بعد سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران، استضافت الصين جولة محادثات استمرت 5 أيام، أثمرت عن بيان مشترك بين طهران والرياض وبكين، ينص على أن البلدين اتفقا في مباحثات قادها رئيسا مجلسي الأمن القومي فيهما بدعم صيني على طي صفحة الخلافات بينهما وتطبيع العلاقات التي شهدت توترات عديدة. نتطرق هنا إلى أبرز النقاط حول هذه الخطوة.
1. رشحت إيران، علي شمخاني لترؤّس المفاوضات، وهو من أبرز القادة السياسيين الإيرانيين من أصول عربية (من عشيرة الشماخنة ضمن قبيلة بني ربيعة القاطنة في مدينة الأهواز، جنوب غرب البلاد)، وذلك لدوره المهم في توطيد العلاقات بين البلدين خلال العقود الماضية.
ويُعرف عن شمخاني قربُه من المرشد الأعلى علي خامنئي، إذ يحظى بتمثيل الأخير في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني٬ إضافة إلى شغله منصب أمين عام المجلس، وقد زار شمخاني كأول وزير دفاع إيراني بعد ثورة 1979، المملكةَ العربية السعودية٬ وحصل على وسام الملك عبد العزيز آل سعود في عهد الملك فهد٬ لدوره في تحسين العلاقات بين البلدين، كما وقع اتفاقية أمنية مع المملكة٬ مما أسهم في تخفيف التوترات بين البلدين اللذين كانا يعدّان خصمين إقليميين.
2. ذكر البيان المشترك أن الجانبين اتفقا على احترام سيادة الدول٬ وعدم التدخل في شؤونها الداخلية٬ وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001. كما أكد البيان أن طهران والرياض اتفقتا أيضاً على تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة في عام 1998.
زار شَمخاني كأول وزير دفاع إيراني بعد ثورة 1979، المملكةَ العربية السعودية٬ وحصل على وسام الملك عبد العزيز آل سعود في عهد الملك فهد٬ لدوره في تحسين العلاقات بين البلدين
وقعت هذه الاتفاقيات في فترة حكم الإصلاحيين برئاسة محمد خاتمي (2005-1997)، لكنها لم تشهد تطوراً ملحوظاً في تنفيذها، وكان لشمخاني وزير الدفاع آنذاك، دور في إبرام الاتفاقيات التي أكد عليها البلدان خلال بيانهما المشترك الثلاثي مع الصين.
قنصلية سعودية في مشهد
3. مما أكدت عليه المحادثات، هو اتفاق إيران والسعودية على استئناف العلاقات الدبلوماسية٬ وإعادة فتح السفارات والوكالات في غضون شهرين كحد أقصى، إذ سيجتمع وزيرا خارجية البلدين فيصل بن فرحان وحسين أمير عبداللهيان لتنفيذ هذا القرار٬ واتخاذ الترتيبات اللازمة لتبادل السفراء.
وللمملكة العربية السعودية سفارة لدى طهران وقنصلية في مدينة مشهد، بغية تقديم الخدمات لمواطنيها الشيعة الذين يقصدون هذه المدينة الدينية في شمال شرق إيران٫ والتي تضم مرقد ثامن أئمة الشيعة الإمام علي بن موسى الرضا. منذ انقطاع العلاقات بين البلدين، لم تسمح الرياض بالسفر إلى إيران.
وللجمهورية الإسلامية الإيرانية سفارة لدى الرياض، وقنصلية في جدة للتواصل مع منظمة التعاون الإسلامي ومقرها هذه المدينة، وكذلك تقديم الخدمات للحجاج الإيرانيين. ومنذ عام 2015، انقطعت رحلات العمرة، وينتظر اليوم نحو 6 ملايين من المواطنين الإيرانيين لأداء هذه الشعيرة.
خلفيات التوتر
4. في كانون الثاني/يناير عام 2016، هاجم مئات المتشددين دينياً في إيران السفارةَ السعودية لدى طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، بالحجارة والمواد الحارقة وقنابل مولوتوف٬ وأضرموا النار في المبانى٬ كما أنزلوا العلم السعودي، وذلك احتجاجاً على إعدام رجل الدين الشيعي المعارض الشيخ نمر باقر النمر في السعودية. بعد ذلك انقطعت العلاقات بشكل نهائي، كما قامت كل من الكويت والإمارات بسحب سفيريهما من طهران تضامناً مع السفير السعودي. وحولت بلدية طهران اسم الشارع الذي يقع فيه مبنى السفارة السعودية من شارع "بوستان" إلى شارع "آية الله النمر".
لم يكن إعدام النمر السبب الرئيسي في قطع العلاقات السعودية الإيرانية، بل كان ذلك نقطة النهاية على تصاعد التوتر بين الجانبين
لم يكن إعدام النمر السبب الرئيسي في قطع العلاقات السعودية الإيرانية، بل كان ذلك نقطة النهاية على تصاعد التوتر بين الجانبين؛ إذ دخلت الرياض وطهران في حالة صراع إقليمي وسياسي بعد دعم الأخيرة لاحتجاجات البحرين والحركة اليمنية ضمن الربيع العربي، كما لمحت إلى دعم شيعة السعودية ضد ما وصفته بـ"الاضطهاد السعودي" وفق تصريحات غير رسمية، ودعمت الرياضُ الثورةَ السورية ضد بشار الأسد المتحالف مع طهران، كما أعلنت عن قلقها تجاه الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، والتقارب الأمريكي الإيراني الذي حصل وقتها.
وكانت الأحداث التي حدثت عام 2015 قد تركت أثراً سلبياً على العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، فاتهمت طهران في نيسان/ أبريل، شرطيين سعوديين بالتحرش الجنسي بمراهقين إيرانيين في مطار جدة عند عودتهما بعد أداء العمرة.
وأثار الحادث استياءً كبيراً في إيران حيث شارك مئات الأشخاص في تظاهرة أمام السفارة السعودية في طهران، وعلقت رحلات العمرة. كما أعلنت الرياض عن إحالة القضية والمتهمين فيها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام للتحقيق معهما واستكمال الإجراءات النظامية اللازمة.
قتلى في كلا البلدين
في شهر حزيران/يونيو 2015، وقعت حادثة تسمم مواطنين سعوديين شيعة في فندق بمدينة مشهد، نتج عن هذه الحالة إصابة 33 مواطناً سعودياً ووفاة 4 أطفال منهم، وتسببت هذه الحادثة في أزمة دبلوماسية بين الطرفين.
وفي موسم حج 2015 أيضاً، وقعت حادثة سقوط رافعة في الحرم المكي أسفرت عن مقتل 11 إيرانياً وإصابة 25 منهم، كما وقعت بعدها بأيام حادثة تدافع الحجاج في منى حيث راح ضحيتها 465 إيرانياً٬ فُقدت جثامين67 منهم. كل ذلك ساهم في انقطاع العلاقات السياسية بين البلدين.
من تبادل الرسائل إلى جولات المحادثات
5. بعد سنوات من انقطاع العلاقات، باشرت الرياض وطهران بتبادل الرسائل عبر العراق، وقال رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبدالمهدي، إن الجنرال قاسم سليماني، قائد قوات القدس في الحرس الثوري، كان يحمل ردَّ إيران على رسالة السعودية عندما قُتل بغارة أمريكية في مطار بغداد مطلع عام 2020.
من المتوقَّع أن تفتح عودةُ العلاقة بين السعودية وإيران آفاقاً على حوارات إقليمية أخرى، ومناقشة الملفات العالقة والشائكة في المنطقة بدءاً من لبنان٬ مروراً باليمن ووصولاً إلى سوريا
وفي عاميْ 2021 و2022، تطورت المحادثات من تبادل رسائل إلى جولات من المحادثات المباشرة في بغداد حول الملف الأمني بين الدولتين، وقد ساهم في ذلك خليفة سليماني في قوات القدس، الجنرال إسماعيل قاآني٬ وكذلك السفير الإيراني لدى بغداد.
وضمن هذه الجولات الخمس، استضافت عمان، جولةَ مباحثات بين السعودية وإيران، يرجح الظن أنها كانت حول الملف اليمني وجماعة الحوثيين. وهذا ما جعل الدولتين تقدم الشكر الجزيل إلى جمهورية العراق وسلطنة عمان من أجل التسهيلات التي قدمها البلدان لجولات الحوار السابقة لهما في بكين.
لماذا الصين كجسرٍ للحوار؟
6. دخول الصين على خط المفاوضات بين دولتين مهمتين في الشرق الأوسط تدعيان زعامة الأمة الإسلامية، كان أمراً مفاجئاً. تعتبر الصين الحليف الإستراتيجي والشريك الاقتصادي الأول مع إيران، كما توصف بأنها أكبر دولة تربطها علاقات اقتصادية مع السعودية ودول الخليج، وهذا ما مكنها من لعب دور حيوي لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.
رحبت طهران بهذا الدور، واعتبرت المحادثات في بكين خطوة آسيوية بكل المقاييس لإنهاء الخلافات بين الجيران بعيداً عن واشنطن والدول الغربية.
7. انخفض يوم أمس الجمعة واليوم السبت، سعر الدولار في الأسواق الإيرانية بعد موجة صعود سريعة، في ظل الإعلان عن نجاح المحادثات مع السعودية، وكذلك التوصل إلى اتفاق مع وكالة الطاقة الذرية خلال الأسبوع الماضي، وهذا ما جعل التيارات السياسية المختلفة وكذلك الكثير من الاقتصاديين والمراقبين للشأن الداخلي أن يرحبوا بهذه الخطوة الدبلوماسية، وقد طالبوا بالمزيد من المفاوضات وتحسين العلاقات مع الدول العربية والغربية والعودة إلى الاتفاق النووي كي يشهد الاقتصاد الإيراني انتعاشاً.
من المتوقَّع أن تفتح عودةُ العلاقة بين السعودية وإيران آفاقاً على حوارات إقليمية أخرى، ومناقشة الملفات العالقة والشائكة في المنطقة بدءاً من لبنان مروراً باليمن إلى سوريا، وكذلك الأمن البحري وأمن الطاقة. ولربما ستكون البداية على إتاحة فرصة جيدة لطهران كي تستأنف علاقاتها الدبلوماسية مع مصر والأردن والبحرين، وهذا ما جعل مختلف الدول ترحب بهذه الخطوة السعودية الإيرانية، التي اعتُبرت بوابةً نحو العلاقات العربية الإيرانية.
وأعطت حكومة إبراهيم رئيسي الضوءَ الأخضر لاستئناف تبادل السجناء بين طهران وواشنطن عبر وساطة قطرية وعمانية. كما أنها تترقب زيارة السلطان العماني هيثم بن طارق في غضون الشهرين المقبلين، البلد الذي طالما كان وسيطاً جيداً بين إيران والغرب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...