يومياً، وربما على مدار الساعة، يتسبب قطاع السياحة حول العالم في خسائر كبيرة للبيئة والمناخ، نتيجة ممارسات خطأ يمارسها السياح بدراية، أو عن غير قصد.
فطبقاً لما تقوله منظمة السياحة العالمية، يقتل البلاستيك ما يقارب من 100 ألف كائن بحري سنوياً، بسبب إلقاء المواد البلاستيكية في المياه من قبل السياح، كما أن تقرير المنظمة الصادر هذا العام أشار إلى أن البلاستيك يتسبب في خسائر تُقدَّر بقرابة 13 مليار دولار أمريكي كل عام للنظم البحرية، بجانب ما يسببه قطاع النقل بشكل خاص من ضرر وانبعاثات كربونية.
لمواجهة كل ذلك، أطلقت جمعية تنمية السياحة البيئية في مصر مبادرةً بعنوان "سياحة صديقة للمناخ"، بالتزامن مع مؤتمر المناخ الذي أقيم الشهر الفائت في شرم الشيخ، تستهدف نشر الوعي بأهمية جعل السياحة أكثر استدامةً، وضرورة خفض الانبعاثات الناتجة عنها والتي تهدد العالم بمرور السنوات.
يتسبب قطاع السياحة حول العالم في خسائر كبيرة للبيئة والمناخ.
تنادي الجمعية، التي تهتم بكل ما يخص السياحة ذات البعد المستدام، بضرورة زيادة الوعي لدى السياح في كل العالم، لتكون لديهم اختيارات صديقة للمناخ والبيئة عند التخطيط لأي رحلة، بدءاً من الطيران واختيار الفندق وحتى المشتريات التي يقومون بها، إلى جانب تدريب قطاع كبير من العاملين في الفنادق على المفاهيم المتعلقة بالبصمة الكربونية، وتعمل على نطاق كبير حول العالم بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وكذلك مشروع البرنامج البيئي للتعاون المصري الإيطالي، إلى جانب وزارة التضامن الاجتماعي.
خطر قادم
الدكتور إسلام البستاوي، مستشار السياحة البيئية في المشروع المصري للتعاون المصري الإيطالي، تحدث إلى رصيف22، عن المبادرة وأهدافها موضحاً: "تُعدّ السياحة واحدةً من مصادر الانبعاثات الكربونية التي لا يتم الاهتمام بها بصورة كافية، فقد قدّر مجلس السفر والسياحة العالمي أن قطاع السياحة يتسبب بنسبة 8% إلى 11% من إجمالي غازات الاحتباس الحراري العالمية، ومن المتوقع أن تزيد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من السياحة بنسبة 25% عام 2030، فالسياحة لديها إنتاج ضخم متعلق بالأكل والطيران والكهرباء وقطاعات أخرى مختلفة، و50% من الانبعاثات الناتجة من قطاع السياحة مصدرها قطاع النقل باختلاف وسائله".
دكتور السياحة والفنادق أضاف: "لا تستهدف المبادرة مخاطبة السائح المصري فقط، بل كل السياح حول العالم، مقدمةً خطوات تشرح كيف تكون سائحاً صديقاً للمناخ، ولذلك أطلقنا حملةً في شرم الشيخ قبل مؤتمر المناخ بأسبوعين، توجهنا من خلالها إلى السياح في مصر والولايات المتحدة واليونان، وروّجنا للحملة عن طريق نشر مبادئها وخطوات السياحة الصديقة للبيئة. إلى جانب ذلك، نتواصل مع الجهات المهتمة كالفنادق والشركات السياحية، وستكون هناك زيارات لها في المرحلة المقبلة لزيادة الوعي من خلال دورات تدريبية لكوادرها".
تُعدّ السياحة واحدةً من أكبر مصادر الانبعاثات الكربونية، فقد قدّر مجلس السفر والسياحة العالمي أن قطاع السياحة يتسبب بنسبة 8% إلى 11% من إجمالي غازات الاحتباس الحراري العالمية، فالسياحة لديها إنتاج ضخم متعلق بالأكل والطيران والكهرباء وقطاعات أخرى مختلفة
اختيارات السائح
حددت المبادرة عدداً من المبادئ والخطوات التي من المهم أن يلتزم بها السياح والفنادق لخفض الانبعاثات والأضرار البيئية الناجمة عن السياحة، يشرحها البستاوي قائلاً: "أولاً لا بد من أن يختار السائح أنشطةً منخفضة الانبعاثات من البداية، وعلى رأسها وسائل الطيران، وبالفعل يتيح ‘جوجل فلايت’ خاصيةً يمكن من خلالها أن يعرف السائح كمية الانبعاثات خلال رحلته حسب كل شركة طيران، مع الانتباه إلى أنه ليس بالضرورة أن تكون الرحلة أغلى سعراً لأنها قليلة الكربون".
تتمثل الخطوة الثانية في تقليل مخلفات الطعام وهدر الغذاء في الفنادق والفعاليات والمؤتمرات السياحية، ويتابع المتحدث: "ندعو الفنادق والسياح لمراعاة هذه النقطة، ففي كثير من الفعاليات تكون هناك كميات طعام ومياه مبالغ فيها، فتزيد نسبة المخلفات. في البحر الأحمر، نعمل على إعادة توزيع الطعام أو تحويله إلى سماد عضوي، وهذا يجعلنا نتساءل لماذا لا نقلل من هدر الطعام منذ البداية؟".
ثالثاً، تدعو المبادرة إلى الاهتمام بشكل خاص بالحِرف المحلية المنخفضة الكربون، والتي تعمل المجتمعات المحلية على دعمها وحمايتها، خاصةً ضمن المحميات، ويقول البستاوي: "على السائح أن يدعم المنتجات المحلية والصناعات اليدوية، وذلك بدوره يساعد المجتمع المحلي على الاستمرار والتواجد بجوار المحميات لحمايتها".
يجب أن تفكر الفنادق: كيف تحصل على المياه والكهرباء؟ وكيف تتم معالجة المياه؟
والخطوة الرابعة هي تحريم ومنع البلاستيك الأحادي الاستخدام، مثل زجاجات المياه والملاعق، والتعامل بصرامة أكثر في هذه الناحية، واستخدام بدائل البلاستيك الصديقة للبيئة. وخامساً تشجيع الاستهلاك المسؤول والفعّال للمياه والطاقة، إذ يجب أن تفكر الفنادق: كيف تحصل على المياه والكهرباء؟ وكيف تتم معالجة المياه؟
فنادق خضراء
تحدث الدكتور أيمن الفقي، المسؤول في إدارة الفنادق في وزارة السياحة، عن تحويل بعض الفنادق في مصر إلى فنادق صديقة للبيئة خلال الفترة الماضية، وقال لرصيف22: "هناك بعض الفنادق التي حصلت على شهادات النجمة الخضراء، والهدف منها أن تطبق الفنادق ممارسات خضراء صديقةً للبيئة، كأن تقلل من استهلاك المياه والكهرباء، وتعمل على تدوير المخلفات، وتحرص على جودة الهواء، وتعمل على المشاركة المجتمعية لتوعية الناس".
ويشير المتحدث إلى حصول 120 فندقاً في مصر على شهادات النجمة الخضراء وشهادات بيئية أخرى، موزعة على القاهرة والعين والسخنة والإسكندرية ومرسى مطروح والغردقة وجنوب سيناء وسفاجة والجونة ومرسى علم. وحتى يحصل الفندق على الشهادة، تقوم الشركة العالمية المانحة لها بتنفيذ زيارات متتالية للتأكد من مطابقتها للشروط، بما يخص المياه والكهرباء واستخدام الطاقة النظيفة، وهناك فنادق تحصل على ثلاث أو أربع أو خمس نجوم وفقاً للشروط التي تطبقها.
ويوضح المتحدث الفرق بين الفندق الأخضر والفندق البيئي: "الفندق الأخضر فندق عادي يسير تبعاً لمعايير صديقة للبيئة، أما الفندق البيئي فهو الذي تم بناؤه وتصميمه معمارياً كصديق للبيئة. لدينا فنادق بيئية في واحة سيوة وفي شرم الشيخ، ومن المقرر خلال سنوات أن ينتشر الموضوع في بقية المحافظات بما يتناسب مع طبيعتها".
لا بد من أن يختار السائح أنشطةً منخفضة الانبعاثات، وعلى رأسها وسائل الطيران، ويتيح ‘جوجل فلايت’ خاصيةً يمكن من خلالها أن يعرف السائح كمية الانبعاثات خلال رحلته حسب كل شركة طيران، مع الانتباه إلى أنه ليس بالضرورة أن تكون الرحلة أغلى سعراً لأنها قليلة الكربون
الفقي أضاف: "الشهادات البيئية لها هدف تسويقي، وتساهم في نجاح الفنادق وزيادة مكاسبها، فهناك سياح حول العالم يهتمون بهذه النوعية من الفنادق، وتالياً يقصدونها بشكل خاص".
بدوره تحدث ملاك غطاس، مدير قطاع الغرف في فندق "جورجونيا بيتش ريزورت"، في مرسى علم، عن تجربة الفندق في الحصول على النجمة الخضراء، وقال لرصيف22: "يقع الفندق في منطقة وادي الجمال، وهي محمية طبيعية تقع إلى الجنوب من مرسى علم، وقد أنشئ عام 2008، ويضم 350 غرفةً. ومع اهتمامنا بالبيئة والمحافظة عليها حصلنا على النجمة الخضراء، من خلال شركة ألمانية تعرض ذلك على الفنادق التي تهتم بالبيئة، ولها شروط معيّنة مثل الحفاظ على المياه والطاقة والاهتمام بالتدوير".
بالنسبة إلى المياه، يعتمد الفندق على محطة تحلية ذاتية تُخرج نحو 600 متر مكعب يومياً، ويمتلك محطة معالجة للمياه الخاصة بالاستهلاك. إلى جانب ذلك فإن استخدام البلاستيك مرفوض تماماً، وتم استبداله بالزجاج والورق في المنتجات من الأكواب والملاعق وغيرها، وتعاد إعادة تدوير هذه المواد من خلال شركات خاصة.
ويختم المتحدث بقوله: "بالإضافة إلى هذه الممارسات، تحرص إدارة الفندق على إنتاج بعض الفيديوهات التوعوية والتعليمية لكل الأعمار للسياح، لتشرح لهم أهمية الحفاظ على البيئة، مثل الكيفية الصحيحة للتعامل مع الكائنات البحرية، ويتم عرض هذه الفيديوهات بشكل يومي بأكثر من لغة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...