شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
زراعة

زراعة "السلجم الزيتي" في الجزائر... هل سيتحقق حلم الأمن الغذائي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 8 ديسمبر 202211:33 ص

تشهد الجزائر بين الحين والآخر، ندرةً في زيت المائدة، بسبب المضاربة والاحتكار من طرف بعض الشبكات، وتهريبه إلى الدول المجاورة وبكميات كبيرة جداً.

يحدث هذا في وقت تستهلك البلاد فيه شهرياً، قرابة 48 ألف طن من الزيت الغذائي، في حين يبلغ معدل ما تنفقه على استيراد زيوت المائدة 600 مليون دولار سنوياً، و550 مليون دولار لاستيراد الصويا ومستخلصاتها.

دفعت هذه التحديات بالجزائر نحو العمل على تأمين المواد الغذائية الضرورية والتقليص أكثر من فاتورة الاستيراد، ومن بين الحلول التي شرعت في تكريسها زراعة السلجم الزيتي، أو ما يُعرف محلياً باسم "الكولزا"، وهو نبات من الفصيلة الصليبية، يمتاز بأزهاره صفراء اللون، والتي في داخلها تنمو ثمرة على شكل حبوب صغيرة. تستخدم بذوره الأولية لإنتاج الزيت، ويأتي في المرتبة الثالثة بعد فول الصويا وثمار أشجار النخيل في ما يخص الحصول على زيوت المائدة.

الزيت الذي يُستخرج من نبتة السلجم المزروعة محلياً يعدّ من أحسن الزيوت.

ويقول هارون محمد، رئيس جمعية نادي "بذور سيرتا"، لرصيف22، إن الزيت الذي يُستخرج من نبتة السلجم المزروعة محلياً يعدّ من أحسن الزيوت، كونه غنياً بالأوميغا 3 و6 و9، كما أنه خالٍ من الكولسترول، وله مذاق جيد، ويمكن أن يُستعمل خصوصاً في الطهي في درجة حرارة أقل من 120 مئوية، في حين أن الزيت الذي نشتريه حالياً من الأسواق هو خليط من أنواع عدة من الزيوت.

ويستطرد المتحدث قائلاً: "إلى جانب ذلك، فإن لنبتة السلجم مزايا اقتصاديةً وزراعيةً، ومثلما هو متداول بين المزارعين، فإن زراعة الحبوب من القمح والشعير تحتاج إلى إراحة التربة، غير أن نبتة السلجم تتيح إمكانية الزراعة بشكل مستمر لما لها من فوائد في مد التربة بالمواد العضوية".

"بريق أمل"

خاضت الجزائر لأول مرة في تاريخها تجربة زراعة السلجم الزيتي، نهاية العام 2020، وفق خريطة طريق وضعتها السلطات الجزائرية تستهدف من خلالها زراعة ما لا يقل عن 3 آلاف هكتار على المستوى الوطني، بينما تضم الجزائر مساحةً كليةً تفوق مليوني ونصف مليون هكتار قابلة لزراعة هذا النبات.

وبعد مرور عام كامل عن إطلاق مشروع زراعة السلجم، أجمع البعض على إمكانية كسب الرهان، بينما يشير آخرون إلى أنه لا يزال مجرد مشروع مبدئي يحتاج إلى دعم كبير، خاصةً أن الجزائر تواجه اليوم الكثير من التحديات البيئية، على رأسها التغير المناخي، والاحترار الذي أصبح أكثر من المتوسط العالمي في منطقة المغرب العربي، إذ يتراوح حالياً بين 1.5 و2 درجة مئوية، وتكرار فترات الجفاف وتغير الفصول، ما أدى إلى تفاقم ظاهرة التصحر التي باتت تهدد ملايين الهكتارات حالياً.

ومن بين من استطاعوا تحقيق نتائج معتبرة في هذا المجال، بعد أشهر معدودة من النشاط، رصد رصيف22 مستثمرات فلاحيةً خاصةً تابعة لمزارعين، وموزعةً على بلدات بحرارة ودار الشيوخ وعين الإبل في محافظة الجلفة التي تبعد عن الجزائر العاصمة قرابة 300 كيلومتر جنوباً، ونجحت هذه المستثمرات الفلاحية في زراعة هكتار أو هكتارين فقط من زيت السلجم "الكولزا"، مع استرجاع 10 إلى 20 قنطاراً في الهكتار الواحد (طن إلى طنين)، في تجربة مبدئية لتنمية هذا المحصول.

وهناك أيضاً المستثمرة الفلاحية الواقعة في دائرة أوقروت في منطقة تيميمون الصحراوية التابعة لمحافظة أدرار أقصى جنوب البلاد، وتُعدّ التجربة الأولى من نوعها في الجنوب الغربي بمساحة 80 هكتاراً. كما نجحت مستثمرة فلاحية أخرى تقع في منطقة أمزلال في محافظة قالمة شمال شرق البلاد، في زراعة 45 هكتاراً من الكولزا مع ترقب تحقيق 20 قنطاراً في الهكتار الواحد.

"تؤكد الأرقام أن هذه الزراعة ناجحة في الجزائر، وبإمكاننا ضمان محصول مهم، زيادةً على دورها في تنمية بعض النشاطات الأخرى، فهي تساهم في نشاط تربية النحل لأن أزهار الكولزا تُعدُّ الغذاء المفضل له، كما أن فضلات الحبوب بعد استخراج الزيت منها تُعدّ أهم مصادر البروتين المغذي للأعلاف

سحنون محمد، مزارع جزائري من محافظة قالمة، هو الآخر حقق نجاحاً كبيراً بالرغم من حداثة التجربة والمعوقات التي اعترضت طريقه.

يقول لرصيف22: "أثبتت التجارب الميدانية التي خضتها منذ العام الفائت، أن الجزائر تمتلك كل المؤهلات الطبيعية والمناخية لخوض هذا التحدي الكبير الذي يُعدّ ركيزةً أساسيةً لأمننا الغذائي، وتبين ذلك من خلال نسبة الإنتاج، ففي الموسم الأول وهو أول موسم خاضته الجزائر في هذا المجال، تمكنت من تحصيل 25 قنطاراً في الهكتار الواحد، أما في الموسم الثاني فبلغت نسبة الإنتاج 20 قنطاراً في الهكتار، بسبب موجة الجفاف التي ضربت البلاد".

ويحتاج نبات السلجم انطلاقاً من بداية الإزهار وصولاً إلى عملية الحصاد، حسب سحنون، إلى كمية أمطار تُقدّر بـ600 ميليمتر خلال الموسم، في حين يبلغ معدل الأمطار في الجزائر وسطياً 680 ميليمتراً، ونجاح هذه الزراعة مرتبط بكميات الأمطار المتساقطة خلال الدورة الزراعية والجفاف يبقى الشبح الذي يهددها.

نجاح هذه الزراعة مرتبط بكميات الأمطار المتساقطة خلال الدورة الزراعية والجفاف يبقى الشبح الذي يهددها.

ويضيف: "تؤكد الأرقام أن هذه الزراعة ناجحة في الجزائر، وبإمكاننا ضمان محصول مهم، زيادةً على دورها في تنمية بعض النشاطات الأخرى، فهي تساهم في نشاط تربية النحل لأن أزهار الكولزا تُعدُّ الغذاء المفضل له، كما أن فضلات الحبوب بعد استخراج الزيت منها تُعدّ أهم مصادر البروتين المغذي للأعلاف".

"لم تتوفر بعد كل شروط النجاح"

لكن ينبّه محمد سحنون خلال حديثه إلى أن زراعة السلجم الزيتي تواجه مشكلات عدة لا بد من أخذها بعين الاعتبار حتى تتوسع المساحات المزروعة.

وتتمثل أبرز العقبات في توفير البذور بالشكل المطلوب، وفي الوقت المناسب للزرع، ويُستدلّ بتونس المجاورة التي أسدلت الستار على موسم البذر الخاص بالسلجم الزيتي لموسم 2022-2023، بينما في الجزائر لم ينطلق بعد في بعض المدن بسبب عدم الحصول على البذور، وعادةً ينطلق موسم بذر السلجم خلال الفترة الممتدة من 15 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 15 تشرين الثاني/ نوفمبر. ويحصل المزارعون في الجزائر على البذور من المعهد الجزائري التقني للزارعات الواسعة.

وأيضاً يشير المتحدث إلى عدم وجود اتفاقيات فعلية رسمية تضمن استقبال منتوج الفلاحين، فالجزائر لا تتوفر على مشاريع ومصانع تحويلية كافية لهذه المنتجات، كما أن المصانع المتوفرة حالياً لا تحوز على آلات عصر السلجم. وفي الوقت الحالي هناك مركزان فقط يقومان بتحويل محاصيل الكولزا، الأول هو مجمع "سيم" للصناعات الغذائية، والذي وقّع اتفاقيةً في أيار/ مايو 2021، مع المزارعين لتطوير الزراعة الزيتية، وأيضاً مجمع "سيفيتال".

يؤكد دخة عز الدين، المتخصص في العلوم الزراعية هذا الأمر، ويقول لرصيف22 إن "التخزين هو أكثر ما يرهق المزارعين، فالبروتوكولات العالمية تنص على أنه ومن أجل ضمان منتوج حقيقي لمحاصيل الكولزا، لا بد من تحويلها مباشرةً من المستثمرة الفلاحية أو المزرعة المعنية نحو المصنع ووحدات التحويل، فطول مدة التحويل قد تضرّ بالمنتوج".

وينبّه عز الدين إلى نقطة إضافية تتعلق بالتعاقد الذي يجب أن يكون بين المحوّلين والمزارعين قبل الحصاد، وليس بعده، ويضيف: "تجربة زراعة السلجم الزيتي في الجزائر تجربة ممتازة، لكن لم تُوفَّر لها شروط النجاح من كل الجوانب".

التخزين هو أكثر ما يرهق المزارعين، فالبروتوكولات العالمية تنص على أنه ومن أجل ضمان منتوج حقيقي لمحاصيل الكولزا، لا بد من تحويلها مباشرةً من المستثمرة الفلاحية أو المزرعة المعنية نحو المصنع ووحدات التحويل، فطول مدة التحويل قد تضرّ بالمنتوج

ويُعدّ مجمع سيفيتال للزيوت الصناعية التابع لعائلة ربراب، المجمع الوحيد الذي تكفل بشراء كميات كبيرة من منتوج السلجم الزيتي من الفلاحين، بناءً على اتفاقية مع وزارة الفلاحة والتنمية الريفية. وقد عمل المجمع على دراسة القيمة الغذائية لزيت السلجم، وتبين أنها عالية جداً، إذ إن تركيز الزيت في محاصيل هذا النبات عالٍ ويبلغ 47 ليتراً صافياً من زيت المائدة في القنطار الواحد، كما أنه يحتوي على بروتين بنسبة 22.8 في المئة.

وعند سؤالنا عن تقييم الموسم الأول من زراعة السلجم النباتي في الجزائر، أكد راشدي معاذ، وهو مهندس زراعي متخصص في أمراض النبات لرصيف22، أن "كسب الرهان متوقف على جودة البذور". ويضيف: "التجربة في البداية كانت ناجحةً، لكنها أخذت منعرجاً آخر بسبب نوعية البذور المغشوشة التي استعملها عدد من الفلاحين الذين انخرطوا في التجربة".

ويعتقد المهندس الزراعي بأن "الجزائر تزخر بكل المقومات من أجل نجاح زراعة السلجم، من مناخ وتوفر التربة المناسبة لاحتضان هذا النوع من البذور، إذ يتمركز هذا النوع من الزراعات في السهوب وهي عبارة عن مناطق مسطحة للغاية".

ويؤكد معاذ أن "لزراعة السلجم أهدافاً مهمةً، خاصةً مع الزيادات في أسعار الزيت في الأسواق العالمية والندرة في الأسواق المحلية، فهي تُعدّ إحدى خطوات تحقيق الأمن الغذائي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard