شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"نظّفناها بأدوات الطعام"... مبادرات غوّاصين لحماية الشعاب المرجانية في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الثلاثاء 6 ديسمبر 202203:13 م

في الثاني عشر من آذار/ مارس 2020، ضربت عاصفة التنين مصر، وحصدت كل ما على الشواطئ من أثاث المقاهي، ونقلته إلى أعماق البحر، مستقرةً حول الشعاب المرجانية التي عانت لأسابيع من الاختناق، مع التفاف مخلّفات الأثاث عليها، في الوقت الذي طبّقت فيه مصر حظراً شاملاً على كافة أنشطة السياحة والغوص، لمنع انتشار فيروس كورونا.

كادت الشعاب أن تنهار لولا أن رأت نور الشمس مرةً أخرى بعد 21 يوماً من العاصفة، بفضل عشرين غواصاً من مدينة دهب جنوب سيناء، عملوا على إنقاذها بعد حصولهم على تصريحات تتيح لهم الغوص وسط الحظر.

كادت الشعاب أن تنهار لولا أن رأت نور الشمس مرةً أخرى بفضل عشرين غواصاً عملوا على إنقاذها.

خمسة أيام عمل

يقول طارق عبد الفتاح، مدرب الغطس وصاحب مركز غطس "فانتازيا ريد سي" في مدينة دهب، وهو أحد الغواصين الذين أنقذوا الشعاب المرجانية بعد عاصفة التنين: "غطسنا إلى أعماق البحر إثر حصولنا على إذن من السلطات، وبعد اتخاذنا كافة الاحتياطات اللازمة غطسنا في منطقة ‘موري غاردن’، وفوجئنا بالقطن المكون لأثاث المقاهي يلتف حول الشعاب المرجانية ويمنع ضوء الشمس من الوصول إليها، مما هددها بالموت خنقاً".

وأشار في حديثه لرصيف22، إلى تنفيذهم حملة تنظيف موسعةً في هذه المنطقة، أزالوا خلاها كل القمامة من حول الشعاب المرجانية، واستغرقت 5 أيام عمل متواصلة حتى تأكدوا من نظافة الشعاب تماماً من جميع الشوائب.

لم تكن هذه المبادرة الأولى التي يساهم فيها طارق، وهو يعمل في الغطس منذ عام 1996 ويحمل إجازةً في الآداب، فهو يشارك في توعية طلاب المدارس في مدينة دهب حول الشعاب المرجانية وأهميتها وكيفية الحفاظ عليها، ومدى تأثرها بالأنشطة البشرية وتغيرات المناخ.

ويوضح: "منذ عام 2005، بدأت المشاركة في حملات توعية الطلاب بالحفاظ على الشعاب المرجانية، وهي مبادرة يتولاها سكان مدينة دهب، وأحد أهم الأنشطة الطلابية في المدارس هنا، وندفع خلال المبادرة الطلاب للمشاركة معنا في حملات تنظيف قاع البحر والشواطئ التي نقوم بها بصفة دورية، لجمع القمامة التي تؤثر على حياة الشعاب المرجانية والأسماك، حتى يكون لدى الأجيال الجديدة وعي بأهمية البيئة من حولهم وكيفية الحفاظ عليها".

ويشير طارق إلى أن أكثر التحديات التي تواجههم هي القمامة التي تؤذي الحياة البحرية، لذا صمم بدلة غوص خاصةً فيها جيوب لوضع القمامة التي يجدها في كل رحلة غطس.

وفي إطار خطة مصر لحماية الموارد الطبيعية، ومنها الشعاب المرجانية، قررت وزارة البيئة السماح للقطاع الخاص والمجتمع المحلي بالمشاركة في إدارة هذه الموارد وصونها، وذلك وفق ما ورد في تصريحات صحافية لوزيرة البيئة المصرية في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت. ولا توجد إحصائية رسمية عن عدد الغطاسين لعدم وجود نقابة لهم حتى الآن.

شارك 200 غطاس لمدة 5 أيام في تنقية المخلفات التي حملتها العاصفة، وكنا ننتقي القطن من داخل الشعاب باستخدام أدوات الطعام للتأكد من التخلص من كل خيط تسبب في ابيضاضها نتيجة حجب أشعة الشمس عنها. بذلنا مجهوداً جباراً جداً

أقدم النظم البيئية

تُعدّ الشعاب المرجانية التي تنتنشر بطول 400 كيلومتر مربع قبالة سواحل مصر، وهي موطن لأكثر من 200 نوع من الشعاب المرجانية الصلبة، جزءاً مهماً من السياحة، قُدرت عائداتها عام 2019، بنحو 7 مليارات دولار. وعلى مستوى العالم، تغطي الشعاب المرجانية 0.2% من قاع البحار، ومع ذلك تحتوي على ربع النباتات والحيوانات البحرية التي تعتمد عليها بلدان كثيرة للصيد والسياحة.

وتمثل الشعاب المرجانية أساس بقاء الحياة البحرية وأقدم النظم الأيكولوجية على وجه الأرض، حسب محمود دار مدير معهد علوم البحار والمصايد في الغردقة (محافظة البحر الأحمر)، موضحاً في حديثه إلى رصيف22، دور الشعاب في الحفاظ على التنوع البيولوجي والاتّزان البيئي في البحار، ويقول: "ترجع أهمية الشعاب المرجانية إلى كونها موائل لغالبية أنواع الأسماك في البحار، كما أن الهياكل الكربونية المكونة لها تمد الشواطئ بالقوة التي تجعلها قادرةً على مواجهة ظاهرة نحر الشواطئ".

وتعيش الشعاب، كما يوضح المتحدث، في المناطق الدافئة وشبه الدافئة بين خطي عرض 30 شمالاً و30 جنوباً، وهي كائنات حيوانية حية تتكون من هياكل صلبة من كربونات الكالسيوم، تتشكل بفعل الكائنات الدقيقة التي تعيش عليها وتعطيها ألوانها المميزة، وتقوم هذه الكائنات بعملية البناء الضوئي فتمتص ثاني أكسيد الكربون وأيونات الكالسيوم من البحار وتبني منها الهياكل الكربونية المكونة لها وتخرج الأوكسجين الذي تتنفس منه الكائنات البحرية.

البشر أشد خطراً من المناخ

يؤثر التغير البيئي مع الأنشطة البشرية، سلباً على الشعاب المرجانية، إذ تراجعت مساحة غطاء هذه الشعاب في البحر الأحمر، بنسبة 13.6% في المتوسط بين عامي 2005 و2019، وفق الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية. وبحلول عام 2100، قد تفقد مصر قرابة 65 مليار دولار أمريكي من الإيرادات المرتبطة بالشعاب، نتيجة توقعات بتدهور المناخ أكثر.

يؤثر التغير البيئي مع الأنشطة البشرية سلباً على الشعاب المرجانية.

ويشير دار، إلى أن الشعاب المرجانية في البحر الأحمر لها طبيعة خاصة، فهي أكثر مقاومةً للتغيرات المناخية وقادرة على التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة، مستطرداً: "الشعاب المرجانية في البحر الأحمر تتأقلم مع التغيرات المناخية من حيث الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة، لأنها من أقوى الشعاب في العالم، وتلك التي تموت مع التغيرات المناخية ضعيفة لا تستطع التأقلم، وغالباً ما تكون موجودةً في المناطق الضحلة، ولكن الخطر الأشد من التغيرات المناخية هي الأنشطة البشرية، فلا بد من السيطرة على تصرفات الغواصين وتوعية الزائرين بضرورة الحفاظ على الشعاب المرجانية".

ويؤكد أن أي تهديد للشعاب نتيجة التغير المناخي أو الأنشطة البشرية، هو تهديد للحياة البحرية كلها، إذ ستموت الأسماك التي تعيش في كنفها، كما ستزداد نسبة ثاني أكسيد الكربون في المياه.

تماثيل لاحتواء الشعاب المرجانية

توفير بيئة جديدة لنمو الشعاب المرجانية فكرة وضعها محمد مدني، وهو غطاس في مركز غطس "دهب دايفرز"، مع 20 غطاساً آخرين، لتكون هناك مواقع بديلة تخفف الضغط على مواقع الغطس الطبيعية التي بدأت تتأثر فيها الشعاب المرجانية بالأنشطة البشرية.

يقول محمد: "بدأت الفكرة عام 2011، لإيجاد مناطق غطس جديدة بعيدة عن الشعاب التي تأثرت سلباً بالأنشطة البشرية وتعرضت أجزاء كبيرة منها للكسر، وتحتاج إلى سنوات طويلة لتكوينها مرةً ثانيةً، وساعدنا طلاب وخريجو الفنون الجميلة وبدعم منظمات المجتمع المدني في صناعتها".

صنع الفريق ثلاثة تماثيل، منها تمثال "حورس"، وتمثال "بس" التي ترمز إلى الطبيعة المَرحة، ويبلغ طول الشعاب المرجانية على هذه التماثيل الآن 30 سنتيمتراً، بالرغم من أنه، وحسب النمو الطبيعي لها، من المفترض أن يكون طولها 25 سنتيمتراً فقط، ولكن طبيعة البحر الأحمر ومياه مدينة دهب تساعد على نمو الشعاب بوفرة. ويضيف محمد: "في عام 2014، صنعنا أربعة تماثيل أخرى، وكذلك تمثالاً لفيل بحجمه الطبيعي يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار ونصف المتر ووزنه 800 كيلوغرام، وذلك من مواد معاد تدويرها".

تمثل الشعاب المرجانية أساس بقاء الحياة البحرية وأقدم النظم الأيكولوجية على وجه الأرض، وترجع أهميتها إلى كونها موائل لغالبية أنواع الأسماك في البحار، كما أن الهياكل الكربونية المكونة لها تمد الشواطئ بالقوة التي تجعلها قادرةً على مواجهة ظاهرة نحر الشواطئ

استغرق إنزال التماثيل إلى البحر أربعة أيام، وبعد إنزالها قام محمد مع مجموعته بزرع شعاب مرجانية داخلها معتمدين على القطع المكسورة سابقاً، وبدأت بالنمو.

الشعاب ابيضّت بسبب العاصفة

محمد، الذي يعمل غطاساً محترفاً منذ عام 2005، بعد حصوله على إجازة في التربية قسم العلوم، كان له دور عظيم في حماية الشعاب المرجانية في مدينة دهب، والتي اتجه للعيش فيها بعد أن ترك مدينته الإسماعيلية، للعمل في مجال السياحة وتعلم الغطس. يشير إلى تعرّض هذه الشعاب للابيضاض (أي تغيّر لونها إلى الأبيض)، بسبب تراكم القطن عليها، بعد أن دمرت عاصفة التنين المقاهي.

ويوضح: "شارك 200 غطاس لمدة 5 أيام في تنقية المخلفات التي حملتها العاصفة، وكنا ننتقي القطن من داخل الشعاب باستخدام أدوات الطعام للتأكد من التخلص من كل خيط تسبب في ابيضاضها نتيجة حجب أشعة الشمس عنها، وكان تنظيف منطقة محيطها يبلغ متراً ونصف المتر يستغرق أكثر من نصف ساعة. بذلنا مجهوداً جباراً جداً".

ويستطرد محمد: "فكرة إيجاد منازل بديلة للشعاب المرجانية، جاءتنا عندما لاحظنا قلة الأسماك التي تعيش في كنفها، مع زيادة ضغط السائحين على المنطقة، وكان لا بد أن نحافظ على البيئة البحرية، لأن تعرّض الشعاب للخطر يعني تعرّض البيئة كاملةً للخطر، كما تعلمنا في أثناء دراستنا الغطس قبل العمل فيه. أشجّع السائحين على جمع المخلفات التي يجدونها في أعماق البحار، كما أقوم أنا وزملائي بذلك لنحافظ على البحر نظيفاً".

ويشير المتحدث إلى تحديات تتمثل في القمامة التي لا تقبل التحلل وخاصةً البلاستيك، ويوضح: "أكثر ما يؤذيني عند الغطس رؤية البلاستيك يحيط بالكائنات البحرية، وقد يقتلها إذ لم يكن هناك من ينقذها"، كما ينبّه إلى ضرورة وجود نقابة خاصة بالغطاسين توفر لهم الحماية الاجتماعية والصحية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

Website by WhiteBeard
Popup Image