على بُعد نحو 800 كم من القاهرة، حيث نتوغل أكثر ناحية الجنوب الشرقي، يَكمن عالم هادئ بعيد عن الضجيج، ومُختلف في سكانه، وعاداته، وتقاليده، وسحر طبيعته.
ما يقرب من 11 ساعةً، قضيتها في الحافلة حتى وصلت أخيراً إلى مرسى علم.
تبدو المدينة هادئةً، وبسيطةً في طرازها المعماري، تأخذ أغلب المحالّ فيها شكل قباب، بينما تحتفظ بعض نسائها من قبائل العبابدة والبشارية، بزيهن التقليدي، الذي يُطلق عليه التوب، أو القرباب.
قضيتُ هناك ساعاتٍ، وأنا أتعرف إلى المكان، وطبيعته الفريدة، التي تدفع البعض لتسميته "مالديف مصر"، وفي الوقت نفسه أتعرّف عن كثب على المخاطر البيئية المحيقة به، والتي يسعى البعض إلى مواجهتها بما يتوفر لديهم من إمكانات.
محمية وكائنات نادرة
تقع مدينة مرسى علم، في جنوب محافظة البحر الأحمر، وهي تبعد عن مدينة الغردقة قرابة 270 كيلومتراً إلى الجنوب، وتحتوي على بعض المنتجعات السياحية، التي جعلت منها قِبلةً للراغبين في ممارسة النشطات البحرية، والاستجمام.
يقول رئيس مجلس إدارة جمعية مرسى علم، محمد حامد، خلال لقاء مع رصيف22: "تُعدّ مدينة مرسى علم مركزاً عالمياً لهواة الغوص والرحلات البحرية، وذلك لما تتمتع به من شاطئ رملي، وتنوّع بيولوجي فريد، حيث تتواجد الشعب المرجانية التي تُعدّ مأوىً لعددٍ كبير من الكائنات البحرية، مثل الأسماك والسلاحف البحرية والدلافين، وغيرها من الكائنات النادرة.
كما توجد في المدينة محمية وادي الجمال، التي أُعلنت في سنة 2003، محميةً طبيعيةً، وتُصنّف محمية صحارى، وتحتوي على عناصر طبيعية فريدة، مثل حوض وادي الجمال الذي يضم أغنى أودية الصحراء الشرقية وأكبرها، وأشجار المانغروف، والحشائش البحرية، والكثير من المعالم الجيولوجية والشواطئ الخلابة، بالإضافة إلى أنها تُعدّ ثاني أكبر تجمّعٍ لطائر صقر الغروب".
يضيف حامد أيضاً عن وجود مجموعة فريدة من الجزر في مرسى علم، من بينها جزيرة الزبرجد، وجزيرة خوار، وجزيرة الروكي، وشهاب الفستون، وهي تُعدّ وجهةً لهواة رحلات السفاري. كما أن المدينة تضمّ منطقتَي مرسى مبارك، ومرسى أبو دباب، اللتين تحتويان على العديد من الكائنات البحرية المهددة بالانقراض، وأبرزها عروس البحر.
مشروب رسمي
يسكن مرسى علم، نحوا 11،500 نسمة، أغلبهم من قبيلتي العبابدة والبشارية، ومعظمهم يمتهنون مهنتَين أساسيتين؛ إما العمل في مجال السياحة، أو التنقيب عن الذهب، الذي يُعدّ عمل الكثير من أبناء الجنوب، نظراً لما تحتويه مدن الجنوب من معادن ثمينة، على رأسها الذهب والمنغنيز والفوسفات، وغيرها من الموارد الطبيعية.
وتُعدّ "الجَبنة"، المشروب الرسمي لسكان مرسى علم، وقد توارثوه عن الأجداد.
يقول أحمد حامد، وهو من سكان مرسى علم العاملين في قطاع السياحة: "تتربع الجَبنة على عرش المشروبات الساخنة التي يحرص أبناء قبائل البحر الأحمر على احتسائها، فهو المشروب الرسمي لقبائل مثلث حلايب وشلاتين في جنوب البحر الأحمر، وأساسي ضمن واجب الضيافة المعتمد لديهم، ويقابل الشاي والقهوة في ربوع مصر وأنحائها المختلفة".
مرسى علم هي مركز عالمي لهواة الغوص والرحلات البحرية، لما تتمتع به من شاطئ رملي، وتنوّع بيولوجي فريد.
والجَبنة، كما يخبرنا أحمد، مشروب يُجهَّز من خلال عملية التحميص اليدوي للبن الأخضر، عن طريق قليه داخل إناء مصنوع من الفخار، حتى يتحول لون البن الأحمر إلى بني غامق، وتستغرق عملية التحميص ثلاث دقائق، وفي أثنائها يضاف إلى البن قليل من حبات القرنفل، أو الحبهان، أو الزنجبيل، حسب النكهة التي يطلبها الضيف.
وبعد تجهيز تلك الخلطة، يضاف إليها القليل من السكّر، ثم يُقدَّم المشروب داخل فناجين صغيرة مصنوعة من الخزف الصينى الملون، ويُشرَب بأعداد فردية.
كائنات مهددة بالانقراض
على جانبٍ آخر، وبعيداً عن السكان وعاداتهم وتقاليدهم، يتحدث مدير محميات مرسى علم في جنوب محافظة البحر الأحمر، أحمد شوقي، عن التأثيرات البشرية التي تساهم في اختفاء بعض الحيوانات البحرية وانقراضها، في منطقتَي مرسى مبارك ومرسى شوني التابعتين لمدينة مرسى علم.
ويقول في لقاء مع رصيف22: "من الحيوانات التي تتردد ما بين الموقعَين، حيوان عروس البحر، أو الدوجونج، النادر وجوده كثيراً على ضفاف البحر الأحمر، وذلك لوجود غذائه فى تلك الأماكن، من الحشائش البحرية".
وأضاف شوقي أن وجود حيوان عروس البحر في تلك المناطق أمر حيوي، لإعادة زيادة نموه، والحفاظ عليه، مشيراً إلى أن هذا الحيوان كان موجوداً بكثرة في منطقة مرسى أبو دباب إلى الجنوب من مرسى علم بنحو 15 كيلومتراً، ثم اختفى نتيجة التأثيرات البشرية في المنطقة، ما يدفعه إلى الهروب منها، في ظل غياب الرقابة والسيطرة والحفاظ على الحيوانات البحرية النادرة من الانقراض.
حيوان عروس البحر كان موجوداً بكثرة في منطقة مرسى أبو دباب إلى الجنوب من مرسى علم بنحو 15 كيلومتراً، ثم اختفى نتيجة التأثيرات البشرية في المنطقة، ما يدفعه إلى الهروب منها، في ظل غياب الرقابة والسيطرة والحفاظ على الحيوانات البحرية النادرة من الانقراض
كما حذّر أيضاً من توافد بعض قوارب الصيد إلى المنطقة، وهي تعمل على نشر شباكها، وإنزال خيوط الصيد هناك، مما يهدد بصيد السلاحف البحرية، وعروس البحر، وهو ما حدث بالفعل عن طريق رصد رأس إحدى السلاحف البحرية مقطوعاً وملقىً في قاع المرسى.
"لا بد من وجود قواعد بيئية تحافظ على الموارد البحرية والحيوانات النادرة في هذه الأماكن، بشكل لا يتعارض مع النشاط السياحي في المنطقة"، يقول في ختام حديثه.
تأثير المراكب ورحلات "السفاري"
وضمن السياق نفسه، يضيف رئيس مؤسسة "شباب بتحب مصر"، والمنسق الوطني للتحالف الأفريقي للمناخ، أحمد فتحي: "يهدد التأثير البشري على المنطقتين، بقاء حيوان عروس البحر، النادر والمهدد بالانقراض، مما يزيد من فرصة هروبه من المكان، مثلما حدث في مرسى أبو دباب".
ومن أهم المؤثرات البشرية على المنطقتين، كما يقول المتحدث في لقاء مع رصيف22، قربهما من منطقة بورت غالب، التي تُعدّ صاحبة الرواج السياحي الكبير في مرسى علم، وتحتوي على ميناء بحري، يتضمن مراكب "السفاري"، مشيراً إلى أن تلك المراكب تتوجه يومياً في رحلات بحرية إلى المنطقتين.
لا بد من وجود قواعد بيئية تحافظ على الموارد البحرية والحيوانات النادرة في هذه الأماكن، بشكل لا يتعارض مع النشاط السياحي.
يأتي تأثير تلك المراكب في ذهابها وإيابها، على حالات اضطراب البحر، وارتفاع أمواجه، وفق حديث فتحي، مضيفاً أن المراكب تضطر إلى التواجد في مرسى مبارك، وكذلك في مرسى بورت غالب، لانتظار الزائرين، وإنزالهم، وكذلك العكس، مما يتسبب في اضطراب حركة الأمواج، والتأثير على الكائنات البحرية الموجودة فى تلك المناطق، بالإضافة إلى أن محركات السفن قد تصطدم وتصيب بعض الكائنات البحرية، في أثناء صعودها إلى سطح البحر للتنفس.
وتُعدّ عروس البحر من الثدييات النباتية، وتعيش إما وحيدةً، أو زوجياً، أو في قطعان صغيرة، تتضمن بين ثلاثة وستة حيوانات، ويتراوح لون جلدها بين البني الفاتح والرمادي، ويحيط بفمها شعر قاسي الملمس، يفيد في الاستشعار. أما منخراها، فيقعان في قمة الرأس، ما يتيح لها التنفس من دون الحاجة إلى الارتفاع كثيراً إلى سطح الماء، ويصل طولها إلى أربعة أمتار، ووزنها يقارب الطن.
ووُضعت عروس البحر على القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض، والتي انطلقت عام 1963 من قبل اتحاد الحماية العالمي، بهدف تصنيف الأنواع النباتية والحيوانية حسب درجة خطورة تعرضها للانقراض والتهديد، ومن ثم السعي إلى الحفاظ عليها.
جهود تطوعية للتوعية
هذه المخاطر التي تحيق بمنطقة مرسى علم، والتنوع البيئي الموجود فيها، دفعت العديد من الشبان والشابات والفاعلين في المجتمع المصري للتصدي لها، والتوعية بشأنها.
يقول محمد الخشاب، مؤسس فريق "يلا تطوع Yalla volunteer": "البيئة هي العامل الوحيد لوجود الحياة على الأرض، ومن دونها لا يمكن أن تكون هناك حياة. لذا نعي جيداً ضرورة إشراك الأطفال بشكل خاص في الوعي بالقضايا البيئية، لقدرة الطفل على البقاء والنماء والازدهار، وحقه في التمتع ببيئة صحية في المستقبل".
وأضاف الخشاب، أن الفريق أطلق حملةً تستهدف توعية الأطفال بسبل الحفاظ على البيئة، والكائنات البحرية، وأضرار التلوث، والحد من استخدام البلاستيك. ونظراً للأهمية البيئية لمدينة مرسى علم، وضرورة الحفاظ على الحياة البحرية النادرة والثرية فيها، اختارتها الحملة كمحطة أولى، فاستهدفت توعية 50 طفلاً، أواخر العام الفائت، حول أهم الأمور والمفاهيم البيئية، بالتعاون مع جمعيات أخرى في المنطقة، منها شباب مرسى علم، ومركز شباب مرسى علم.
جدير بالذكر أن "يلا تطوع"، هي إحدى المبادرات الشبابية التي تضم نحو 1،500 متطوع ومتطوعة من الشباب، وتعمل على نشر ثقافة التطوع والمشاركة المجتمعية بين الشباب في مصر، في محاور البيئة، والقضايا الصحية والمجتمعية، والتعليم، والعمل الخيري والإنساني. ولقد نفذت العديد من فاعليات التوعية البيئية في العديد من المحافظات والمدن المصرية، ومنها دهب، والسويس، ومطروح، والقاهرة، والإسكندرية، وبني سويف، وأسوان، ومرسى علم.
هذه المخاطر التي تحيق بمنطقة مرسى علم، والتنوع البيئي الموجود فيها، دفعت العديد من الشبان والشابات والفاعلين في المجتمع المصري للتصدي لها، والتوعية بشأنها، واضعين ضمن أولوياتهم الحفاظ على التنوع البيولوجي، والبيئة البحرية.
وضمن السياق ذاته، يحدثنا رئيس مجلس إدارة جمعية "شباب مرسى علم"، محمد حامد، حول عمل الجمعية الرائد في المجال البيئي، إذ تعمل للحفاظ على البيئة في مرسى علم، ولها أنشطة كثيرة منها حملات التوعية البيئية للأطفال والشباب، بالإضافة إلى ورش عمل عن كيفية الحفاظ على البيئة، وكذلك حملات النظافة للشواطئ العامة، وتحت المياه، وتضع من ضمن أولويات أهدافها الحفاظ على التنوع البيولوجي، والبيئة البحرية.
الجميع يعملون بما لديهم من إمكانات للحفاظ على هذا المكان فريد الجمال، ويطالبون بزيادة الوعي حول المخاطر التي تتهدده، وسن القوانين والتشريعات الكفيلة بالحد من تلك المخاطر، حتى لا يأتي يوم نفتقد فيه تنوع تلك المنطقة إلى الأبد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع