يأتي هذا التقرير كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"،
والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.
قبل الزواج، خططت نبيلة يوسف وشريكها لتأسيس عائلة مكونة من "أربعة أطفال على القليلة" لأنه "المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والولاد هن أجمل شي بالدنيا" و"تا نصير عيلة". لكن "وضع كل شي" في لبنان أجبرهما على تغيير خططهما والاكتفاء بطفلين أنجباهما قبل أن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلد.
تقول نبيلة (38 عاماً)، التي تعيش في قرية بشامون بمحافظة جبل لبنان، لرصيف22: "جبنا صبي وبنت وبصراحة معاش فكرنا نجيب ولد تالت لأن إذا بدنا نجيب ولد تالت بدنا نفكر فيه وبحياته في الوضع المضطرب اللي عايشين فيه"، مشيرةً إلى النقص الشديد في حليب الرضع وأدوية الأطفال في لبنان.
كما تلفت إلى أن تنشئة طفل "بدها إشيا كتيرة" صارت باهظة الثمن أو غير متوفرة في لبنان، بما في ذلك الرفاهية والتعليم والصحة. وتضيف: "إذا الوقت الحالي أنا قادرة أعيش اتنين (طفلين) بهالوضع يلي لبنان فيه، أما تا أعيش ثلاث ولاد مستحيل"، مؤكدةً أنها حزينة لعدم إنجاب المزيد من الأطفال.
على وقع أزمة اقتصادية هي الأعنف في تاريخ لبنان الحديث، لجأت أسر لبنانية إلى تقليص عدد الأبناء أو إرجاء الإنجاب، تفادياً لنفقات لا تقوى على تأمينها ومستقبل غير واضح المعالم.
معدل مواليد هو الأقل في تاريخه والتعويض السكاني في أدنى مستوياته… لبنانيون يلجأون إلى تأخير الإنجاب أو خفض عدد الأبناء بسبب الظروف الاقتصادية، والتركيبة السكانية مهددة بالشيخوخة. هل من حلول؟
أسهم ذلك في تراجع معدل المواليد/ الإنجاب في لبنان خلال العام 2021 إلى 1.6، وحتّى 1.2 في تقديرات أخرى، وهو الأقل في تاريخ البلد ويُعتقد بأنه من بين الأقل في الدول العربية. علماً أنه حتى عام 2020، ووفق بيانات مجموعة البنك الدولي، كان معدل الخصوبة الإجمالي (عدد الولادات لكل امرأة) في لبنان ما يزال 2.1.
لكن تراجع أعداد المواليد، على ما يبدو، ليس حديثاً بل بدأ مع تدهور الأوضاع الاقتصادية السياسية في عام 2019 إذ شهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة انخفاضاً ملحوظاً في المواليد في لبنان، وفق الأرقام الرسمية الصادرة عن المديرية العامة للأحوال الشخصية.
سُجل في العام 2019 ميلاد 86.584 شخصا،، وتقلّص العدد في 2020 إلى 74.049، ثم لم يتخط 68.130 ولادة في 2021.
لبنان يتجه إلى الشيخوخة؟
تقليص عدد الأبناء قد لا يُعد مشكلةً في ذاته. لكن في بلد مثل لبنان، حيث يسعى العدد الأكبر من الشباب إلى الهجرة بحثاً عن مستقبل أفضل وعمل مستقر، قد يهدد ذلك بما يُعرف بـ"شيخوخة المجتمع" أي زيادة السكان من كبار السن مقابل الأطفال والشباب.
تنشئة طفل "بدها إشيا كتيرة" صارت باهظة الثمن أو غير متوفرة في لبنان… أسر لبنانية تضطر إلى تقليص عدد الأبناء أو إرجاء الإنجاب، تفادياً لنفقات لا تقوى على تأمينها ومستقبل غير واضح المعالم
بالنظر إلى معدل الوفيات الآخذ في الزيادة في الأعوام الثلاثة الأخيرة تبدو المشكلة أكثر تعقيداً. بلغ عدد الوفيات 26.344 في 2019، مقابل 28.637 في 2020، و34.725 في 2021.
عن ذلك، يقول لرصيف22 الدكتور فيصل القاق، اختصاصي طب النساء في الجامعة الأمريكية ببيروت ورئيس مجموعة صحة المرأة العربية: "نلمس في عملنا بالعيادات أن الناس يتجهون إلى تأجيل الزواج والإنجاب. والآن، أصبح معدل الخصوبة الكلي في لبنان من بين الأدنى في العالم العربي، نحو 1.2، يزيد قليلاً في بعض المراجع. يعني هذا أن تعويض الوفيات يكون قليلاً جداً وغير كافٍ.
معدل الخصوبة الخام أيضاً، نحو 18/ 1000، هو معدل متدنٍ نسبياً إذا ما نظرنا إلى تطور السكان لناحية العدد".
يعتبر د. القاق أنه مع الوضع بالاعتبار ظروف لبنان "الخاصة" المتعلقة بالحال الاقتصادي والمالي ومعدلات الهجرة الكبيرة التي أثّرت على الأسر اللبنانية والمقبلين على الزواج على نحو خاص، ودفعتهم إلى تأخير الإنجاب إلى أن تتحسن الأوضاع، يُخشى أن "التعويض السكاني" - تعويض من رحلوا بالهجرة أو الوفاة - في أدنى مستوياته وقد يتأثر بدرجة "خطيرة".
ويضيف: "إذا نظرنا إلى الهرم السكاني في لبنان، بالطبع هناك ميل إلى شيخوخة السكان. لكن هذا أمر يلزمه وقت طويل حتى يتحول إلى واقع ملموس. لكن مع هجرة الشباب وزيادة الوفيات، من المنطقي توقع ارتفاع معدلات الأعمار وزيادة نسبة السكان من الفئة العمرية 65 عاماً فأكثر".
وينبه د. القاق إلى أن شيخوخة السكان تترتب عليها أعباء اقتصادية مثل التأمين الصحي والاجتماعي بالإمكان تفاديها بمنح الاهتمام اللازم لموازنة التركيبة السكانية، متحسراً على أن "أولوياتنا لمطارح تانية".
خفض عدد الأبناء قد لا يُعد مشكلةً في ذاته. لكن في بلد مثل لبنان، يسعى العدد الأكبر من الشباب إلى الهجرة بحثاً عن مستقبل أفضل، وبالنظر إلى معدل الوفيات الآخذ في الزيادة يصبح الأمر أكثر تعقيداً
كيف يحمي لبنان تركيبته السكانية؟
إلى ذلك، يُصبح السؤال الحيوي هنا: كيف من الممكن أن يتدارك لبنان الأمر ويحمي تركيبته السكانية متجانسة، أو ما الذي ينبغي أن تفعله الحكومة اللبنانية لأجل ذلك؟
برأي د. القاق، الخطوة الأولى التي يجدر بلبنان من خلال مؤسساته وقطاعاته اتخاذها هي اعتبار الموضوع السكاني ومسألة الخصوبة الكلية أولوية للدولة".
ومن الحلول المبدئية التي يطرحها لاستيلاد ظروف اقتصادية واجتماعية ملائمة للزواج، مثل توفير القروض السكنية الميسرة، وضبط الأسعار، وتوفير الوظائف وما شابه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين