شهدت نحو 900 مدينة وقرية إيرانية اليوم الجمعة 29 نيسان/أبريل، مسيرات يوم القدس، بعدما ألغيت خلال العامين الماضيين بسبب تفشي جائحة كورونا في البلاد. تعتبر المراسم التي تنطلق للتنديد بإسرائيل ودعماً للشعب الفلسطيني في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان في إيران، من أبرز سياسات الثورة الإيرانية الداعمة للقضية الفلسطينية.
وترفع هذه المسيرات شعارات "الموت لإسرائيل والموت لأمريكا"، وأخرى حول دعم الشعب الفلسطيني مطالبين بتحرير القدس ورفض التطبيع بكل أشكاله. ويقع تنظيم هذه المسيرات التي تنطلق صباح الجمعة الأخيرة من رمضان وتنتهي عند إقامة صلاة الجمعة، على عاتق هيئة تنسيق التبليغ الإسلامي.
وتشهد المسيرات حرق الأعلام الإسرائيلية والأمريكية وفي بعض الأحيان الأعلام السعودية والبريطانية أيضاً، ورفع شعارات ضد حكام السعودية والإمارات والبحرين، إضافة إلى عرض منتجات عسكرية ودفاعية إيرانية على هامش المسيرات، كما حدث في مسيرات يوم القدس من هذا العام التي كشفت فيها إيران عن صواريخ باليستية لها.
ياسر عرفات وعلاقته بشاه إيران والخميني
كان النظام الملكي في إيران (1925- 1979) صديقاً لإسرائيل ويتمتع البلَدان بعلاقات ودية على المستوى التجاري والعسكري والدبلوماسي، لذلك كان يحظى الشاه محمد رضا بهلوي بدعم كبير من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، حتى بات يلقب بـ"شرطي الخليج".
وفي مثل هذه الظروف تكونت فكرة الثوار الإيرانيين ضد الشاه وسياساته الداخلية والخارجية، ومن ضمنها الكراهية تجاه لإسرائيل، ودعم القضية الفلسطينية. ومما زاد من توطيد علاقة الثوار بالقضية الفلسطينية كان تواصل ياسر عرفات مع الثوار الإيرانيين في منفاهم بسوريا ولبنان. وكان عرفات الذي أسس منظمة تحرير فلسطين، غير مقبول لدى دولة إيران آنذاك، بل كانت تعتبر الأخيرة أن تأسيس المنظمة يشكل تهديداً للمنطقة.
بعد أسبوع من انتصار الثورة في إيران عام 1979، كان عرفات أول ضيف أجنبي حلّ على طهران، والتقى بآية الله الخميني. فالرجل الذي كان منبوذاً في عهد نظام الشاه بات الضيف العزيز في فترة نظام الخميني
وبعد أسبوع من انتصار الثورة في إيران عام 1979، كان عرفات أول ضيف أجنبي حلّ على طهران، والتقى بمرشد الثورة آية الله الخميني؛ فالرجل الذي كان منبوذاً في عهد نظام الشاه بات الضيف العزيز في فترة نظام الخميني. وبعد الإطاحة بعلم إسرائيل في سفارتها لدى طهران على يد الثوار ورفع لافتة "سفارة فلسطين" فوق المبنى، افتتح عرفات سفارة دولة فلسطين رسمياً في نفس المكان، وعين هاني الحسن الذي رافقه في زيارته، أول سفير لفلسطين في إيران.
كيف تأسس يوم القدس؟
لم تمض إلا بضعة أشهر على انتصار الثورة الإسلامية في إيران حين احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1979، فأصدر الخميني في 7 آب/أغسطس بياناً طالب فيه باعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس، وقال: "إنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، ليكون يوم القدس وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين".
وأكمل الخميني في بيانه: "لسنوات عديدة، قمت بتحذير المسلمين من الخطر الذي تشكله إسرائيل الغاصبة، والتي تكثف اليوم هجماتها الوحشية ضد الإخوة والأخوات الفلسطينيين. كما وهي مستمرة في قصف منازل الفلسطينيين في جنوب لبنان على وجه الخصوص، على أمل سحق النضال الفلسطيني. وأطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية العمل معاً لقطع يد هذه الغاصبة ومؤيديها".
ومنذ ذلك العام وحتى الآن مازالت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تخلد ذكرى القدس بمسيرات شعبية واحتفالات عسكرية وثقافية ودبلوماسية في داخل البلاد وخارجها.
شارع فلسطين في كل مدينة إيرانية
على امتداد المدن الإيرانية ترفع أسماء "فلسطين" و"القدس" و"بيت المقدس" على الشوارع والساحات العامة ودور السينما، كما شيّدت إدارة مرقد ثامن أئمة الشيعة الإمام علي بن موسى الرضا في مدينة مشهد، وهو أبرز الأماكن المقدسة في إيران، قبة رمزية مستلهمة من القدس، في إحدى باحاتها، وقد أُطلق عليها "قبة الصخرة"، في ثمانينيات القرن الماضي. كل هذا يأتي من أن دعم مقاومة الفلسطينين ومناهضة إسرائيل بات جوهراً أساسياً في سياسة إيران الخارجية.
"من حمّل إيران مسؤولية تدمير إسرائيل؟ هل غالبية الشعب يوافق على هذه السياسة؟ هل يعلم الشعب كم أضرت هذه السياسة بالمصالح الوطنية؟"... المحلل السياسي الإيراني صادق زيبا كَلام
أما المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، لا يفوت مناسبة إلا وقضية فلسطين وتدمير إسرائيل حاضرة في خطاباته، ومن أشهر أقواله "إسرائيل سوف لم تشهد عام 2040"؛ وعدٌ آمن به أنصاره وضحك عليه آخرون. يذكر أن هناك شاشة في دوار "فلسطين" في العاصمة طهران تظهر عليه أرقام تنازلية تعني أنها الأيام المتبقية لحياة إسرائيل وفق ما ذكره خامنئي عام 2015، ومنذ شهر يونيو/ حزيران عام 2017 رفعت الشاشة تزامناً مع يوم القدس آنذاك.
وسوم إيرانية للقدس تملأ منصات التواصل الاجتماعي
"#القدس_هي_المحور" و"#يوم_القدس_العالمي" و"#القدس" و"#FreePalaestine" كانت أبرز الوسوم التي أطلقها في هذه الأيام رواد مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، غالبيتهم من التيار المحافظ. وأعرب هؤلاء باللغات العربية والفارسية والإنكليزية عن تمسكهم بدعم المقاومة في فلسطين حتى التحرير، وإزالة اسرائيل من الوجود.
فكتب أحدهم: "اطمئنوا قريباً"، وأرفق تغريدته بصورة رمزية للمرشد خامنئي وهو يصلي في القدس وخلفه مسؤولون إيرانيون، حيث كتب على الصورة "سنأتي للقدس مع خامنئي".
انتقادات شعبية لسياسات إيران تجاه فلسطين
كتب المحلل السياسي الشهير في إيران وأستاذ جامعة طهران، المحسوب على التيار الإصلاحي صادق زيبا كلام، عبر صفحته في تويتر "يوم القدس وبضعة أسئلة… من حمّل إيران مسؤولية تدمير إسرائيل؟ هل غالبية الشعب يوافق على هذه السياسة؟ هل يعلم الشعب كم أضرت هذه السياسة بالمصالح الوطنية؟ ورغم كل هذا النشاط الإيراني لتدمير إسرائيل، أليس موقعها اليوم أقوى مما كانت عليه قبل الثورة الإسلامية؟".
في السنوات الأخيرة زادت حدة الانتقادات الشعبية من السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية المتمثلة بمعاداة إسرائيل وتبني القضية الفلسطينية، حيث كلفت البلاد الكثير من الأضرار، فعلى سبيل المثال لا تسمح الحكومة للرياضيين الإيرانيين بمواجهة منافسيهم الإسرائيلين حتى وصل الأمر لتعليق نشاط الاتحاد الإيراني لفترة أربع سنوات من قبل الاتحاد الدولي للجودو عام 2021، بسبب رفض مواجهة لاعبيه لنظرائهم الإسرائيلين. كما قام بعض من الرياضيين في مختلف المجالات، إلى اللجوء إلى دول أوروبية وأخذ جنسيات غربية كي يتمكنوا من اللعب والمنافسة بحرية. هذا فضلاً عن أي تطبيع حتى على المستوى الفردي، ناهيك عن المجال الرسمي الذي يمثل البلاد في جميع المجالات.
وفي مرات عديدة شهدت التجمعات والاحتجاجات في إيران رفع شعارات "لا غزة ولا لبنان"، انتقاداً للسياسات الإيرانية تجاه فلسطين وحزب الله لبنان.
وفي ظل الضغوط المعيشية التي أثقلت كاهل المواطن الإيراني جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة خلال سنوات من العقوبات، تعلن السلطات في خطاباتها العلنية هذه الأيام عن دواعي سرورها بتبني المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل منذ انتصار الثورة، مالياً وعسكرياً ودبلوماسياً، كما تجند إعلامها الداخلي لبث الأناشيد ودعوة الشعب للحضور الفاعل في مسيرات يوم القدس العالمي الذي أصبح رمز الثورة الإيرانية لمعاداة إسرائيل والدفاع عن فلسطين.
وعن ردود أفعال المواطنين على هذه المنهجية المستمرة دون الانتباه إلى حال المواطن ووضعه المعيشي، نشرت إحدى رواد منصات التواصل الاجتماعي منتقدة الحملة الإعلامية التي أطلقها النظام هذه الأيام: "تعلن نشرات الأخبار في التلفزيون الإيراني أن المواطن يستعد للمشاركة في يوم الجمعة، لكن المواطن يستعد في الحقيقة لارتفاع الأسعار والمزيد من التضخم!".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...