذا التدهور الكارثي الذي يواجه لبنان، أهمها تغير المناخ، إذ يؤثر ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في أنماط الطقس على التنوع البيولوجي، وقد لا تتمكن الأنواع التي تتكيف مع ظروف مناخية معينة من البقاء في ظروف متقلبة، مما يؤدي إلى انخفاض أعدادها أو حتى انقراضها.
السبب الآخر الرئيسي يعود للتلوث، وتحديداً التلوث الناجم عن الأنشطة البشرية، مثل المبالغة في استخدام المبيدات الحشرية والنفايات الصناعية، التي بدورها تقتل النباتات والحيوانات، وتعطل النظم البيئية.
ولا يمكن أن ننسى التصرفات غير المسؤولة التي تساهم بزيادة وتيرة هذا التدهور، من خلال إزالة الغابات والتعدين، والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، المتمثل بالصيد الجائر، وحصاد النباتات والحيوانات من أجل الغذاء والدواء. أما النمو السكاني الهائل والاستهلاك البشري الهستيري للموارد الطبيعية، فهو يزيد من الضغط على تلك الموارد، بما في ذلك الأراضي والمياه.
للتدهور البيولوجي نتائج خطيرة على بلاد مثل لبنان، تعتمد بشكل رئيسي على هذا التنوع لإنعاش القطاع السياحي.
آثار بيئية واجتماعية واقتصادية
للتدهور البيولوجي نتائج خطيرة على بلاد مثل لبنان، كانت تعتمد بشكل رئيسي على هذا التنوع لإنعاش القطاع السياحي، لا سيما أن البلاد واقفة على حافة الهاوية، مع انهيارات متتالية تطالها من كل حدب وصوب، لتأتي هذه المرة كارثة وكما يُقال بالعامية "لتزيد الدكة شرطوطة"، أي تزيد البلاء.
لنذكر أهم نتائج تدهور التنوع البيولوجي على الواقع العالمي ومنه اللبناني:
1- تدهور جودة المياه: يسبب الإفراط في استغلال موارد المياه والتلوث وتدهور الموائل إلى انخفاض توافر المياه الصالحة للاستهلاك البشري والزراعة.
2- تآكل التربة وتدهورها: تسبب إزالة الغابات والتغيرات في استخدام الأراضي إلى تآكل التربة وتدهورها، مما يؤثر على الإنتاجية الزراعية ويزيد من مخاطر الانهيارات الأرضية والفيضانات. وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، تستضيف التربة أكثر من 25% من التنوع البيولوجي في العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن أكثر من 40% من الكائنات الحية في النظم الإيكولوجية الأرضية مرتبطة بالتربة خلال دورة حياتها.
3- فقدان الموائل: تسبب إزالة الغابات والتحضر والتوسع الزراعي بفقدان التنوع البيولوجي، وتعرض عدة أنواع من النباتات والحيوانات للخطر، بما في ذلك أرز لبنان الذي يعتبر رمزاً مهماً للبلاد.
4- تراجع الممارسات الثقافية والتقليدية: يتمتع لبنان بتراث ثقافي متنوع، وترتبط العديد من الممارسات والمعارف التقليدية بالتنوع والموارد الطبيعية، وأي خلل بالتنوع البيولوجي سيساهم بفقدان هذا التراث أو أجزاء منه.
5- الآثار الاقتصادية: يعتمد الاقتصاد اللبناني بشكل كبير على السياحة، التي تتأثر بالتأكيد بتدهور التنوع البيولوجي، ويمكن أن يكون لفقدان الموارد الطبيعية وخدمات النظام البيئي آثاراً اقتصادية جمة ستدمر مناطق لبنانية وتكبلها.
هناك أسباب عدة ساهمت بهذا التدهور الكارثي الذي يواجه لبنان، أهمها تغير المناخ، إذ يؤثر ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في أنماط الطقس على التنوع البيولوجي، إلى جانب التلوث الناجم عن الأنشطة البشرية، والتصرفات غير المسؤولة مثل الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية
وللدكتورة آمنة خالد الخبيرة البيئية المقيمة في فرنسا، تعليقها الخاص، إذ تقول لرصيف22: "من خلال أبحاثنا، نلاحظ يوماً بعد يوم تفاقم الانعكاسات السلبية لتدهور التنوع البيولوجي على قطاع الزراعة. إلى جانب تراجع كمية المغذيات في التربة، نلاحظ أيضاً نقصاً في التلقيح، إذ تعتمد العديد من النباتات على الحشرات والطيور لتلقيح أزهارها وانتقال اللقاحات بين النباتات، فمع انخفاض تنوع الحشرات والطيور الناقلة للبذور، يصعب على الفلاحين زيادة الإنتاجية والحفاظ على جودة المحاصيل".
هل يمكن الحد من هذا التدهور؟
بغصّة كبيرة، يناشد المهندس الزراعي حسن موسى، وهو صاحب مشاريع وبساتين زراعية في جنوب لبنان، الجهات المسؤولة لوضع قوانين صارمة بغية تخفيف تدهور التنوع البيولوجي. ويقول لرصيف22 بأن موسمه الزراعي في العام الفائت شهد تراجعاً ملحوظاً في الإنتاجية.
ويشرح بالقول: "مع تدهور خصوبة التربة وانخفاض محتوى العناصر المغذية فيها، انخفضت إنتاجية المحاصيل من جهة، وزاد اعتماد المزارع على المواد الكيميائية لتعويض النقص في عناصر التربة الغذائية، مما ضاعف حصيلة المصاريف، فالموسم الزراعي الذي كان يدر على صاحب المشاريع مبلغاً يكفيه موسماً كاملاً، أصبح بالكاد يغطي التكاليف. إذا استمر الأمر بالوتيرة نفسها، لن تعود الزراعة تكفينا كمصدر للعيش الكريم".
لا بد من التشجيع على الزراعة العضوية، وتطوير المحميات الطبيعية، والحفاظ على المصادر المائية.
وبحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2018، هناك سياسات عدة يمكن اتباعها للحد من التدهور البيولوجي والبيئي في القارة الآسيوية، نذكر منها:
1- إشراك المجتمعات المحلية في الحفاظ على التنوع البيولوجي.
2- دمج حفظ التنوع البيولوجي في قطاعات التنمية الرئيسية.
3- تعزيز شراكات القطاع الخاص في تمويل حفظ التنوع البيولوجي.
4- تعزيز التعاون الإقليمي عبر الحدود.
إلى جانب ذلك، لا بد من التشجيع على الزراعة العضوية والمستدامة، وتطوير المحميات الطبيعية، وتعزيز الوعي البيئي، والحفاظ على المصادر المائية والحد من استغلالها المفرط، والتحكم في استغلال الغابات. جميعها إجراءات يجب اتباعها على الأقل لننهض بالقليل مما تبقى من هذه الأرض، وكي لا يصبح لبنان الأخضر مجرد ذكرى من الماضي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع