أثار اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران برعاية صينية، بعد قطيعة بدأت عام 2016، ردود فعل إقليمية وعالمية واسعة على صعيد عدة ملفات من أبرزها القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل.
على الجانب الفلسطيني، جاءت ردود الفعل على عودة العلاقات السعودية الإيرانية إيجابية و"مستبشرة"، فيما كان الجانب الإسرائيلي أكثر قلقاً وتخوّفاً إزاء عودة العلاقات بين العدوة اللدودة (إيران) و"الحليفة المحتملة" (السعودية). بلغ الأمر أن وصف بعض المسؤولين الإسرائيليين الاتفاق بأنه "ضربة قاسمة" و"بصقة في وجه إسرائيل".
فرصة لإعادة ترتيب العلاقات الفلسطينية؟
في بيان مقتضب عبر وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، "رحّبت" رئاسة السلطة الفلسطينية في رام الله بالاتفاق، مثمّنةً "الدور الصيني الإيجابي الذي أسهم في التوصل لهذا الاتفاق"، ومعربةً عن أملها أن تسفر هذه التطورات عن "استقرار وتعزيز المناخ الإيجابي في المنطقة".
لم تكن حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، التي تحكم قطاع غزّة المحاصر، أقل تفاؤلاً باستئناف العلاقة بين الرياض وطهران إذ عدّته "خطوةً مهمَّةً على طريق توحيد صفوف الأمَّة وتعزيز الأمن والتفاهم بين الدول العربية والإسلامية، وتحقيق الاستقرار في المنطقة".
"خطوة مهمّة تصبّ في صالح القضية الفلسطينية" vs "فشل كامل وخطير للسياسة الخارجية الإسرائيلية"... كيف رأى المسؤولون الفلسطينيون والإسرائيليون استئناف العلاقات السعودية الإيرانية؟
وعلى لسان خليل الحيّة، عضو المكتب السياسي للحركة، أضافت حماس: "هذه الخطوة المهمّة تصبّ في صالح القضية الفلسطينية، ودعم صمود شعبنا في مواجهة الاحتلال وعدوانه المتواصل على الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني ومقدساته".
من جهته، أكد بسام الصالحي، الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن التقارب السعودي الإيراني برعاية صينية ومساندة روسية "موضع ترحيب شديد دون شك" و"مظهر مباشر للتغيّرات الجارية في منطقة الشرق الأوسط والعالم".
وتكهّن الصالحي بأن الاتفاق يعكس "ضرورة صياغة إستراتيجية فلسطينية مشتركة مع الصين وروسيا تناسب هذه التغيرات الهائلة"، وهو ما يتطلب من وجهة نظره "وقف المراهنة والاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية، ما قاد الوضع الفلسطيني إلى تدهور إثر الآخر إذ إن واشنطن هي عائق أساسي أمام تحرر الشعب الفلسطيني وليست فقط راعياً منحازاً لإسرائيل".
وختم السياسي الفلسطيني بالإشارة إلى أن "الاختبار الأوّلي المباشر (أمام فلسطين) هو الطلب من مصر الشقيقة إلغاء اجتماع شرم الشيخ المقرر هذا الشهر استكمالاً لاجتماع العقبة وإعلان عدم المشاركة الفلسطينية فيه، وصفق الباب نهائياً أمام هذا المسار، وإعادة ترتيب جوهري لمجمل العلاقات الفلسطينية الإقليمية والدولية".
وبينما كان النظام الملكي في إيران (1925- 1979) صديقاً لإسرائيل يحتفظ بعلاقات ودية على المستوى التجاري والعسكري والدبلوماسي معها، تضمنت الثورة على الشاه محمد رضا بهلوي وسياساته الداخلية والخارجية الكراهية لإسرائيل ودعم القضية الفلسطينية. وحل الزعيم التاريخي لفلسطين ياسر عرفات كأول ضيف أجنبي على طهران، والتقى مرشد الثورة آية الله الخميني بعد أيام من انتصار "الثورة الإسلامية".
وحدد الخميني يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان في كل عام يوماً للقدس تخرج فيه المظاهرات الداعمة للقضية والمنددة بإسرائيل وأمريكا وسياساتهما في مختلف المدن الإيرانية. وهو تقليد متّبع حتى الآن.
ولا يُفوّت المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي مناسبة إلا ويتحدث عن قضية فلسطين وتدمير إسرائيل.
ودخلت إيران على خط الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي طوال سنوات مضت، ودعمت حركة حماس وساهمت بشكل من الأشكال في تعميق الخلاف الداخلي الفلسطيني-الفلسطيني، فيما بقيت التهديدات التي يطلقها المسؤولون الإيرانيون حول تدمير إسرائيل حبراً على ورق، إذ لم تحصل أي مواجهة مباشرة بين الطرفين.
رأى مسؤول فلسطيني أن الاتفاق السعودي الإيراني يعكس "ضرورة صياغة إستراتيجية فلسطينية مشتركة مع الصين وروسيا تناسب هذه التغيرات الهائلة" و"وقف المراهنة والاعتماد على الولايات المتحدة" التي تقف، في رأيه، "عائقاً أساسياً أمام تحرر الشعب الفلسطيني"
"بصقة في وجه إسرائيل"
في المقابل، كان الإسرائيليون أشد انزعاجاً وقلقاً من أنباء التقارب السعودي الإيراني إذ كانت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمني النفس وتعد أنصارها بانتصار هائل عبر تطبيع العلاقات مع المملكة التي تحتضن أقدس المعالم الدينية الإسلامية.
ولم تصدر أي تصريحات رسمية عن نتنياهو الذي يزور إيطاليا لتوقيع عدة اتفاقيات تعاون ثنائية، حتى نشر هذا التقرير. لكن "يديعوت أحرونوت" نقلت عن "مسؤول بارز" من المرافقين لنتنياهو، لم تذكر اسمه، قوله إن التقارب السعودي الإيراني "لن يؤثر على محاولات إسرائيل تطبيع العلاقات مع السعودية".
في أحسن الأحوال، أشارت بعض وسائل إعلام إسرائيلية إلى أنه ليس واضحاً بعد كيف قد يؤثر هذا الاتفاق على "العلاقات بين السعودية وإسرائيل التي برزت وراء الكواليس في السنوات الأخيرة، بقيادة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من دون أن تصبح رسمية ومرئية كما هو الحال مع الإمارات والبحرين والمغرب". علماً أن القيادة السعودية الرسمية تؤكّد علناً أن إقامتها أية علاقات رسمية مع إسرائيل لن تكون ممكنة قبل حل القضية الفلسطينية بناءً على حل الدولتين.
لكن وسائل إعلام إسرائيلية أخرى كانت أكثر صراحةً بالتحذير من "خطورة" هكذا اتفاق، وأبرزها صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي وصفت تجديد العلاقات السعودية الإيرانية بأنه "بصقة في وجه إسرائيل".
كتبت الصحيفة الإسرائيلية: "نتنياهو، على ما يبدو، تلقى ضربةً لجهوده، لأنه لا يقبل الحياد في هذا السياق، وبالنسبة له: إما أن تكون مع إيران، أو تكون ضدها"، مستدركةً بأنه "من الناحية العملية، يمكن النظر إلى القرار السعودي على أنه بصقة في وجه إسرائيل. يبدو أن دولاً مثلها تفضل الحفاظ على علاقاتها حتى مع الأعداء، تفادياً للمخاطر وتجنباً للأذى".
وتابعت: "يجب أن تشعر إسرائيل بالقلق من احتمال توصل السعوديين إلى استنتاج مفاده أن إسرائيل لا نماك قوة عسكرية موثوقاً بها، وبالتالي فضّلت استرضاء ‘الوحش الإيراني‘ والتوصل إلى تفاهم معه"، مردفةً بأن الاتفاق "هو خطوة دراماتيكية تعبّر بوضوح عن عدم الثقة في القيادة الأمريكية أولاً وقبل كل شيء، وكذلك عن عدم ثقة السعوديين في خطة نتنياهو لتحييد خطر إيران".
بعدما كانت حكومة نتنياهو تمني النفس وتعد أنصارها بانتصار هائل عبر تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية التي تحتضن أقدس المعالم الدينية الإسلامية، صحيفة إسرائيلية: السعوديون توصلوا إلى استنتاج مفاده أن إسرائيل ليست لديها قوة عسكرية موثوقاً بها، وفضّلت استرضاء ‘الوحش الإيراني‘ والتفاهم معه
في غضون ذلك، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، عبر حسابه في تويتر، إن "تجديد العلاقات بين إيران والسعودية تطور خطير ومقلق لإسرائيل، وانتصار سياسي لإيران وفشل ذريع لحكومة بنيامين نتنياهو، وضربة قاسمة لجهود إسرائيل في بناء تحالف إقليمي ضد إيران".
وقال إنه بينما "تراقب دول العالم والمنطقة الإسرائيليين يصارعون ‘حكومة مختلّة‘ تعمل على تدمير الذات بشكل منهجي" ليس مستغرباً أن تأخذ الدول جانباً، مشدداً على أن "حكومة نتنياهو هي فشل اقتصادي وسياسي وأمني مدوٍّ، وكل يوم من عمليتها (يقصد استمرارها في الحكم) يعرض إسرائيل للخطر. نحن بحاجة إلى حكومة طوارئ وطنية واسعة تعمل على إصلاح الأضرار العديدة التي حدثت".
وغرّد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد: "الاتفاق بين السعودية وإيران هو فشل كامل وخطير للسياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية. هذا انهيار لجدار الدفاع الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران. هذا ما يحدث عندما تتعامل مع الجنون القانوني (يقصد التعديلات القضائية التي تصر حكومة نتنياهو على إدخالها رغم الرفض الواسع لها على الصعيدين الشعبي والسياسي) طوال اليوم بدلاً من القيام باللازم مع إيران وتقوية العلاقات مع الولايات المتحدة".
وفي سلسلة تغريدات لاحقة، كذّب لابيد أي أعذار أو محاولات تنصل من نتنياهو بإلقاء اللوم على حكومته السابقة. قال: "سيتحدث نتنياهو وكأنني المسؤول عن الاتفاق السعودي الإيراني، هذه تصريحات كاذبة. خلال فترة حكومتنا، تم توقيع اتفاقية الطيران مع السعودية، والاتفاقية الأمنية الثلاثية مع المملكة ومصر، واتفاقية الرحلات الجوية المباشرة خلال موسم الحج. وأخيراً، أقلع الرئيس (الأمريكي جو) بايدن مباشرة من تل أبيب إلى المملكة لمواصلة تعزيز العلاقة. توقّف كل هذا عندما تم تشكيل ‘الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل‘ (يقصد حكومة نتنياهو اليمينية) واتضح للسعوديين أن نتنياهو كان ضعيفاً وأن الأمريكيين توقفوا عن الاستماع إليه".
وأردف: "الشيء الوحيد الصحيح الذي قاله نتنياهو هو أن ‘الموقف الإسرائيلي لم يكن قوياً بما فيه الكفاية‘ وقت الهجوم الصاروخي الإيراني على المنشآت النفطية في السعودية. لقد نسي للتو أنه في أيلول/ سبتمبر 2019 كان رئيساً للوزراء وأن منصبه أظهر ضعفاً لا يُصدق".
ومضى منتقداً حكومة نتنياهو معرباً عن دهشته لأنه "عندما كاد الأمريكيون أن يوقعوا اتفاقاً مع إيران، تركت حكومتنا كل القضايا الأخرى، وركزنا على هذا الاتفاق المحتمل، حاولنا إقناعها، وأجرينا لقاءات، وعملنا على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. الآن، بينما تريد إيران أن تصبح قوة نووية وتخصِّب اليورانيوم بنسبة 84% وتوقّع اتفاقاً مع السعودية، ماذا تفعل الحكومة اليمينية؟ لا تهتم لا بإيران ولا الهجمات الإرهابية ولا الاقتصاد ولا تكاليف المعيشة… كل ما يهمها هو تدمير الديمقراطية في إسرائيل وتمزيق الشعب وقضاء عطلات نهاية الأسبوع في روما أيضاً".
في سياق متصل، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس تجديد العلاقات بين إيران والسعودية بأنه "تطور مقلق"، مستنكراً أنه فيما "تتزايد التحديات الأمنية الهائلة التي تواجه إسرائيل، فإن رئيس الوزراء وحكومته مشغولان بانقلاب (على الديمقراطية)".
وختم: "بصفتي شخصاً كان شريكاً لسنوات عديدة في بناء التحالف ضد إيران، أصرِّح بأن نتنياهو تخلى عن أمن إسرائيل ومواطنيها وهذه هي النتيجة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...