انتهت القمة الخليجية الصينية في الرياض، لكن تداعياتها ما زالت حاضرة في طهران. فمنذ الجمعة الماضي وحتى الآن شكل البيان الختامي للقمة صدمة للجانب الإيراني، ولم تهدأ بعده التنديدات والتصريحات الرسمية وغير الرسمية.
أكد بيان القمة المشترك على ضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني، ودعا البيان، طهران، للتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما شجّع على علاقات خليجية إيرانية وفقاً لمبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، بل وصرح البيان أن كلا الجانبين أي الصين ودول الخليج يؤكدان على دعم مساعي دولة الإمارات للتوصل إلى حلّ سلمي لقضية الجزر الثلاث، وذلك من خلال المفاوضات الثنائية.
الأخير هذا أي البند الـ12 من بيان القمة حول قضية الجزر، أغضب الإيرانيين أكثر بكثير من البنود الأخرى، بل واعتبروه انتهاكاً للسيادة الإيرانية. وتوالت ردود الأفعال على شبكات التواصل الاجتماعي من نخب وسياسيين وباحثين وإعلاميين، بين استغراب من الموقف الصيني وتنديد لدعمه وبين من رأى جفاءَ بكين لطهران الحليفة لها في المنطقة.
أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن مساعد وزير الخارجية عبر في لقائه مع السفير الصيني لدى طهران، عن الاستياء الشديد من إدراج الجزر الثلاث ومفاوضات الاتفاق النووي في البيان الخليجي الصيني
في تعليقه، قال المؤرخ والمحلل السياسي مجيد تَفرشي: "الدعم الصيني الواضح لمواقف الدول الخليجية المعادية لإيران، هو تحول خطير، ويجب أن يؤخذ على محمل الجد".
أما الناشط البيئي محمد درويش فأكد على أن الجزر الثلاث (أبو موسى وطنب الصغرى والكبرى) جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية، ولا بد أن يتم تفهيم ذلك للحكومة الصينية.
موقف حكومي
وبعد أن توالت ردود أفعال النخبة السياسية ومعظمهم من التيار الإصلاحي، نشر مساعد الشؤون السياسية للرئيس الإيراني محمد جَمشيدي تغريدةً قال فيها: "على الزملاء الصينين أن يتذكروا أنه عندما دعمت السعودية والولايات المتحدة الجماعاتِ الإرهابية في سوريا وداعش والقاعدة، ودمرت اليمن بالعدوان العسكري الوحشي، كانت إيران هي التي حاربت الإرهابيين لإرساء الاستقرار والأمن في المنطقة ومنع انتشار الإرهاب شرقاً وغرباً".
أما وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان فقد أكد على السيادة الإيرانية على الجزر الثلاث المتنازع عليها مع الإمارات، مغرداً: "لا نتسامح مع أي طرف حول ضرورة احترام وحدة الأراضي الإيرانية".
كما أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن مساعد وزير الخارجية عبر في لقائه مع السفير الصيني لدى طهران، عن الاستياء الشديد من إدراج الجزر الثلاث ومفاوضات الاتفاق النووي في البيان الخليجي الصيني.
بدوره طالب عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني جليل رحيمي، بأن يكون لدى الصين والسعودية فهم أكثر دقة وواقعية لمواقف إيران.
جزر إيرانية أم إماراتية؟
أعلنت طهران السيادة على الجزر عام 1971، وقبل أن تنال الإمارات المتحدة العربية استقلالها عن بريطانيا بيومين فقط. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن ما زالت الإمارات تطالب بإرجاع جزرها حسب قولها، لكن إيران تؤكد أن ملكيّتها للجزر غير قابلة للنقاش.
وتؤكد دولة الإمارات تبعيةَ الجزر لها، وتقول إن جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى تعود لإمارة رأس الخيمة، وجزيرة أبو موسى تعود لإمارة الشارقة. كما تحظى الجزر الثلاث بأهمية إستراتيجية واقتصادية كبيرة لأسباب مختلفة، منها إشرافها على مضيق هرمز الذي يمرّ عبره يومياً 40 بالمئة من نفط العالم، وبالتالي من يسيطر على الجزر قادر بالتحكم إلى حد كبير بحركة الملاحة في مياه الخليج.
تقاعس تجاه الصين
وبما أنه قد يمكن الجزم بالقول إن كل ما يحدث في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بات يمضي قدماً نحو توسيع رقعة الخلافات بين الحكومة المحافظة ومعارضيها من التيار الإصلاحي وعامة الناس، فقد استنكر ثلةٌ من المراقبين للسياسة الخارجية الإيرانية طريقةَ التعاطي مع موقف صين المعارض، واتهموا الحكومة بتبعيتها لحليفتها الصينية والخوف من الردّ عليها.
وقد ظهر ذلك النقاش جلياً على صحف أمس واليوم في طهران، فبينما خصصت الصحف الإصلاحية والمستقلة عناوينها وتحاليلها لمناقشة ما حدث في يوم الجمعة في الرياض والذي صدم الشارع الإيراني. اتخذت الصحف الحكومية والمحافظة جانب الصمت أو تطرقت لهذا الأمر على هامش القضايا الأخرى.
وحصدت تغريدة وزير الخارجية الإيراني باللغة الفارسية الذي لم يذكر فيها اسم الحكومة الصينية، مكتفياً بكلمة "الطرف"، تفاعلاً سلبياً على تويتر، ومنه ردّ ساخر كهذا: "كانت دبلوماسية كبيرة ورائعة!"، وردّ مشحون بالغضب: "حتى لا تجرأ على ذكر اسمهم؟ هذا ذلّ فريد من نوعه"، وتذكير بتناقضات الوزير: "عندما أردت أن تحتج على التصريحات الأمريكية ضد السيادة الصينية، غردتَ باللغة الصينية، والآن تغرد بالفارسية حول انتهاك الصين لسيادتنا؟".
أما الخارجية الإيرانية التي استدعت السفير الصيني، فلم تستخدم في خبرها مفردة "استدعاء السفير"، بل اكتفت بمفردة "لقاء السفير"، وهي الأخرى لم تسلم من نقد الإيرانيين. فكتب رجل الأعمال علي شريعتي: "اللقاء مع تناول الشاي يختلف عن الاستدعاء"، وكرر ذلك 3 مراتٍ تعبيراً عن غضبه من كيفية التعاطي مع الصينين.
ومن جديد ذكر بعض السياسيين والاقتصاديين أهمية عدم التحالف مع قوى الشرق، الصين وروسيا، على حساب الغرب، كي لا يمس ذلك باستقلال البلد وسيادته.
الشراكة الصينية الإيرانية
أبرمت طهران في عام 2020، اتفاقية شاملة مع الصين لفترة 25 سنة تحت عنوان الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية.
وتركز الشراكة على استثمار صيني بحجم 400 مليار دولار في عموم القطاعات الإيرانية، تتضمن ما يصل إلى 280 مليار دولار أمريكي لتطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات واستثمارات أخرى بقيمة 120 مليار دولار لتحديث البنية التحتية للنقل والتصنيع في إيران. كما تُدخل الاتفاقية إيرانَ ضمن مشروع مبادرة الحزام والطريق الحريري الصيني، حسبما نقلت وسائل إعلام إيرانية.
السفير الصيني لدى طهران بدوره قال في لقائه مع مساعد الخارجية الإيرانية إن بكين تلتزم بسياسة متوازنة في الشرق الأوسط، وذكر أن الدليل على ذلك هو زيارة نائب رئيس الوزراء الصيني لطهران خلال الأيام المقبلة
أما مجلة "بتروليوم إيكونوميست" البريطانية فقد كشفت معلومات أخرى عن الاتفاقية، منها أن الاستثمار في حقل النفط والغاز والبتروكيماويات سيكون محتكراً للجانب الصيني طيلة فترة الاتفاقية، ويحق لهم أن يدفعوا بعد عامين تكلفة ما يشترونه من طهران. كما يمكن لبكين أيضاً أن تؤدي مدفوعاتها متى ما لزم الأمر، بالعملة الصينية، وبعملات أضعف، ما يعني أن الدولار الأمريكي لن يُستخدم في المدفوعات الصينية. كما يمكن لهم شراء المنتجات النفطية والغازية بخصم مضمون بنحو 12%، وأن الاتفاقية ستسمح للصين بتأجير جزر إيرانية في الخليج، وتواجد قوات أمن صينية يصل عددها إلى 5000 فرد لحماية المشاريع الصينية في إيران.
لم تنشر إيران بنود الاتفاقية والشراكة بشكل علني، وبات الأمر سرياً بين الحكومتين، مما زاد من التكهنات والغموض لدى النخبة السياسية والاقتصادية وعامة الناس. كما اتُّهمت الحكومة ببيع الجزر الإيرانية للصينين.
"البئر الصيني" على غلاف مجلة التجارة الإيرانية
وتعليقاً على الموقف الصيني الأخير، أعاد الباحث والكاتب الإيراني محمد طاهري، صورة غلاف مجلة التجارة الإيرانية الذي حمل عنوان "البئر الصيني" مرفقاً بصورة بئر بلون العلم الصيني، وكان قد تمّ نشرها بُعيد إعلان طهران عن إبرام الاتفاقية مع الصين قبل عامين، وعلق: "بسبب هذا الغلاف تم استدعاؤنا وإرشادنا. وكانوا يستدلون بأن الصين لم تطعنّا في الظهر كما فعلت روسيا سابقاً"، تلميحاً منه إلى أن بكين قد طعنت إيران في ظهرها في الرياض.
"لا شرقية ولا غربية. بلد معزول. هذا أحدث إنجاز إبراهيم رئيسي؛ بات البلد منبوذاً من الجانب الغربي والشرقي معاً"؛ هكذا سخرت الناشطة الإيرانية زهراء فُروتَن في تغريدتها من شعار النظام الإيراني "لا شرقية ولا غربية/جمهورية إسلامية"، كما أشارت إلى على عدم العودة إلى الاتفاق النووي، وكذلك التحول الصيني نحو السعودية.
هل ستدعم طهران استقلال تايوان؟
رسمياً، ساندت طهران بكين دائماً في قضية جزيرة تايوان التي تدعي الصين حقّها بالسيادة عليها. ولكن رداً على الموقف الأخير الصيني في الرياض، نشرت صحيفة "آرمان امْروز" الإصلاحية، صورةً في الصفحة الأولى من مظاهرات شعب تايوان وكتبت: "استقلال تايوان حقٌّ قانوني". وكذلك كتب بعض النشطاء عن دعمهم للقضية التايوانية في السوشال ميديا. وإلى جانب المواقف الإعلامية من استقلال تايوان بعد الموقف الصيني الأخير الذي أغضب إيران رسمياً وإعلامياً، ليس من المُستبعد أن تدعم طهران استقلالَ تايوان.
توجّه الصين نحو السعودية أهم من الاحتجاجات
من جانبه اعتبر الباحث الاقتصادي الإيراني، سِيامَك قاسمي، الموقفَ الصيني صفحةً جديدة في مجال الجغرافيا السياسية والاقتصاد في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بمستقبل إيران، وأردف: "زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى السعودية والحضور في قمم متعددة وإصدار بيانات مختلفة ضد إيران، برأيي، هو أبرز ما حدث في مصير مستقبل البلاد خلال الأشهر الأخيرة. وهذا أهم حتى من الاحتجاجات والتطورات السياسة الداخلية. لنصبر ونتابع ما يجري".
أما صحيفة "إيران" الحكومية، التي أخذت تحصي فوائد الشراكة مع الحليف الصيني، اتهمت منتقدي الحكومة بأنهم يشنون حملة تشهير ضد حكومة إبراهيم رئيسي، ووصفتهم بـ"الغربيين"، وهو مصطلح يستخدمه المحافظون في إيران لكل من يدعون إلى حوار مع الغرب وحلحلة مشاكل البلد مع القوى العظمى لتخفيف الأعباء عن الشعب.
والسفير الصيني لدى طهران بدوره قال في لقائه مع مساعد الخارجية الإيرانية إن بكين تلتزم بسياسة متوازنة في الشرق الأوسط، وذكر أن الدليل على ذلك هي زيارة نائب رئيس الوزراء الصيني لطهران خلال الأيام المقبلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين