شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"نتّبع طرقاً بسيطةً لحمايتها"... التغيّرات المناخية ترفع فاتورة إنتاج الدواجن في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الاثنين 14 نوفمبر 202202:07 م

على مدار أكثر من ثلاثين عاماً، استطاعت سعاد محمد، تحقيق الاكتفاء الذاتي لها ولأسرتها من لحوم الدواجن والبيض، واعتادت منذ صغرها على تربية الدواجن في المنزل، وهو حال الكثيرين من أبناء قريتها في مركز أجا، في محافظة الدقهلية شمال شرق مصر، الذين يستغلون بواقي الطعام في تغذية الدواجن وبقية أنواع الطيور، كالبط والرومي والإوز.

إلا أن التغيّرات المناخية، أو كما تعرّفها هي بارتفاع حرارة الصيف وقسوة الشتاء، تسببت في خسارتها لصغار الدواجن التي نفقت الشتاء الماضي في موجة الصقيع التي مرت على مصر، فاضطرت إلى اللجوء إلى بعض الأفكار لتوفير البيئة المناسبة لتربيتها والحفاظ على حياتها.

وتقول سعاد، وهي موظفة حكومية ستينية: "نعتاد نحن الفلاحين على تربية الطيور لتكون هي مصدرنا للغذاء، ولكن تربيتها أصبحت صعبةً، ففي أكثر من مرة ماتت الدواجن، خاصةً في الشتاء"، موضحةً في حديثها إلى رصيف22، أنها فقدت الشتاء الماضي كل دواجنها، إذ فوجئت بموتها جميعاً بعد إصابتها بالبرد، حسب ما أوضح لها الطبيب البيطري، ونصحها بضرورة تحصين الدواجن باستخدام بعض الأدوية.

فقدت الشتاء الماضي كل دواجني، إذ فوجئت بموتها جميعاً بعد إصابتها بالبرد.

سعاد لم تعتد من قبل على إعطاء أدوية للدواجن، إلا أنها في السنوات الأخيرة اضطرت إلى ذلك، بعد موت أكثر من جيل من طيورها، واتّباعاً لنصيحة الطبيب البيطري لها بتحصينها باستخدام بعض الأدوية لمواجهة قسوة الشتاء.

وتوضح: "لجأت إلى بعض الطرق مع خبرتي المتراكمة، ونصائح بعض جيراني لحماية الدواجن من البرد، فبدأت بوضع صغار الدواجن من عمر يوم في صندوق صغير مصنوع من الكرتون، وغالباً ما تكون علبة كرتون مخصصةً للسلع الغذائية، وبعد مرور أسبوعين أجهّز مساحةً صغيرةً جداً لها على سطح المنزل، وأضع فيها لمبةً تشعّ ضوءاً أصفر لأنها توفر حرارةً للكتاكيت، ولا أستخدم اللمبات الموفرة للطاقة المتواجدة حالياً لأنها لا تفيد، وأعطيها جميع الأدوية التي كتبها لي الطبيب البيطري عبر الماء يومياً، وبذلك أحمي غالبيتها من الموت بسبب البرد".

ارتفاع فاتورة التكيّف

تتسبب التغيرات المناخية في نشاط بعض الأمراض عند الدواجن، مما يؤدي إلى نفوق جماعي بينها، وذلك حسب تصريحات صحافية سابقة لأحمد جودة الغريب، وهو باحث في مجال الدواجن في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ويوضح أن التغيرات المناخية تؤدي إلى دخول الدواجن في حالة من عدم الاتزان والعزوف عن تناول الأعلاف، ومن ثم تنشط بعض الأمراض الكامنة لديها، مما يؤدي في النهاية إلى وفاتها بشكل جماعي.

ويرى ثروت الزيني، نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن في مصر، خلال حديثه إلى رصيف22، أن مربي الدواجن قادرون حتى الآن على التعامل مع التغيرات المناخية، فجميع مزارع الدواجن تحتوي على مدافئ تعمل طوال الشتاء لتوفير التدفئة، ومراوح في الصيف لتقليل ارتفاع الحرارة.

من طرق تكيف ربات البيوت في مصر لحماية صغار الدواجن من تقلبات الطقس - خاص رصيف22

ويتابع: "خسائر مربي الدواجن من التغيرات المناخية تظهر في ارتفاع تكلفة فاتورة التكيف مع هذه التغيرات، باعتمادهم على أجهزة التدفئة أو التهوية والتي تستهلك وقوداً يرتفع ثمنه دائماً، أو كهرباء زادت قيمة فاتورتها أضعافاً مضاعفةً"، مؤكداً أنه لا توجد حتى الآن أي أرقام حول حجم الخسائر التي تكبدتها الدولة بسبب التغيرات المناخية، بالرغم من نفوق بعض الدواجن في بعض المزارع بفعل الحرارة الشديدة أو المتدنية والتي تتسبب في انتشار مرض الأنفلونزا.

ووفق أرقام وزارة الزراعة، يبلغ حجم إنتاج القطاع التجاري من الدواجن في مصر قرابة 1.4 مليار طائر، بينما ينتج القطاع الريفي قرابة 320 مليون دجاجة. ويبلغ حجم الاستثمارات في صناعة الدواجن 100 مليار جنيه، كما تستوعب صناعة الدواجن نحو 3 ملايين عامل، إذ يبلغ إجمالي عدد المنشآت الداجنة 38 ألف منشأة تشمل المزارع ومصانع الأعلاف ومنافذ بيع الأدوية البيطرية.

أجهزة تدفئة وعلف أكثر

أصبحت تكلفة تربية الدواجن مضاعفةً بسبب التغيرات المناخية، التي أجبرت المربّين على اعتماد طرق جديدة لحمايتها من تقلبات المناخ، وذلك حسب حديث سيد فرج، وهو مهندس زراعي وصاحب مزرعة دواجن في منطقة المعادي في محافظة القاهرة، ويوضح في حديثه إلى رصيف22: "تحتاج الدواجن إلى درجة حرارة معتدلة بين 25 إلى 27 درجةً، وإذا زادت أو انخفضت يكون لها تأثير سلبي كبير عليها، وهو ما حدث بالفعل في السنوات القليلة الماضية".

ويضيف: "أعتمد في المزرعة على أجهزة تدفئة لحماية الدواجن من برد الشتاء، الذي سجل انخفاضات شديدةً تمتد لأسابيع متصلة، فأصبحت هذه الأجهزة تعمل على مدار 24 ساعةً منذ بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى نهاية آذار/ مارس، وهي تعتمد على أنابيب الغاز، التي أصبح سعر الصغيرة منها 90 جنيهاً (3.7 دولارات)، تُستخدم لأسبوعين فقط، أو تعتمد على السولار الذي زاد ثمنه مع اتجاه الحكومة نحو إلغاء الدعم عن الطاقة، كما تزداد الفاتورة بسبب حاجة الدواجن إلى استهلاك أعلاف أكثر للحصول على التدفئة، مما رفع تكلفة تدفئة الدواجن إلى ثلاثة أضعاف ما كنا نحتاجه قبل 5 سنوات".

لجأت إلى بعض الطرق مع خبرتي المتراكمة، ونصائح بعض جيراني لحماية الدواجن من البرد، فبدأت بوضع صغار الدواجن من عمر يوم في صندوق صغير مصنوع من الكرتون، وبعد مرور أسبوعين أجهّز مساحةً صغيرةً جداً لها على سطح المنزل، مع لمبة تشعّ ضوءاً أصفر

في الصيف، يعتمد سيد على تركيب 8 "شفاطات" تغطي مساحة 150 متراً من المزرعة لتقليل درجة حرارة العنابر، إذ تتسبب الحرارة في إجهاد الدواجن ونفوق أغلبها، ويتراوح سعر الشفاط الواحد من 2،000 إلى 4،000 جنيه (80 إلى 160 دولاراً) حسب نوعه، ويوضح: "استخدام الشفاطات في العنابر ليس جديداً، ولكن مؤخراً أصبحت تعمل طوال اليوم بسبب ارتفاع معدلات الحرارة بطريقة غير مسبوقة، مما زاد من فاتورة الكهرباء بنسبة 200%، خاصةً بعد ارتفاع الأسعار وإلغاء الدعم الحكومي عنها".

وشهدت مصر العام الفائت، 2021، ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة بلغ 3-4 درجات مئوية فوق المعدلات الطبيعية، حسب الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية. كما شهدت في شتاء 2021، موجات صقيع متتاليةً تسببت في تراكم الثلوج في مناطق متفرقة للمرة الأولى، مما دفع مسؤولي الأرصاد الجوية لمراجعة توصيف المناخ، والمعروف بأنه حار جاف صيفاً، ودافئ ممطر شتاءً، ووصفته إيمان شاكر، مديرة عام الاستشعار عن بعد في هيئة الأرصاد، بأنه أصبح شديد الحرارة والرطوبة صيفاً وقارس البرودة شتاء.

من طرق تكيف ربات البيوت في مصر لحماية صغار الدواجن من تقلبات الطقس - خاص رصيف22

عرائش لحماية الدواجن

تعتمد حياة محمد السيد (65 عاماً)، وهي من سكان منطقة حدائق المعادي التابعة لمحافظة القاهرة، على بعض الحيل لحماية دواجنها من الحر الشديد صيفاً، وتقول لرصيف22: "بنيت ما يطلق عليه ‘تعريشة’، بوضع 4 عروق من الخشب كأعمدة أغطّيها ببعض الأقمشة لتظلل مساحة مترين، أضع تحتها الدواجن طوال فترة الحر، وأترك غرفة التربية مفتوحة الباب طوال المساء ليدخل الهواء إليها، مع الحفاظ على نظافة الغرفة دائماً، لأن فضلاتها تزيد الحرارة وتنقل الأمراض".

بدأت حياة، بتربية الدواجن، قبل 25 عاماً، على سطح منزلها، إذ تعتمد هي وعائلتها عليها في الغذاء، ولكنها تعرضت لأزمات عدة بسبب تغيرات المناخ، فنفقت أغلب دواجنها -وعددها 35 دجاجةً- بسبب موجات الطقس التي لم تكن في الحسبان.

تقول حياة: "أصبحت الدواجن في حاجة دائماً إلى التحصين الدوائي منذ خروجها من البيض، حتى أرفع مناعتها وتستطيع مقاومة البرد الذي يفتك بالصغار. أحصل على التحصينات من أحد المهندسين الزراعيين، وأضع صغار الدواجن في غرفة صغيرة أغلقها جيداً حتى لا أترك مجالاً لدخول الهواء البارد إليها، وأضع لها لمبةً صغيرةً لتدفئة الغرفة وأتركها مضاءةً 24 ساعةً في اليوم لمدة شهرين كاملين، وبعدها أنقلها من الغرفة الصغيرة إلى مكان أوسع قليلاً عندما يصبح وزنها ما بين نصف إلى ثلاثة أرباع كيلو".

أعتمد في المزرعة على أجهزة تدفئة لحماية الدواجن من برد الشتاء، تعمل على مدار 24 ساعةً منذ بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى نهاية آذار/ مارس، كما تزداد الفاتورة بسبب حاجة الدواجن إلى استهلاك أعلاف أكثر للحصول على التدفئة

وتشير إلى أنها عندما بدأت بتربية الدواجن، لم تكن في حاجة إلى تدفئتها، فالجو لم يكن بمثل هذه البرودة، وكان وضعها في مكان صغير محكم الإغلاق كافياً لتوفير التدفئة الملائمة، ولم تكن في حاجة إلى أدوية لحمايتها من البرد، أما الآن فهي تعطيها المضاد الحيوي منذ اليوم الأول للحفاظ عليها من البرد".

وتتسبب الحرارة المرتفعة في نقصان نمو الدواجن وفقدانها الشهية، واستهلاكها كميات أكبر من الأعلاف، ما يؤدي إلى ضعف جودة اللحوم والبيض التي تنتجها، كما توضح فاطمة حسين، الباحثة في معهد صحة الحيوان في مركز البحوث الزراعية المصري، والتي كتبت ضمن دراسة نُشرت مؤخراً، أن "الحرارة الشديدة تتسبب في حدوث ما يُسمى بالإجهاد الحراري للطيور، وهو مرض يصيب الطائر عند ارتفاع درجة الحرارة نظراً إلى تعرّضه لرطوبة عالية داخل عنابر التربية، مع زيادة فرصة التعرض للأمراض مما يتسبب في كثرة استخدام المضادات الحيوية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image