شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
العدالة في جرائم الحرب في البلقان... النموذج الذي يبتعد تعميمه في الشرق الأوسط

العدالة في جرائم الحرب في البلقان... النموذج الذي يبتعد تعميمه في الشرق الأوسط

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ضحايا حروب الشرق الأوسط يبحثون دوماً عن فسحة أمل لتحقيق العدالة وعدم إفلات جميع مرتكبي الفظائع من العقاب. ينصفهم المجتمع الدولي مرةً، لكنه يخذلهم مرات ومرات. ييأسون أم يتفاءلون؟ ماذا يفعلون؟ هل قُدِّر لهم العيش في خوف دائم على أمنهم وحياتهم؟ أم سينتهي يوماً ما كابوسهم مع موت جماعي يقرره سياسيون ورؤساء دول أو رجال دين، جنرالات أو زعماء مليشيات، أو مالكو شركات متعددة الجنسيات، لا يخشون المحاسبة؟ ومن يجزم بأن قطار العدالة معطل إلى الأبد؟

على العكس، ثمة بصيص أمل في هذا العالم. بالنسبة إلى الشرق الأوسط، هناك نموذج يُحتذى به في منطقة قريبة، هي البلقان. من أبرز القواسم المشتركة بين الإقليمين، الاحتلال العثماني. تتشابه المنطقتان أيضاً بظواهر التنوع الديني والإثني، بتواتر الحروب وبتاريخ دموي حافل بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعمليات إبادة جماعية، بعضها مستمر حتى اليوم. لكن في البلقان يتغلب منطق الحق والعدالة على منطق الإفلات من العقاب، برغم الصعوبات. فلماذا لا يكون مصير العدالة في الشرق الأوسط شبيهاً بمصيرها الواعد في البلقان؟

العدالة في كوسوفو ويوغوسلافيا

هناك، انطلقت محاكمة مجرمي حرب أمام "المحكمة الخاصة بكوسوفو"، اعتباراً من أيلول/ سبتمبر 2021. هذه المحكمة تأسست سنة 2015، للمحاسبة على جرائم الحرب التي ارتكبها "جيش تحرير كوسوفو" ضد الصرب والغجر والمعارضين الألبان، خلال حرب الاستقلال في تسعينيات القرن الماضي. بدأت العدالة تأخذ مجراها مع اعتقال صالح مصطفى، أحد قادة ذلك "الجيش" المتمرد ضد صربيا، عام 2020، حين كان يتولى منصباً رسمياً كمستشار في وزارة الدفاع في حكومة كوسوفو. من لحظة الاعتقال، مروراً بفترات المحاكمة، توصلت المحكمة إلى إصدار حكمها الابتدائي في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2022، والذي جاء فيه أن "هيئة المحاكمة وجدت المتهم مذنباً بارتكاب جرائم الحرب المتمثلة في الاحتجاز التعسفي والتعذيب والقتل، وحُكم عليه بالسجن 26 عاماً (...)".

في العام 2020، اضطر رئيس جمهورية كوسوفو إلى تقديم استقالته، بعدما اتهمته المحكمة بارتكاب جرائم حرب

"المحكمة الخاصة بكوسوفو" لا تعرف حدوداً. في قاموسها، لا أحد فوق القانون حتى لو كان "بطل" حرب تحررية. خير مثال على ذلك أنه في العام 2020، اضطر رئيس جمهورية كوسوفو، هاشم تاتشي، الذي انتخب في العام 2016، إلى تقديم استقالته، بعدما اتهمته المحكمة مع ثلاثة مسؤولين آخرين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية واستدعتهم إلى المحاكمة التي بدأت في نيسان/ أبريل 2023.

بالإضافة إلى هاشم تاتشي، وهو محارب سابق في "جيش تحرير كوسوفو"، يتعلق الأمر بكل من قادري فيسيلي مسؤول الاستخبارات السابق في هذا "الجيش"، ويعقوب كراسنيكي، الناطق السابق باسمه، ورجب سليمي، وهو قيادي بارز فيه. وهؤلاء يحاكَمون بتهم ارتكاب جرائم حرب "في الفترة (الممتدة) من آذار/ مارس 1998 على الأقل، حتى أيلول/ سبتمبر 1999، (...) في مواقع عدة عبر كوسوفو وكذلك في كوكوس وكاهان في شمال ألبانيا"، بحسب ما ورد في الموقع الإلكتروني للمحكمة.

مهما طال الزمن

لهذه المحاكمة دلالة مهمة، كونها تُظهر أن العدالة الدولية ستأخذ مجراها وستلاحق المرتكبين مهما طال الزمن، وحتى لو تولّوا أرفع المسؤوليات الرسمية والحكومية. والعامل الأهم يتمثل في أنها تثبت انعدام المعايير المزدوجة عندما يتعلق الأمر بمحاكمة مجرمي حرب كوسوفو. إذ إنه وقبل ملاحقة ومحاكمة قادة ألبان كوسوفو، كانت "المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة"، التابعة للأمم المتحدة، سبّاقةً في محاكمة المرتكبين، خلال الأحداث الدموية التي شهدتها دول يوغوسلافيا السابقة في مراحل عدة من تسعينيات القرن الماضي، وهي لا تزال تواصل عملها. وقد أدانت، حتى الآن، 91 شخصاً من أصل 161 متهماً، بينهم كروات وبوسنيون وعدد كبير من الصرب-البوسنيين والصرب (...). من أبرز هؤلاء، الرئيس الصربي، (الراحل) سلوبودان ميلوزوفيتش، الذي كان أول رئيس دولة يُتّهم من قبل محكمة عدل دولية. ووجه إليه الاتهام بارتكاب 12 جريمةً، في خطوة ترى فيها المحكمة نموذجاً عن المساءلة الفورية بالتزامن مع ارتكاب الجرائم.

ويشمل العقاب أيضاً زعيم صرب البوسنة، رادوفان كاراديتش، الملقب بـ"جزار حرب البوسنة"، والذي أدانته "المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة"، سنة 2016، بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، خلال الحرب الأهلية في البوسنة (1992-1996)، وحكمت عليه بالسجن 40 عاماً قبل أن تحكم عليه المحكمة الجنائية الدولية، سنة 2019، بالسجن مدى الحياة.

ماذا عن محدودية التأثير؟

لا يمكن لمثل هذا الانتصار للعدالة الدولية إلا أن يبشّر بالخير، مع أنه يترافق مع تحديات تواجه مسار العدالة الوطنية في البوسنة والهرسك. إذ شهدت السنوات الماضية مراوحةً وعدم إحراز تقدّم في عمل القضاء المحلي بشأن مئات الارتكابات، بحسب تقرير لمنظمة التعاون والأمن في أوروبا، في 24 حزيران/ يونيو 2022. فالمحاكم الدولية قد لا تنظر في جميع القضايا، بل تحيلها إلى القضاء المحلي في كل بلد معني.

كذلك، عندما تسعى المحكمة الجنائية الدولية، التي تأسست سنة 1998 بموجب "نظام روما الأساسي"، إلى ملاحقة أحد المرتكبين في دولة ما، تصطدم بمحدودية التأثير، لأن فعالية عملها تبقى في المحصلة رهن تعاون تلك الدولة معها. وهذا ما يفسر، على الأرجح، الهوة بين عدد المدّعى عليهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية وعدد الموقوفين لديها بتهم جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو عمليات إبادة جماعية.

تظهر المعطيات أن بعض الشخصيات المتهمة أو الملاحقة من المحكمة الدولية هي من ليبيا والسودان، فهل يعني هذا استعداداً دولياً لمحاكمة المرتكبين في دول الشرق الأوسط؟

بحسب معطيات نُشرت على موقعها الإلكتروني، فإن من أصل أكثر من 50 مدّعى عليهم، هناك 24 قضيةً مغلقةً، 4 براءة، 10 إدانات، و7 محتجزين فقط لدى المحكمة، بينما 14 من الملاحقين والمتهمين هاربون من وجه العدالة، ومن أبرز هؤلاء رئيس السودان المخلوع، عمر البشير. كذلك، تظهر المعطيات أن بعض الشخصيات المتهمة أو الملاحقة هي من ليبيا والسودان (على خلفية الجرائم في دارفور). وهذا يظهر استعداداً دولياً لمحاكمة المرتكبين في دول الشرق الأوسط. لكن أغلبية من تطاردهم المحكمة الجنائية الدولية هم من دول إفريقية أخرى، مثل مالي وكينيا وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وساحل العاج وأوغندا ورواندا، باستثناء ثلاث حالات من جورجيا، وهم مقربون من روسيا، على خلفية حرب 2008 في أوسيتيا الجنوبية. لذا يبقى السؤال مطروحاً لمعرفة متى ستفعّل هذه المحكمة عملها في ما يتعلق بدول مثل إسرائيل وسوريا، ناهيك عن لبنان والعراق وغيرهما؟

اعتيادية الإفلات من العقاب

في الواقع، ثمة مخاوف في لبنان من أن يتحول التفلّت من العقاب إلى ظاهرة اعتيادية، برغم أن هناك إدانات لأفراد بتنفيذ جرائم اغتيال (رفيق الحريري وبشير الجميل)، أو متهمين بتحمل مسؤولية ما في جريمة تفجير المرفأ، وغيرها من الارتكابات، ناهيك عن الجرائم المرتكبة خلال الحرب الأهلية والتي شملها العفو العام بدلاً من تطبيق العدالة الانتقالية، لبناء سلام عادل ودائم، والتي سبق وتناولناها في رصيف22 بشكل مفصّل.

تجربة لبنان محبطة مع العدالة الدولية. المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في هذا البلد، سنة 2006 أو 1996 وما قبلهما أيضاً، لا تزال بلا مساءلة وعقاب. والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان أصدرت حكمها بشأن اغتيال رفيق الحريري، وسط عجز دولي ولبناني رسمي عن توقيف المتهم ومعاقبته. أما في ما يتعلق بقضية انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، فلا رهان على سلطة قضائية لبنانية غير مستقلة وغير نزيهة، وأسيرة التدخلات السياسية.

لكن هناك بصيص أمل أتى من لندن، أي من قضاء محلي وليس من محكمة دولية، عندما بدأت "محكمة العدل العليا البريطانية" النظر في دعوى مدنية يتابعها "مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت"، ضد شركة "سافارو المحدودة" (SAVARO Ltd)، المتهمة بنقل نيترات الأمونيوم التي تسبب احتراقها في انفجار المرفأ. وقد أكدت المحكمة في حكم صدر في شهر شباط/ فبراير 2023، مسؤولية الشركة في هذا الصدد، ثم حكمت عليها، منتصف حزيران/ يونيو المنصرم، بتسديد مبلغ "مائة ألف جنيه إسترليني لكل واحد من المدّعين، تعويضاً عن الضرر المعنوي الناجم عن وفاة الضحية، وبمبلغ يفوق نصف مليون جنيه إسترليني للضحية الجريحة، تعويضاً عن ضررها المعنوي والجسدي وتغطيةً لنفقاتها الطبيّة"، كما ورد في بيان صادر عن مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت. هذه الدينامية القضائية البريطانية مفيدة معنوياً لضحايا تفجير مرفأ بيروت واللبنانيين عموماً، وتساهم في إحلال العدالة ولو جزئياً. إلا أنها غير كافية: المجرمون لا يزالون ينعمون بالحرية!

الإفلات من العقاب آفة يعاني منها العراق أيضاً. بعد حرب 2003، حين قادت واشنطن تدخلاً عسكرياً لإسقاط نظام صدام حسين، فُتِحَ الباب على مصراعيه أمام مقتلة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تورطت فيها لا القوات الأمريكية وحسب، بل ميليشيات متحالفة مع إيران وتنظيم "القاعدة" و"داعش" أيضاً. لكن منذ ذلك التدخل العسكري وما خلّفه من قتلى في صفوف المدنيين، لم يُحاكَم أحد، ولا حتى أي مسؤول غربي، كما يشير الصحافي الفرنسي ألان غريش، في مقالة له بعنوان "العراق 2003، جريمة من دون مجرمين".

بصيص أمل بشأن جرائم الحرب في سوريا؟

أعلنت "المحكمة الدولية" أن كندا وهولندا تقدّمتا بدعوى لمقاضاة النظام السوري بتهمة "ارتكاب عمليات تعذيب واستخدام أسلحة كيميائية"

يكاد يكون مصير سوريا شبيهاً بمصير العراق، بل أسوأ، لولا حصول تطوّر جديد قد يعيد خلط الأوراق. في تطوّر وصفته الصحافة بـ"الخطوة غير المسبوقة"، أعلنت "محكمة العدل الدولية"، في بيان صادر في 12 حزيران/ يونيو 2023، أن كندا وهولندا تقدّمتا، في 8 حزيران/ يونيو 2023، بدعوى لمقاضاة النظام السوري بتهمة "ارتكاب عمليات تعذيب واستخدام أسلحة كيميائية" (...).

على الرغم من أن مهمة هذه المحكمة "تتمثل في الفصل، وفقاً للقانون الدولي، في النزاعات المعروضة عليها" (النزاعات بين الدول)، كما ينص نظامها الأساسي، إلا أن من شأن تلك الدعوى أن تساهم في إطلاق أول مسار قضائي ضد نظام بشار الأسد أمام "الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة". وعلى الرغم من محدودية القدرة على تنفيذ قرارات هذه المحكمة، إلا أنه لا يمكن التقليل من شأن أي قرار قد تتوصل إليه محكمة العدل الدولية رداً على الدعوى الكندية-الهولندية التي تطالب بـ"محاكمة ومعاقبة" المتورطين. فالتحرك في إطارها يتخذ بعداً قانونياً دولياً، على خلاف المسارات القضائية الوطنية في دول أوروبية عدة، كألمانيا والنمسا وفرنسا، حيث تتم محاكمة مجرمي حرب ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية سوريين.

كذلك، أي إدانة من قبل هذه المحكمة للنظام السوري وتحديداً لأفراد مسؤولين فيه، يمكن أن تكون ممراً نحو إحالة المتهمين إلى محاكم أخرى مختصة بمحاكمة الأفراد، كالمحكمة الجنائية الدولية. لكن ثمة عقبةً دائمةً لا يمكن تجاهلها، تتمثل في أن سوريا لم تصادق على نظام روما الأساسي الذي تأسست بموجبه "المحكمة الجنائية الدولية"، فضلاً عن إمكانية استخدام روسيا والصين لحق "الفيتو" مجدداً، لمنع مجلس الأمن الدولي من إحالة مجرمي الحرب السوريين إلى هذه المحكمة أو تأسيس محكمة خاصة بسوريا.

تجارب سابقة محبطة

ثمة إذاً تاريخ من العجز الأممي المخيّب لآمال ضحايا الحرب في سوريا. مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة كان قد أسس "لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية"، في 22 آب/ أغسطس 2011، للتحقيق في الانتهاكات المفترضة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. إلا أن دورها يتسم بالمحدودية، واللجنة تطلب من أي طرف قادر تزويدها بمعلومات وأدلة عن الانتهاكات في سوريا.

لكن، وبحسب تقرير لها رفعته إلى مجلس حقوق الإنسان، في آذار/ مارس 2021، تمنع دمشق فِرَق عمل اللجنة من الدخول إلى الأراضي السورية. ويوثق التقرير جميع الحالات منذ بداية الثورة والحرب السورية عام 2011 حتى 2021. وتشمل قائمة المتورطين كلاً من الجيش السوري، والقوات الروسية، وهيئة تحرير الشام، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ويؤكد أنه "على مدى السنوات العشر الماضية، ارتكب أطراف النزاع أبشع انتهاكات القانون الدولي الإنساني وانتهاكات وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان. وشملت هذه الانتهاكات والتجاوزات أفعالاً من المرجح أن تشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجرائم دوليةً أخرى، بما في ذلك الإبادة الجماعية". لكن عجز الأمم المتحدة حال ويحول دون توجيه رسالة صارمة بأن زمن الإفلات من العقاب قد ولّى في سوريا.

رصد جرائم إسرائيل... فقط

مصير الدعوى الكندية-الهولندية قد يكون مشابهاً لحالات أخرى، أبرزها توصية محكمة العدل الدولية بشأن الجدار الفاصل الذي شيّدته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بناءً على طلب استشارة مقدّم من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2003.

في 9 تموز/ يوليو 2004، أعلنت المحكمة أن بناء إسرائيل لهذا الجدار يمثّل انتهاكاً للقانون الدولي وطالبت بوقف عملية البناء وهدم الجدار داخل الأراضي المحتلة. لكن بعد مرور 20 عاماً على رأيها الاستشاري، تحوّل انتهاك إسرائيل للقانون الدولي إلى أمر واقع مفروض بالقوة، فيما لا تزال بقية جرائمها من دون عقاب، وآخرها تلك التي أعلنت عنها "منظمة العفو الدولية"، في تقرير لها صدر في 13 حزيران/ يونيو 2023، في إطار رصدها لجرائم حرب محتملة ارتكبتها إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، خلال مواجهة عسكرية في 9 أيار/ مايو 2023.

للتذكير فقط، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، "مؤسسةً مستقلةً" من أجل جلاء مصير آلاف الأشخاص المفقودين في سوريا على مدى 12 عاماً،ف امتنعت عن التصويت على إنشاء هذه المؤسسة 13 دولةً عربيةً...  

هي ليست المرة الأولى التي تشير فيها "منظمة العفو الدولية" إلى حصول جرائم حرب محتملة، من دون أن يتم إطلاق مسار قضائي دولي لمحاسبة إسرائيل.

حتى الأمم المتحدة تراقب السلوك الإسرائيلي وترفع تقارير تدينه، لكنها تبقى حبراً على ورق طالما أن الولايات المتحدة الأمريكية تحمي إسرائيل، بواسطة "الفيتو" في مجلس الأمن إذا لزم الأمر. أنشأ مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في 27 أيار/ مايو 2021، "لجنة تحقيق دولية مستقلة مستمرة للتحقيق داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وداخل إسرائيل"، لمتابعة "جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي الإنساني وجميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان التي سبقت 13 نيسان/ أبريل 2021، ووقعت منذ هذا التاريخ".

بعد هذا القرار، أعربت واشنطن عن أسفها حيال هذه الخطوة، كما أن إسرائيل ترفض تسهيل عمل اللجنة التي خلصت، في تقرير لها صادر في 14 أيلول/ سبتمبر 2022، إلى نتائج خطيرة عدة، أبرزها أن "بعض السياسات والإجراءات التي تقوم بها حكومة إسرائيل والتي تؤدي إلى احتلال دائم وتالياً إلى ضم بحكم الواقع قد تشكل عناصر جرائم بموجب القانون الجنائي الدولي"؛ كما أن "جرائم حرب ربما تكون قد ارتُكبت بموجب (...) نظام روما الأساسي في ما يتعلق بنقل أجزاء من سكان السلطة القائمة بالاحتلال نفسها إلى الضفة الغربية"؛ وأن "السياسات (الإسرائيلية) (...) التي أسهمت في التشريد القسري للسكان الفلسطينيين من مناطق معيّنة، وغيرت التكوين الديمغرافي للأرض الفلسطينية المحتلة، وأدت إلى تطويق المستوطنات الإسرائيلية للمجتمعات الفلسطينية بالكامل تقريباً، قد تشكل جريمةً ضد الإنسانية تتمثل في ترحيل السكان أو نقلهم قسراً، بموجب (...) نظام روما الأساسي"؛ وأن "عملية نهب وسلب الموارد الطبيعية واستغلالها من قبل (سلطات إسرائيل وأشخاص إسرائيليين) قد ترقى إلى جريمة الحرب...".

توصي اللجنة في تقريرها بضرورة أن تتحرك محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية للنظر والتحقيق في كل هذه الانتهاكات. وهي توصية، إنْ بقيت حبراً على ورق، كالعادة، فسيُحرَم الفلسطينيون والسوريون ومعظم شعوب الشرق الأوسط من تحقيق العدالة، على عكس شعوب البلقان. فهل هذه الشعوب يمكن أن تأمل يوماً في تغيير عالمي يضع حداً لازدواجية المعايير الدولية ويؤسس لنظام دولي لا إفلات من العقاب فيه؟

للتذكير فقط، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس الماضي، "مؤسسةً مستقلةً" من أجل جلاء مصير آلاف الأشخاص المفقودين في سوريا على مدى 12 عاماً، وهو طلب متكرر لأهاليهم وللمدافعين عن حقوق الإنسان، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية. للتذكير أيضاً، امتنعت عن التصويت على إنشاء هذه المؤسسة 13 دولةً عربيةً، فيما رفضته الصين وروسيا وكوريا الشمالية وكوبا وإيران وغيرها، وصوّتت مع القرار الكويت وقطر. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard