شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل تصبح شجرة

هل تصبح شجرة "اللوسينيا" وصفة سحرية لمشكلات اقتصادية وبيئية في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

السبت 4 مارس 202310:09 ص

اتجهت الأنظار في مصر خلال الفترة الأخيرة نحو إدخال محاصيل جديدة إلى حياة المُزارع المصري، والبحث عن البدائل الغذائية النباتية الملائمة للبيئة والقادرة على التكيف مع الظروف المناخية ونقص المياه وقلة الأراضي الخصبة، والتي يمكن أن تساعد في تحقيق الأمن الغذائي.

في ظل نقص الأعلاف وتضاعف أسعارها، ولا سيما الذرة الصفراء وفول الصويا، والأزمة الاقتصادية، بدأ بعض المزارعين ومُربّي المواشي الاتجاه لحلول بديلة كزراعة أشجار اللوسينيا، التي تعد أعلافاً خضراء غنية بالبروتين، عدا فوائدها البيئية واستخداماتها الغذائية والطبية والصناعية. واللوسينيا شجرة خشبية من الفصيلة البقولية السريعة النمو والقوية، بدأت زراعتها في القارة الأمريكية وانطلقت منها لأنحاء العالم.

في ظل نقص الأعلاف وتضاعف أسعارها، بدأ بعض المزارعين ومُربّي المواشي الاتجاه لحلول بديلة كزراعة اللوسينيا.

جاذبة للنحل وعلف للمواشي

من هؤلاء المزارعين فضل حامد، مهندس زراعي ومربي ماشية، يروي لرصيف22 تجربته في زراعة أشجار اللوسينيا في أرض للعائلة بمركز البداري بأسيوط، وإطعام أوراقها وبذورها للأبقار والعجول كعلف أخضر أو مجفف مع الذرة والفول، بدلاً من الأعلاف المركبة التي ارتفعت أسعارها كثيراً، وساهم ذلك في خفض تكاليف الإنتاج وزيادة الأرباح، بعد زيادة إنتاج الحليب البقري ونسبة التسمين لدى العجول.

ويضيف أنه لجأ في البداية لغرس شتلات لوسينيا بلغ ارتفاعها نحو مترين، ليكتشف أنها سريعة النمو جداً في كل أوقات السنة، ويمكن قصها كل شهرين للعلف، كما لاحظ تكاثرها السريع بالبذور، ناصحاً بقطع قرون البذور أولاً بأول منعاً لانتشارها بسبب وجود محاصيل حولها.

ويلفت المزارع إلى انتشار اللوسينيا على ضفاف الترع وقنوات الري بصعيد مصر، وإلى أن بعض القرويين يطعمون الدجاج البلدي أوراقها مع بقايا الخبز والطعام بسبب غلاء الذرة، ويطعمونها أيضاً للأرانب كعلف أخضر في حال عدم توفر البرسيم.

أما حسن طارق فايز، صاحب منحلة ومُربي غنم، فقد كان على وشك التخلص من تلك الأشجار التي انتشرت في الأرض التي ورثها عن والده في منطقة النوبارية الصحراوية بالإسكندرية، بعد مرور 15 عاماً على غرس شتلاتها لاستصلاح الأرض، مقرراً بيع أخشابها مقابل مبلغ بسيط، لكن الصدفة جعلته يرى قطيعاً من الإبل يأكل من أوراقها، ليكتشف أن رعاة الغنم يأتون أيضاً لإطعام غنمهم من ورق اللوسينيا، ملاحظاً انجذاب النحل لزهورها الغنية بحبوب اللقاح.

يصف فايز اللوسينيا بـ"وجه الخير"، فقد ألهمته لافتتاح منحلة والاستفادة من زهورها البيضاء المصفرة الشبيهة بالوسائد الدبوسية التي تزهر من مطلع نيسان/ إبريل إلى نهاية أيلول/ ديسمبر، لتكون مرعى للنحل، ثم بدأ تطوير مشروعه بزراعة نبات البرسيم في الفراغات بين الأشجار، وتربية بعض الغنم.

واتجه آخرون لزراعتها كنبات زينة وسياج شجري محيط بالمزارع والحدائق، لكونها مصدات جيدة للرياح، ومنهم أحمد خالد الذي زرعها في حديقة منزله بالعجمي في الإسكندرية.

يقول أحمد لرصيف22 إن اللوسينيا لا تنافس أشجار البونسيانا والجاكرندا في الجمال، لكنها تتحمل الجفاف وسريعة النمو ولا تحتاج لمياه كثيرة، ونموها عجيب قد يصل إلى ثلاثة طوابق، لكن يجب قطف القرون كي لا تدمر المزروعات، لأنها سريعة النمو وتنتشر بسرعة لكثرة بذورها، فتسيطر على الوسط النباتي خلال فترة قصيرة. وكان أحمد قد عاش لفترة في الفيليبين، ووجد شعبها يصنع من أوراق اللوسينيا سلطة خضراء مع الطماطم، وأحب طعمها ولا بزال يصنعها لنفسه بعد عودته لمصر.

فوائد اقتصادية وبيئية

يشير الدكتور طارق أبو موسى، أستاذ الاقتصاد الزراعي بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي في مركز البحوث الزراعية، إلى أن اللوسينيا من الأشجار النافعة اقتصادياً وبيئياً، لا سيما أن مصر تعاني نقص الأخشاب والأعلاف، إذ تستورد سنوياً أخشاباً بقيمة 750 مليون دولار، وتعتمد على استيراد الذرة الصفراء وفول الصويا من الخارج واستخدامهما علفاً للدواجن والمواشي، بقيمة 300 مليون دولار في الشهر الواحد.

ويوضح أبو موسى بأن اللوسينيا تمتاز بطولها الذي يصل إلى 15 متراً، فيمكن الاستفادة من أخشابها وإن كانت جودتها أقل من أخشاب أخرى متينة مثل الماهوجني والبولينيا، لكنها تبقى ذات قيمة اقتصادية كبيرة لسد جزء من احتياجاتنا من الأخشاب، أما عن أزهارها فيمكن الاستفادة منها في تربية النحل، بالإضافة لاستخدام أوراقها علفاً للأغنام والماشية، لأنها تحتوي على نحو 60% من البروتين الخام، وتؤدي لزيادة إنتاج اللحوم والألبان، ناهيك باستخداماتها الغذائية والطبية.

ويكشف كذلك عن احتواء جذورها المتعمقة في التربة لنحو ستة أمتار على "البكتريا التكافلية" التي تعمل على تثبيت الآزوت الطبيعي في التربة، وهو عنصر النيتروجين الموجود بالهواء ومفيد جداً للنباتات، لذا تقلل من استخدام الأسمدة الكيماوية المعدنية، مشيراً لفوائدها البيئية كزيادة الرقعة الخضراء التي تؤدي لزيادة الأكسجين والحد من تلوث الهواء.

فيما يكشف الدكتور أحمد محمود عبد الدايم، الأستاذ المتفرغ بقسم بحوث الأشجار الخشبية والغابات في معهد بحوث البساتين، أن اللوسينيا حل أمثل لاستصلاح الأراضي وهي غير مُكلفة، لأن حاجتها إلى الماء والسماد قليلة جداً، وتنبت أكثر في المناطق الحارة، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها كمصدر غذائي وحيد للمواشي بل تُقدّم بنسبة محددة، لأنها تتسبب في تساقط شعر الماعز والخراف وبالتالي خسارة اقتصادية للمربي نتيجة إهدار كميات من الصوف، كما يمكن استخدام أخشابها في صناعة الألواح المُصنّعة "الفايبر بورد" نظراً لجودتها المنخفضة.

يصف فايز اللوسينيا بـ"وجه الخير"، فقد ألهمته لافتتاح منحلة والاستفادة من زهورها البيضاء المصفرة الشبيهة بالوسائد الدبوسية التي تزهر من مطلع نيسان إلى نهاية أيلول، لتكون مرعى للنحل، ثم بدأ تطوير مشروعه بزراعة نبات البرسيم في الفراغات بين الأشجار، وتربية بعض الغنم

ويرى الدكتور أحمد فتحي نعيم، استشاري الثروة الحيوانية والداجنة، أن أشجار اللوسينيا يمكن استخدامها كغطاء شجري أو حزام أخضر للحد من الانبعاثات الكربونية والتلوث. ولكونها تتحمل درجات الملوحة العالية والجفاف، يمكن زراعتها بالأراضي الصحراوية والاستفادة من أوراقها العالية البروتين كعلف للإبل والأغنام وأنواع معينة من الأبقار لتساهم في زيادة إنتاج اللحوم والألبان.

وعن المناطق التي يمكن زراعة اللوسينيا فيها، يعدد نعيم "شرق بحيرة ناصر ومنخفض القطارة وجنوب سيناء وصحراء الشرقية قبالة المنيا أو بالسلوم"، مشيراً لإمكانية زراعتها في مناطق الحدود الغربية والجنوبية لمصر، وتربية الحيوانات والمواشي هناك وإنشاء تجمعات سكنية جديدة.

توصيات

تعتبر الدكتورة فاطمة علي أحمد، أستاذة كيمياء النبات بمركز بحوث الصحراء، أن اللوسينيا من الأشجار الصديقة للبيئة إذ تستخدم كسماد أخضر للتربة لأنها مصدر من مصادر النيتروجين الطبيعي، معددةً فوائدها الطبية التي تجعلها صالحة لصناعات بعض الأدوية والمسكنات، إلى جانب قيمتها الغذائية العالية.

وحول طريقة زراعتها، توضح المتحدثة أن هناك طريقتين، إما بالبذور، أو أطراف السيقان، مؤكدة أن الطريقة الأسرع والأضمن تقوم على البذور بعد معاملتها لإزالة الغلاف البذري، وهو الغطاء الذي يقي الأجزاء الداخلية للبذرة من المؤثرات، لأنه يعيق امتصاص الماء، ويمكن أن يتم ذلك بالمقص أو من خلال نقعها قبل الزراعة في محلول الصودا الكاوي بنسبة تركيز 10% لمدة 12 ساعة لتسهيل انفصال الأغلفة.

ويشرح الدكتور هشام محمد الشرقاوي، الباحث بوحدة أقلمة النبات بقسم الأصول الوراثية في مركز بحوث الصحراء، أن اللوسينيا سريعة النمو، تغزو مجاري المياه والأراضي الزراعية، ويمكنها النمو في أغلب أنواع الأراضي، عدا الحامضية، ولا تتحمل الصقيع. ورغم فاعليتها في استصلاح الأراضي والتشجير، وتحسين التربة وحمايتها من الانجراف، لم يتم التوسع في زراعتها بالقارة الأفريقية نظراً لنقص السلالات المناسبة من البكتيريا اللازمة لنموها في التربة، والتخوف من احتمال تسبب أوراقها في تسمم المواشي والأغنام.

ويوصى الباحث باستخدامها في إصلاح الأراضي البور وتشجير الأراضي الحديثة الاستصلاح أو المتدهورة، وجمع العلف من الشجرة على ارتفاع 50 سنتيمتراً كل شهرين، وحفظه بالطرق المناسبة لاستخدامه خلال الشتاء.

اللوسينيا لا تنافس أشجار البونسيانا والجاكرندا في الجمال، لكنها تتحمل الجفاف وسريعة النمو ولا تحتاج لمياه كثيرة، ونموها عجيب قد يصل إلى ثلاثة طوابق، لكن يجب قطف القرون كي لا تدمر المزروعات، لأنها سريعة النمو وتنتشر بسرعة لكثرة بذورها، فتسيطر على الوسط النباتي خلال فترة قصيرة

ويؤيد الدكتور طارق قابيل، أستاذ التقنية الحيوية النباتية المساعد بقسم الأحياء في كلية العلوم والآداب، التوجه نحو المصادر الجديدة والمختلفة من الأعلاف كاللوسينيا، والتي يصفها في حديثه لرصيف22 بالشجرة الواعدة، لكون مصر لا تحظى بمراعٍ طبيعية، لذلك تضطر لزراعة مساحات من الأراضي بالبرسيم لتغذية الحيوانات على حساب المحاصيل الإستراتيجية كالقمح، ويمكن حل المشكلة بالاتجاه لهذا المصدر غير التقليدي.

ويشير قابيل إلى أن أخشاب اللوسينيا تستخدم في صناعة الخشب الحبيبي والدعامات والحطب والفحم والنشارة البيضاء، كما أنها مفيدة للإنسان إذا أكل قرونها أو بذورها.

ويلفت الدكتور عبد الدايم إلى أنه تم إدخال اللوسينيا لمصر نظراً لفوائدها البيئية واستخداماتها كعلف، وأصبحت منتشرة جداً ولا سيما في الصعيد وعلى ضفاف الترع والحقول، حتى تحولت إلى حشيشة طاغية لأن كميات بذورها هائلة وتتكاثر بسرعة إذ يكفيها مقدار يسير من قطرات الندى لتنبت البذور حتى على الإسفلت، وبالتالي يجب قطف البذور أولاً بأول.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image